عرف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - منذ باكر حياته بالمقدرة الجبارة على العمل، وعلى الدراية بالتخطيط والتنظيم الإداري، وزاده حبه للعلم واهتمامه بالتعليم معرفة واطلاعا بأحدث أساليب هذه العلوم، فلم يكن عجباً إذن أن يهتم بجوانب التخطيط والإدارة والتنظيم بعد مبايعته ملكاً على البلاد. وأثمر هذا الاهتمام كل الإنجازات العظيمة والمميزة التي تحققت في عهده المبارك.وحرص خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - كل الحرص، وأولى بالغ الاهتمام طوال مراحل حياته ومن جميع مواقع المسؤوليات التي اسندت إليه على عنصري التطوير والتحديث ومواكبة مستجدات العصر. ومنذ مبايعته - رحمه الله- ملكاً على البلاد قاد الملك فهد بن عبدالعزيز التحديث التدريجي لجميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهو تحديث يقوم على إصلاح الواقع والتطوير للمستقبل.وقد لامس هذا التحديث معظم أجهزة الدولة ووسائل تسيير الحياة في المملكة، وذلك بغية الوصول بالبلاد إلى دولة المؤسسات المعلوماتية، وتوسيع مشاركة جميع المواطنين بلا استثناء، والعمل على تحسين الخدمات المقدمة لهم بأحدث الوسائل وأيسرها. وضوح الرؤية
كانت الانطلاقة الكبرى -وهي أهم ما ميز عهده- إصدار الأنظمة الثلاثة: نظام الحكم ونظام الشورى ونظام المناطق، وكان ذلك ذروة الحرص على التنظيم وإرساء سفينة الحكم على قاعدة ثابتة. صحيح ان هذه الأنظمة لم تقدم جديداً من ناحية المضمون والتطبيق في دولة دستورها كتاب الله، لكن صياغة الأنظمة سد كافة الثغرات ووضعها في لائحة محددة بنصوص واضحة لا لبس فيها يعود إليها الحاكم والمحكوم في آن واحد. فقد اهتم نظام الحكم بتنظيم الحقوق والواجبات بين الدولة والشعب وبين الحاكم والمحكوم. أما نظام مجلس الشورى فما كان إلا تحديثا وإحياءً للمجلس السابق الذي أنشأه المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز سنة 1343هـ، وأثر عنه قوله: (إنني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها، بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل عباد الله. إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون هناك بعد اليوم سلطان إلا للشرع، وإن الذي أبغيه من هذه البلاد أن تعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية، أما في الأمور الفرعية فاختلاف الأئمة فيه رحمة).وقال في اجتماعه بأعيان مكة المكرمة: (سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة بعد هذا الاجتماع شورياً بين المسلمين، وان مصدر التشريع والأحكام لا يكون إلا من كتاب الله وبما جاء عن رسوله أو ما أقره علماء المسلمين). وقال رحمه الله: (لو لم يكن من مصالح الشورى إلا إقامة السنة وإزالة البدعة لكَفَّتْ، فإذا أقيمت السنة أزيلت البدعة).وكان الملك فهد - رحمه الله - على وعي كامل بذلك التاريخ المجيد الذي ارتبط بتأسيس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لمجلس الشورى الأول، لهذا سنجد أن مضامين ما قاله الملك فهد -رحمه الله- من خطب تخص الشورى الحديثة لم تخرج عن الالتزام الذي قطعه الملك عبدالعزيز على نفسه لشعبه، فعند تشكيل أول مجلس رسمي للشورى في المملكة افتتحه الملك عبدالعزيز في 17-1- 1346هـ، وقال في كلمة ألقاها على أعضائه: (انني مغتبط بأن أراكم في هذا المجلس الجديد عاملين مع الحكومة على إصلاح حال البلاد وعمرانها واقامة حدود الشريعة وصيانتها. إن الله تعالى قد جعل في أعناقنا أمانة نرى أنفسنا محتاجين في حمل عبئها إلى معونة أهل الفضل والحمية، وهذا ما دعانا إلى أن نفوض إلى وجهاء البلد بانتخابكم، فأَوْلَوْكُم ثقتهم وجعلوكم نائبين عنهم، وقد رفعنا المسؤولية عن أنفسنا ووضعناها في أعناقكم، فالله أسأل أن يوفقكم لما فيه خير العباد والبلاد. وسترون في أثناء القيام بوظائفكم ان الحكومة جادة في إدخال كثير من الاصلاحات والأعمال النافعة. ومما ستُعنى الحكومة به كذلك هو إصلاح شؤون المعارف، وتوحيد نظام التعليم في البلاد، ونشره على قدر الحاجة في المدن والقرى وبين القبائل، وستصرف العناية أيضاً إلى إصلاح الحالة الصحية في البلاد، واتخاذ الأسباب لتأمين راحة حجاج بيت الله الحرام، وإصلاح أنظمة المطوفين. وأخيراً، فإنني أعلن افتتاح مجلسكم هذا ضارعاً إلى الله أن يكلل أعمالنا بالنجاح، والسلام عليكم). الفهد والشورى
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما اتخذ قراره بإعادة مجلس الشورى في هيكله التنظيمي الجديد على وعي بالتاريخ الشوري الذي قاده الملك المؤسس ودعا إليه ورعاه بنفسه حتى وفاته -رحمه الله-. ومن هنا كان اهتمام الملك فهد بتجديد دماء مجلس الشورى وإحياء أهدافه الأساسية التي أرساها الملك المؤسس، مستفيداً من تجربة المراحل التي مر بها المجلس وعاشها خادم الحرمين بنفسه في عهود مَن سبقوه. ومع ذلك، فإن قرار الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه- بإحياء مجلس الشورى في عهده الزاهر لم يُلغِ دور المجالس الاستشارية والهيئات، بل أكد على سياسة الباب المفتوح لكل أفراد المجتمع ولكل الناس دون اختيار. لقد جرت العادة الملكية للقيادة السعودية العليا منذ تأسيس المملكة حتى اليوم على تخصيص يوم في الأسبوع لمقابلة العلماء والمشايخ من أهل العلم، للتشاور معهم وإبداء الآراء حول بعض القضايا التي تهم المجتمع السعودي، وهذا ما يؤيد وجود الشورى كنمط في أسلوب القيادة السعودية. وقد استمرت هذه العادة الملكية في عهد الملك فهد -رحمه الله- حيث خصص يوماً في كل أسبوع لمقابلة العلماء والمشايخ من أهل العلم والتشاور معهم حول بعض القضايا وإبداء الرأي فيها لاتخاذ أفضل الحلول.والملك فهد -رحمه الله- كان لديه من المقدرة القيادية والمهارة الإدارية والحنكة السياسية ما جعل العلماء والسياسيين والمحللين في العالم العربي والعالمي ينظرون لقيادته بعين الإعجاب، وأثبت لمن راهن على مقدرة القيادة السعودية تجاوز الأزمات التي مرت بها بأنها - بفضل من الله ثم ما وفرته القيادة الحكيمة من إمكانات مادية وسياسية - قادرة على مواجهة الطوارئ والعقبات بحكمة ودراية، مما جعل للمملكة العربية السعودية ثقلها السياسي بين الدول.ومع هذه المقدرة القيادية والمهارة في صنع القرار فإن الملك فهد بن عبدالعزيز يؤثر في بناء قراراته المشاورة والمناقشة، خاصة في القرارات والمواضيع التي تهم المواطنين ومصلحة البلاد، وكان آخرها عندما وضع نصب عينيه عزمه على استكمال المرحلة التطويرية والتحديثية للأنظمة وما يتبعها من أجهزة تنفيذية بعد أن انتهت الدولة من بناء واستكمال المرحلة التنموية. ويروي المقرَّبون من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز انه كان كثيراً ما يستشهد بالآية الكريمة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} وكان -حفظه الله- يقول: (إن هذه الآية الكريمة تلخص فلسفة الإسلام في تعامل الحاكم مع شعبه وحكومته، كيف لا وقد أنزل الله من فوق سابع سماء على نبيه، صلوات الله وسلامه عليه. إن الله سبحانه وتعالى يأمر نبيه سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- لا باللين والتسامح فقط، بل بالاستغفار لهم عندما يخطئون، ومع ذلك فهو لا يعفيه من عدم مشاورتهم في الأمر، فعليه المشاورة ثم التوكل على الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه). لهذا حرص الملك فهد بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- منذ مبايعته ملكاً على البلاد على الشورى وعلى سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فعندما فكر في إنشاء وزارة تهتم بالشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومجلس الدعوة والإرشاد اجتمع بأهل الرأي والعلم، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، فأيده في ذلك.وهكذا أصبحت الشورى في التاريخ السياسي والفكري والعقائدي للملك فهد بن عبدالعزيز دعامة أساسية في كل ما أقدم عليه من قرارات، وما حققه من إنجازات، وما أقره من تنظيمات.وأصبحت الشورى بالفعل مَعْلَماً من معالم خصيته القيادية، لما أوجده من تطوير وتحديث في ربع قرن من عهده الزاهر، حيث أشرك بالفعل أكبر عدد من رجال الفكر والرأي المؤهلين في اتخاذ القرار من خلال مجلس الشورى الذي تتجدد الدماء والأفكار والأشخاص فيه في كل دورة جديدة له.لقد عُرف المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبدالعزيز منذ طالع شبابه بالحنكة الإدارية، وشهد له بذلك إخوانه الملوك الذين عمل تحت قيادتهم، ومن هنا كان ارتباط الإدارة بالشورى في فكر خادم الحرمين الشريفين، وقد سار على هذا المنهج طوال العمل في المراحل التنموية للبلاد.وبإنهاء البنية الأساسية يمكن القول بأنه قد تم بدء مرحلة تحديث الأجهزة الحكومية والإدارات والأنظمة. وقد أولى المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبدالعزيز هذه المهمة جل اهتمامه، فأصدر توجيهاته بإعادة تشكيل مجلس الشورى، وإصدار النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء الجديد، وإعادة تشكيل مجلس الوزراء ونظام مجالس المناطق ونظام التعليم العالي والجامعات. وهذه الأنظمة هي أنظمة قائمة ومتعارف عليها، وما طرأ عليها ما هو إلا تطوير وتحديث بما يتواكب مع النهضة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة، وبما يتواكب مع العصر الحديث في إطار الشريعة الإسلامية، وأبرزت هذه الأوامر الملكية الكريمة مدى اهتمام القيادة العليا بتأصيل الجانب العلمي والاستشاري والتخطيطي لسياسات المملكة على الصعيدين المحلي والدولي.وفي خطابه التاريخي أمام مجلس الشورى في 13-9- 1417هـ استعرض خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز منجزات المراحل التنموية التي مرت بها المملكة، وتحدث عن أهمية الشورى منذ بدأها الملك عبدالعزيز فقال: (في هذا الإطار جعل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مبدأ الشورى قاعدة في تدبير شؤون البلاد، اتباعا والتزاما بقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} ..الآية، وقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ..الآية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار).وعلى هذا المنهج المبارك سارت قيادة هذه البلاد، فطبقت مبدأ الشورى وفق المفهوم والمنهج الإسلامي الثابت الذي جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام. ووفق هذا المنهج صدر النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وهي في مجموعها توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع. وهي في مجموعها كذلك تهدف إلى تحقيق ما نتطلع إليه جميعاً من تعزيز مسيرة هذه البلاد، واستمرار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق - بإذن الله - المزيد من الرخاء والأمن والاستقرار لشعبها وأجيالها المتتابعة. الفهد والحوار الوطني
تميز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز منذ بداية حكمه بالخطاب المباشر مع الشعب، وبالحوار المستمر الذي يُطلع الشعب فيه على كل المستجدات، وكان هذا الحوار يتم من خلال أعلى قمة في السلطة، إذ كان يقوده الملك بنفسه من خلال خطبه وأحاديثه المفتوحة ولقاءاته المستمرة التي لا تنقطع لكل مواقع العمل في الدولة، ومع كافة قطاعات الشعب. وخادم الحرمين الشريفين -في ضوء ذلك- كان يتحرك في طول البلاد وعرضها، ويضرب المثل الأعلى للمسؤولين في حكومته في أساليب الاقتراب من الشعب، وتلمس احتياجاته، وأخذ رأي جميع فئاته، وإعطاء الفرصة للصغير والكبير على السواء في الإدلاء بحديثه، وكان يقترب منهم جميعا قُرباً يزيل التعب، ويستمع باهتمام يعكس سعة صدره، ويتفقد الأحوال في أدق تفاصيلها ليطمئن قلبه، وقد رأيناه في كثير من دوائر الحكومة مع الموظفين، وفي المصانع مع العمال، وفي المدارس والجامعات مع الطلاب والطالبات، وفي أماكن تجمعات الشباب ومناسباته الدينية والوطنية يختلط بالناس ويحاورهم ويحترم آراءهم، ولهذا كان يحرص ألا يدلي برأيه حتى يستمع لرأي المواطن، خشية أن يؤثر عليه.لم يكتف الملك بقيادة الحوار داخل الوطن، بل رأيناه عندما يزور الولايات المتحدة الامريكية أو بريطانيا أو فرنسا أو غيرها يحرص على لقاء أبنائه الطلاب من الدارسين السعوديين هناك، ويحاورهم من القلب إلى القلب، مؤمناً بأن هؤلاء هم عدة البلاد ومستقبلها الزاهر. وسجلات زياراته الداخلية والخارجية ومجلدات خطبه الضخمة تشهد له بكل ذلك، تشهد بأنه أستاذ ورائد الحوار الوطني الجاد والمثمر مع مواطنيه.والملك فهد -رحمه الله- باعتباره رائد الحوار هو الذي يكرر دائماً في معظم خطبه (أساس سياستنا مبدأ التشاور والتحاور بكل وضوح وصراحة في كل ما يتعلق بأمور وطننا دونما تفرد، ويد الله مع الجماعة). وعن أسلوب الحوار يقول: (نحن نتحاشى السيئة، ونحاور بالتي هي أحسن، وندعو إلى الحكمة، ونكره الصراعات). ولكنه يحذر وينذر ويتوعد المفسدين وأعداء الحياة، فيستطرد: (غير أننا لن نتهاون أبداً في المساس بأمن وطننا ومواطنينا ومقدساتنا، وسندافع بأرواحنا ودمائنا، وبإيماننا بالله الذي يقف في طليعة ما نملك من قوة).ومن هذا الإيمان الراسخ بأهمية الحوار والممارسة الفعلية له على مدى عقدين من حكمه، لا عجب ان تتحول هذه الممارسة إلى عمل مؤسسي على مستوى الدولة كلها، ليكون هذا سمة من سمات الدولة الحديثة التي يقودها الفهد في العقد الثالث من حكمه.لهذا يلزم التأكيد بأنه ليس شرطاً أن يرتبط قرار إنشاء مركز للحوار الوطني بالمستجدات الأساسية والأحداث الطارئة مثل الحملة التي تقودها الدولة على الإرهاب وتعقب المفسدين، بقدر ما يرتبط قرار إنشاء هذا المركز بالتوجه الذي يقوده المليك المتمثل في تحديث أجهزة الدولة وإعادة هيكلتها بما يتناسب مع استراتيجية التطوير والتحديث الشامل في مرحلة العقد الثالث من حكمه الميمون. وهي خطوات لابد أن تتخذ بطبيعة المرحلة، سواء حدث ما استجد أو لم يحدث، لأن الأحداث الطارئة تزول في زمن معين، ونظام الدول يبقى لأكثر من زمن.ومع ذلك فحكمة المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبدالعزيز تتجلى في إعلان إنشاء مركز الحوار الوطني في الوقت الذي تمر فيه البلاد بمرحلة حرجة يتم فيها تعقب فلول المجرمين الذين يمارسون ترويع الآمنين ويهددون أمن واستقرار الوطن، والعمل الجاد والدؤوب للقضاء على شأفة الإرهاب وتوطيد دعائم الامن. وقد حمل المركز اسم (الملك عبدالعزيز)، تأكيدا على حقيقة ان الحوار والتواصل والتشاور مع المواطنين في هذه البلاد من الثوابت الإسلامية التي تأسس عليها هذا الوطن على يد الملك عبدالعزيز، وليس بدعا او حدثا جديدا طارئاً. الفهد والانتخابات
وجاء قرار إشراك المواطنين في انتخاب المجالس البلدية نتيجة لجهود الملك فهد -رحمه الله- في زيادة مشاركة المواطنين وإشراكهم في الحكم، وهي خطوة مهمة ومثمرة، وجاءت في وقتها المناسب، وكان قرارها بعد ان فرغ الملك من مرحلتي التخطيط والبناء، واطمأن على اكتمال صروح النهضة التي تضمن العيش الحر الكريم للمواطن، وإرساء مؤسسات صحية وتعليمية واجتماعية ضخمة بالإنفاق اللامحدود عليها، جاء دور المواطن في انتخاب ممثليه. موضوع الإصلاح الحقيقي نهضة
ولعل المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي يلتقي فيها المواطن بالحاكم مباشرةً في مجالس عامة ومنتظمة تفتح لتقبل شكاوى الناس والاستماع لآرائهم ونصحهم ومطالبهم دون حاجب أو رقيب، ولا يزال حكام هذه البلاد سائرين على هذه السنة منذ عهد الملك المؤسس إلى اليوم، ذلك لأن الحاكم والمحكوم في هذه البلاد يحتكمان معاً إلى شرع الله وحده الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، وهي حقيقة عبر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في عدة مناسبات، منها قوله في 27-8-1412هـ بمناسبة صدور النظام الأساسي للحكم: (إن دستورنا في المملكة العربية السعودية وهو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، ما اختلفنا فيه من شيء رددناه إليهما، وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة. إن المملكة في حاضرها - كما هي في ماضيها - ملتزمة بشرع الله، تطبقه بكل حرص وحزم في جميع شؤونها الداخلية والخارجية، وسوف تظل -بحول الله وقوته- ملتزمة بذلك، حريصة عليه أشد الحرص. إننا ثابتون -بحول الله وقوته- على الإسلام، نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل، وحاكماً بعد حاكم، لا يضرنا من خالفنا، حتى يأتي وعد الله). وانطلاقاً من هذا الأساس دأب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طوال سنوات حكمه على تأكيد مبدأ الشورى والمشاركة بين الحاكم والمحكوم من الناحية التنظيمية، لهذا اهتم بإحياء مجلس الشورى الذي أسسه الملك عبدالعزيز في مرحلة مبكرة من تاريخ المملكة، وأصبح مجلس الشورى اليوم واحداً من أهم أدوات التواصل بين الدولة والشعب، وواحداً من أهم المصادر المعينة على اتخاذ القرار، ومعرفة رأي الشعب من خلال النخبة التي تمثله بشكل دوري ومنتظم.وهذا كله يؤكد أن التوجه الحكيم الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يشير إلى أن الخطوات التنظيمية المتتابعة لإنجاز إصلاحات وتطوير العمل السياسي والاجتماعي والمحلي ليس طرحاً وقتياً استجابة لما جرى ويجري من أحاديث عن ضروريات التغيير، بل إن التوجيه الكريم بتوسيع نطاق المشاركة الشعبية هو تأكيد وإصرار وعزم الدولة على الاستمرار في طريق الإصلاح السياسي والإداري، ومراجعة الأنظمة والتعليمات، وإحكام الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية، والحرص على المراجعة الذاتية لكل الشؤون الداخلية.وتأكيداً لهذا التوجه الذي أصبح ملزماً لكل الأجهزة والمؤسسات القائمة فقد شهدت الفترة السابقة إصلاحات ومراجعات للعديد من الأنظمة، ومنها على الأخص الإصلاحات الاقتصادية والإدارية. ومن هنا يكتسب قرار مجلس الوزراء بإشراك المواطنين بانتخاب المجالس البلدية، وتقسيم المملكة العربية السعودية إلى أربع عشرة أمانة بلدية، خطوة متقدمة في مسار الإصلاح السياسي والإداري، فكما هو معلوم يعد اعتماد توسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية عن طريق الانتخابات إصلاحاً سياسياً باعتماد خيار الانتخاب للمشاركة الشعبية في إدارة وتسيير أمانات البلديات، وهو ما يُعد خطوة متقدمة جداً تؤكد الجدية والسعي الحقيقي لإجراء الإصلاحات التي تعتبر استجابة حكيمة للمستجدات التي يشهدها العصر وما تمر به المنطقة والمملكة على وجه الخصوص. لقد فتح الملك فهد -رحمه الله- بهذا القرار أفقاً جديداً لمرحلة إعادة هيكلة تنظيم الدولة الحديثة والعبور بها إلى مرحلة النضج عبر توسيع دائرة المشاركة أمام المواطنين، الذين باتوا أكثر وعياً ونضجاً ذهنياً وسياسياً من خلال التراكم الكبير لتجارب الشورى والمجالس الاستشارية والديوانيات التي ظل يحرص عليها قادة هذا الوطن ويدعمونها بالأفكار والآراء، وهي حقيقة أكدها الملك فهد -رحمه الله- بقوله: (لقد كانت مسيرتنا -ولا تزال والحمد لله- موفقة، وما كان هذا ليتحقق لولا عون الله، ثم تطبيق مبدأ الشورى، وتنظيم العلاقة بين المواطنين وولاة أمرهم). الفهد والحكومة الإلكترونية
وجه الملك فهد -أسكنه الله فسيح جناته- في شعبان 1425هـ بتشكيل لجنة من وزارة الاتصالات وتقنيات المعلومات ووزارة المالية وتضم في عضويتها مختلف الجهات ذات العلاقة من بينها مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية ووزارتي التربية والتعليم العالي لوضع جدول زمني لتطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية ومتابعة إنجاز التشريعات الموجودة لدى الجهات ذات العلاقة. وقد باشرت اللجنة مهام عملها لوضع تصور مناسب لتنفيذ خطط تطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية على القطاعين العام والخاص واستلمت كامل ملف التجارة الإلكترونية من وزارة التجارة والصناعة، متوقعة أن يتم تطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية على أرض الواقع للقطاعين العام والخاص مع نهاية العام 1430هـ على أن يتولى القطاع الخاص تمويل تكاليف برنامج الحكومة الإلكترونية، وبالنسبة للقطاع الحكومي فإنه يحصل بموجبها على مردود مالي مقابل هذا التمويل من خلال الخدمات التي يقدمها للجمهور من المستفيدين وفق عقود يتم توقيعها معه. ومن خلال هذا النظام سيتم القضاء على مشكلة توفير السيولة المادية التي تواجهها المؤسسات الحكومية وذلك بالمشاركة في الدخل المتوقع وقد تم وضع ضوابط لذلك من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى حيث سيوفر القطاع الخاص الأجهزة والتدريب والتسويق للقطاع الحكومي فيما ستتولى المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني توفير الدورات اللازمة للموظفين في مختلف أنشطة الحكومة الإلكترونية وبالنسبة للقطاع الخاص فإن مجلس الغرف التجارية الصناعية يعمل على مشروع ضخم يقضي بموجبه على دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بأجهزة حاسب آلي وبرامج التعاملات الإلكترونية على أن يسترد هذا التمويل الذي ستقوم به شركات وبنوك محلية من خلال التصديقات الإلكترونية على المعاملات التجارية وقد قام مركز المعلومات الوطني بإنجاز نظام أمن المعلومات وحماية المعلومات الشخصية للمتعاملين وهو نظام يعاقب المخترقين للشبكة الإلكترونية، وتفتخر اللجنة بعد الرجوع إلى مجلس الشورى وهيئة الخبراء بإقرار نظام التعاملات الإلكترونية الذي يضم عدداً من اللوائح منها (اللوائح التجارية) التي تنظم التعاملات وتكشف حالات الغش التجاري، وكذلك اللوائح الأمنية، والمالية، والتصديق الإلكتروني ولوائح حقوق الملكية الفكرية. لقد أصبحت الحكومة الإلكترونية مطلباً حيوياً للمملكة في ظل التقدم الهائل في مجال الاتصالات، الأمر الذي يسهل ويوفر على سكان المملكة المترامية الأطراف مشقة السفر والانتقال والكثير من المال والوقت للسكان الذين يحتاجون للمراجعات الرسمية في المدن الكبرى أو في القرى والمناطق النائية، ولتحقيق ذلك يتم الإعداد لبرنامج تعريفي لجميع أفراد المجتمع لتوضيح الصورة كاملة لهم والأهداف الحقيقية للتحول من الأطر التقليدية في المعاملات الحكومية إلى الإدارة التقنية ووضع برنامج للاستخدام الصحيح لكل ما يختص عن هذه التحويلات مع تدريب أكبر قدر من المواطنين على استخدام الكمبيوتر وتكوين الكفاءات البشرية القادرة على التعامل مع هذه التطورات، خصوصاً أن الإدارة والرغبة في التطوير يشكلان عنصرا مهما من عناصر التنفيذ مع عدم الخوف من التغيير وذلك بتوفير العناصر التقنية الأربعة للحكومة الإلكترونية.سيظل قرار الانتقال بالدولة إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية من أهم إنجازات السنوات الأخيرة من حكم الملك فهد بن عبدالعزيز إذ لابد أن تتوج عمليات الإصلاح الإداري وتطوير وتحديث أجهزة الدولة التي قادها الملك فهد منذ بداية حكمه بالوصول إلى هذه المرحلة التي تجعل المملكة تواكب أحدث التطورات التي يشهدها العالم أجمع وذلك بالبدء في تطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية بتحويل جميع معلومات الحكومة ووزاراتها الورقية إلى معلومات إلكترونية وتأمين البنية التحتية الضرورية لربط مؤسسات الدولة كافة بشبكة معلومات واحدة تهتم بتبادل المعلومات بين مختلف الجهات وتقوم بتحديد جميع التعاملات بين المواطن وكل مؤسسة وتحويلها إلى تعاملات إلكترونية ويتطلب ذلك أن تكون هناك بوابة واحدة للحكومة مع تنوع قنوات الاتصال هواتف وإنترنت وهواتف محمولة وترابط هذه القنوات مع بعضها البعض إلى جانب وجود مشاركة بين الإدارات الحكومية في المعلومات وقدرتها على تبادلها وحماية المعلومات الخاصة. أولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- قضيتي التنمية الإدارية والتنمية الاقتصادية عنايته أثناء كل المناصب التي شغلها في الدولة، وذلك وعياً منه بأنهما عمليتان متلازمتان تؤثر إحداهما في الأخرى، إذ إنه من غير الممكن التخطيط للتنمية الاقتصادية وتحقيق أهداف خطط التنمية في غياب جهاز إداري فعال، كانت فكرة (الإصلاح الإداري) أول ما اهتم به الفهد في ممارسة مهام عمله بدءاً من وزارة المعارف ووزارة الداخلية، فقد ترك هاتين الوزارتين على أحسن أحوال التنظيم بعد أن أرسى نظامهما الإداري الذي يقوم على حل المشكلات ورفع كفاءة الأداء وتقديم الخدمات اللازمة لسد الاحتياجات العامة للمجتمع على أكمل وجه، وهكذا كان الفهد بعد ذلك عضواً فاعلاً في قيادة عملية الإصلاح الإداري في المملكة منذ بداياته التي استوعب دروسها الأولى إلى جوار والده الملك المؤسس، وقد عرفت المملكة العربية السعودية الإصلاح الإداري وعملت به حينما أصدر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1346هـ أمرا بتأليف لجنة للتفتيش والإصلاح، وكان من مهامها القيام بدراسة أوضاع الإدارة العامة في المملكة للتأكد من قدرتها على القيام بالأعمال الملقاة على عاتقها بصفتها الإدارة التنفيذية للدولة، واستعانت المملكة بعد ذلك ببعض الدراسات عن الوضع الإداري واقتراح الحلول، وتمخضت جهود الخبراء عن إنشاء عدد من أجهزة التنمية الإدارية مثل: اللجنة العليا للإصلاح الإداري، ومعهد الإدارة العامة، والإدارة المركزية للتنظيم والإدارة. وفي عهده الميمون أحدث -المغفور له بإذن الله- الملك فهد بن عبدالعزيز تحولاً كبيراً في مسألة الإصلاح الإداري بترسيخ فكرة الاعتماد الذاتي في عمليات التطوير والتحول الإداري عبر أجهزة التنمية الإدارية المحلية على أيدي الكفاءات الوطنية، وبالفعل فقد شاركت بقوة وساهمت أجهزة التنمية الإدارية في عهده الزاهر المتمثلة في (اللجنة العليا للإصلاح الإداري)، و(معهد الإدارة العامة) و (الإدارة المركزية للتنظيم والإدارة واللجنة العليا لإعادة التنظيم الإداري في تطوير الأساليب الإدارية في البلاد من واقع الاحتياجات الفعلية التي قررتها البحوث والدراسات والاستشارات في المجالات المختلفة، وما صدر المزيد من التوجيهات والقرارات التي تخص الإصلاح والتنمية الإدارية إلا رغبة أكيدة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وحكومته في تأهيل البلاد وأجهزة الدولة لمزيد من الانفتاح الاقتصادي وتسريعاً لحركة الصناعة والزراعة والتكنولوجيا ومواجهة متطلبات عصر العولمة بما هو لائق بنا وبوطننا. وهكذا انطلق الملك فهد بن عبدالعزيز في أوامره السياسية وقرارات مجلس الوزراء بصفته ملكاً ورئيساً لمجلس الوزراء من الأهداف التالية: - تحديث وتطوير وسائل إدارة التنمية الوطنية والاستمرار في الإصلاح الإداري. - فتح كل المجالات الممكنة لتوسيع مشاركة المرأة في التنمية الوطنية. - رفع كفاءة جميع أجهزة الدولة وأجهزة الرقابة والمساءلة الإدارية. - دراسة الهيكل الإداري لمؤسسات الدولة ووزاراتها ونظام الموظفين. - تبسيط إجراءات تقديم الخدمات العامة للمواطنين. - خفض نفقات الإدارة والتشغيل. - الانفتاح على العالم اقتصادياً ومعلوماتياً والاستفادة من تجارب الشعوب التي سبقتنا بكل ما يصلح لنا. وقد كانت هذه الأهداف وراء خطوات التطوير والتحديث التي أعادت صياغة عدد من مؤسسات اتخاذ القرار والتخطيط والتنفيذ والخدمات في الدولة وهيكلها التنظيمي. وأعقب ذلك أضخم تعديل وزاري تم في عهده لا يزال قائماً حتى الآن فقد أحدث التطوير الوزاري الأساسي في 28-2-1424هـ وبعد أقل من شهر تحدث عن أهمية التحديث والإصلاح فكان الفعل يرافق الأقوال، وذلك في خطابه التاريخي الذي افتتح به أعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى في 16-3- 1424هـ واعداً بالمزيد من التحديث مؤكداً بقوله: (نحن حريصون كل الحرص أن تظل كل شئوننا الداخلية عرضةً للمراجعة الذاتية التي لا تستهدف سوى الإصلاح، والإصلاح ضالة المؤمن، لا ينبغي أن يُثنيه عنه ما يردده المتصيدون في الماء العكر من أن محاولات الإصلاح هي استجابة لضغوط خارجية، والحقيقة التي تعرفونها ويعرفها الشعب السعودي كله هي أن مسيرة الإصلاح لم تنقطع وسوف تستمر بإذن الله). وقال الملك -رحمه الله- استمرار الدولة على طريق الإصلاح الإداري بقوله: (أنا أؤكد لكم أننا سنستمر في طريق الإصلاح السياسي والإداري، وسنعمل على مراجعة الأنظمة والتعليمات وإحكام الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، وفتح آفاق أوسع لعمل المرأة في إطار تعاليم الشريعة الغراء. وغني عن الذكر أن مجلسكم الموقر سوف يقوم بدوره الكامل في تحقيق الإصلاحات المنشودة). وركز الملك فهد بن عبدالعزيز على أهمية الوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي، فبدون ذلك لا يمكن تحقيق الإصلاح والتطور الذي نريد، وذلك من خلال قوله: (وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الوحدة الوطنية تتعارض مع الطروحات المتطرفة، وتتطلب أجواء صافية من الحوار الأخوي الهادئ، وإذا كان تبني الخطاب الوسطي المعتدل مسؤولية في عنق كل مواطن فهي مسؤولية تقع في الأساس على عاتق علمائنا الأفاضل الذين نعول - بعد الله - عليهم في نشر التسامح الذي تمتاز به شريعتنا السمحة، وفي إنقاذ شبابنا من شر الأفكار المدمرة التي تبث الغلو والكراهية ولا تنتج سوى الخراب والدمار، لقد علمتنا التجارب في شرق الأرض وغربها أن الإصلاح الحقيقي هو الإصلاح النابع من عقيدة الأمة وتراثها).ولم ينس -رحمه الله- أن يذكر بما ظل طوال حياته يؤكد عليه وهو أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بالنفس، وأن الإعمار الحقيقي هو عمارة القلب بالإيمان، فقال: (إن الإصلاح الحقيقي هو الإصلاح النابع من عقيدة الأمة وتراثها، الإصلاح الذي تُقبل عليه الأمة طائعة لا مسوقة، الإصلاح الذي يتم بتدرج وسلاسة متجنباً السرعة المهلكة والبطء القاتل، وسوف يكون هذا المنهج الإصلاحي - بإذن الله منهجاً نمضي فيه بثقة وإيمان مردداً قوله عز وجل: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ} (88) سورة هود.وتوجه الملك بالخطاب لأعضاء المجلس، مشيداً بدورهم في دراسة الأنظمة الجديدة واعداً بالمزيد، حيث قال: (لقد كنتم أيها الإخوة أعضاء المجلس شركاء حقيقيين للحكومة في مجال التطوير السياسي والإداري، وأود أن أشير هنا إلى أن عدداً من المبادرات المتعلقة بإعادة الهيكلة الحكومية ولدت في مجلسكم، ثم نوقشت ودرست باستفاضة، وجاء التشكيل الوزاري الجديد مجسداً بعض هذه المبادرات، وما زال البعض الآخر في طور الدراسة، ولا يفوتني أن أنوه بأهمية الأنظمة المتعلقة بالتقاضي والإجراءات الجنائية، وهي أنظمة درسها مجلسكم الموقر بعمق، وصدرت - بحمد الله وتوفيقه- مستهدفة تسهيل إجراءات التقاضي وإيصال العدالة إلى المواطنين، وحمايتهم من تجاوز السلطة العامة). في السياق نفسه صدرت الموافقة بقيام جمعية أهلية تعنى بحقوق الإنسان، هذه الحقوق التي كان الإسلام أول من نادى بها، وسيتبعها -بحول الله- إنشاء مؤسسة حكومية تعنى بالحقوق نفسها، حتى تتضافر جهود الدولة والمواطنين لحماية الكرامة التي أرادها الخالق عزّ وجلّ للبشر أجمعين، والعزة التي أرادها جلّ شأنه لعباده المؤمنين).
|