لا أستطيع أن أصف لكم شعوري وأنا أتعرف أكثر على (صاحبة الحرير الأخضر) كنت أسمع عنها وكنت أحبها... نعم أحبها من سويداء قلبي ولكني اليوم ازداد لها حباً... وازداد أسى وحزناً لحال هؤلاء النسوة اللاتي ما عرفنها ولا تعرفنا عليها.. من منكن تعرفها..؟ الجواب لا أحد يعرفها حق المعرفة.. ولكن بالتأكيد الكثير منكن يعرف (...) نجمة المسرح ويعرف (....) جميلة الكون، والكثير منكن يعرف السيرة الذاتية للممثلة (...) ومن كان أول زوج لها ومتى أنجبت طفلها الأول وما قصة انفصالها وزواجها الثاني!! هل تردن اليوم التعرف على (صاحبة الحرير الأخضر)؟ لا من أجل المعرفة فقط ولكن من أجل الاقتداء.. من أجل التعلم من أكبر معلمة يمكن لامرأة أن تتعلم منها. *** مع الدكتور عبد الرحمن العشماوي نتعرف عن قرب على (صاحبة الحرير الأخضر) تلك المرأة القدوة.. في التقوى.. في الفصاحة.. في البلاغة.. في قدرتها العجيبة على انتقاء العبارة واتقان التصوير الفني للموقف ووضع الشاهد في موضعه الصحيح وثقة كبيرة في التعامل مع اللغة. يطوف بنا مؤلف (صاحبة الحرير الأخضر) في أروقة العلم والثقافة الشاملة مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. إنها (صاحبة الحرير الأخضر) أما لماذا هذه التسمية، فعن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام جاء بصورتها في خرقة حرير أخضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. وفي رواية أخرى: أن جبريل عليه السلام عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم صورة عائشة في سِرقة حرير في المنام لما توفيت خديجة. عرفتم إذاً من هي صاحبة الحرير الأخضر.. إنها أفضل نساء الأرض قاطبة.. إنها زوج خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، التي زوجها الحق تبارك وتعالى نبيه عليه السلام فنهلت منذ نشأتها من النبع الصافي المتدفق من مشكاة النبوة علماً وأدباً وتقوى لله سبحانه وتعالى. (صاحبة الحرير الأخضر) التي كان رسول الله يسر بها وببلاغتها وإدراكها وكان يحبها حباً شديداً. من لطيف ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله وكنت أغزل قالت فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل جبينه يعرق فقلت: يا رسول الله نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نوراً فلو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره قال: وما يقول يا عائشة أبوكبير الهذلي؟ فقلت يقول:
ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت بروق العارض المتهلل |
قالت: فوضع ما كان في يده، وقام إليَّ فقبَّل ما بين عيني وقال: جزاك الله يا عائشة خيراً، ما سررت مني كسروري منك. هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر من قول عائشة رضي الله عنها المرأة الصغيرة التي لا تزال في سن ما يعرف اليوم بسن المراهقة، التي للأسف تعيشها فتياتنا عابثات لاهيات سادرات في لا شيء. ولكن عائشة في هذه المرحلة كانت أكثر حفظاً وأكثر حرصاً على التزود من علم هو خير زاد يتزود به أنه علم الوحي الذي كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. عائشة رضي الله عنها تعد من حفاظ الشعر العربي. يقول عنها ابن أختها عروة بن الزبير رضي الله عنهم: (ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها). صاحبة الحرير الأخضر هي القائلة: (رووا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم). (صاحبة الحرير الأخضر) هي التي يقول عنها المقداد بن الأسود: (ما كنت أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بشعر ولا فريضة من عائشة رضي الله عنها). (صاحبة الحرير الأخضر) هي التي تقول فيما رواه عنها أبو مليكة رحم الله لبيدا كان يقول:
قض اللبانة لا أبلك واذهب والحق بأسرتك الكرام الغيب ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
ثم تقول: (إني لأروي ألف بيت للبيد، وإنه أقل ما أروي لغيره). ترسم لنا (صاحبة الحرير الأخضر) لوحة لواحدة من حالات المهاجرين، تقرب إلينا الصورة فتقول: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبوبكر وبلال فكان أبوبكر إذا أخذته الحمى قال:
كل امرئ مصبح في رحله والموت أدنى من شراك نعله |
وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى رفع إحدى رجليه على الأخرى ثم قال:
ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة بواد وحولي اذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبددن لي شامة وطفيل |
يقول: (اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف، كما أخرجونا من الأرض الصحيحة إلى أرض الوباء، والوجع، فبلغ رسول الله ذلك فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك في صاعها ومدها، وأنقل حماها وأجعلها في الجحفة). هذه هي صاحبة الحرير الأخضر.. تنقل لنا هذه الصورة بهذه الدقة لأدق التفاصيل بما فيها من شواهد شعرية وحالات جسدية لبلال رضي الله عنه وهو يحس بشيء من العافية فيستذكر، ويقول ويتمنى وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشعر حال أصحابه ويدعو الله.. تنقل ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها في أجمل صورة وأدق عبارة. ويستمر الدكتور عبد الرحمن العشماوي في تعريفنا بأمنا عائشة رضي الله تعالى عنها صاحبة الحرير الأخضر.. ومدى غزارة علمها في صنوف عديدة من فقه ولغة وشعر وفرائض وبلاغة وعلوم أخرى حوتها ذاكرتها ووعاها عقلها الناضج وقلبها المملوء حباً لله ولرسوله عليه أفضل الصلاة والسلام. كيف لا وهي أقرب الأقربين إلى من يتلقى الوحي صباحاً ومساءً من رب العالمين تبارك وتعالى ليضيء للعالمين دروب الخير والصلاح وأي علم وأي بلاغة أبلغ من القرآن الكريم. هذا الكتاب الذي أنزل على سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصاحبة الحرير الأخضر أحب نسائه إليه عليه السلام.. وصاحبة الحرير الأخضر آخر من نظر إليها يوم رحيله بل آخر من استطعم ريقها يوم أشار إليها عليه الصلاة والسلام بأن تلين له السواك وهو يحتضر بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة والسلام. وأنت.. وأنتِ تقرؤون هذا الكتاب (صاحبة الحرير الأخضر) لا بد أن تذرفوا دمعاً ليس بعزيز على (صاحبة الحرير الأخضر) وقصتها مع حديث الإفك.. هذه القصة التي لا بد لأي محب لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولزوجه (صاحبة الحرير الأخضر) أن يقشعر شعر جلده وتذرف عينه بحرارة.. قولا في امرأة هي أطهر نساء العالم وزوج أتقى عباد الله له رضي الله تعالى عنها وأرضاه وجمعنا بها في مقعد صدق عند مليك مقتدر. أما بعد: من منا سعى إلى أن تكون زوجته أو ابنته جميلة في منطقها.. جميلة في ثقافتها.. جميلة في التزامها.. جميلة في استشعارها مسؤوليتها كامرأة مسلمة لها في (صاحبة الحرير الأخضر) قدوة؟ لا أنكر أن الجميل من الملبس والزكي من العطور من متطلبات المراة ولكن أجزم بأن جمال المنطق وجمال الأخلاق والالتزام بآداب الإسلام شيء أساسي وهو قوام حياة أي امرأة أو رجل. فهل تولي نساؤنا وفتياتنا هذا الجانب اهتمامهن؟ وبعد: اقرئي أيتها المرأة كتاب (صاحبة الحرير الأخضر) وإذا لم يحدث لديك تغير فأعيدي تكوين نفسك فلديك خلل.
|