هناك (وَهْمٌ) يبدو أنه يتلبس محمد حسنين هيكل، كلما اعتقد بأن ما يكتبه من مغالطات وخرافات قد يتحول -لاحقاً- إلى وثائق يمكن للباحثين والدارسين أن يعتمدوا عليها، ضمن المصادر التوثيقية لأبحاثهم ودراساتهم.. وهو (وَهْمٌ) يصاحب عادة كل المفلسين، وذوي الأهداف والأطماع الشخصية من كتاب وإعلاميين، وحتى من أدعياء الكتابة التاريخية على امتداد العالم العربي، وليس لي أن أستثني محمد حسنين هيكل من هؤلاء.. *** والتاريخ لمن يريد أن يسجل وقائعه، ويتتبع خطواته وأحداثه، يحتاج من كاتبه إلى التجرد والتخصص والتفرغ الكامل وإلى المهنية العالية.. ومن العبث أن يتصدى كاتب ولو لجزء من التقلبات والأحداث السياسية والدولية، فيؤرخ لها من غير علم، ويكتب عنها من دون معرفة أو دراية أو إلمام، ويظن - خطأ - أن ما يفعله، إنما هو تاريخ أو جزء يصنف هكذا باعتبار أنه لم يكتب من قبل.. *** ومشكلة (هيكل) مع التاريخ، عبثه الواضح بأوراقه، وتجهيله واستخفافه بمن يقرأ أو يستمع إليه.. ومشكلته الأخرى أنه يتعامل مع الإشاعة المكتوبة على أنها وثيقة يُعْتَدُّ بها، وسند موثق طالما أنه لقي هوى في نفسه.. وبخاصة حين لا يفرق بين الوثائق المزيفة، وتلك التي أجمع المؤرخون الحقيقيون على صحتها.. وأكثر ما يلفت نظر المتابع الأسلوب (الهيكلي) الانتقائي في اختيار الوثائق، وهو أسلوب يرفضه العقل لأنه يثير الشك في نواياه وأهدافه ومراميه.. *** ولا خلاف على أن (هيكل) يكره الأنظمة الملكية، وهذا حقه، وليس لنا من حق في الاعتراض عليه.. ولا يزعجنا أن يكون ثراء السعوديين مصدر قلقه وشعوره بعدم الرضا عليهم أو الارتياح لهم، فهذا من حقه أيضاً.. غير أن التاريخ، لا يكتب ولا يدون بالعواطف والميول والأهواء، كما أن عقدة الكراهية والحقد لا يستخدمها مؤرخ موثوق ضمن أدواته المعرفية والكتابية، مثلما أنها لا تتدخل ولا ينبغي أن تتدخل في توجيه الكاتب، أو التأثير عليه في كتابة ما هو ليس صحيحاً.. والتاريخ الحقيقي، لا يكتبه - كما نفهم - إلا الأصحاء والمنصفون، ومن يحقق ويتحقق في صحة كل وثيقة أو رواية ومعلومة تصل إليه، ليحتكم إليها في توثيق ما يكتبه بنزاهة للآخرين.. *** الملك عبدالعزيز.. أو الملك فاروق.. أو الملوك الهاشميون.. ليسوا سوى نماذج للقذف (الهيكلي) غير المبرر بحق قيادات تاريخية أدت دورها- بنسب متفاوتة- بين ملك وآخر.. والتاريخ - لا هيكل - هو من يحكم على دور كل منهم.. وقد قال التاريخ كلمته في كل هؤلاء.. وَوَثَّق ما لهم وما عليهم بتجرد وأمانة وصدق.. *** ولا أستطيع أن أخفي ألمي وأساي مما استمعت أو قرأت (لهيكل) من كلام لا يليق عن سيرة البطل الملك عبدالعزيز.. بينما تمتلئ المكتبات ومراكز البحوث والدراسات بالكلام الجميل عنه، وهو ما لم يحصل عليه زعيم من قبل ومن بعد بمثل ما كتب عن الملك عبدالعزيز.. بل إن الوقائع على الأرض تفند كلام (هيكل) الذي يزعم أنه من دعاة الوحدة العربية.. بينما يغمض عينيه عن مشاهدة أهم إنجاز وحدوي عربي قاده ونجح في تحقيقه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وحافظ عليه من بعده أبناؤه وشعب المملكة العربية السعودية، بمثل ما هو مرئي ومشاهد إلى اليوم.
وغداً نواصل الحديث.. |