أطراف العملية الإرهابية: من الضروري لمواجهة العملية الإرهابية أن تقوم الأجهزة الأمنية والأجهزة المنوط بها إدارة تلك الأزمة، بعملية منهجية Methodology لتحليل سلوك الأزمة Crisis Performance Analysis وذلك بالنسبة لأطراف العملية، بحيث تفرغ صدمة الفعل من مضمونها وتأثيراتها، وتحول هذا السلوك إلى اتجاهات إيجابية من خلال أهداف قابلة للتحقيق Attainable Objectives. وتتمثل أطراف العملية الإرهابية في ثلاث مجموعات أساسية: * المجموعة الأولى: وهي تمثل التشكيل الدافع للعملية الإرهابية، ويضم أربعة أطراف رئيسية: - المخطط للعملية. - الداعم للعملية. - المنفذ للعملية. - المستثمر للعملية. * المجموعة الثانية: وهي تمثل ضحايا العملية الإرهابية الذين ينقسمون إلى أطراف ثلاثة: - الضحايا المباشرون. - الضحايا غير المباشرين. - الضحايا غير المباشرين الثانويين أو ما يطلق عليهم ضحايا الصدمة. * المجموعة الثالثة: وهي تمثل التشكيل المواجه للعملية الإرهابية والذي يضم تشكيلين رئيسيين: * تشكيل المواجهة المباشرة والذي يضم أطرافاً ثلاثة: - مجموعة إدارة الأزمة الإرهابية. - التنظيمات الأمنية المشتركة في عملية المواجهة. - المجموعات الإعلامية المهتمة بمتابعة تغطية حدث الأزمة. * تشكيل المواجهة غير المباشرة والذي يضم أطرافاً أربعة. 1- نظم الحكم المرتبطة بالنطاق المكاني للعملية. 2- نظم الحكم المرتبطة بالنطاق الموضوعي للعملية. 3- مجموعات المصالح المتأثرة بالعملية. 4- المجموعات الداعمة لصناعة قرار الأزمة. وسأتناول أداء كل طرف من أطراف كل مجموعة والمحددات المرتبطة بهذا الأداء، والدور العلمي المنوط بنظم الأمن، في مواجهتها لأداء كل طرف. أولاً: المجموعة الأولى: التشكيل الدافع للعملية الإرهابية. 1- المخطط للعملية الإرهابية: يعتبر المخطط للعملية الإرهابية هو العقل المفكر للأيديولوجية الإرهابية التي تتخذ من العمليات الإرهابية إحدى وسائل تحقيق أغراضها، وترتبط عملية التخطيط للعمليات الإرهابية بمجموعة محددات رئيسية: * السياق الحضاري Cultural Context للبيئة التخطيطية والبيئة التنفيذية وبيئة المواجهة. * الأيدلوجية الفكرية السائدة في البيئة التخطيطية والبيئة التنفيذية، والبيئة المحيطة بالعمل الإرهابي. * البيئة المواتية Supportive Environment للعمل الإرهابي، بحكم الطبيعة الجغرافية أو الطبيعة الاجتماعية أو نوعية البيئة الإدارية السائدة. * تكنولوجيا الأداء الإرهابي Terrorisme Performance Technology. * الثقافة التنظيمية Orgnizaional Culture السائدة في بيئة التخطيط وفي محيط الهدف الإرهابي. * الفاعلية التنفيذية Effective Impelementing لمنفذي العمل الإرهابي. * نطاقات الدعم الخارجي والداخلي Empowerment. * البيئة المعلوماتية المتاحة. * التقديرات الاحتمالية للأفعال وردود الأفعال، بما تتضمنه من التأثيرات المتوالية لتداعيات الأحداث والمواقف. * كفاءة النظم الأمنية المواجهة للأعمال الإرهابية. * القياسات التاريخية لخطوات ونتائج العمليات السابقة مكانياً وزمانياً وموضوعياً. ويتنوع القائمون بالتخطيط للعمليات الإرهابية من فرد واحد إلى مجموعة أفراد إلى تنظيمات محلية إلى تنظيمات عالمية إلى دول وحكومات ويتصاعد مع هذا التنوع درجة إحكام التخطيط، والتسهيلات المتاحة له، وحجم الإنفاق عليه، كما يترتب على كل ذلك درجة صعوبة المواجهة واتساع حجم التأثيرات المتوالية لنتائجه.كما تتنوع دوافع التخطيط للعمليات الإرهابية من خلافات أيدلوجية أو عقائدية إلى خلافات دينية، إلى صراعات على السلطة والحكم والسيادة، إلى أساليب رفض أو ضغط لسياسات أو قرارات، إلى أساليب دعم مالي أو بشري أو إعلامي للتنظيمات القائمة، إلى استخدام العمليات الإرهابية كأحد أساليب الإدارة بالأزمة للصراعات المحلية أو العالمية. وعلى الجانب الآخر تعددت مجالات العمليات الإرهابية واتسعت دوائرها بحيث شملت السفارات وشركات الخطوط الجوية والمطارات والقطارات والطرق والحافلات وخطوط الكهرباء والفنادق والمعابد ودور الصحف والبنوك والمباني والحكومة والشركات الخاصة ..إلخ، والمخطِّط الإرهابي ليس بالضرورة هو المعتنق للفكر الأيدلوجي الذي يقف وراء العملية الإرهابية، ففي أحوال متعددة يكون المخطط للعملية هو معتنق للفكر الإرهابي تحت عباءة الفكر الأيدلوجي، من أجل تحقيق أهدافه الخاصة، والتي تكون بعيدة كل البعد عما ينادي به أو يبدو أنه يدافع عنه، ويمتلك ذلك المخطِّط مقدرة فريدة على التأثير والاستقطاب لعناصر مؤهلة لتنفيذ العملية الإرهابية، ويسلك - وصولاً إلى ذلك - عدة أساليب ووسائل: - عمليات غسيل العقول Brain Washing. - عمليات التأثير والتحكم الاقتصادي. - عمليات المشاركة في الأهداف الجزئية أو الكلية. ويختل الوضع الخاص بالمخطِّط للعمليات الإرهابية من حيث كونه مخطِّطاً استراتيجياً أو مخططاً تكتيكياً، فالمخطط الاستراتيجي هو ذلك المخطط، فرداً كان أو مجموعة أو منظمة أو دولة، الذي يتولى صياغة القواعد والأطر العامة لتحقيق الأهداف الموضوعة وأساليب تحقيق هذه الأهداف مع تفصيل الأساليب التي يمكن استخدامها في إدارة الموارد المتاحة، أو الممكن إتاحتها لكي يمكن بلوغ أو تحقيق هذه الأهداف، أما المخطط التكتيكي فهو الذي يتولى صياغة الخطط المباشرة لتنفيذ عمليات إرهابية بعينها في ضوء تحديد موضوعي لخطوات العمل، من خلال تحديد الإجابات الواضحة على الأسئلة التالية: (ماذا - لماذا - أين - متى - كيف؟). 2- الداعم للعملية الإرهابية: يعتبر الطرف الداعم للعملية الإرهابية من أهم الأطراف المساهمة في فاعلية العملية ونجاحها في تحقيق أهدافها، تلك الأهداف التي يمكن أن تختلف باختلاف الفكر الداعم أو الفكر المخطط أو المجموعة المنفذة.. هذا الاختلاف لا يتعلق بنتيجة العملية، وإنما يتعلق بزاوية تأثيرات هذه النتيجة في اتجاه فكر كل منهم.وتتعدد أنواع وأشكال الدعم الذي يساند العمليات الإرهابية ويدفع بها إلى تحقيق أهدافها كالتالي: * الدعم المادي، المباشر وغير المباشر. * الدعم بالسلاح أو التجهيزات أو وسائل الانتقالات أو وسائل الاتصالات. * الدعم بالمعلومات. * الدعم بالمشاركة المباشرة وغير المباشرة. * الدعم البشري. * الدعم بالخبرات التدريبية. * الدعم المعنوي. * الدعم السياسي المباشر وغير المباشر. * الدعم الإعلامي. والطرف الداعم في العملية الإرهابية قد يكون طرفاً خارجياً أو طرفاً داخلياً، ويتم تحديد الطرف الداخلي أو الخارجي من منظورين مختلفين: - الأول: من منظور نطاقات العملية ذاتها المكانية والموضوعية، بحيث يتم الدعم الداخلي من داخل البيئة المباشرة للعملية، وذلك بواسطة المشاركة التمهيدية للعملية، أو تزويد مخططي العملية ومنفذها بالمعلومات الخاصة الداخلية، أو المشاركة الإيجابية أو السلبية في تنفيذه العملية، ويتم الدعم الخارجي من هذا المنظور، من البيئة المحلية المحيطة وذلك عن طريق أفراد أو تنظيمات محلية أو حكومية في بعض الأحيان. - الثاني: من منظور النطاقات الجغرافية للدولة التي يتم داخلها العملية الإرهابية، بحيث يقصد بالدعم الخارجي الدعم الموجه من دول أخرى أو تنظيمات عالمية أو فروع للتنظيمات المحلية أو موجه من مجموعة التكتلات الاقتصادية ذات المصلحة المباشرة وغير المباشرة في استثمار نتائج العملية الإرهابية. ولابد أن يرتبط داعم العملية الإرهابية بمصلحة مباشرة أو غير مباشرة بنتائج العملية وتأثيراتها، وقد تكون هذه المصلحة حالية أو آجلة، وقد تكون مصلحة سياسية أو اقتصادية أو أيدلوجية أو مصلحة مادية مباشرة أو غير مباشرة، كما قد تكون هذه المصلحة هي مرحلة من مراحل الصراعات المحلية أو الدولية أو الاقتصادية،وتلعب التقنيات الحديثة في الاتصالات والانتقالات للأفراد والمواد والأجهزة والأموال دوراً بارزا في تسهيل واستمرارية سبل الدعم وأدواته، كما تساعد على عمليات التغذية العكسية، مما يوفر مرونة وسرعة وفاعلية في طرق الدعم وأساليبه وأدواته، وذلك وفقاً للمتغيرات في الظروف المحيطة ببيئة العملية الإرهابية. 3- المنفذ للعملية الإرهابية: وهو الذي يشكل القوة المنفذة للمهمة Task Forces أو الفريق التنفيذي Action Team للخطط والأدوار التي يضعها المخطط للعملية، وقد يشترك المخطط التكتيكي للعملية في تنفيذها أو في قيادة فريق التنفيذ المكلف بالعملية. ويندرج منفذو العمليات الإرهابية تحت نوعيات ثلاث: المنفذ المرتزق: وهو الذي يقدم على التنفيذ ابتغاء عائد مادي أو مصلحة شخصية، أو نتيجة ضغط أو ابتزاز من أي نوع، دون أي إيمان موضوعي بالهدف من العملية، وهذا النوع من المنفذين يرتكز أداؤه في إطارين رئيسيين: - إرضاء الطرف الدافع أو الضاغط، بتنفيذ العملية وفق مخططاته وأهدافه. - الحرص الشديد على الخروج من العملية حياً حراً سليماًوترتكز جهود النظم الأمنية في مواجهتها لهذا النوع من المنفذين على تفكيك الإطار الأول وصولاً إلى زرع الإحساس لديه بضرورة المساومة للحفاظ على الإطار الثاني، كما أن هذا المنفذ يمكن استخدامه بعد العملية أو في أثنائها كعميل مزدوج إذا أمكن الاقتراب منه بفاعلية، ويمكن تجنيده بعد ذلك للحصول على المعلومات الخاصة بالبيئة الإرهابية. المنفذ العقائدي: وهو الذي يقدم على تنفيذ العملية عن إيمان منه بالهدف منها، وطاعة عمياء لتعليمات المخطط وأوامره، وتعتبر عملية بناء هذا الموقف لدى المنفذ العقائدي من أخطر عمليات التخطيط الإرهابي وأكثرها صعوبة وحساسية، حيث تتطلب قدرة فائقة على الاختيار السليم للشخصيات التي يتوافر لديها تربة خصبة لزراعة المعتقد وتوظيف بيئة محيطة تحقق الاستجابة، وشخصية غير سوية تقبل الانقياد المطلق في النهاية. وتقوم النظم الأمنية في مواجهة هذا النوع من المنفذين الإرهابيين، بتوظيف معلوماتها المتوافرة لديها، وشحذ إمكانياتها البيئية، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، لرفض هذا النوع من الغرس السيئ وعدم تقبله،وتقبل غرس صحي بديلاً عنه، تتوافر لديه المناعة الواعية للتصدي له ومقاومته، إلى جانب محاولة تغيير الظروف التي تساعد على تحقيق الاستجابة لديه سواء كانت ظروفاً اقتصادية أو اجتماعية أو إعلامية أو سياسية، مع توفير العوامل المساعدة على توجيه تلك الشخصية غير السوية تجاه الانقياد الواعي للنظم والمفاهيم الاجتماعية المحيطة. المنفذ التطوعي: وهو المنفذ الذي يقوم بالعملية الإرهابية في إطار عمل تطوعي، ومن خلال محاولة تقديم خدمة، أو ولاء عائلي أو قبلي أو عملية مشاركة تبادلية بين منظمات إرهابية محلية أو عالمية، تحت عباءة فكر إرهابي عام. وتقوم النظم الأمنية في مواجهة هذا النوع من منفذي العمليات الإرهابية بمحاولة تفكيك هذا الرباط التبادلي، وإضعاف البنية المشتركة لهذا النوع من التعاون الإرهابي، والإبراز المؤثر لمدى تأثير ذلك التعاون على تهديد الكيان الذاتي لكل تنظيم، أو المساس بمصالحه الذاتية. ونظم الأمن في مواجهاتها المتعددة والمتنوعة لكل نوعيات المنفذين للعمليات الإرهابية تعتمد على سياسة أمنية ذات أبعاد ثلاثة: * تحييد المنفذ المحتمل. * مواجهة المنفذ الفعلي. * الخروج بالمنفذ الفعلي من ضغوط دائرة التنفيذ، وتحويله إلى عنصر إيجابي في عمليات المواجهة. 4- المستفيد والمستثمر للعملية الإرهابية: يعتبر المستثمر للعملية الإرهابية طرفاً بعيداً عن دائرة التخطيط أو التنفيذ أو الدعم، ولكنه يرتبط - بمصالحه - بدائرة التأثيرات المباشرة أو المتوالية للعملية الإرهابية، بما يخدم مصالحه أو أهدافه الحالية أو المستقبلية، أو تكون قاعدة لبناء خططه وعملياته، أو ذريعة لتسنيد مطالبه أو تبرير تصرفاته. والمستثمر للعملية الإرهابية قد يكون طرفاً محلياً، وقد يكون طرفاً دولياً، وقد يكون فرداً أو جماعة أو تنظيماً أو دولة، وهو في كل هذه المواقع قد يكون استثماره للعملية الإرهابية استثماراً مباشراً أو استثماراً بعيد المدى والأهداف.وقد تكون العملية الإرهابية في حد ذاتها، بعيداً عن نتائجها، مجالاً للاستثمار، كما قد تكون نتائجها المباشرة أو غير المباشرة مجالاً آخر للاستثمار. والمستثمر للعملية الإرهابية، غير المستفيد منها، ذلك أن المستفيد من العملية هو الذي ترتبط مصالحه مباشرة بالأهداف المحققة من العملية التي يكون هو فيها الطرف الداعم أو المخطط أو المنفذ، وقد يعتبر المستفيد مستثمراً في بعض الحالات، وذلك إذا ما تعدت أهدافه الاستفادة المباشرة إلى تأسيس أو بناء خطط وأهداف جديدة، قائمة على نتائج وتأثيرات العملية الإرهابية، كما يمكن اعتبار المستثمر مستفيداً إذا ما نجح استثماره لنتائج العملية الارهابية في تحقيق أهدافه. وتقوم النظم الأمنية في مواجهة محاولات استثمار نتائج العملية الإرهابية، بإفقاد نتائجها قيمتها الاستثمارية، أو بطرح قيم أو مصالح جديدة في معادلة الاستثمار.
|