* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي فراج - طارق محيي: -*-*-*-*- الرئيس المصري الراحل أنور السادات: -*-*-*-*- كان السادات أول من اكتشف خديعة محمد حسنين هيكل حيث فضح السادات هيكل في خطاب أمام الشعب المصري حيث قال (إن مهمة هيكل من يوم ما كان يعمل معي وده يمكن حاتطلع غريبة شوية.. من يوم ما كان يعمل معي وبعد سنة واحدة مهمته كانت محاولة التشويش على النظام علشان يكون له دور أساسي، لأني ما أعطيتهوش دور أساسي زي ما كان عبد الناصر ما كان معطيه.. ليه لأنه بطبيعتي جميع رؤساء التحرير اللي موجودين في الصحف زي السياسيين القدامى، مفيش واحد فيهم معرفهوش في منهم من اشتغلت صحفي معاهم اشتغلنا سوا صحفيين.. في دار واحدة دار الهلال، واشتغلت في روز اليوسف أيضاً.. أنا بطبيعتي وتكويني- محتك- زي ما أنا محتك بالوسط السياسي..محتك بالوسط الصحفي كله..وعارفهم واحد واحد.. وأنا لست من أنصار أن كاتب واحد يحتكر الكتابة زي ما كان هيكل في وقت عبد الناصر.. وقلتها قبل كده، لأنه في يوم كان عندي في سنة 73 وهو جنبي لسه.. وبرضه لخبط في المقالات ومع ديفيد هيرست بالذات.. لخبط، فجالي.. وقالي الأوضاع راحت.. وقالي الكلام اللي قاله ديفيد هيرست الدنيا راحت.. وخلاص.. والبلد انتهت.. الكلام اللي قاله ديفيد هيرست.. وإن أنا غير قادر على اتخاذ القرار، مصر رايحة لكارثة.. الحكومة منهية.. الفساد.. مفيش حرب.. كل ده 73.. جاء هيكل وقالهولي بالنص، وأصل ديفيد هيرست صديقه ومعروف انه كان بيأخذ منه كل حاجة.. لما جالي هيكل وقلت له وبيقوللي الكلام ده. قلت له طيب الحل إيه في نظرك.. قالي.. أنا عندي معهد اسمه الدراسات الإستراتيجية في الأهرام، فيه أحسن ناس بتفكر في مصر يجدوا لك الحلول، كأن الدنيا غرقت وأنا مش لاقي حلول.. قلت له مجلس الحكماء يعني. معهد الدراسات دا مجلس الحكماء، وكنت دائماً أضحك وأتريق لما أشوفه وأقول له ازي مجلس الحكماء النهاردة.. أنا قلت له لا مجلس الحكماء ولا البلد فيها حاجة.. دا كل دا فقاعات ومن بكره يا فلان مقالتك تفوت على الرقيب لغاية 73 ماكنتش مقالته بتفوت على الرقيب.. مقالتك تفوت على الرقيب.. قال لي عبدالناصر ماكنش بيفوت مقالتي على الرقيب، قلت له آه عيب ما تقوليش كذا، أنا وأنا عارف البير وغطاه، عبد الناصر قفل الصحافة عليك وانت كنت بتكتب اللى عاوزه عبد الناصر تعالوا نشوف عمل إيه بقى عند الأمريكان.. سنة 75 كنت أنا رايح زيارة للولايات المتحدة.. آه برده مسكين يعني ومعتقد أن هو يعني شئ كبير، قام حب يروح قبلي أنا علشان يعني مش يمهد، أهو دا المفروض يعني لا.. مش لا هو رايح يعني ليعرض أفكاره، لأن هو راجل كبير فتحدث مع واحد اسمه مستر (كليفتون دانيال) الذي كان يعمل في النيويورك تايمز وقتها وتناول مصر بالنقد وبالتشويه والتجريح اللي هي وظيفته منذ أن كان في الأهرام، وقلت له إن مكانك الأهرام بس مش خارج الأهرام، لا سياسة ولا الكلام دا.. اتكلم مع مستر (كليفتون دانيال) وقال ما شاء له أن يقول في مصر وتشويه وجه مصر، أبلغه مستر كليفتون أنه سيرسل مستر (بارنارد جويسمان) الذي أدلى له هيكل بحديث صحفي انتقد فيه اتفاقية سيناء، مشيراً إلى أن نشوب حرب جديدة أصبحت أكثر احتمالا، إن الاتفاقية تسببت في تفريق العالم العربي، وأنها أضرت بالسوفيت، كما هاجم السياسة الاقتصادية التي يسير عليها النظام قائلاً أنها أدت إلى خلق طبقة طفيلية - وقد وضح له بعد نشر هذا الهجوم على موقف مصر قبل بدء مباحثات الرئيس في أمريكا، قبل ما أنا أروح بيومين، فاتصل مرة أخرى بمستر كليفتون دانيال ليعاتبه على نشر مقاله وكتب خطاب اعتذار سلمه إلى السفير أشرف غربال.. السفير أشرف غربال حضر الحديث والهجوم، وسمعه كله وحضر أيضا التكذيب اللي بعثه هيكل من لندن لما لقى إن الكلام اتكتب وأنا رايح ثاني يوم حا أشوفه وأقراه وضرب وتشويه في مصر). -*-*-*-*- الدكتور حمد المرزوقي المفكر والكاتب السعودي: -*-*-*-*- إن للأستاذ هيكل قدرة مدهشة على الحركة السريعة في النص في الفضاء وفي الهامش وهو ينتقل من فكرة إلى اخرى ومع تغير السياق تتغير الفكرة وتتناقض مع ما سبقها ومن هنا فانه من العبث محاولة تفسير تناقضات النص الا بفهم السياق الذي احضر الفقرة الأخرى، وفي الغالب فإن تأثيرات الأنا هي التي تحكم أو تضبط مسار السياق وقوانين التناقض بين الأفكار من مكان إلى آخر، بروز الذات في نصوص هيكل ليست بحاجه إلى برهنة؛ فالأنا هي مرتكز الفكرة وليس العكس وروابط الفكرة ودلالاتها محكومة بموقع المؤلف منها وايقاع قلم المؤلف وحركته وسرعة التفافه في السياقات المختلفة متأثرة دائما بسرد رواية خاصة أو حوار مع طرف آخر يكون المؤلف فيه في وضع المنظر وليس المستفسر.. ان لغة هيكل جميلة وبارعة، ومن هنا تخدع القارئ المتعجل فهو كاتب يحترف تحرير المواقف بطريقة الالتفاف الدائرية ولكن القارئ الجاد يجد صعوبة في متابعة انسياب اللغة وزخمها لدرجة يصعب معها بناء الدال والمدلول في روابط النص. ومن هنا تصبح اللغة عائقا في القراءة ولعل احد معوقات القراءة لنص هيكل طريقته في بناء المصطلحات فهو ينحت مصطلحات خاصة ولكنها لا تنضبط بالسياق من خلال حدها منطقيا أو تعريفها إجرائيا ولمن يغلب عليها براعة الصياغة اكثر من التحديد المنطقي، بيد ان لغة هيكل لا تساعد على اكتشاف التوليفة لانها تحتوي على مصطلحات يصعب حدها أو ضبط مدلولها. واكد المرزوقي ان قراءة هيكل لتاريخ الخليج لم تكن قراءة بريئة ولكنها كانت قراءة غير أمينة تنتقي ما تشاء وتحذف ما تشاء وتخترع الروايات وتخلق وقائع لا صحة لها ولا سند من الواقع ان هيكل يصوغ الاستنتاج السياسي في ضوء سيناريو سابق على عروض الوقائع ومن ثم تكييف كل الاحداث والوقائع لكى تستجيب للسيناريو السياسي الذي يرغب المؤلف في ان يكون مرشدنا في قراءة التاريخ وهو أيضا يخضع التاريخ أو الوقائع لاثبات فرض يراه ويصرف النظر عن انسجام هذا الفرض مع الواقع أو تناقضه معه. ان السيناريو الذي اراد هيكل ان يضعه لتفسر نشوء الانظمة السياسية في الخليج يرتبط بجملة فروض ساقها هيكل في نصه السابق منها ان جميع حكام الخليج ينتمون إلى قبيلة عنزة، ان قبيلة عنزة النجدية هي التي رعت وانجبت هؤلاء الحكام كما ان الانجليز قاموا بالاتصال بشيوخ القبائل في نجد ثم احضارهم إلى الخليج وعندئذ قام الانجليز بتتويجهم حكاما للمنطقة بموجب اتفاقيات وحقيقة الامر ان هذه معلومات غير صحيحة فكما قلنا سابقا أن آل الصباح والخليفة عندما هاجروا من نجد كانوا ابناء حاضرة يقيمون في وادى الدواسر وكانوا أيضا مجرد مواطنين عاديين اى انهم لم يكونوا شيوخ قبائل ولم تدع اسرة الصباح ذلك ولم يقل بذلك مؤرخ عربي أو اجنبي ولم يشر هيكل إلى مصدر تاريخي واحد استقى منه هذه المعلومات التي جعلتهم شيوخ قبائل نافذة في نجد ثم ان هجرة ال الصباح حكاما للكويت القرن السادس عشر واصبح آل الصباح حكاما للكويت بموجب عقد اجتماعي ذكرته كل المصادر التاريخية وذلك في منتصف القرن السابع عشر والكويت اصبحت تحت الانتداب الانجليزي في نهاية القرن التاسع عشر، أى أن امارتهم للكويت سابقة على الانتداب الانجليزي بقرن ونصف وحال ال خليفه في البحرين كذلك ولا يستثنى حكام الامارات العربية أو عمان كل هذه الاسر كانت تحكم قبل عهد الانتداب الانجليزي بعشرات السنين ولو قرأنا صيغة تحولات النظم السياسية في الخليج وعلاقتها بالاحداث لبدت الصورة مختلفه تماما عما يريد هيكل أن يرسخه في ذهن القارئ العربي ان هيكل يريد ان يتضمن رسالة سياسية خاصة موجهة لوعي القارئ ولكن لم يتبادر إلى ذهنه.. ان اختلاف الوثائق وتحريف المعلومات نقطة ضعف وان القارئ العربي يمكن له مراجعة المعلومات الاولية ومن ثم يحاكم الكتاب كله من زاوية الأمانة واحترام الحقيقة التاريخية وأن اسلوبا كهذا بمجرد كشفه يترتب عليه سقوط النص ورسائله وتحوله إلى مجرد كتاب دعائي لا قيمة له بميزان العلم والسياسة والاخلاق ولقد وقفت حائرا امام حكاية اتصال الانجليز هنا بشيوخ القبائل في نجد وقلت في نفسي ربما وجدها هيكل في سياق مختلف وقام بتحريفها وراجعت معظم المصادر التاريخية المعتبرة وسألت اساتذة مختصين في تاريخ الخليج وكانت الاجابة الاستغراب والنفي حتى ان مؤرخا خليجيا يعجب بهيكل قال لى: ان لا يمكن ان يقول ذلك وعندما احضرت معى النص بدا عليه الوجوم الذي لم يفسر لى سببه. وفي نفس السياق تأتي رواية هيكل عن البترول وقصة اكتشافه في المملكة العربية السعودية هي الاخرى رواية مفبركة وعلى الطريقة ذاتها فإذا كان عقد الامتياز قد وقع عام 1933 فانه لابد من تغيير هذا التاريخ وتأجيله لمدة احد عشر عاما حتى يلتقي روزفلت بالملك عبد العزيز ويمهد لتوقيع الاتفاق حسب رواية هيكل وإذا كان يمكن لناقد ان يقول: إن هذه غلطة يمكن ردها للطبع البشري الذي يخطئ ويصيب ولكن نسيج الرواية صناعة محترفة وهيكل تحدث عن لقاء بين روزفلت والملك عبد العزيز وأغفل موضوعه كما هو مدون في المحضر (هجرة اليهود إلى فلسطين) وأبدل الموضوع بالنفط الذي لم يبحث ولان محضر اللقاء تضمن موقفا عربيا أصيلا للعاهل الكبير فإن هيكل اخترع رواية أخرى لا أساس لها من الصحة وهي ما زعم أن الملك عبد العزيز قال لعبد الرحمن عزام بأن البترول مسألة تجارية ولا يجوز استخدامه في الضغط على الغرب وإذا ربطنا مع ذلك كله انكار هيكل لحظر البترول السعودي على بريطانيا وفرنسا بمعركة قناة السويس عام 1956 وتفسيره لموقف الملك فيصل رحمه الله بانه مجرد رد فعل أو غضب شخصي على أمريكا التي خفضت قيمة الدولار وراجعنا كل هذه المعلومات وبرهنا على انها مجرد اختراع من المؤلف يصبح عندئذ معنا كل الحق في ان نطعن بامانة الرجل وإذا فقد الكاتب الامانة في النقل والتوثيق خسر بذلك مصداقيته والكذب سمة رذيلة والمثل العربي يقول (اذا لم تستح فاصنع ما شئت) الكاتب الصحفي اليساري صلاح عيسى رئيس تحرير صحيفة القاهرة: لا بد أن مؤرخي الأجيال القادمة سيحتارون طويلا إذا ما عَنَّ لأحدهم أن يقيم الأدوار التي لعبها (محمد حسنين هيكل) على مسرح الصحافة والسياسة المصرية والعربية.. إذ المؤكد أنهم سيضلون الطريق إلى (هيكل(بين جبال من التفاصيل وتلال من الأكاذيب، ومتاهات من أدوات المكياج). ومشكلة البحث عن (هيكل) أن فصل الذروة في عمره، كان مضيئا بشكل يعمي عن الرؤية.. ففي تلك السنوات الثماني عشرة التي انتهت في 28 سبتمبر 1970 - كان هيكل ملء السمع والبصر، لا يغادر الخشبة، ولا تخطئه أعين المتفرجين.. لا تكف تليفونات مكتبه عن الرنين، ولا تخلو غرفة سكرتيرته الشهيرة (نوال المحلاوي) من الزائرين: ملوك ورؤساء جمهوريات وساسة ووزراء ومناضلين وسفراء وكتاب ومفكرين وطالبي حاجات ينتظر بعضهم بالساعات، بلا ملل ولا شكوى بل ويمتنعون باختيارهم عن التدخين؛ لأنه يضايق (نوال المحلاوي). كان باختصار تحت كل أضواء الدنيا، كما يليق برجل كان يوصف -آنذاك- بأنه أقوى رجل في مصر بل في الشرق الأوسط. ولعل الوهج الزائد عن الحد، الذي كان يشع منه وحوله، في تلك السنوات العجيبة - هو الذي جعل أكثر الفصول إضاءة في عمره، أكثرها غموضا وأحفلها بالظلال ومناطق العتمة. -*-*-*-*- كواليس هيكل -*-*-*-*- وليست أصول صنعة التاريخ هي وحدها التي ستفرض على هؤلاء المؤرخين المساكين العودة إلى الفصل التمهيدي الذي سبق دخول (هيكل) إلى خشبة المسرح في 23 يوليو 1952 وهو فصل استغرق عشر سنوات بدأت في عام 1942، كان (هيكل) خلالها مجرد صحفي بين صحفيين استهل حياته الصحفية وهو في التاسعة عشرة محررا عسكريا في (الإجبشيان جازيت)، ثم انتقل منها بعد عامين ليعمل في آخر ساعة. وبعد عامين آخرين وفي عام 1946 يشتري أولاد أمين - التوأمان (علي) و(مصطفى) المجلة من أستاذهم محمد التابعي فينتقل الثلاثة التابعي وآخر تلامذته هيكل والمجلة إلى دار أخبار اليوم وهناك يستقر هيكل صحفيا بين صحفيين لا هو أشهرهم ولا هو أخملهم، لكنه كان بالقطع أذكاهم! تلك عودة لا مفر منها للماضي سيقود المؤرخين إليها فضلا عن أصول الصنعة الأمل في العثور على قبس من نور يضيء عتامة أحداث سنوات الذروة، وهو أمل لا بد أن يقود هؤلاء المؤرخين التعساء إلى فصل الختام الذي انطفأت بعده أضواء المسرح، وأنوار الصالة ولم يبق سوى تصفيق بعض المتفرجين، وصفير الآخرين وصمت الأغلبية التي عودتها المحن أن تداوي بالنسيان كل الجراح! -*-*-*-*- صداقة الكاهن مع الفرعون الشجيع -*-*-*-*- ومن سوء حظ هؤلاء المؤرخين أن حظ هيكل قد دفعه إلى المسرح ليلعب البطولتين الأولى والثانية، في مسرحية واحدة، تنتمي لزمن واحد فكان (الجان بريمييه) في الصحافة (وصديق الشجيع) في السياسة وما إن أسدل الستار على المسرحية، حتى اختلف الناس على الزمن ذاته. فقال الكارهون وطالبو الدم شائنين: هذا زمن الرعب النقي والقهر المصفى، وقال الوالهون غراما: بل زمن العظمة التي لم تلد ولم تولد.. وفي ضجيج المناظرة ضاعت أصوات خافتة، اغتصب أصحابها نصف ابتسامة.. وذرفوا الدمع من عين واحدة، وقالوا: - إنه زمن عبد الناصر، آخر الفراعنة الأفذاذ، ذلك الذي كان عظيم المجد والأخطاء، وليس (هيكل) سوى كاهن تعس الحظ، مات فرعونه قبل الأوان، وتركه وحيدا بين جدران المعبد، وقد انفض المرنمون وهرب المصلون، وتغير اتجاه طوابير الذين جاءوا يوفون بالنذور، ولم يبق سوى الكاهن الأعظم يطلق البخور، ويتلو التعاويذ، وينشر الوثائق، ويعد أسانيد الدفاع.. فسبحان الذي بيده الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير! وهكذا يتعقد الطريق إلى هيكل وتكثر فخاخه، وتتداخل الحدود بين معالمه وعوالمه.. مع أن هيكل كظاهرة تاريخية، ليس أكثر من تنويع على ثنائية مصرية شهيرة وكثيرة التكرار - هي ثنائية الفرعون والكاهن فهكذا كان حظنا، أو هكذا كانت عبقرية المكان الذي نحتله على خريطة الدنيا أن يحكمنا دائما فرعون قد يأتي فيملؤها عدلا ونورا أو يأتي فيملؤها ظلما وجورا لكنه في كل الأحوال معبود بقوة القهر أو قوة الحب أو قوة النهر الذي فرض علينا دائما أن نخضع لقوة مركزية جبارة، تحفظ الاستقرار وتنظم تدفق المياه في ملايين من قنوات الري التي تخرج منه، حتى لا يجتاحنا الفيضان أو يقتلنا الجفاف، لذلك كان منطقيا ألا يستغني الفرعون عن كاهن يعطي الروح لقوة القهر وقوة الحب، ويبشر ويفسر ويزين ويدافع ويهاجم ويحشد المصلين في بهو المعبد. -*-*-*-*- الدكتور شاكر النابلس الناقد والمفكر الأردني: -*-*-*-*- ظل حسنين هيكل شاغل العرب الصحافي، طيلة نصف قرن تقريباً، منذ أن بدأ صحافياً متواضعاً في الحرب الكورية في بداية الخمسينات. وعندما برز نجم عبد الناصر استطاع هيكل بحاسته الصحافية المرهفة أن يعرف من النجم السياسي الصاعد في ثورة 1952، فلزم عبد الناصر، ونال ثقته، وأصبح مستشاره السياسي والإعلامي، ومدير علاقته العامة، وكاتب خطبه، وكاتب الميثاق الوطني في 1962، وحافظ أسراره وأوراقه. وعندما رحل عبد الناصر، ورث هيكل كل أرشيف عبد الناصر كاملاً. وتلك واحدة من الظواهر الغريبة العجيبة في مصر أم العجائب وعند العرب آباء العجائب والغرائب. فكيف يمكن للتاريخ الوطني على امتداد ثمانية عشر عاماً، ومن أخطر أعوام التاريخ الحديث لهذا الوطن أن يكون ملكاً لشخص واحد، يأخذ منه ما يشاء، ويحذف منه ما يشاء، ويُعدِّل فيه، ويرسمه حسب مزاجه وأيديولوجيته. ونحن نعلم ونعرف أن مثل هذا الأرشيف يكون في حوزة الدول، بعد رحيل الحكام والزعماء، وليس في حوزة شخص واحد كهيكل، إلا إذا كان هذه الشخص هو الدولة، وإلا إذا كان عبد الناصر وتاريخ عبد الناصر ليس مُلكاً لمصر وللدولة المصرية، ولكنه مُلك لهيكل فقط؟! ومن خلال هذا الأرشيف - إن صدقاً وإن كذباً - كتب هيكل معظم (مقاماته السياسية) التي اتصف جزء كبير منها بالخيال السياسي، واتصف الجزء الآخر بوقائع لما يكن فيه من شاهد غير هيكل، باعتبار أن معظم (مقامات هيكل السياسية) تتم فبركتها بعد موت ابطالها (الملك حسين والحسن الثاني مثالاً لا حصراً) كما لاحظ وقال لنا سيّار الجميل في كتابه المهم والشامل (تفكيك هيكل) والذي تعرّض من جرّائه لأذى اليمين واليسار العربي، ولم يُعجب أحداً من المؤدلجين الدينيين والقوميين. وهو إن دلَّ علي شيء فإنما يدلُّ على مدى الوثنية السياسية المتغلغلة في العالم العربي، وعبادة الأصنام السياسية التي أصبحت في النصف الثاني من القرن العشرين اشد وأعنف وأعظم من عبادة الأصنام الدينية في جاهلية العرب الأولى، فيما لو علمنا أننا نعيش الآن في جاهلية عربية جديدة، أبرز مظاهرها هذا التعلق السياسي النرجسي المُعيب بالجلادين والديكتاتوريين والطغاة والذين ما زلنا حتى الآن نصلّي في معابدهم، ونسجد لهم، ونرفع صورهم في البيوت والشوارع والمحافل. أضاف النابلسي: إن هيكل أصدر عشرات الكتب السياسية عن تاريخ مصر الثورة، بل هو سارد هذا التاريخ وصاحب (مقاماته) الرئيسية. كما كتب عن تاريخ العرب والعجم، دون أن يواجَه بمؤرخين مؤهلين يُمحصُون ما يكتب. وكان ذلك بسبب أنه المالك الوحيد للحادثة التي يكتب أو يتحدث عنها. فهو الشاهد والقاضي الوحيد في الوقت نفسه، على كل ما كتب. وحين تصدى له فؤاد زكريا استاذ الفلسفة، في كتابه (كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي، 1983) كان ذلك أول تمحيص تاريخي أكاديمي وعلمي، ثم جاء كتاب سيّار الجميل (تفكيك هيكل) الذي استطاع ولأول مرّة في التاريخ العربي المعاصر أن يكشف ويعرّي مقامات هيكل التاريخية والسياسي الكاتب الموريتاني رياض ولد احمد الهادي في الخمسينيات والستينيات ظهر القائد جمال عبد الناصر فكان ملء سمع الدنيا وبصرها، وكانت فترته الفترة المضيئة من تاريخ العرب الحديث، كما كانت أضواؤها كاشفة، (وكل ضوء سطع في الظلام تتساقط حوله الخفافيش)، فكشف عن مغمورين كثيرين من بينهم حسنين هيكل. ووسط هيجان عواطف والتهاب مشاعر الجماهير العربية والتفافها حول عبد الناصر، وشعارات الثورة والقومية العربية والوحدة العربية... برز هيكل، بما أوتي من قدرة على استغلال المواقف بالتزييف والمغالطة وتملق مشاعر وعواطف الجماهير للفت الانتباه إليه وتكبير صورته.. وقد كانت براعته مذهلة في المَلق والتزلف واخفاء وقلب الحقائق لعبد الناصر، فنجح في كسب ود وثقة (معبود الجماهير) فحمل على الأعناق وأصبح فوق الشبهات والنقد لأنه صار كالظل لعبد الناصر وتمكن من الهيمنة على مؤسسة (الأهرام) ذات الوزن السياسي والاعلامي المتميز يومها، فاحتكر لنفسه ملحقا أسبوعيا يكتب فيه كل يوم جمعة تحت عنوان (بصراحة) ما يرضي عواطف الجماهير من المدح والتنويه بثورة ومبادئ وأهداف عبد الناصر (الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف)، وكان هذا الملحق - في جوهره - منبرا اتخذه هيكل للترويج ل (هيكل) وعلاقته بعبد الناصر وثقته به ولخبرته السياسية، وثقافته الواسعة.. وعلاقاته وصلاته المباشرة بمختلف عظماء العالم من ملوك ورؤساء وساسة ومفكرين.. الخ. و كأن هيكل نداً للجميع ومبرزاً على الجميع.. ويكفيك أن تقرأ أحاديث هيكل الأسبوعية لتشعر وكأنك في ناد لعظماء العالم فتضيق ذرعا بعبارات مثل (قال لي جمال.. أو الرئيس.. أوالملك.. أوفلان.. وقلت له.. وسألني.. وسألته.. وأضحكني.. وأضحكته.. وكتب لي وكتبت له.. واستدعاني للعشاء في جناحه... وجلست بجانبه في الطائرة) وهكذا.. وهكذا.. ان هذا الهيكل الذي كبرت صورته أضواء عبد الناصر وبراعته هو في الكذب والادعاء والمغالطة والتملق وتزييف الشعارات واللعب على عواطف الجماهير البسطاء البرءاء... توهم أن الناس أصبحوا يعتبرونه احد أهرامات مصر. فقد نجح كما نجح عامر وأحمد سعيد في تضليل عبد الناصر وقلب الحقائق له.. حتى كانت كارثة السادس من يونيو 1967. ولما فاق عبد الناصر من هول الصدمة التي هزته وهزت كل العرب، عرف كم كان مضللا ومغشوشا من بطانته ومقربيه، فأسرع إلى تمحيصهم ومحاسبتهم وكشفهم للجماهير واحدا واحدا.. وكان (الأشرار) يتفاوتون في اخفاء أنفسهم وأدوارهم في أسباب المأساة، فاكتشف بعضهم ووفاه جزاءه واستمر في تتبع واستئصال الباقين والكشف عن أساليبهم في التضليل وقلب الحقائق.. ولكن الأجل عاجله قبل أن يكمل خطته ويصل بحبل المشنقة إلى رقبة هيكل. غير أن الجماهير كانت أسرع في اصدار الأحكام قبل عبد الناصر.. فحكمت على هيكل وأمثاله، ولا معقب لحكم الجماهير، ولو أن التنفيذ كان بيدها لأراحت منه البلاد والعباد. ولما مات عبد الناصر ولم يكتشف هيكل، اعتقد انه نجا وأن البحث قد توقف فلجأ إلى وسائله المعهودة: التضليل، المغالطة،الكذب، والادعاء.. ليوهم الناس - ومنهم الرئيس السادات - أنه هو نفسه كان مصدر الضوء الذي ظل يتلألأ من حوله وليس عبد الناصر، وتوقع من السادات أن ينزله منزل القرب والثقة.. كماكان عبد الناصر، لكن تضليل ومغالطة السادات كانت أصعب، فلم يعامله كما توقع وأراد فابتلع غيظه وتوارى خوفا وجبنا من مواجهة السادات، كما فعل آخرون. ولما مات السادات، وقد أصبح عبد الناصر ومبادئه وفترة حكمه عرضة للمراجعة والنقد والتقويم، أخذ هيكل يؤلف الكتب في تشويه تاريخ السادات والتنويه بعبد الناصر والتعريض لأخطائه ونقده أحيانا. ثم أصدر كتابه (لمصر.. لا لعبد الناصر) الذي يدعي فيه أنه لم يكن متفقا مع عبد الناصر في بعض آرائه وقراراته ولم يكن يعمل لارضائه بل كان يعمل لمصلحة مصر..!! وأخذ يتقرب بجبن وحذر من الرئيس مبارك، ولكن أحدا لم يعبأ به لأن حكم التاريخ والجماهير أقوى من موت السادات وعظمة عبد الناصر، وأساليب هيكل في المغالطة والادعاء. وعندئذ لم يبق أمامه إلا الترنح والتيه والعيش على ذكريات (قال لي.. وقلت له..) والتطفل من حين إلى آخر على الصحف التي تبحث عما تملأ به أعمدتها فيكتب عن العرب والقومية العربية والوحدة العربية.. وكأنه في الخمسينيات والستينيات.. أيام أحمد سعيد و(صوت العرب) ومحمد حسنين هيكل لقد ذهب عبد الناصر بعظمته وبقيت أنت وأمثالك وصمة عار في تاريخه وسببا في مأساة 67 التي ذهب ضحيتها، وقد حكمت الجماهير والتاريخ حكمهما عليكم، فمنكم من قضى نحبه مسجى باللعنات العربية، ومنكم من مازال ينبح ويحمل على كتفيه الخزي والعار.. (ان الكلاب طويلة الأعمار). صحيح ياهيكل أنك صحبت عبد الناصر سنين طويلة، بل انك كنت أقرب إليه من (شسع) نعله، لكن المثل الافريقي يقول (ان الخشبة مهما مكثت في قاع النهر لن تكون سمكة.. والحمار مهما صاحب الجياد في الحقل لن يكون بغلا).
|