كان البيت قديماً مركزاً للتسلية وقضاء أوقات الفراغ في قصص المغامرات والبطولات والحب والغناء والرقص والنوادر والفكاهات والأحاجي وغيرها، أما الآن فيقضي كل أفراد العائلة بدءاً من الأب ثم الأبناء أوقات الفراغ في المؤسسات التجارية أو الاستراحات والمخيمات أو الانشغال بالمقاهي والتلفزيون والانترنت أو الألعاب الالكترونية، وحتى إن أفراد العائلة في اهتماماتهم الترويحية يختار كل فرد ما يناسبه من وسائل وأدوات الترفيه، فالأولاد يفضلون نوعاً خاصاً بينما يميل الكبار إلى نوع آخر، وهكذا يتفرق أعضاء العائلة الواحدة حتى في التسلية والترفيه.وبالرغم من كل هذه التبدلات والتغيرات التي حدثت على كيان الأسرة في المدينة فلا يعني أبداً أن الصورة التي رسمتها سوداء قاتمة، إنما هي خيوط التيار الجارف الذي سيغمر الأسرة في المدينة، ومع ذلك فلا تزال الأسرة تقوم بوظيفتين أساسيتين هما الطمأنينة العاطفية والجنسية وإنجاب الأطفال وفقاً للأهداف المشتركة للأسرة.إن من يزور المحاكم الشرعية اليوم في المملكة العربية السعودية وفي معظم البلدان العربية يرى بأم عينه أعداداً هائلة من الأزواج والزوجات يريدون الانفصال بعضهم عن بعض لأسباب كثيرة كلها انبثقت من المدينة فقد أوجد الإنسان المدينة لكسب الراحة والطمأنينة ولكنه سرعان ما اكتشف بأنها أصبحت سبباً في شقائه وبؤسه فالعلاقات في المدينة سطحية وطارئة ومؤقتة، والزواج فيها مبني على التخمين والتقدير الحسابي بأنه صفقة تجارية وقيمة الإنسان تقاس بمقدار ما في حوزته من مادة.وفي المدينة تأخر سن الزواج لكل من الرجل والمرأة، فلا يقدم الرجل على الزواج دون أن يعد نفسه إعداداً مهنياً كافياً، ولا يتم ذلك إلا بعد أن يفرغ من تعليمه، فتكون الفترة التي سبقت الزواج مملوءة بالثقافة المختلفة، وتحاول المرأة أن تنافس الرجل في كل مضمار، ولا تنتهي من منافستها هذه إلا بعد أن تكون قد قطعت شوطاً طويلاً من عمرها، وعندما يتأخر سن الزواج يقل عدد الأولاد وتصل المرأة سن اليأس بعد فترة قصيرة من الزواج. ويزداد اهتمام المرأة بجمالها ورشاقتها وهي في سبيل ذلك تكره أن تتفرغ للبيت وإدارته ورعاية الأطفال وإلى الحمل والولادة، وكثرة التصنع في التجميل وازداد عرض مفاتن المرأة وإغرائها اللذين لا يمثلان أهمية كبرى في حياة المرأة البدوية والريفية.وفي المدينة كثرت الأمراض النفسية والعصبية بين النساء خاصة، بينما تقل أو تنعدم في الريف والبادية وذلك نتيجة لكل الأسباب التي ذكرناها، فهي في صراع عنيف بين الطمأنينة الجنسية والأمومة وواجبات البيت. وعلى ذلك يعتبر النشاط الترويحي من الأسس الهامة في تدعيم الأسرة وقيامها بالتزاماتها من قبل أفرادها والمجتمع الذي تعيش فيه، ذلك لأن الأسرة جماعة، وكل جماعة منظمة، تحتاج إلى برامج ترويحية تدعم علاقات أفرادها بعضهم بالبعض الآخر، وتوثق علاقتها بالبيئة والمجتمع الذي تعيش فيه، وهذه العلاقات الإنسانية التي تتم بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأسرة كوحدة وغيرها من الأسر الكائنة في المجتمع والهيئات والمؤسسات الأخرى الموجودة فيه تعتبر ضرورة لكل مجتمع تقوم حياته على أساس من التعاون الناجح والتضامن المثمر. ولذلك أصبح على الأسرة أن تُعنى بفن الترويح كعامل في تدعيمها، وأن تضع مختلف البرامج الترويحية كي تواجه بها احتياجات أفرادها حسب خصائص نموهم وأن تنظم أوقات فراغ أعضائها بغرض تكامل عقدهم في كنفها، وأن تركز جل جهودها في هذا الميدان لأنه فرصتها في حل المشكلات المتعلقة بكيانها كجماعة وفي تدعيم أواصر حياتها كمجتمع صغير، والأسرة رغم التطور الاجتماعي في ميادين الحياة المختلفة لا تزال تفتقر إلى بعض مظاهر البهجة والمرح، وإلى ضروب من التسلية وأنواع من النشاط ينبغي أن يحرص أرباب الأسر على تعريف أبنائهم بها وتوجيههم إليها، ولا تزال الأسرة محتاجة إلى تهيئتها للسمر الممتع الذي يجتذب أفراد الأسرة لقاء سهراتهم فيه، ولا تزال تنقصها ألوان من الهوايات التي تشغل أبناءها لصرف بعض أوقات فراغهم في إصلاح الأسرة وتنسيقها وتنظيمها بما يطبعها بطابع مميز بهيج من نتاجهم الشخصي وبالله التوفيق.
email: |