لم يأتِ بخلدي قط أن أكتب في مثل هذا الموضوع.. بل لا أبالغ أبداً إن قلت إني أبيت مراراً على قلمي أن يسطر هذه الكلمات... ولكن... لم أستطع (أنا) ولا قلمي بل ولا قلبي الصمود طويلاً أمام إصرار تلك الكلمة... نعم... كلمة ترددت كثيراً... كثيراً بين أضلعي.. تريد أن تخرج تريد أن تصيح وتعلو.. لتسمع الناس جميعاً أن هناك... (... من يعيش لغيره...) يبكي ليضحك غيره... يمرض ليصح غيره... يسهر لينام قرير العين غيره... يتعب ويشقى لينعم غيره... قلوب ركلت ورفضت (الأنانية وحب الذات)... يزداد بذلها عند النكران... وتزداد تضحيتها عند الجحود والنسيان... لا يوهن عزيمتها جهل قريب... أو غدر حبيب... شعارها قول الحق جل في علاه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}سورة الحشر يؤثرون: يقدمون غيرهم على أنفسهم خصاصة: حاجة. فهم يقدمون حوائج الناس على حوائجهم... وسعادة الناس على سعادتهم... تعجب من صنيعهم كثيراً وتندهش... كيف لا وقد عجب الله منهم... كيف ذلك؟!!! تأمل معي هذه القصة العجيبة من رواية الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إني مجهود، فطلب له النبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً من أهله فلم يجد... فقال لأصحابه. من يضيف هذا الليلة.. فقال رجل من الأنصار أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت لا، إلا قوت صبياني، قال: علِّليهم بشيء، وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم، وإذا دخل ضيفنا، فاطفئي السراج، وأريه أنَّا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبح، غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقال: لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة.. متفق عليه. فإلى كل من (هُدِىَّ) إلى هذا الخلق أقول تقدم فأنت على (هدى)... وأبشر بالرفعة والمكانة عاجلاً أو آجلاً في الدنيا والآخرة.... واعلم أن ذلك هو تمام الإيمان بدلالة قول سيد الانام - صلى الله عليه وسلم -: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. إشارة:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام |
|