جلَّ المصابُ وحار الحاذق الفَهِمُ
واستوحش اليافع الشديد والهرِمُ
ينعون للدار أمْنها وزينتَها
والدين في سعة والشمل ملتئمُ
توقَّدتْ في السنين الغُبْر فطنتُه
والغُبْر من وهجه كأنها حِمَمُ
هانت لغايته الكبرى محاذرُهُ
تنتابه - بالرضا - الأوجاعُ والألم
عزم الشباب تبدَّى في كهولته
وفي حداثته التجريبُ مضطرم
باهى بك المتباينان فاتَّسقا
الحلم حيناً وحيناً يَعْذُب الغَشَمُ
يا للنقيضين في خيريهما اجتمعا
حتى تألَّق من وهج الصبى قِدَمُ
حليفك الصَّلْبُ عند كلِّ نازلة
شعواءَ تنهال من جرَّائها همم
دين وعقل ووجدان تترجمه
بالحب والشكر من عِرْفانها أُمم
عقدتَ بالصفح في شحنائهمْ هُدناً
حتى تصافت قلوب واستوت ذمم
ذِكراك والمنقِذات الغُرَّ في قَرَنٍ
إذا تفاقم خطب والتقت زِيَمُ
جنَّبتنا الخطبَ والأقدارُ محدقة
بالرأي تفري وبالأناة تعتصم
وَعُدْتَ للجارة الصغرى بمأمنها
بعد المآتم لما استحكمتْ نِقَمُ
إن شحَّ دمعي فقد سال الفؤادُ شجىً
كما تدفق من يمينك الكرم
يمناك مُنْعِمة ودعْ مُنَعَّمة
تأسو الجراح وفيها العدل ينتقم
ثقيل روزٍ ومحض الرأي مركبه
راسٍ وقد زلَّ بالمستعجل القدم
يروض من جامح الهوى بوائقَه
وجامح المسرجات عاظه لُجُمُ
يُحيل قلبي سُلُوّاً كل آونة
يلوح عند يدِيْ إفضالك العَمَمُ
لي من شمائلك البيضاءِ مُتَّسعٌ
تتيه فيه القوافي ثم تزدحم
لا أستعير القصيد وهي ملهمتي
ولا يجفُّ بنبع لحنيَ النَّغَمُ (1)
وجلَّ قدرُ نداك أن يضيق فمي
بالمنطق العذب أو يصيبه بكمُ
نرعى بظلك إحساناً ومرحمة
لا نشتكي الغبن أو ينتابنا عدم
للحب في ثغره تنفُّسٌّ أرِجٌ
كما تنفَّس روضٌ إذْ غشا العَتَم
يضيء كالبدر يغتال الدُّجَى غَلَباً
لكنه دائم والبدر يُخترم
والبحر وحْشٌ وذو ملوحةٍ كدِرٌ
كالغاب تُلْفي به الضعيفَ يُلْتهم
لربما هاج بعد الصفوِ ملتطماً
وفيكَ هَيْجَتُهُ إن حان مُصْطدم
وأنت عذبٌ أنيسٌ ناصعُ الشيمِ
يرعى بساحتك السِّرحان والنَّعَمُ
بالدمعِ عابوا هُتونَ صيِّب السُّحبِ
لما رأوك نديَّ الكفِّ تبتسم
أثقلتَ بالبر ميزاناً ومُدَّخراً
وحزتَ أفئدةً بالودِّ تتَّسم
يُبْدون بالحب نَزْراً من مشاعرهم
وفي الحنايا مَكينُ الحب مكتتم
فاسْعَدْ بدار البقاء كلنا أمل
أن الشفيع غداً رُحْماك والرَّحِمُ
ميراثك الدين إيماناً وتضحية
إن قيل : ذاك الزعيم ليس يُتَّهم
نال الفخارَ ببدرانٍ فلا عجبٌ
إن الخؤولة بالأعراق تلتحم
ومُقْرِنُ الشهم في أغصانه حَسبٌ
إن الزعامة من مرخان تُقتسم
يفترُّ ثغراً إذا آباؤه ذكروا
كأن كلَّ فخارٍ في فعالهمُ
أرى علوَّ السنام للجمال حُلىً
وسالفَ العِزِّ مقروناً به الشمم
ما أكثر الزعماءَ ما بهمْ عِلَلٌ
وفيك ميزاتهمْ فَتُخْتَمُ القِمم
إلا النبيين والعُبَّادَ صحبَهمُ
فمن سباقٍ إليهم تُحتذى الشِّيَم
وإرْثُ عبدالعزيز فيك محتِدُهُ
فكم به تصعد الذُّرا وتستنمُ (2)
وللإله غيوب أمرها عَجَبٌ
إن عزَّ مستفزَع أو خيَّمتْ ظُلَمُ
فصلب عبدالعزيز مخصب غَدِقٌ
أَسْمِعْ بأحفاده أبْصِرْ بِنَجْبِهمُ
سمَّاه فهداً وللفهود وثبتها
لكنْ وثوب الليوث بعده لَمَمُ
نستلهم الصبر كي نصحو على أملٍ
له أبو متعبٍ يسعى ويلتزم
فامزجْ بلطفِك شِدَّةً تَرُعْ سُفَلاً
حتى تكعَّ عن الحمى ويَخْمُدَ الضَّرمُ
وَجُدْ عليهم بآجالٍ مُحَتَّمةٍ
من نسجها يكتسي القرطاس والخذِم (3)
إن ابن آوى وضبْعٌ يفرس الجِيفا (4)
يستأسدان إذا ما أقفرتْ أُجُمُ
تدعو إلى النصح والدعاء مبتهلاً
وأنت في حَلْبة التجريب تقتحم
قابلتَ بيعتهم بالوعد عن حَدَبٍ
لو كان حِلْفاً وفَى ولم يَخِسْ قَسَمُ
إن البطانة للشورى لمتَّكَأٌ
فاختر لها كلَّ من بالدين يلتزم
يا خادم الحرمين جلَّ من شرف
يهفو له طائف للركن يستلم
إن مات فهد فقد أبقى لنا لقباً
مضمونه البَرُّ أن تُستلهم القِيَمُ
وأن للحرمين الحقَّ مرتسِمٌ
فكلُّ ذي بيعةٍ من أجلهِ خدمُ
وأن يُشاع كلامُ اللهِ في حُلَلٍ
تُغْري فلا يَعْتري سهوٌ ولا سأم
فذاك دستورنا ونبْضُ قوتنا
من هديه نهتدي دوماً ونحتكم
بُشْرى لزوَّار دار المصطفى أُنُفاً
وللحجيج وما يضمُّهُ الحرم
آل السعود حماتُه بلا وهنٍ
لهم سدانته وفيه فخرهمُ
مرَّتْ قرونٌ طوالٌ رِيعَ آمنه
يشكو الحجيجُ ولاتَهُ وما اجترموا
وغصَّ بالظلم شوقي وارتوى ألماً
يرنو لعبد الحميد الشهم ينتقمُ :
(إن الذين تولوا أمرها ظلموا
والظلم تصحبه الأهوال والظُّلَمُ
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة
تُسبى النساءُ ويؤذى الأهل والحشم
ويُسفَكُ الدَّمُ في أرض مقدسة
وتُستباح بها الأعراضُ والحُرَم
لا تَرْجُ فيهِ وقاراً للرسول فما
بين البغاة وبين المصطفى رحم)(5)
رضيتُ قافيتي بضمِّ ودِّهمُ
والرفع فحوى لها يحلو بها الكَلِمُ