تعد حرب محمد علي في شبه الجزيرة العربية التي أطاحت في فصلها الأخير بنفوذ وهيمنة الدولة السعودية الأولى حرباً ضروساً، وظف لها محمد علي كل طاقاته وأساليبه السياسية والعسكرية رغبة منه في سحق الدولة التي قهرت السلطان العثماني. (لقد كان يعلم علم اليقين أي أهمية يكتسب نجاح تلك الحرب لتعزيز سلطته لم يكن يستطيع وقد بلغت قوته أوجها أن يحتفظ بمكانة إلا إذا حاز على رضا الباب العالي). والسابق قول فيلكس مانجان. عندما يتحدث مانجان عن حرب محمد علي في شبه الجزيرة العربية كان وهو يتابع خط وتحرك الحملة يتنقل في مسرح الحدث وينقل تفاصيله حتى لتشعر وأنت تقرأ أنك تعايش المرحلة.. ولعلي هنا أسجل ما أشعر به عندما أقرأ لأي مؤلف أجنبي ويبدو أن هذه خاصية في كتاباتهم إذ تغوص في أعماق الحدث من خلال دقة الصياغة بأسلوب متمكن هو أبعد عن الإسهاب الممل وبوصف شيق وعبارات موجزة. نعود لمانجان الذي كتب عن حرب الجزيرة العربية بعين لاقطة في مصر، وعين لاقطة أخرى في شبه الجزيرة، وكان يتنقل بين المكانين بروح المتمرس ليتحدث عن فعل ورد فعل والعكس. وفي الكتاب تفاصيل صغيرة تخفي وراءها تفاصيل أكبر لمن يريد الوقوف عندها، كما أن هناك تفاصيل أخرى لشخصيات مهمة تعكس شيئاً من سيرتهم وحياتهم والنماذج كثيرة في الكتاب لكنني أورد هنا لضيق الحيز بعضاً منها على سبيل الاستدلال. (تزوج سعود بن عبد العزيز أربع نساء أنجبن له أحد عشر ولداً من الذكور أكبرهم جميعاً عبد الله الذي خلفه في الملك). وفي حديث عن شقراء يقول مانجان ما نصه: (لما استولى إبراهيم باشا بعد زمن على الدرعية هدم حصون شقراء وردم خنادقها وتضم شقراء عدداً من المساجد، وتكاد شوارعها كلها تكون مزينة بالأقواس، وكانت تعد من أقوى المواقع في بلاد نجد كلها. وتزوج عبد الله بن سعود إحدى أخوات أمير شقراء. إن سكان شقراء هم في الأعم الأغلب كرماء يحبون الأجانب أما النساء فهن بارعات الجمال.. ونجد فيها كثيراً من الذين طعنوا في السن بفضل طقسها الصحي واعتدال الجو فيها وكان فيها امرأة بلغت 117 سنة كانت صحتها جيدة ولم تكد تفقد شيئاً من شعرها وحسن نطقها وعذوبة لفظها إلا أنها كانت تسير على قدميها ويديها). وخلال حصار الدرعية: (وفي اليوم التالي علم عبد الله بن سعود بغياب إبراهيم باشا عن معسكره فأمر قواته بشن هجوم على طول خط المواجهة مع المحاصرين واستمرت المعركة طويلاً، واستمر إطلاق نيران البنادق والمدافع عدة ساعات، كان الحر شديداً، وكنا نرى النساء السعوديات وهن يحملن جراراً مملوءة بالماء يقتحمن خط النار لإيصال الماء إلى المحاربين). ويرد نص عن إبراهيم باشا فيه تبرير إنساني لعمل غير إنساني بل هو عمل شائن والنص لا يحتاج إلى تعليق فكيف يهدم البيت ويطلب من أصحابه الخروج: (وأجبر الناس على الخروج من المدينة لكي لا تقع المنازل على رؤوسهم .. فما إن تخرج أسرة من منزلها حتى يبادر الجنود إلى إحراقه غير عابئين إذا كان البيت المجاور خالياً أم لا). إن هذا الكتاب بما يحمله من صور مشوقة أحياناً ومعلومات جديدة لفترة ما زلنا نحتاج إلى معلومات ومصادر عنها يعد من الأعمال الطيبة وإن كان يحتوي على أخطاء أو تجاوزات فيمكن مناقشتها وتوضيحها، لكن يظل العمل من الأعمال الجيدة، وقد أحسن الأستاذ الدكتور محمد خير محمود البقاعي عندما قام بترجمته ووفق في تقديمه بأسلوب ناصع وعبارات متقنة وقدم لنا ترجمة مثالية نحتاج إليها في كثير من الأعمال الأخرى. ولا شك أنه يحمد لدارة الملك عبد العزيز نشر مثل هذا الكتاب.
|