* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان أنور: حظيت العلاقة المميزة التي أرساها الملك الراحل فهد بن عبد العزيز مع مصر بمكانة مهمة على خريطة السياسة السعودية والتحركات الدبلوماسية للمملكة، فقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- يوصي دائماً بمصر والوقوف ومساندة ودعم العلاقة مع مصر، كما أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي تمت له البيعة حينما كان ولياً للعهد على هذه العلاقات الوطيدة والعمل على تعميقها وتطويرها وتقدمها وقد كانت المباحثات المشتركة بينهما سواء الثنائية أو العامة تؤكد دوماً تطابق وجهات النظر حيال تطورات الأوضاع في المنطقة. ويرى المحللون وخبراء الاستراتيجية أن العلاقات السعودية المصرية صمدت أمام العديد من التحديات والمشكلات التي صادفتها وذلك بحكمة القائدين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- وشقيقه الرئيس حسني مبارك ودعم هذا الصمود والمواقف والتحركات والزيارات العديدة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد. ******** يرى د. السيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن العلاقة المميزة لم تواجهها أية توترات في ظل عهد الملك الراحل غير إثارة بعض المشكلات الطفيفة على مستوى القضايا الاجتماعية أو العمالية أو السياحية المتعلقة بالحج والعمرة لكن هذه المشكلات بطبيعتها موسمية لا تأثير لها على العلاقات الأساسية والراسخة. ويؤكد المحللون والخبراء أن اللقاءات والمشاورات التي تمت بين القيادتين خرجت كلّها بتطابق وجهات النظر كما أنها كانت تأتي في ظل رغبة البلدين الشقيقين على التنسيق والتشاور البناء لتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي للمملكة العربية السعودية ومصر ولا سيما أن البلدين يطلان بسواحل طويلة على البحر الأحمر بما له من أهمية إستراتيجية وأمنية وبحرية واقتصادية للجانبين والأمر الذي عبر عنه الرئيس حسني مبارك ذات مرة بأن علاقات مصر والسعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله ذات طبيعة استراتيجية ونستشعر من هذا التوصيف مدى الاهتمام الذي أولته القيادة السياسية في البلدين الشقيقين نحو تطوير وتدعيم هذه العلاقات في شتّى المجالات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لتبقى العلاقات المصرية السعودية هي الأهم والأبرز في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز على الصعيدين السياسي والاقتصادي.. فعلى الصعيد السياسي تمثل العلاقات بين البلدين نموذجاً خاصاً نظراً لما يمثله البلدان كمحور مهم في العالمين العربي والإسلامي، ويأتي ذلك في إطار حرص القيادة السياسية في البلدين الشقيقين على التنسيق التام والتشاور المستمر في كافة القضايا الإقليمية والدولية بما يضمن تحقيق مصلحة الأمة العربية والحفاظ على حقوقها المشروعة. وفي هذا الإطار توالت الزيارات في عهد الفهد والتقى الرئيس حسني مبارك بالملك الراحل في الرياض أكثر من مرة ورغم أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين إلا أن القمم المصرية السعودية غالباً ما أولت اهتماماً خاصاً بالقضايا العربية والإقليمية الراهنة.. وفي هذا حظيت القضية الفلسطينية باهتمام خاص من البلدين وكانت رؤية الملك الراحل فهد بن عبد العزيز تجاه قضية السلام في الشرق الأوسط أن السلام العادل والشامل لا يمكن أن يتحقق إلا بتسوية شاملة تخلق نوعاً من الأمن والاستقرار وتعيد الحقوق العربية المشروعة انطلاقا من مبدأ الأرض مقابل السلام وهو ما يتوافق ويتطابق مع الرؤية المصرية. كما أن المباحثات الأخيرة بحثت مستقبل خريطة الطريق والانسحاب من قطاع غزة والجهود التي تبذلها القاهرة والرياض من أجل دفع عملية السلام واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. كما أولت القمم المصرية السعودية اهتماماً بالمسألة العراقية وأهمية استقلال العراق وهو الهدف الذي تسعى إليه القيادة المصرية والقيادة السعودية، حيث كان يوجد اتفاق تام بين القيادتين على الحرص التام على وحدة العراق وسيادة شعبه واستقراره وحريته وهو ما يؤكده الجانبان في كل مناسبة. وعلى صعيد العلاقات الثنائية اهتمت القمم المصرية السعودية في عهد الملك فهد دائماً بتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وهو الملف الذي كان يحظى باهتمام خاص في الفترة الأخيرة من جانب البلدين وكان مقرراً مناقشته في قمة شرم الشيخ التي تأجلت بسبب رحيل الفهد خاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها مصر والتجربة السعودية الناجحة في مكافحة الإرهاب. أما على الصعيد الاقتصادي فكان الجانبان يحرصان على دعم الملف الاقتصادي متمثلاً في زيادة الاستثمارات المشتركة بين البلدين وزيادة حجم التبادل التجاري بينهما والمعروف أن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية، كانت مثار اهتمام الفهد ومبارك سواءً كانت على مستوى الاتصالات والزيارات المتبادلة بين المسؤولين من الجانبين، أو على مستوى القمم المصرية السعودية. وعلى الرغم من تميّز العلاقات الاقتصادية بين المملكة ومصر، إلاّ أنه كانت هناك بعض المشكلات التي كانت تعوق تنمية التجارة بين البلدين، من بينها قضايا تهم الجانب المصري، وأخرى تهم الجانب السعودي فكانت توجيهات الملك الراحل الصريحة بحلها وإزالة العوائق التي تحول دون انسياب التبادل التجاري بين البلدين. وكان التنسيق المصري السعودي المتواصل، وحرص الجانبين على تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، وإزالة كلِّ المعوقات التي تواجهه، نجح في حل معظم هذه القضايا، وكانت المفاوضات الاقتصادية بين الجانبين السعودي والمصري قد جرت منذ عدة أشهر مضت قبل رحيل الفهد بمثابة نموذج اقتصادي جيد تقتدي به الدول العربية الأخرى في إطار قيام إستراتيجية اقتصادية عربية، لتحقيق السوق العربية المشتركة الكبرى. وبالفعل تم حل الإشكاليات والعوائق التي قد تنشأ لانسياب التجارة البينية بين البلدين، بما يحقق آمال وطموح الشعبين، والعمل على تطوير دور القطاع الخاص في دعم وتنمية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية. والجدير بالذكر أن السعودية ومصر، قد أنجزتا خطوات ناجحة في هذا المسار، حيث اتفق أعضاء مجلس الأعمال المصري - السعودي على إنشاء مكتب دائم في كلٍّ من القاهرة والرياض لتقديم الخدمات والتسهيلات لرجال الأعمال في البلدين. كما اتفق الطرفان على وضع آلية لتبادل البيانات والمعلومات عن قواعد ومناخ الاستثمار والفرص المتاحة في البلدين، إضافة إلى إنشاء مركز لرصد فرص التسويق في مختلف المجالات الاستثمارية في البلدين. وكانت زيارة وزير التجارة الخارجية والصناعة المصري المهندس رشيد محمد رشيد للمملكة في يناير الماضي، على رأس وفد رفيع المستوى من المسؤولين والمختصين بالتجارة الخارجية في مصر، وعدد من رجال الأعمال، نقطة فاصلة وحاسمة، وضعت حجر الأساس لعلاقة شراكة اقتصادية حقيقية، بعد أن أجرى مباحثات مع د. هاشم يماني وزير التجارة والصناعة السعودي والتقى مع ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ووزراء المالية والاقتصاد والزراعة، حيث تم التوقيع في نهاية الزيارة على محضر اجتماع اللجنة والذي تضمن 13 بنداً، أهمها رفع الحظر السعودي على الصادرات المصرية إلى المملكة من الأغنام والماعز الحيّة واللحوم بجميع أنواعها، ووقف الإجراءات التي يتخذها جهاز مكافحة الدعم والإغراق بمصر ضد شركة سابك السعودية. واتفق الوزيران، رشيد ويماني، على أهمية دعم التبادل التجاري بين البلدين من خلال دراسة فكرة إنشاء صندوقين برأسمال مشترك، أحدهما لتوجيه الاستثمارات السعودية لمصر برأسمال قدره 250 مليون دولار، فيما يبلغ رأسمال الصندوق الثاني 150 مليون دولار، ويتركز دوره على إنشاء بنية تحتية وآليات جديدة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين، ويركز نشاطه على مشروعات النقل. وقد اتفق الوزيران على قيام الجانب المصري بدراسة الفكرة وتقديم مقترحات لوضعها موضع التنفيذ في أقرب وقت ممكن. وتشير الإحصاءات إلى أن التجارة البينية بين السعودية ومصر في تزايد مستمر، فمن عام 2002 إلى عام 2003م قفزت الصادرات السعودية لمصر من 468 مليون دولار إلى 914 مليون دولار، بزيادة تقدّر بنحو 95 بالمائة، أمّا الواردات المصرية للسعودية فقد ارتفعت من 217 مليون دولار إلى 303 ملايين دولار بزيادة تقدّر بنحو 40 بالمائة في نفس الفترة. وتتصدَّر السعودية قائمة الدول العربية التي لها استثمارات في مصر خاصة في مجالات السياحة وبعض الصناعات الغذائية والجلدية.
|