Tuesday 2nd August,200511996العددالثلاثاء 27 ,جمادى الثانية 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

التزام إسلامي بدأ منذ التأسيس المجيدالتزام إسلامي بدأ منذ التأسيس المجيد
صيانة حقوق الإنسان ورعايتها في عهد خادم الحرمين الشريفين

* الرياض - الشؤون السياسية:
حفظ الحقوق الإنسانية ورعاية الضرورات الخمس مبدأ ونهج إسلامي بتوجيه رباني حكيم والمملكة منذ أن أسسها الموحد البطل الملك عبدالعزيز سائرة على هذا النهج لا تحيد عنه، بل إن أبناء المؤسس التزموا به نصاً وروحاً، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين راعي نهضة المملكة الحديثة كانت هذه الحقوق مشمولة في اطار التطوير والتحديث المتسارع دون مساس بالثوابت الشرعية الحقوقية، حيث تجد حقوق الإنسان صيانة ورعاية واضحة جلية مصاغة بأنظمة ومبادئ مساندة مستمدة من الشرع الحكيم والسنة المطهرة.
المبادئ التسعة
لهذا، فإن الأنظمة والقوانين التي تصدرها المملكة العربية السعودية في مراحل معينة من تاريخ تطورها الحضاري ليست جديدة على التطبيق بقدر ما هي جديدة من حيث الصياغة والتوثيق فقد قامت الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف على الحكم بالإسلام حينما تعاهد على ذلك رجلان مصلحان، هما الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب واستمر الحكم بهذا المنهج في عهد الملك عبدالعزيز الذي أسس الدولة على تسعة مبادئ يتم العمل بها إلى الآن، وهي:
أولاً: عقيدة التوحيد التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له، ويعيشون أعزَّة مكرَّمين.
ثانياً: شريعة الإسلام التي تحفظ الحقوق والدماء، وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع، وتصون الأمن العام.
ثالثاً: حمل الدعوة الإسلامية ونشرها، حيث إن الدعوة إلى الله من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وأهمها.
رابعاً: إيجاد (بيئة عامة) صحية صالحة مجرَّدة من المنكرات والانحرافات تُعين الناس على الاستقامة والصلاح، وهذه المهمة منوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: تحقيق (الوحدة) الإيمانية التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية.
سادساً: الأخذ بأسباب التقدُّم وتحقيق النهضة الشاملة التي تيسِّر حياة الناس ومعاشهم، وتراعي مصالحهم في ضوء هَدْي الإسلام ومقاييسه.
سابعاً: تحقيق الشورى التي أمر الإسلام بها ومدح مَنْ يأخذ بها، إذ جعلها من صفات المؤمنين.
ثامناً: أن يظل الحرمان الشريفان مُطهَّرَيْنِ للطائفين والعاكفين والرُّكَّع السجود كما أرادهما الله، بعيدين عن كل ما يحول دون أداء الحج والعمرة والعبادة على الوجه الصحيح، وأن تؤدي المملكة هذه المهمة قياماً بحق الله، وخدمة للأمة الإسلامية.
تاسعاً: الدفاع عن الدين والمقدسات، الوطن والمواطنين والدولة.
وانبثقت عن هذه (الأصول) المستمدَّة من كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم كافة الأنظمة والقوانين التي سنَّتها المملكة العربية السعودية في كافة عهودها وعلى أيدي جميع ملوكها وهذا يُعبِّر عن حقيقة تتميز بها المملكة العربية السعودية عن غيرها من الدول العربية والإسلامية، ذلك لأن الدولة السعودية دستورها الشريعة الإسلامية فالعقيدة الإسلامية وشريعتها هي الأصول الكلية والمرجعية الأولى في العلاقات والمعاملات والسلوك بين الحاكم والمحكوم، وبين أنفسهم والآخرين، مسلمين وغير مسلمين، وعلى ذلك نصَّ قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} «الجاثية 18».
هذه حقيقة ثابتة في عقل ووجدان كل حاكم ومواطن في المملكة العربية السعودية، وبذلك كانت هذه الدولة نموذجاً متميزاً في السياسة والحُكْم في التاريخ الإسلامي الحديث واستمر السير على هذا النهج في جميع المراحل التاريخية التي مرَّت بها المملكة.
وكان كل حُكَّام المملكة العربية السعودية على وعي بهذه الحقيقة عند التشريع وإصدار القوانين وقد عبر عن ذلك المعنى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في خطابه التاريخي يوم 7-8-1412هـ الذي أعلن فيه صدور أنظمة الحكم الثلاثة، قال (لم تعرف المملكة العربية السعودية ما يُسمَّى بالفراغ الدستوري، فمفهوم الفراغ الدستوري من حيث النص هو ألاَّ تكون لدى الدولة مبادئ موجهة، ولا قواعد ملزمة، ولا أصول مرجعية في مجال التشريع وتنظيم العلاقات إن المملكة العربية السعودية لم تشهد هذه الظاهرة في تاريخها كله، لأنها طوال مسيرتها تحكم بموجب مبادئ موجهة، وقواعد ملزمة، وأصول واضحة يرجع إليها الحكام والقضاة والعلماء وسائر العاملين في الدولة وكافة أجهزة الدولة تسير في الوقت الراهن وفق أنظمة منبثقة من شريعة الإسلام ومضبوطة بضوابطها ومن هنا فإن إصدارنا اليوم للأنظمة التالية (النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق) بصيغ جديدة لم يأتِ من فراغ.
إن هذه الأنظمة الثلاثة إنما هي توثيق لشيء قائم، وصياغة لأمر واقع معمول به، وستكون هذه الأنظمة خاضعة للتقويم والتطوير حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها والأنظمة الثلاثة صِيغت على هَدْيٍ من الشريعة الإسلامية، معبرةً عن تقاليدنا الأصيلة، وأعرافنا القومية، وعاداتنا الحسنة).
وقد عبَّر عن هذه الحقيقة بوضوح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في خطابه السالف الذكر حين قال:
(لقد التزمت المملكة العربية السعودية في مختلف مراحلها منهج الإسلام حكماً وقضاءً ودعوةً وتعليماً، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وأداءً لشعائر الله التزم الولاة بذلك، والتزمه المسؤولون في الدولة، والتزمه الشعب في تعامله وحياته فالإسلام هو منهج الحياة، ولا تفريط فيما جاء في كتاب الله وثبت عن رسوله أو أجمع عليه المسلمون إن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ما اختلفنا فيه من شيء رددناه إليهما، وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة.
وقد كان الحُكَّام والعلماء في المملكة العربية السعودية ولا يزالون متآزرين متعاونين، وكل الشعب ولا يزال ملتفاً حول قيادته، متعاوناً معها، مطيعاً لها بموجب البيعة الشرعية التي تتم بين الحاكم والمحكوم والحاكم يقوم بالتزاماته تجاه تطبيق الشريعة وإقامة العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه وبذلك سعد المجتمع بالأمن والاستقرار ورغد العيش إن المملكة في حاضرها، كما هي في ماضيها، ملتزمة بشرع الله، تُطبِّقه بكل حرص وحزم في جميع شؤونها الداخلية والخارجية، وسوف تظل بحول الله وقوته ملتزمةً بذلك، حريصةً عليه أشد الحرص) وقد استدعى تطور الدولة وتوسعها فضلاً عن متغيرات الحياة الحديثة ومتطلباتها أن تسنَّ المملكة العربية السعودية القوانين وتصدر اللوائح، وتضع الأنظمة التي تنظِّم العمل في مؤسساتها، وتوضح لمواطنيها طبيعة الحقوق والواجبات، وتعرف بالحدود الشرعية في الداخل، وترسم سياسة العلاقة بالشعوب والدول في الخارج وفق ما تقضي به شريعة الإسلام.
المملكة الأكثر رعاية للحقوق
وبناءً على ما تقدَّم فإن المملكة العربية السعودية أكثر دول العالم مراعاةً لحقوق الإنسان داخل أرضها وخارجها، ولم تنتظر صدور أنظمة دولية أو مواثيق من الأمم المتحدة لتقرَّ ذلك في أنظمتها.
وسيعرض هذا الفصل لموقف المملكة من حقوق الإنسان في جانبي حقوق الإنسان على أراضيها، وأسبقيَّتها في التطبيق، مع عرض ما سنَّتْهُ من أنظمة وقوانين آخرها ظهور (جمعية حقوق الإنسان السعودية) والجانب الآخر حقوق الإنسان في الخارج، ونعني به ما تقدِّمه المملكة من عَوْن مادي ومعنوي لأبناء الشعوب الفقيرة والمتضررة، سواء استجابة لروح الأخوة الإسلامية أو تعاطفاً مع الدواعي الإنسانية، وذلك من خلال ما تقدمه الدولة مباشرةً أو أعمال الهيئات والجمعيات الخيرية الإسلامية المتعددة في المملكة التي أُعلن توحيدها جميعاً تحت اسم (الهيئة السعودية الأهلية للإغاثة في الخارج) وسيكون في هذا إجابة قاطعة على الاتهامات المغرضة التي يوجِّهها الإعلام الغربي بخصوص مسألتي حقوق الإنسان والعمل الإغاثي الإسلامي المنطلق من المملكة العربية السعودية.
حقوق الإنسان في بلادنا
نصَّ نظام الحكم الصادر بالمرسوم الملكي أ-90 بتاريخ 27-8-1412هـ على ضمان حقوق الإنسان، واحترام كرامته وخصوصياته وأمنه، وذلك وفق ما نصَّت عليه الشريعة الإسلامية التي هي دستور المملكة المعمول به فعلياً ومما ورد على سبيل المثال بهذا الخصوص في نظام الحكم النماذج التالية:
المادة الثامنة: يقوم الحُكْم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
المادة السادسة والعشرون: تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
المادة الثامنة والعشرون: تُيَسِّر الدولة مجالات العمل لكل قادر، وتسنُّ الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل.
المادة السادسة والثلاثون: تُوفِّر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام.
المادة الثامنة والثلاثون: العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي.
المادة الأربعون: المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مصونة، ولا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الاطلاع عليها أو الاستماع لها إلا في الحالات التي يُبيِّنها النظام.
المادة الثالثة والأربعون: مجلس الملك وولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل مَنْ له شكوى أو مظلمة، ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض عليه من الشؤون.
المادة السابعة والأربعون: حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين بالمملكة، ويبيِّن النظام الإجراءات اللازمة لذلك.
وقد فصل (نظام الإجراءات الجزائية) في مسألة الحقوق التي أقرَّتها المنظمات الإنسانية للمتهم والسجين فمثلاً جاء في المادة الخامسة والثلاثين (يجب إخباره أي المتهم بأسباب إيقافه، ويكون له الحق بمَنْ يرى إبلاغه) وأضافت المادة السادسة عشرة بعد المائة (يُبلَّغ فوراً كلُّ مَنْ يُقبض عليه أو يُوقف بأسباب القبض عليه أو توقيفه، ويكون له حق الاتصال بمَنْ يراه لإبلاغه، ويكون ذلك تحت رقابة رجل الضبط الجنائي) كما نصَّت المادة الثانية بعد المائة من النظام نفسه على أن يتم استجواب المتهم في حالة لا يتم فيها التأثير على إرادته أثناء إبداء أقواله، ولا يجوز تحليفه أو استعمال وسائل الإكراه ضده وهو تفصيل لما جاء في المادة الثانية نصاً (حظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً أو معنوياً، كما يُحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة) وبيَّن الأمر الملكي السامي رقم 8-277 في 22-5-1405هـ أن الحصول على اعتراف المتهم ينبغي ألاَّ يكون بالتعذيب، لأن التعذيب يجعل المتهم يعترف ولو لم يرتكب ما نُسب إليه، ويجب أن يكون الاعتراف بالتحقيق الدقيق المتقن.
أما نظام القضاء في المملكة فهو متاح لكل إنسان على أرضها مجاناً دون أية تكلفة مادية، ومستقل منذ تأسيس الدولة السعودية وقد نصَّ نظام الحُكْم على هذا في المادة السادسة والأربعين التي جاء فيها (القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية) وهذا الاستقلال امتداد لنظام فصل السلطات في الدولة الذي نصَّت عليه المادة الرابعة والأربعون، بحيث لا يجوز لأي سلطة من السلطات الثلاث، القضائية والتنفيذية والتنظيمية، التدخل في أعمال السلطة الأخرى وقد استكمل نظام حقوق المتهم بصدور نظام المحاماة بالمرسوم الملكي رقم م-38 بتاريخ 28-7- 1422هـ الذي يترتب بموجبه حق المتهمين في توكيل محامين أكفاء يقدمون لهم العون الشرعي والنظامي أثناء إجراءات المحاكمة.
هذه لمحات عن حقوق الإنسان التي ترعاها الدولة السعودية وفق ما جاء في الشريعة الإسلامية والأنظمة المنبثقة منها، وهي سابقة من حيث التطبيق، لا من حيث سن القوانين، لكثير من الدول التي تتغنَّى بهذه الدعوى لهذا فإن السماح بظهور جمعية حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية لم يكن الهدف منه إضافة جديد لهذه الحقوق المكفولة شرعاً ونظاماً فيها بقدر ما كان الهدف منه إضافة خطوة إلى وسائل تحديث الدولة ومؤسسات المجتمع المدني المتحضر الذي يُشيِّده الملك فهد بن عبدالعزيز في العقد الثالث من حكمه وقد ضمنت الدولة لهذه الجمعية التي ضمَّت أعضاء من الجنسين استقلالها الكامل وعدم تبعيتها لأية جهة حكومية، وحقَّها في التخاطب مع الجهات العليا مباشرة.
حدَّد النظام الأساسي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية أهدافها وطبيعة عملها واللجان المنبثقة منها على النحو التالي:
* التأكد من تنفيذ ما ورد في النظام الأساسي للحكم وفي الأنظمة الداخلية في المملكة ذات العلاقة بحقوق الإنسان.
* التأكد من تنفيذ التزامات المملكة تجاه قضايا حقوق الإنسان وفق ما ورد في إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
* تلقِّي الشكاوى ومتابعتها مع الجهات المختصة، والتحقُّق من دعاوي المخالفات والتجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان.
* تقديم الآراء والمقترحات للهيئات الحكومية والأهلية للعمل على التثقيف ونشر المعلومات في مجال حقوق الإنسان.
* التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في الهيئات الدولية بشكل عام والمنظمات الدولية غير الحكومية بشكل خاص.
* دراسة المواثيق والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان الدولية وتطبيقاتها.
* إقامة المؤتمرات والندوات والحلقات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
* تشجيع التعاون الإقليمي والدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
* نشر إصدارات متخصصة تُعنى بحقوق الإنسان.
كما تم تشكيل عدة لجان على النحو الآتي:
* لجنة الرصد والمتابعة: وتختص برصد ومراقبة ومتابعة ما يتعلق بتحقيق أهداف الجمعية، وتلقِّي البلاغات والشكاوى، والتحقُّق من دعاوي المخالفات والتجاوزات للأنظمة.
* لجنة الدراسات والاستشارات: وتختص بالقيام بالدراسات وتقديم الاستشارات المتعلقة بالصكوك والأنظمة والإجراءات في مجالات حقوق الإنسان.
* لجنة الثقافة والنشر: وتختص بالتوعية وإقامة الندوات والمؤتمرات ونشر المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان.
* لجنة الأسرة: وتختص بما يتعلق بشؤون الأسرة.
وللمجلس أن ينشئ لجاناً أخرى حسب الاقتضاء.
ويأتي اهتمام لجنة حقوق الإنسان السعودية بالأسرة انطلاقاً من تعاليم الشريعة الإسلامية، فالأسرة هي بيئة الطفل، وقد أكد الإسلام على التخطيط لها وتنظيمها بما يكفل الانسجام والاحترام والمساواة وضمان الحقوق، ووضع المحافظة على الأطفال في مقدمة تلك الأولويات، فقد أوصى بالمباعدة بين فترات الحمل، لإعطاء الفرصة للتربية وحماية الطفل من الأمراض المعدية، وحفظ له حق الرضاعة الطبيعية، ووضع نظماً شاملة لتربيته عمادها الحرية والاستقلالية الذاتية، مع إلزام الوالدين بالرعاية الكاملة ولهذا فإن المملكة تولي اهتماماً كبيراً برعاية الأطفال وحقوقهم الإنسانية وتأكيداً لهذا الاهتمام أنشئت اللجنة الوطنية السعودية للطفولة عام 1398هـ (1979م)، وهو العام الذي حدَّدته الأمم المتحدة عاماً دولياً للطفل، كما انضمت المملكة إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي أقرَّتها الأمم المتحدة سنة 1408هـ (1989م).
ومن أهم الجهود التي بُذلت في المنطقة العربية بمشاركة المملكة العربية السعودية (مؤتمر تعليم حقوق الإنسان) الذي عُقد في القاهرة في أكتوبر 2000م بمركز دراسات حقوق الإنسان، وناقش قضايا نَشْر ثقافة حقوق الإنسان وتعليمها في العالم العربي، وشاركت فيه 28 دولة، منها 14 دولة عربية.
والخلاصة أن قرار السماح بإنشاء جمعية لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ليس إلا ثمرةً من ثمار تاريخ طويل في خدمة حقوق الإنسان والمحافظة عليها، انطلاقاً من العمل بالشريعة الإسلامية وما ينبثق منها من قوانين وأنظمة تصدر لتواكب مستجدات العصر والحاجة إلى التطوير والإصلاح الذي تحتاجه المرحلة التاريخية التي تمر بها المملكة والعالم، وليس نتيجةً لضغوط خارجية كما تزعم وسائل الإعلام المعادية وفي هذا السياق سياق اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بسنِّ القوانين التي تناسب كل مرحلة تم تطوير وإصدار ثلاثة أنظمة للمساعدة على تطبيق العدالة والحفاظ على حقوق الإنسان، مواطناً أو مقيماً، وهي نظام المرافعات، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة، وإنشاء لجنة دائمة بتاريخ 9-6-1999م للتحقيق في الادعاءات المتعلقة بممارسة التعذيب، وإنشاء أقسام لحقوق الإنسان في المؤسسات الحكومية، مثل وزارات الداخلية والعدل والشؤون الإسلامية وكل ذلك قبل ظهور جمعية حقوق الإنسان، ثم جاء (مؤتمر حقوق الإنسان) الذي استضافته المملكة تواصلاً مع ذلك التاريخ الطويل لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، وهي الحقوق التي نصَّت عليها الشريعة الإسلامية، وثبتت عليها المملكة منذ إنشائها إلى اليوم.
خدمتنا لحقوق الإنسان بالخارج
لم يقتصر سعي المملكة العربية السعودية بتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الداخلي، وإنما تجاوزه إلى المستوى الإسلامي والدولي، فبالإضافة إلى المساهمات التطوعية التي تُقدِّمها المملكة إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان وإلى الأجهزة التابعة لها تبذل المملكة جهوداً كبيرة وحضارية في الدفع بحركة التنمية إلى الأمام، وهي من الحقوق الأساسية للإنسان وفي الوقت الذي دعت فيه الأمم المتحدة إلى تخصيص 0.7% من الناتج القومي الإجمالي للدول كمعونات خارجية تجاوزت المملكة هذه النسبة بكثير، حيث يبلغ ما تُقدِّمه المملكة من مساعدات ما نسبته 4% من إجمالي نتاجها القومي، أي ما يقارب 76 بليون دولار خلال العشرين سنة الماضية من حكم خادم الحرمين الشريفين بواقع 3.7 بلايين دولار سنوياً، وهي النسبة الأعلى في العالم مقارنةً بمستوى الدخل القومي الإجمالي.
وذكر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 1991م أن مساعدات المملكة لعام 1990م ارتفعت إلى 3692 مليون دولار، أي بنسبة 3.891% وقد مثلت هذه النسبة أحد عشر ضعفاً لمتوسط نسبة ما قدمته الدول الصناعية إلى ناتجها القومي الإجمالي وتعتبر المملكة من حيث الحجم المطلق للمساعدات في عام 1990م في المرتبة الخامسة بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وألمانيا.
استفادت من مساعدات المملكة 70 دولة من مختلف القارات، وقدَّم الصندوق السعودي للتنمية (الجهاز الرئيس للمساعدات السعودية الإنمائية للدول النامية) قروضاً إنمائية بالعشرات وبالرجوع إلى ما نُشر في تقارير دورية عن المساعدات السعودية، مثل تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية oecd والبنك الدولي، فإن التقرير الصادر عن oecd بعنوان (التعاون الإنمائي) يشير إلى أن المملكة العربية السعودية احتلت المركز الثاني في العالم من حيث قيمة الحجم المطلق للمساعدات الإجمالية خلال معظم عقدي السبعينيات والثمانينيات، واحتلت المركز الرابع من بين الدول المانحة خلال السنوات الأخيرة من الثمانينيات أما ضمن مجموعة الأوبك فقد احتلت المملكة العربية السعودية من حيث الرقم الإجمالي المركز الأول، حيث بلغت نسبة المساعدات السعودية في العقدين الأولين من حكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حسب تقرير المنظمة المذكورة نحو 89% من جملة المساعدات المُقدَّمة من دول الأوبك.
أبرز الهيئات بالخارج
أما الهيئات السعودية الإنسانية الخيرية العاملة في الخارج فأهمها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وغيرها.
وتجمع هذه الهيئات على الأهداف الإنسانية الإغاثية التي تصون كرامة المسلم من مذلة الحاجة، وتحافظ على هويته من الضياع، وأهمها ما يلي:
* تقديم الغوث الإنساني للمسلمين شعوباً وجماعات حين تحل بهم الكوارث في أنفسهم أو أملاكهم أو عقيدتهم أو حرياتهم.
* تقديم ما يقي المسلمين من الكوارث، ومساعدتهم في المحافظة على حقوقهم المعنوية والمادية برفع مستواهم التعليمي والثقافي.
* الاهتمام بالأقليات الإسلامية في المجتمعات العنصرية، وتقديم ما يلزم للمحافظة على كيانهم الذاتي.
* تقديم الرعاية الشاملة للفقراء والأرامل والعجزة والأيتام بتقديم المساعدات النقدية وإقامة المخيمات الطبية لعلاجهم وابتعاثهم.
وكلها أهداف إنسانية سامية نصَّت عليها الشريعة الإسلامية في إطار واجب المسلم نحو أخيه المسلم، ونصَّت عليها أنظمة الأمم المتحدة في مواثيق حقوق الإنسان.
والهيئات الخيرية السعودية العاملة في الخارج، والتي تتجاوز الـ15 هيئة ولجنة ومؤسسة، بعضها تجاوز عملها عشرات الدول، فالندوة العالمية للشباب الإسلامي لها نشاط دعوي وإغاثي في 60 دولة، وتتجاوز مناشطها 163 ألف منشط تثقيفي وتعليمي وتربوي ودعوي وإغاثي في حين وصل عدد الدول التي تعمل فيها مؤسسة الحرمين الخيرية إلى أكثر من 50 دولة أما هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية فقد وصل عدد الدول التي تعمل فيها أو لها أنشطة بها إلى 90 دولة أما الوقف الإسلامي فيمتد نشاطها لأكثر من دولة وهناك ميزانيات لمؤسسات خيرية سنوية وصل لأكثر من مائتي مليون ريال في العام الواحد وبعض هذه المؤسسات الخيرية تقوم بجميع الأعمال الإغاثية والدعوية، مثل (الإغاثة الإسلامية العالمية) و(الندوة العالمية للشباب الإسلامي) في حين تُخصِّص بعض الهيئات مناشطها في قطاعات محددة، فالوقف الإسلامي يغلب على نشاطها نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتربية النشء، وإعداد الدعاة، والإسهام في العمل الإعلامي الاجتماعي أما اللجنة السعودية المشتركة لإغاثة كوسوفا والشيشان فاقتصر نشاطها على كوسوفا والشيشان فقط، وكذلك الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك والصومال، والتي تُكرِّس الآن الدعم لرعاية الأسر المحتاجة في فلسطين (ائتلاف الخير) الذي يعمل في داخل الأراضي المحتلة.
حقيقة الحملات الإعلامية ضدنا
ومن هنا تظهر الأهداف الحقيقية التي تقف وراء الحملة الإعلامية على المملكة العربية السعودية بوجه العموم، وعلى هيئات العمل الإنساني الخيري والإغاثي، بدعوى محاربة الإرهاب وإلقاء التبعة على الهيئات الأهلية السعودية بتهمة تمويل المنظمات الإرهابية، مستغلين أحداث 11 سبتمبر 2001م الإرهابية التي ضربت بُرْجَي التجارة العالميين في نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن، لتمرير هذا الاتهام المُبيَّت لحركة العمل الإنساني المنطلق من المملكة العربية السعودية، للقضاء على أهدافه التي تُفوِّت على المنظمات الإغاثية التنصيرية تحقيق مآربها في الدول الإسلامية الفقيرة.
ولم يَعُدْ من شك في أن الحملة على المملكة، التي كانت تتم على استحياء وباستتار قبل أحداث 11 سبتمبر, وجدت مبرر الظهور علناً والكشف عن هويتها ونواياها، لتجفيف منابع العمل الخيري الإنساني في أكبر دولة إسلامية تُقدِّمه، وإيقاف هيئاتها الخيرية البعيدة كلَّ البعد عن مزاولة النشاط السياسي عن العمل بتهمة تمويل الإرهاب، في حين يتم السكوت عن المؤسسات والمنظمات غير الإسلامية التي تقوم بأعمال إرهابية وتضليلية، وتتستَّر تحت مظلة العمل الخيري ومحاربة الإرهاب.
في حين أن حقوق الإنسان العربي والمسلم تسقط وتُنتهك بكل المقاييس، وعلى كافة المستويات، ولا يُوجد مَنْ يصف هذا السلوك اللاإنساني بالإرهاب، وهو ما صرَّحت به المملكة في كلمتها المشار إليها آنفاً في الدورة الستين للجنة حقوق الإنسان، حيث قالت (فلا تزال المنطقة تشهد استمرار الاحتلال الإسرائيلي، ولا تزال الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان الفلسطيني والسوري في هضبة الجولان المحتل وما تبقَّى من معتقلين لبنانيين في السجون الإسرائيلية بنوداً ثابتة في أعمال لجنتكم على مدى دورتها السابقة والحالية، حيث نشهد بشكل يومي تقريباً العدوان المتكرر على حقوق الإنسان الفلسطيني، ونجد أن مَنْ يتحدث بلغة القانون يتجاهل ذلك عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وتظهر ازدواجية المعايير بأبشع صورها، فالإنسان الفلسطيني محروم من أبسط حقوقه، فهو يعيش تحت القهر وتدمير ممتلكاته ومصادرة أراضيه وفي نفس الوقت تظل الأوضاع في العراق غير مستقرة وبحاجة ماسة إلى التعاون الدولي الذي يرتكز على الوفاء بالمتطلبات الفعلية والملحة للشعب العراقي وفي هذا الصدد يجب تشجيع مشاركة كافة الدول القادرة على المساهمة في هذا المجال تحت مظلة الشرعية الدولية ممثلةً بالأمم المتحدة إن الشعب العراقي الذي عانى الكثير عبر العقود الماضية يستحق الاستقرار والحرية والازدهار، وإن تحقيق هذه المتطلبات لن يتم إلاَّ من خلال نظام سياسي تمثيلي واسع، يستند على الوحدة الوطنية بدلاً من الاعتبارات الطائفية أو الانقسامات العرقية.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved