إن الحوار ظاهرة صحية في المجتمع، وركيزة أي طرح فكري أو مشروع ثقافي، لأنه يثري النقاش، ويفتح المجال للآراء والحلول المختلفة، ولاسيما إزاء الرأي المخالف.. إلا أن البعض لا يقبل الرأي الآخر ولا يحترمه ويجعل ذلك فرصة للتباهي والسيطرة، وهذا يعود إلى بنيتهم الفكرية والثقافية التي لا تسمح بالفكر المخالف لرؤيتها والمتعارض مع وجهتها.. وهذا النمط من الرأي الأحادي حتى وإن كانت تتميز به فئة معينة فهو جزء من تركيبة المجتمع الواحد وثقافته ويؤثر في سلوكه.. وإذا تأملنا منهجهم في الطرح والحوار نجد أن التحاور لدى الواحد منهم يتحول إلى شجار مصحوب بقدر من التشنج والعصبية والتلويح بالأيدي مع الانفعال الشديد والسخط.. وكلها سلوكيات مطلوبة لديهم للانتصار في معركة الحوار!! وهذا النوع من السلوكيات للأسف تزخر به شريحة ليست بقليلة من المجتمع العربي، لذا نلمح فقدان روح المبادرة والإحباط وسوء التواصل بين المواطنين بعضهم ببعض من جهة، وبين المواطنين والمؤسسات التعليمية والاجتماعية من جهة أخرى... فتتخذ أشكالاً مثل السخرية والازدراء والاستخفاف تجاه الرأي الآخر المخالف.. ولأن الخلاف شيء طبيعي ووارد في كثير من المواقف، فلابد في هذه الحالة من الحكمة في إدارة الخلاف للمحافظة على العلاقات، وذلك بالانسحاب المعنوي وتجنب المواقف الخلافية، ولاسيما إذا كان موضوع الخلاف أمراً تافهاً، مع اللجوء إلى الحل الوسط والتقريب بين وجهات النظر حتى ولو لم تصل إلى الاتفاق.. لأنه ليس مهما بل المهم هو تفهم مشاعر الطرف الآخر والاعتراف به والإصغاء له حتى النهاية، والأخذ بالجدل المؤدي إلى نمو الحقيقة وتبصر الأمور وبناء إيجابيات الموضوع لأن الجدل ينمو في تربة صالحة من احترام الطرف الآخر وأدب الإصغاء والحرص عن الرضا النسبي (لأن رضاء الناس غاية لا تدرك) للطرفين للراحة النفسية.. ولابد من تجنب الحدة في الجدل لأنها تولد حرارة لا يصحبها نور.. وما دخل اثنان في جدل إلا وظل كل منهما متصلباً برأيه.. ولا يمكن أن يكون هناك فوز في الجدل لكلا الطرفين، ذلك أن الرابح الذي أثبت صحة رأيه وخطأ الآخر ماذا سيجني؟ نعم سترتاح ذاته ويحس بالانتصار.. ولكن ماذا عساه أن يحس الطرف الخاسر أو الصامت؟ لقد قلل من شأنه وحط من قيمته.. فهل سيذعن له فينصبه تاجاً على رأسه!! هل سترتفع مكانته لديه ويحترم شخصيته؟؟ طبعاً لا... إذن الخسارة نصيب طرفيّ حدة الجدل... إن التعامل مع الآخر مسؤولية تحتاج إلى عناصر أساسية لإنمائها.. ومنها: - عدم الانشغال بتعديل سلوك الآخرين دون الالتفات إلى الذات التي تملك مجال السيطرة. - المصارحة بهدوء ووضع النقاط على الحروف، ويجب أن يشعر الزميل والرئيس والمرؤوس بقوتك الداخلية فيحسب حسابا لمواجهتك، ولكن إذا ارتكبت خطأ عليك الاعتراف به. - دعم العلاقة بالمشاركة الإيجابية بتقدير الطرف الآخر والاعتراف بمساهماته. - الالتزام بأدب الإصغاء بكل صدق. - اختيار البدايات الإيجابية لبحث أي مشكلة حسياً ومعنوياً. - الاحترام المتبادل الذي يجب أن يسود جميع المؤسسات التعليمية والاجتماعية والأسرية، ولا سيما الأبناء فهم ليسوا عبيداً طالما تتوفر لديهم قابلية النمو المعرفي. - فهم احتياجات كل طرف وإرضائها بقدر الإمكان. - العطاء المجرد من المصالح الشخصية. - وجود وسائل الاتصال حسب ما تقتضيه البيئة والظروف المتاحة. - حفظ حرية الآخرين في اختيار أسلوب حياتهم، لأن فرض الآراء يؤدي إلى نتائج سلبية من العنف والإحباط، وأما الديمقراطية في التعامل والدبلوماسية في التعديل والتوجيه تولد التعاون والسلام مع الذات والآخرين. إذن هنا لابد من العدالة والموازنة بين الذاتية وبين تقبل واحترام الرأي الآخر أو بالأحرى المخالف في مساحة تسمح بالتفاعل وتبادل الحوار بين الطرفين دون الوصول إلى الجدل الحاد. - فقبول الحوار لابد أن يكون كما هو وليس كما يُراد له أن يكون.....
|