جاء انتقال السلطة بهذا الأسلوب الحكيم والحليم بعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- ليبايع الشعب السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلفاً لأخيه وسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز ولياً للعهد مما أثار اهتمام العالم واحترام المجتمع الدولي بنضج التجربة السعودية وثباتها. ولأن التجربة السعودية في السياسة وفي الحكم تعد تراكماً لنظام عادل مستقر يستند إلى مجموع تجارب وخبرات رجال الدولة العظماء بدءاً بالملك المؤسس، فليس ما تم بمستغرب على من يعرف حقيقة واقعنا وشخصيات قادتنا، حيث إن مجموع تجاربهم قد أكسبهم النجاحات المتتالية في فعالية إدارة الدولة وإدارة الأزمات بشكل يحقق احترام وثقة المجتمع الدولي. وباعتباري مراقباً عن قرب وقد عشت وتربيت في ظل نظام بلادنا فإنني أسجل هنا لمحات من تجربتي الشخصية التي عشتها في سلك الحرس الوطني السعودي لثلاثة وثلاثين عاماً بين طالب عسكري مرشح حتى رتبة لواء ركن وما بينهما من وظائف ومواقع ومواقف عبر السنين تحت شرف قيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز رئيساً للحرس الوطني ثم نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ثم ولي عهد بلادنا ونائباً لرئيس مجلس الوزراء فخادماً للحرمين الشريفين وقائداً أعلى لكافة القطاعات العسكرية. فحين جئت إلى الحرس الوطني للمرة الأولى لتقديم طلبي للالتحاق في صفوف الحرس الوطني كان رئيس الحرس الوطني صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز يستقبل المواطنين وزوار مكتبه في المقر القديم لرئاسة الحرس الوطني بالمربع في وسط العاصمة الرياض حين تشرفت بالدخول للسلام على سموه الكريم وأنا أحمل رسالة من عمي وأبي فيها سلاماً وشفاعة وتعريفاً بالشاب اليافع الراغب في الانخراط في سلك الجندية بالحرس الوطني. وكان ذلك في بداية العام 1393هجرية. كنت قبل ذلك الوقت بعدة سنوات قد شاهدت سموه الكريم في نجران، حيث تقيم أسرتي، حين تفضل سموه بتلك الزيارة التاريخية الميدانية لمنطقة نجران والتقائه بأهلها وتلمس حاجاتهم ورفع معنوياتهم، وكان لحضور سموه حينئذ في نجران في أقصى جنوب المملكة أثر كبير في نفوس أبنائها لما تمثل في شخصية سموه من خصال كريمة وروح معنوية وأنفة وقوة تعكس هيبة الملك عبد العزيز ومكانة أبنائه الملوك بما يكسبهم وأسرتهم المالكة وحكومتهم ثقة المواطنين وولائهم الصادق من أقصى البلاد إلى أقصاها. وكان الأمير عبد الله بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطني قد وصل إلى نجران في لحظة حاسمة من تاريخها في عام 1384هجرية فبث سموه الثقة في ممثلي الدولة وفي رجال الحرس الوطني الموجودين في نجران وأكرم الأهالي بزياراته للقبائل في مخيماتهم ومنازل أعيانهم والتقائه بالجميع وتشرفوا بالسلام عليه وتأكيد محبتهم وولائهم وقد اصطف لتحيته الجميع صغاراً وكباراً. ولا أزال أذكر جيداً ذلك المنظر المهيب وهو يمسك بيد جدي الشيخ جابر أبو ساق في وسط حشود كبيرة من المواطنين المتوافدين من أطراف نجران للاحتفال بسموه، ولرؤية ابن عبد العزيز الذي يحل بينهم أميراً ومضيفاً وضيفاً وراعياً يمثل الملك فيصل ويحمل رسالته وتحيات جلالته وطمأنته للأهالي المخلصين لحكومتهم الرشيدة خاصة وسمو الأمير عبد الله بن عبدالعزيز، ومنذ وقت مبكر من حياته -حفظه الله- يحتل مكانة عزيزة في نفوس الناس لفروسية سموه وشخصيته الفذة. وقد ترسخت حينئذ في مخيلتي تلك الصورة الناصعة للقائد والفارس المهيب والرحيم في الوقت نفسه وأنا لا أزال في مقتبل عمري، فكان ذلك حافزاً لي لسفري شمالاً إلى العاصمة الرياض للالتحاق بصفوف الحرس الوطني تحت قيادة الأمير عبد الله بن عبدالعزيز، وقد تيسر لي ذلك الطموح بعون الله ثم بعطف سموه وكرمه. وكان دخولي إلى مجلس سموه في رئاسة الحرس الوطني القديمة يمثل المرة الأولى التي أشاهد فيها على أرض الواقع كيف تكون مجالس الحكم مفتوحة ومتاحة لأبناء الشعب يستقبلهم فيها الأمراء ويقضون حاجاتهم ويستمعون إلى مطالبهم. وقد كانت رئاسة الحرس الوطني منذ تولي سموه مسئولياتها تعكس شخصية الأمير عبد الله بن عبد العزيز حينئذ واليوم في بساطتها من ناحية وقربها إلى الناس أيضاً.. ومن ناحية أخرى دقة التنظيم وحسن الاستقبال لزوار مجلس رئيس الحرس الوطني بعيداً عن برتوكولات الاستقبال المعقدة، حيث يشعر زائرها للمرة الأولى أنه حقاً يحل ضيفاً على الأمير عبد الله بن عبد العزيز لما في ذلك المجلس من كرم الاستقبال ومن هيبة تجللها البساطة والهدوء مع الحزم وسهولة الوصول إلى شخص سمو رئيس الحرس الوطني الواقف بشموخ وترحاب أمام الجموع من زوار مكتبه والمسلمين على سموه. وحين اقتربت من سموه وسط جمع آخر من المواطنين القادمين للسلام على سموه من مختلف أبناء المجتمع وقد انتابني شيء من مشاعر مختلطة بين الفرحة بلقاء سموه والافتخار أيضاً والهيبة لمن في مثل سني حينئذ وأنا أشعر أن سموه يولي كل شخص يقف أمامه كامل اهتمامه ونظراته وترحابه. وهو بتلك الشخصية العظيمة وذلك المنظر العملاق فيسلمون عليه واحداً تلو الآخر ويتحدثون إليه بما في نفوسهم وألمحهم مغادرين وعلى وجوههم البشاشة والسرور حتى جاء دوري فكان لي ما كان لمن سبقني في ذلك اليوم من السرور والاطمئنان وكرم الاستقبال. فقد سلمته ما بيدي من أوراق إلى يد سموه ومعها رسالة التعريف بشخصي وأنا شاب في مقتبل حياتي قادماً إلى الرياض من أقصى بلاد المملكة جنوباً، فتناولها بلطف وعناية الأب الكبير وأشعرني -حفظه الله- وكأنني أقابل والدي أو كأنني في منزلي وانغرس في نفسي من تلك اللحظة محبة لشخص سموه. وقد أجلسني بجانبه وأكرم وفادتي ومن معي وشعرت لحظتها أن ما جئت له قد تحقق. وما هي إلا أسابيع حتى كنت قد انخرطت ضمن الطلاب المرشحين بالمدرسة العسكرية لتخريج الضباط بالحرس الوطني التي انتقلت في بداية العام 1393هجرية من وسط مدينة الرياض إلى مقرها الجديد في منطقة خشم العان خارج الرياض. ومرة أخرى ولكن بشكل مفاجئ أقف مثل غيري من زملائي من المرشحين والمجندين وجهاً لوجه مع رئيسنا شخصياً فها هو رئيس الحرس الوطني صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز يوقف سيارته بنفسه قبيل غروب شمس ذلك اليوم بجوار مستودع الأسلحة في معسكر التدريب بخشم العان وينزل بهدوء ليتفقد فصائل الطلاب العسكريين والمتدربين العائدين على شكل طوابير منظمة من أرض الميدان لإيداع أسلحتهم. ويدخل سموه مترجلاً بين الصفوف بعد تلقيه التحية تلو الأخرى من قادة الطوابير والمدربين. لقد أذهلنا سموه ونحن حديثو التدريب على الأسلحة وعلى ارتداء البدلة العسكرية كيف يمسك سموه بالبندقية ليفحصها بشكل احترافي ويتفقد اللباس والصفوف والمستودعات بنظرة القائد والخبير الميداني البارع. وهكذا مرة أخرى بمثل ما لمست استقبالاته الكريمة لمواطنيه في رئاسة الحرس الوطني وبمثل ما رأيته في نجران حاكماً له من الشعبية والحب والهيبة ما يميز شخصيته. وها هو في موقف وحال مختلف وبشكل فروسي وميداني يتفقد الصفوف في وحدات الحرس الوطني دون سابق علم أو ترتيبات، حيث يؤدي رسالته القيادية ومسؤوليته العسكرية والعملياتية بشكل يغرس مفهوم القدوة الميدانية عن قرب وعن تواصل حقيقي ومصداقية بين القائد والجنود بشكل يترسخ في وعي الأجيال الشابة من رجال الحرس الوطني وقادة مستقبله ويتذكره الكثير كما اتذكره الآن في مواقف متعددة مشهودة بعزيمته وخبرته ونهجه الحكيم في إنشاء القوة الفاعلة ومتابعة تفاصيل بنائها بنفسه في أكثر من موقع. وهكذا غادر سمو رئيس الحرس الوطني مقر مستودعات الأسلحة والذخائر، حيث تلك الزيارة الميدانية المفاجئة التي عاد الطلاب العسكريون والمجندون وقادتهم ومدربوهم، والكل يشعر بزهو وفخر وكل منّا قدّر رأي في شخصية سمو الرئيس أثناء وجوده بيننا وتفقده لصفوفنا سمات معينة. فتحدثنا وتبادلنا المشاعر واستمعنا من مدربينا إلى صفات أخرى ومعلومات أكثر عن زيارات سابقة وتواصل قيادي مستمر، حيث كان منسوبو كل وحدة يشعرون أنها وحدتهم الأكثر اهتماماً وأنهم هم من قابل سمو رئيس الحرس الوطني عن قرب، وأنهم هم من أثبت الجاهزية وارتفاع الروح المعنوية أو كسب ثقة سمو الرئيس وهذا دليل صادق على قدرة هذا القائد والزعيم في كسب ثقة وطاعة واحترام رجاله كافة. فالمعنويات كما يعرف عن قيادة الجيوش وإدارة الحرب تعد ثلاثة أرباع القوة، وقد غرس عبد الله بن عبد العزيز أبلغ صور الروح المعنوية في وجدان جنود الحرس الوطني. وقد كان من أبرز محفزات تنفيذ التدريب والالتزام بالانضباط أو تحقيق مظهر أو واقع أفضل وأميز أن يشير المدرب أو القائد إلى احتمال زيارة سمو الرئيس في أي لحظة فيلتهب حماس الرجال استشعاراً منهم بتلك الثقة والمحبة والولاء لشخصية رئيس الحرس الوطني. ولما لصاحب السمو الملكي رئيس الحرس الوطني شخصياً من مكانة في قلوب جنود الحرس الوطني في كل مكان يشتد حماسهم وتشتد عزائمهم وينشط الرجال شباباً والشباب قوة وعزيمة بمجرد الإشارة إلى مكانة سمو رئيس الحرس الوطني المعلم والقائد الأول والقدوة الذي تعكس مكانته في وجدان رجال الحرس الوطني أدق المعاني في تعريف فن القيادة القائل بأنها (فن التأثير على الرجال وكسب ولائهم واحترامهم وطاعتهم بروح عالية حتى لو كان ذلك تحت ظروف التضحية بالنفس). ومرت الأسابيع الأخرى ووقف سمو رئيس الحرس الوطني مع المغفور له جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز يدشن مرحلة جديدة للحرس الوطني بافتتاح مدارس الحرس الوطني العسكرية والفنية رسمياً في مقرها الجديد في خشم العان. وتمر السنون وسمو رئيس الحرس يواصل مشروع تطويره الذي بناه سموه بموجب رؤية مستقبلية مخططة ومدروسة للقفز بقوة الحرس الوطني إلى مصاف الجيوش الحديثة تسليحاً وتنظيماً ومعسكرات وميادين ومناهج عمل. ويواصل سمو رئيس الحرس الوطني زياراته الميدانية المخططة وغير المخططة ليقف جنباً إلى جنب مع رجاله وقادته ويتناول وجبات الغذاء في يوم محدد مع هذه الوحدة أو تلك فيجلس الرجال على يمينه ويساره بأبوة وتلقائية. ويحرص على إكرامهم ومشاركتهم الفعلية وتناول الوجبة معهم والتحدث إليهم وتلمس حاجاتهم أو مشاعرهم والتعرف إلى جنوده عن قرب. وفي مرحلة فاصلة في سجل الحرس الوطني يوقع رئيس الحرس الوطني الأمير عبد الله بن عبد العزيز في العام 1394هجرية أكبر اتفاقية لتطوير الحرس الوطني. وكان قد أثبت بثاقب بصيرته وبعد نظره وخبرته العسكرية والعملياتية حسن اختياره لأراضي وميادين الحرس الوطني في مختلف مناطق المملكة، حيث يوجد الحرس الوطني التي شكلت أفضل أساساً وبنية تحتية للتطوير لمستقبل الحرس الوطني. فقد تزامنت النهضة الحديثة للحرس الوطني على يد باني الحرس الوطني الأمير عبد الله بن عبد العزيز مع النهضة العملاقة في مدن المملكة وانتشار العمران والطرق، فكان تحديد الأراضي والميادين التي يحتاجها الحرس الوطني قد شكلت عاملاً استراتيجياً وفاعلاً في انطلاقة الحرس الوطني نحو الميدنة للكثير من الأسلحة والمعدات الحربية التي تتطلب أفضل الظروف وأيسر الإمكانات التي ما كان لها أن تتحقق بتلك الدرجة من الجاهزية واليسر لولا القرارات الصائبة لبناء وتحديد الميادين ومناطق التدريب في أراضٍ متنوعة طبوغرافيتها تحقق لوحدات الحرس الوطني كل ما تحتاجه مناهج ومتطلبات المناورة الحديثة. وقد وقف سموه تكراراً بجوار أخيه جلالة الملك خالد بن عبد العزيز - يرحمه الله- ليستعرض نتائج ما خطه فكره وما عمل من أجله لرعاية حفل تخريج للوحدات أو تخريج الضباط أو عروض للقوة التي أسسها. وهكذا تباعاً تتوالى نتائج خطط رئيس الحرس الوطني في البناء والتطوير ليقف سموه سنوياً في مقدمة صفوف قادته المرؤوسين على أرض من أراضٍ المناورة تتغير كل عام لتنفذ المناورة السنوية الكبرى للحرس الوطني في منطقة أخرى من مناطق المملكة ما بين نجران وحائل والقصيم وجنوب وشرق ووسط المملكة. وتبدأ مرحلة المناورة بالذخيرة الحية سنوياً ضمن المناورة الكبرى حين يقف رئيس الحرس الوطني الأمير عبد الله بن عبد العزيز شامخاً بثقة وفخر ليرفع يمنه البيضاء حاملاً (مسدس التنوير) والتطوير وهو السلاح الذي يطلق منه القائد طلقة مضيئة بارزة ترتفع إلى السماء ليراها قادة وحدات المناورة فتكون رمزاً وإعلاناً ببدء فعاليات المناورة بتلك الطلقة. وقد أصبحت تلك الصورة المشهورة لسمو رئيس الحرس الوطني وهو رافع بيمينه مسدس الإشارة والتنوير ليطلق الطلقة المضيئة الأولى لبدء المناورة بما يشكل رمزاً لمناورات الحرس الوطني. وبالفعل ما أن يتقدم سموه الصفوف ويقف شماخاً مصوباً سلاحه بطلقة التنوير حتى تضاء السماء برماية مختلف الأصناف والعيارات للأسلحة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة المباشرة منها وغير المباشرة، في رماية تم تخطيطها وتنسيقها وتحديد الأدوار فيها لتعكس انتهاء مرحلة حاسمة في تطوير الحرس الوطني ولإعلان انضمام وحدة جديدة أو أسلحة جديدة لصفوف قواتنا المسلحة تحقيقاً لنهج رئيس الحرس الوطني ورؤيته السديدة وطبقاً لمخطط أحكم إعداده وتنفيذه. ووقفة إنجاز وتطوير أخرى، حيث العام 1405 هجرية يقف سمو رئيس الحرس الوطني إلى جانب أخيه المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز لرعاية الاحتفال الكبير بتخريج الدفعة الأولى من طلبة كلية الملك خالد العسكرية التي افتتحت قبل ذلك التاريخ بثلاث سنوات إيذانا بمرحلة جديدة أخرى من تطوير الحرس الوطني. ولتتوالى بعد ذلك قفزات نوعية في مرافق تعليم وتدريب الحرس الوطني في كل مناطق المملكة وتفتح مجالات الابتعاث للنخب المختارة من مئات الضباط والجنود إلى خارج المملكة لتحقيق مزيد من كسب الخبرات والتجارب والمهارات الفنية والعسكرية دعماً لقاعدة الحرس الوطني العلمية والفنية بما يواكب حجم التطور السريع أفقياً ورأسياً في اكتمال صورة تطوير الحرس الوطني التي أرادها عبد الله عبد العزيز وتوحيد صفوف وحداته المقاتلة إلى كتائب الأسلحة المشتركة ثم ألوية لأسلحة المشاة الآلية المدعمة بأسلحة الإسناد الناري اللازم وخدمات الإسناد الإداري وغير ذلك من البنى التحتية من قواعد إمداد وتموين واتصالات وخدمات طبية وشؤون فنية متنوعة. ويستمر رئيس الحرس الوطني في بناء الحرس الوطني لتقام المدن العسكرية لإسكان المنسوبين ومدارس الأبناء، وتنشئ المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية وتستمر رعاية سموه ومتابعته -حفظه الله- لمكتسبات غرسها بيده ورعاها باهتمامه وجهوده وإشرافه يوماً بيوم، وعاماً بعام حتى أصبح الحرس الوطني قوة إقليمية ينظر إليها بهيبة واحترام. وسجل تاريخ الحرس الوطني الأمني والحربي يعدّ مزيجاً من الموروث المجيد لتاريخ المملكة منذ توحيدها على يد المغفور له المؤسس لهذه البلاد، حيث تحولت رايات المجاهدين مع الملك عبد العزيز إلى مكتب الجهاد والمجاهدين الذي تغير مسماه وتطور تنظيمه ليتأسس الحرس الوطني الحديث بقرار من المغفور له الملك سعود بن عبد العزيز ليواصل الحرس الوطني أدواره المقدسة في حفظ الأمن وإسناد قوى الأمن ودعم القوات المسلحة في ظروف وحالات متعددة في تاريخنا المجيد. وجاء الاختبار الحرج للقوة الحديثة للحرس الوطني الذي طوّره وبناه عبد الله بن عبد العزيز في تنظيمه الحديث ومذهبه العسكري البارز حين وقع أخطر تهديد للحدود الشمالية الشرقية لبلادنا مع دولة الكويت، حيث غزو الكويت واحتلالها في عام 1411 هجرية من قبل جيوش نظام صدام حسين وشكل ذلك خطراً محدقاً وتهديداً مباشراًَ للمملكة، فتحركت عناصر قوات الحرس الوطني بشكل أذهل الخبراء العسكريين في سرعة تعبئتها وتحركها من معسكراتها من داخل المملكة وانتشارها السريع ومرابطتها على حدود المملكة وتقديمها للدعم والتعاون والمعلومات لعناصر قواتنا المسلحة الأخرى ومشاركتها مع بقية قواتنا المسلحة في تحرير مدينة الخفجي من الاحتلال العراقي تحت قيادة سعودية وتضحيات سعودية مشتركة تعكس مستوى قواتنا وتؤكد كفاءة برامج التطوير والتدريب والجاهزية التي تؤكد أن الإنسان السعودي قادر وشجاع ويحقق رؤية وتطلع قيادته ولاء ووفاء وثقة. وتمر عقود من السنين بين العام 1382 هجرية حين تسلم الأمير عبد الله بن عبد العزيز رئاسة الحرس الوطني والعام 1422هجرية حين اكتملت تشكيلات الحرس الوطني وارتفع بنيانه وتمرس قادته واحترف رجاله وسجلوا أروع الصور في انضباطهم وفي جاهزيتهم وتكون للحرس الوطني مذهباً عسكرياً أكثر نضجاً، حيث أفضل الأساليب في التخطيط والتنفيذ والإشراف على شؤون القوات ومهامها العملياتية بسواعد كوادر سعودية يعتز الحرس الوطني بها من قادة وهيئات أركان في مختلف المستويات وضباط وضباط صف وجنود من كل الرتب. وهكذا تتمكن رئاسة الحرس الوطني في منظومتها الحديثة من القيادة والسيطرة والاتصالات بنجاح فعال وبما يتوفر لها من نظام معلومات المعركة الحديثة ومن بنية تحتية شاملة ومؤهلة. وحين فوجئ العالم وفوجئت المملكة بمنظومة الإرهاب والشر الحديثة وابتلاء المملكة مثل غيرها بخطر الإرهاب أثبت الحرس الوطني مثل بقية القطاعات العسكرية والأمنية السعودية جاهزية ويقظة وحدات الحرس الوطني المقاتلة لحفظ الأمن والاستقرار وقهر أنفس الأشرار. وها هو الحرس الوطني الذي رعاه وشيّد بنيانه رئيس الحرس الوطني الأمير عبد الله بن عبد العزيز بما يتوفر له اليوم من قوات عسكرية مشتركة وقوات خاصة ووحدات مجهزة لمكافحة الإرهاب وقدرة عالية على تحقيق الأمن والحراسة والرصد والتصويب والاكتشاف والأبطال لكل ما يمكن أن يخل بالأمن بما يعكس المحصلة الكبرى لمنجزات رئيس الحرس الوطني بقوة تساند الأمن الداخلي أبلغ مساندة وأصدقها اليوم وتدعم القوات المسلحة في تشكيلات من الأسلحة المشتركة المدربة والمعززة بأهم الوسائل لدحر المعتدين كيفما كانوا. ناهيك عن الدور الحضاري والاجتماعي الذي يقدمه الحرس الوطني للمجتمع السعودي لتحصين مجتمعنا والارتقاء بثقافته الاجتماعية والحفاظ على موروثه التاريخي بصور بليغة متعددة أسهمت وتساهم في تعزيز لحمة بلادنا وترابط مجتمعنا وتحقق لبلادنا قوى معنوية مضاعفة بما ينتج عنها من توثيق عرى مجتمعنا وتعميق مفهوم الوطنية في ثقافة ووعي المجتمع السعودي. واليوم وأنا انتسب إلى شرف العسكرية السعودية ازداد فخراً واعتزازاً وثقة بمولاي خادم الحرمين الشريفين القائد الأعلى لكافة القطاعات العسكرية.. وهو -حفظه الله- وبما وهبه الله سبحانه وتعالى من زعامة إقليمية ومكانة دولية مرموقة يزداد مكانة وحباً في نفوس شعبه الذي سار إليه وإلى ممثليه في كافة إرجاء المملكة أفواجاً تقدم البيعة الصادقة. ولا تكفي هذه العجالة للتحدث عن مناقبه السياسية وحنكته -حفظه الله- في هذا المجال.. إلا إنني انظر إلى سنوات خدمتي تحت شرف قيادته المباشرة للحرس الوطني فاستشعر صفاته العسكرية القيادية التي في أولها براعة سموه في تحديد أهداف الحرس الوطني ووضوح رؤيته المستقبلية، وكذلك عزيمته وتصميمه والتزامه بتحقيق أفضل المعايير في العمل الإستراتيجي والعملياتي انطلاقا من نظم الدولة وإجراءات الحرس الوطني المعتمدة. كما أن عدالته والصفات الإنسانية في شخصيته قد كونت من شخص سموه قدوة حسنة عليا جعلت احترامه ومحبته والوفاء له تملأ قلوب وعقول الرجال. فبمثل ما بنى الأمير عبد الله بن عبد العزيز قوة حديثة متكاملة ذات طابع متميز مهاب، فقد استثمر أبلغ الاستثمار في تنمية الإنسان السعودي وأسس أجيالاً من القادة والجنود الذين تفخر بلادنا بهم ويفتخرون بحملهم لشعار الحرس الوطني تاجاً على رؤوسهم يكسبهم عزة وشرفاً لا يجارى.
* عضو مجلس الشورى السعودي - نائب رئيس اللجنة الأمنية بمجلس الشورى |