كتبت في الأسبوع الماضي عن صعوبة وضع حد لتدفق المعلومات والتي تجعل من حقيقة القول بأن التاريخ -تاريخ المملكة العربية السعودية كنموذج للتاريخ الإنساني- أصبح معروفاً، والمعلومات عنه نهائية لا تقبل الجدل أو التراجع أو التصحيح أو حتى الإضافة. وأوضحت أن الصعوبة تكمن في مخزون المعلومات الذي يتدفق بشكل مطرد عبر وسائل أو مصادر عدة منها: الكتب المدونة بلغات مختلفة عن المملكة، ومن أهمها كتب الرحالة الغربيين والمبعوثين الأجانب. ومن الكتب التي تصنف ضمن هذا النموذج كتاب (تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية من كتاب تاريخ مصر في عهد محمد علي.. عرض الحوادث التاريخية والعسكرية منذ جلاء الفرنسيين حتى عام 1823م)، تأليف فيلكس مانجان. وترجمة الأستاذ الدكتور محمد خير محمود البقاعي الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز تحت رقم (153) في سنة 1426هـ. ونظراً لأهمية الكتاب، ولأنه يقدم انموذجاً لما تحتوي عليه المصادر الأجنبية من معلومات فإنني أقف عند مقدمة المترجم والذي ذكر ما نصه: (اشترك مانجان في بعض الحوادث التي دونها في كتابه، وكتابه من هذه الوجهة له قيمة كبيرة، فهو من أهم مراجع تلك الحقبة من الزمن. وقد أصبح الكتاب مورداً نهل منه كثير ممن ألفوا في تاريخ مصر، وتاريخ الدولة السعودية الأولى، واستفاد منه الجغرافيون، وغيرهم من المعنيين ببلاد نجد وبتاريخ الدعوة (الوهابية) الإصلاحية). ويوضح المترجم مدى استفادة من كتبوا عن نجد تحديداً من المؤرخين من الكتاب بالقول: (وقد بنى اثنان من المؤرخين كتابيهما عن كتاب مانجان وأعني الدكتور العجلاني في كتابه: تاريخ البلاد العربية السعودية.. وأمين الريحاني في كتابه: نجد وملحقاتها). ومعلومات مانجان ذات قيمة كبيرة لأنه استقاها من مصدر أو مصادر لم تتوافر لغيره أو أن غيره لم يحرص عليها كحرصه، من ذلك ما يشير إليه المترجم على سبيل المثال عن حديثه عن الدرعية فهو يقول انه: (حديث يقوم على معرفة استقاها من الشيخ عبد الرحمن حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله يقول: (تضم الدرعية خمس مدن صغيرة) يحيط بكل واحدة منها سور تتخلله على مسافات متقاربة حصون دفاعية متينة، ناهيك عن حصن منيع يحمي حي غصيبه، وحي الطريف أيضاً اللذين يقعان بالقرب من أحد الجبال. كان عبد الله بن سعود يسكن الطريف. أما حي السهل فلم يكن يفصله عن الطريق الا مجرى السيل المسمى الباطن. ويمتد حي القصيرين وسط البساتين وليس لسكانه أي موقع دفاعي، لذلك هجروا حيهم منذ بداية الحصار إلى الأحياء الأخرى للمدينة). إن كتاب مانجان يعد شاهداً على حقبة من تاريخ نجد، وهذا ما ذكره المترجم بقوله: (إن ما يورده مانجان عن جوانب (الحياة) النجدية كلها، والاحصاءات التي ذكرها عن عدد السكان وكميات المحاصيل والعادات والتقاليد، يجعل من كتابه شاهداً على حقبة تاريخية التفتت التواريخ المحلية إلى تسجيل احداثها السياسية والعسكرية والدينية ولم تلتفت إلى حياة الناس وطبيعة المنطقة التي يعيشون فيها، وهذا ما يجعل لكتاب مانجان مكانة مميزة في تاريخ قلب الجزيرة العربية). وتظهر مقدمة المترجم أهمية هذا الكتاب الذي سوف يستفيد منه كثير من الباحثين والدارسين نظراً لأن معلوماته فيها شيء من الاختلاف، وفيها اضافات جديدة، وذلك ما سأعرض له في الحلقة القادمة حيث أشير إلى أهمية هذا المصدر من خلال جملة من النصوص التي سوف أبرزها.
|