Sunday 7th August,200512001العددالأحد 2 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "متابعة "

ومات الملك العظيمومات الملك العظيم
محمد بن عبدالله العمَّار *

يقول الحق سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }.
ففي يوم الاثنين 26-6-1426هـ الموافق 1-8-2005م أعلن الديوان الملكي نبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك الوالد فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ملك المملكة العربية السعودية وباني نهضتها الحديثة بعد حياة حافلة بالعطاء لهذه المملكة السنية وللدين الإسلامي وللعالم العربي والإسلامي والعالم قاطبة.
مات - رحمه الله - عن ثلاث وثمانين سنة، حيث ولد عام 1343هـ وتوفي عام 1426هـ بعد أن قدم لبلاده ولشعبه الكثير من العطاء، وقاد هذه المملكة للرقي والتقدم مع التمسك بأحكام الدين وتشريعاته وثوابته وصعد بها بين دول العالم وذاع صيتها وسمعت كلمتها.
سعى - رحمه الله - للإصلاح والتوفيق ورأب الصدع وتوحيد الصف وجمع كلمة المسلمين على المنهج الوسط المعتدل، قال ذلك في كثير من كلماته وفي اجتماعاته بكثير من مسؤولي الدول العربية والإسلامية أو من دول العالم المختلفة.
دعا - رحمه الله - إلى عقد اجتماعات للإصلاح وإلى مؤتمرات، لذلك لا تفارقه ابتسامته الدائمة وسعة صدره وحكمته وبعد نظره للأمور والشجاعة في ذلك.
وتم على يديه - رحمه الله - وبإشرافه، الصلح والتوفيق وقطع دابر النزاعات بين من يستجيب من الدول لدعوته، فقدته بلاده وفقده الإسلام والعالم قاطبة وفقده المحتاجون والمرضى والمعسرون.
بعد معاناة مع المرض الذي كتبه وقدره الله عليه في آخر سني عمره المديد في طاعة الله وخدمة بلاده والإسلام, فصبر على ذلك الابتلاء رحمه الله وشكر ربه، توفي رحمه الله ومصيبة الموت أي مصيبة, فهول مصيبة الموت عندما ينزل بالرجال العظماء والساسة الحكماء يكون له وقعاً عظيماً وفقداً كبيراً على من تنزل بهم تلك المصيبة, ولكنها مشيئة الله سبحانه وتعالى النافذة الذي كتب الموت على العباد.. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتَِ } وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً} .
وعندما نزلت بنا تلك المصيبة بفقده - رحمه الله - تذكرنا مصيبتنا بفقد المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما انتقل إلى الرفيق الأعلى وتذكر ذلك يعزي المسلم ويسليه ويصبره، فأعمال هذا الملك الصالح - رحمه الله - لهذه المملكة السنية - حرسها الله - طوال حكمه أعمال جليلة سطرها وسيسطرها التاريخ بمداد من ذهب ووثقت في الكتب والدراسات.
فلذلك بكته العيون بل حصل في القلوب حرقة ولوعة على فقده وفراقه - رحمه الله - من شعبه الذي أحبه فبادله حباً بحب من الرجال والنساء شيوخاً وشباباً وصغاراً؛ فهو - رحمه الله - محبوب من شعبه ومن شعوب العالم قاطبة، خيره بلغ ووصل للقاصي والداني، له في كل بقعة من هذه البسيطة يد خير، وإعمار، ونماء. ولم يقصر أموال هذه المملكة التي أفاء الله بها عليها على بلاده وشعبه فقط، بل شملت معظم أرجاء المعمورة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- عنايته بكتاب الله العزيز حيث أنشأ مطبعة للمصحف الشريف في المدينة المنورة باسم (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف). طبع منه ملايين النسخ بأشكال مختلفة وبإشراف لجنة على مستوى عالٍ من الدقة والإتقان عمت أرجاء المعمورة مع تراجم لمعاني القرآن الكريم بكل لغات العالم الحية وأشرطة سمعية للقرآن الكريم.
2- عنايته بالحرم المكي والمدني والمشاعر المقدسة وبالحجاج والمعتمرين والزوار. وقد أجرى - رحمه الله - للحرم المكي والمدني توسعتين كبيرتين شملت كل الخدمات ووفرت كل الإمكانيات التي لم يسبق لها في التاريخ مثيل وأجرى المياه العذبة بشق الأنفاق حتى يصل الماء العذب لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة وهذا من توفيق الله لهذا الملك الصالح إن شاء الله فلذلك اختار لقب خادم الحرمين الشريفين تكليفاً وتشريفاً.
3- اهتمامه بأمور الإسلام والمسلمين وحرصه - رحمه الله - على جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم واهتمامه بنشر العقيدة السلفية الصحيحة. وقد دعم المنظمات الإسلامية، فلذلك احتضنت المملكة بنك التنمية الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي. وقام - رحمه الله - ببناء وتشييد المساجد داخل المملكة وخارجها من حسابه الخاص والمراكز الإسلامية في كثير من بقاع العالم.
4- ماجرى في عهده الميمون - رحمه الله - في المملكة من مشاريع تنموية في كل المجالات الشرعية والاقتصادية والاجتماعية انتفع بها شعب المملكة والمقيمون فيها.
5- بذله السخي في إعانة الدول المحتاجة والمتضررة بالمساعدة والقروض وتكفله بعلاج المرضى والمحتاجين لذلك داخل المملكة أو خارجها وعلى حسابه الخاص والإغاثة الدائمة للمتضررين من الكوارث في كثير من أنحاء العالم سواء كانت إسلامية أو غيرها من الدول المتضررة؛ وأنشأ لذلك صناديق للتنمية استفاد منها كثير من الدول وهيئة الإغاثة الإسلامية وأمره - رحمه الله - بحملات جمع التبرعات ومساهمته الفاعلة فيها مع إخوانه من الأسرة الكرام بالمبالغ الكبيرة.
6- أقر في عهده الزاهر الأنظمة مثل النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، والأنظمة العدلية مثل نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة، ونظام التسجيل العيني للعقار، وغيرها من الأنظمة الكثيرة التي حُدِّثَتْ حتى تواكب العصر وهي من التطوير والإصلاح مع ربطها بالكتاب والسنة وأحكام الشريعة الإسلامية وهو ما أكده - رحمه الله - في أحاديثه الكثيرة الموثقة, وهو ما يوجه به المسؤولين في الدولة.
7- أعماله الجليلة في الإصلاح والتوفيق في كثير من المشكلات التي حصلت بين الدول العربية واستضافة المملكة لكثير من الاجتماعات التي يحصل فيها الصلح والاتفاق بجهوده رحمه الله.
وما ذكرته عن الملك الصالح الوالد -رحمه الله- غيض من فيض، فإني أدعو الله سبحانه وتعالى وأرجوه أن يكون ما قام به وقدمه وبذله توفيقاً له لهذه الأعمال الصالحة الجليلة وفي موازين أعماله وأن يكون ممن أحبه الله فبسط الله له القبول والمحبة من ملائكته الكرام وخلقه أجمعين.
فمآثر الملك الصالح الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله وقدس روحه وطيب ثراه - ومحاسنه كثيرة جداً ولا يحصرها ويحصيها مقال أو كلمة، ولكن ذلك من حقه - رحمه الله - عليَّ أن أذكر ذلك وأسطره بقلمي، فلو كُتِبت عنه المجلدات والرسائل العلمية والدراسات البحثية ما أوفته حقه وما يستحقه وكانت قطرة من بحره الفياض - رحمه الله. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر ويعفو عن عبده الملك الصالح الوالد فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأن يجعل ما أصابه من مرض في ميزان حسناته ورفعةً لدرجاته عند ربه سبحانه وتعالى ولا يحرمه الأجر والثواب جزاء ما قدم لأمته، وأن يجعل قبره عليه روضة من رياض الجنة ويوسع له في لحده ويمد له في بصره حتى يرى منزله من الجنة إن شاء الله.. آمين آمين آمين.. وأن يبارك في عقبه.
وإني بنزول هذه المصيبة الجلل أعزي خادم الحرمين الشريفين الملك الوالد عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ملك المملكة العربية السعودية وأسأل الله له الإعانة والتوفيق والسداد وأن يؤيده وينصره ويمكن له. وأبايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره امتثالاً لما قاله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.
وأعزي ولي عهده وعضده صاحب السمو الملكي الأمير الوالد سلطان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وأسأل الله له الإعانة والتوفيق والسداد، وأبايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره؛ كما أعزي الأسرة المالكة الكريمة وحرمه وأبناءه أصحاب السمو الملكي الأمراء محمد، وسعود، وخالد، وسلطان، وعبدالعزيز، وبنات الفقيد، وأحفاده، وأن يعظم لهم الأجر والمثوبة ويرزقهم الصبر والسلوان وللشعب السعودي الكريم وللمسلمين عامة. والحمد لله على قضائه وقدره ولا نقول إلا ما يرضي ربنا { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } وإنا على فراقك يا أبا فيصل لمحزونون.
وفي ختام هذه الكلمة المقتضبة وهي ما خالج صدري وقلبي المكلوم على فقد مليكي ووالدي الملك الصالح فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - أسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ هذه المملكة بحفظه ورعايته وأن يحفظ عليها دينها وطاعة ربها وتمسكها بالكتاب والسنة، اللذين فيهما العز والأمن والتمكين، ويديم على هذا الوطن الغالي الأمن والإيمان وأن يعز الأسرة الكريمة أسرة آل سعود الكرام بالإسلام ويعز الإسلام بهم في ظل ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك الوالد عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود, وأن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه ولي ذلك
والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* المفتش القضائي بوزارة العدل

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved