قد يخطر على بال الإنسان أو يلح عليه تساؤل: أين نحن من هذا العالم؟ وهذا التساؤل أولاً يعكس نفسية وعقلية متطلعة، وثانياً هو وقوف على حقيقة الوزن الذي تحمله دولته والذي لا يقاس بالكيلو غرامات بل بالإمكانات والقدرات. وإذا كانت الشدائد تكشف عن معادن الرجال كما يقال، فإن الأحداث التي تمر بالعالم في مختلف مشاهدها تكشف عن معادن الدول وأوزانها. ومن هنا فمن المتوقع أن كثيراً منا قد شاهد خلال الأيام الماضية ما لفت نظره إلى كثير من المواقف والمشاهد خلال عملية النعي والمواساة بوفاة فقيد الأمة الملك فهد أو من خلال عملية المبايعة للملك عبد الله وسمو الأمير سلطان ولياً للعهد، سواء أكان ذلك من خلال مواطني مجتمعنا السعودي أو من خلال مشاعر أبناء البلاد العربية والإسلامية ومختلف الشعوب العالمية. إن هذه المشاهد وهذا التعبير هو حالة في تقديرنا متفردة وخاصة بوطن الرسالة المملكة العربية السعودية، ولا أظن أن ذلك حدث أو يحدث بهذه الضخامة إلا لأن الوطن السعودي يحتل من المكانة ما عكسته حقيقة مشاعر العالم وقنواته الفضائية وصحفه ومجلاته ومختلف رجالاته. إن هذه الصور والمعاني التي لا حدّ لأبعادها سواء على السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع تدحر أي مشكك في مكانة وقدرة المملكة على تجاوز أزماتها بكل حكمة وثبات. وهي أيضاً تعبير عن مدى تضامن وتكاتف الشعب السعودي مع حكومته وولاة أمره. وكذلك تعكس وتكشف عن معدن الشعب السعودي واصالته وتحمله للمسؤولية بما يجسده من مشاعر الحب والولاء للقيادة الراحلة والقادمة، إذ الصغير والكبير في كل مدينة ومحافظة ومركز وهجرة خرج ليؤكد هذا المعنى أمام ولاته. ومن الصعوبة بمكان وفي هذا الحيز الذي لا يتسع لمآثر هذه البلاد أن يرصد الانسان ما قاله رؤساء العالم ودبلوماسيوه ومفكروه عن مكانة المملكة وإمكاناتها وحكمة قيادتها، ولعله يكفي أن نشير إلى ما صدر مؤخراً على لسان مسؤولين أمريكيين ونشرته الصحيفة الأكثر أهمية في الولايات المتحدة الأمريكية اثر زيارة وفد رفيع المستوى لكبار مسؤولي أمريكا إلى السعودية (ان المملكة تتبوأ مكانة مرموقة وكبيرة بكل المقاييس ولا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الاستغناء عن هذه الدولة المهمة ولا معاداتها بأي حال من الأحوال): (نيويورك تايمز). كما يؤكد المسؤولون الأمريكيون بأن المملكة تتمتع بنفوذ مؤثر وكبير بفضل الاستقرار السياسي والأمني وحكمة وعقلانية المسؤولين والقيادة السعودية. وإذا كانت هذه كلمات أقوى دولة في العالم المعاصر عن المملكة فكيف بغيرها!! وقد قدر لي أن أكون في أجواء الصين وماليزيا أثناء الإعلان عن وفاة المغفور له بإذن الله الملك فهد، قرأت وسمعت وتحدثت مع جنسيات مختلفة فلقيت منهم الاحترام من جهة للمملكة والحزن على فقيد التاريخ الملك فهد، وكل ذلك تشهده أيضاً مقدمات شاشات الأخبار التلفزيونية في الأخبار وصفحات الصحف والجرائد السيارة في العالم. إنه إن قيل من حساد الناس ومتطرفيهم بأن المملكة تمتلك عدداً من القنوات والصحف ولذلك فلن تتحدث إلا بما تحب، فإن هذا حقها ومن حقها.. لكنها لا تمتلك قنوات السي إن إن (CNN) ولا ال بي بي سي (BBC) ولا سي بي أس (CBS) ولا إي بي سي (ABC) ولا النيويورك تايمز ولا غيرها من قنوات ومجلات وصحف العالم، وكل هذه اشادت بعظمة الفقيد وحكمة القيادة السعودية ولم يحمل هؤلاء على قول الحقيقة درهماً ولا ديناراً ولا دولاراً ولكنها الحقيقة والواقع الذي لمسه العالم أجمع عن عالمية التأثير والأثر لمصاب المملكة ولعظم مكانتها ورسوخ سياستها وأصالتها. والذي نعتقده أن ذلك كله ليس بغريب، بل إن الغريب أن يحدث عكس ذلك، فالمملكة حباها مولاها بنعمتي الدنيا والدين، فهي من جهة مهبط الوحي ومحط أنظار كل المسلمين، ومن جهة أخرى تسبح على مخزون نفطي يعد أكبر مؤثر على اقتصاديات العالم وسياساته. ولأن المملكة تحرص على حفظ استقرار وتوازن واتزان هاتين النعمتين فهي من جهة تحرص على أن تكون صورة الإسلام وهي موطنه نقية من كل تطرف وجهل إذ عملت من خلال وسائل وقنوات عديدة على نشره وبوجه آخر كافحة ما يجنيه التطرف على صورة الإسلام السليمة حيث دعت إلى حملة للتضامن الوطني ضد الإرهاب ودعت إلى تأسيس مركز عالمي لمكافحة الارهاب لتحفظ وسطية الدين الذي تحمل رايته، وفي اطار نعمة الدنيا تسعى المملكة لاستقرار أسواق النفط حفاظاً على اقتصاديات العالم وازدهاره. وبين هذا وذاك تمد المملكة يدها إلى كل كوارث العالم لتمدهم بالعون، وتصلح بين شعوب العالم وفرقاه. أوليس ذلك وغيره يستحق الشكر والثناء والتقدير؟! إن هذه المكانة وهذه الامكانات التي يتمتع بها بلاد الحرمين الشريفين تعني أن يعتز بها كل مواطن ينتمي إليها، فيعبر أولاً بالشكر لله على ما حباه لبلاده، وثانياً بأن يشعر بأن بلاده كما استفهمنا في البداية لها وزنها ومكانتها العالمية دينياً ودنيوياً. والتي اعتقد أن لا أحد يمكن أن يحدد لها قياس ذلك أنها تحمي بيت الله وتحرس حرمه ودينه، فلكل سعودي أقول إنعم بهذه المزايا وكن شاكراً ومحباً ومقدراً ومنتمياً حقاً لبلاد خصها الله بحمل رسالته ومهبط وحيه، وإلى كل شخص عربي ومسلم كل الشكر على تقديرك ومشاعرك تجاه المملكة، ولكل شخص عالمي زارنا وشاركنا أتراحنا وأفراحنا لك منا كل ثناء وتقدير.. وإنه حقاً لمشهد مثير وكبير تمثل في عالمية النعي والمبايعة.. وعكس عمق أثر وتأثير المملكة.
د. خالد بن عبد العزيز الشريدة عميد خدمة المجتمع بجامعة القصيم |