قصة د. محجوب عمر رسوم: نبيل تاج تحطّمتْ سفينة السائحين وغرقتْ في بحر الظُلمات، واستطاع سامر وعلي ان يصلا إلى شاطئ جزيرة مجهولةٍ بعد أن تعلّقا بلوحٍ من الخشب. بعد وصولهما وجدا أن الجزيرة خالية من السكان، وعثرا على هياكل أناس ماتوا في الجزيرة من قبل. جلس سامر يبكي وينتحب، بينما أخذ علي يهدئ من روعه حتى نام، وقام علي بجولة استطلاعية في الجزيرة فوجد أنها تحتوي على مياه وأشجار، ولاحظ أن كثيراً من الأشجار قد اقتلعتها العواصف وألقت بها على الأرض، كما وجد بعض البيض في أعشاش مهجورة على الأرض والأشجار، الأمر الذي يدل على أن الجزيرة كانت مسكونة من قديم. أخذ علي البيض ورجع إلى صديقه سامر، وأحضر حجرين وأخذ يحك أحدهما بالآخر حتى أشعل ناراً من شرارة في كومة من القش، ثم وضع البيض في التراب الساخن وشواه وأكله. عندما استيقظ سامر، قدم له علي الطعام، ففرح به وسأله: (هل رأيت بشراً)؟ أجاب علي: (لا، لكنني أنوي البدء بصنع قارب بسيط). قال سامر وهو على وشك البكاء: (أنا لا أطمئن للإبحار على قارب بدائي). رد علي: (أليس هذا أفضل من البكاء والبقاء بلا عمل)؟ لكن سامراً أصر على رأيه قائلاً: (سأشعل ناراً كبيرة كل مساء لنرشد السفن إلى مكاننا). بدأ علي يجمع أغصان الشجر المستقيمة، ووضعها متجاورة متلاصقة، ثم أخذ يصنع حبلاً من أوراق الشجر وفروعها، وربط به الأغصان ليصنع طوفاً يتسع له ولزميله. أما سامر فكان يجمع فروع الشجر ويحرقها كل ليلة في انتظار سفينة الإنقاذ، ساخراً من زميله ومن طوفه، وأخيراً انتهى علي من صنع الطوف وجره فوق الماء فطفا، وكان قد أعد وعاءً من جذع شجرة مجوفة ملأه بالماء والفاكهة، وركب الطوف ودعا سامراً للركوب معه، ولكن هذا رفض متهماً صديقه بالمغامرة. عندئذ انطلق علي على طوفه يقاوم الموج حتى خرج من خليج الجزيرة إلى المحيط الواسع ومرت عليه ساعات وأيام صعبة من الجوع والعطش والبرد. أخيراً لاحت أمام علي سفينة كبيرة، أخذت تقترب منه، وأنزلت قارباً اتجه نحوه حتى لاصقه ومد البحارة أيديهم وجذبوه إلى قاربهم، وعادوا به إلى السفينة، وكان جائعاً فأطعموه، ومتعباً فاستسلم للنوم. عندما استيقظ سمعوا قصته وهنأوه على نجاته من جزيرة الضياع التي يحوطها بحر الظلمات. طلب علي من ربان السفينة أن يرسل قارباً لزميله سامرٍ، فقال له الربان: (ذلك مستحيل لأن الجزيرة محاطة ببحر هائج على الدوام، وقد يغرق القارب كما غرقت السفينة الأولى، كما أن العواصف تحطم دائماً ما في الجزيرة من مساكن، ولذلك هجرها أهلها). وتساءل علي عن مصير زميله فقال له الربان العجوز: (لابد أن يفعل مثلك، إن النجاة تتحقق لمن يسعى إليها، ويعمل من أجلها، أما الذي ينتظر من ينجيه ولا يفعل شيئاً بنفسه فإنه لن يجد أحداً يتقدم لمساعدته).
|