تحدثت في الاسبوعين الماضيين عن اسهامات المرأة في المجتمع المدني واستشهدت بنماذج من هذه الاسهامات لنساء في العصور الإسلامية المختلفة، وفي مناطق متفرقة فيما يعرف بالمنطقة العربية. وإذا انتقلنا إلى داخل الحدود الإقليمية للمملكة العربية السعودية نجد ملامح بارزة وواضحة لاسهامها في المجتمع المدني ويمكن توزيعه على أنواع: - الإسهام في الحياة التعليمية. - الإسهام في توفير أدوات العلم. - الإسهام في الحياة الاجتماعية. أما الجانب الأول فتمثله المعلمات اللاتي أخذن على عاتقهن تنوير أفراد المجتمع من النساء، وقد كان بعض من المعلمات ينتمين إلى اسر كبيرة نذكر من بينهن: فاطمة بنت سعد بن عائض بن مرعي (1271هـ - 1338هـ)، عطرة بنت سعيد بن عائض بن مرعي (1276-1338هـ)، وهما من عسير، ومطيرة الرماحا (1284هـ- 1345هـ)، وكانت من أهل الرس، ونورة بنت سليمان الرهيط (1344هـ- 1415هـ)، من أهل مدينة عنيزة، وألطاف بنت عمر صائب (1335هـ- 1404هـ،) في الطائف، وفاطمة بنت خليل محمد فلاتة (1338هـ- 1405هـ)، من أهل المدينة المنورة، وهيا بنت صالح بن ناصر الشاعر، وهي من مدينة حائل، (ولدت على وجه التقريب في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وتوفيت عام 1347هـ). وكما هو حال المسهمات من أميرات بني العباس، وأميرات الأسرة الأيوبية في الشام والرسوليين في اليمن وغيرهن أسهمت مجموعة طيبة من أميرات آل سعود في مسار المجتمع المدني منذ بداية ظهور الدولة السعودية، كان منهن الأميرة عفت الثنيان آل سعود حرم جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله حيث أسست في عام 1375هـ مدرسة دار الحنان، وكانت هذه المدرسة كما يوحي اسمها ويعكس ذلك واقعها في تلك الفترة نموذجية في أدائها إذ كانت تمارس فيها الأنشطة الرياضية والاجتماعية إلى جانب المواد التعليمية. كما كان للأميرة عفت إسهامات أخرى منها دعمها للجمعيات الخيرية، فقد كانت أول رئيسة فخرية للجمعية الخيرية في جدة، ثم رئيسة فخرية لجمعية النهضة في الرياض، وكانت اجتماعات مؤسسات الجمعيتين تعقد في قصرها في فترة التخطيط والإنشاء، وكن يحظين منها بكل الدعم والمساندة. ومن الإسهامات التعليمية الأخرى ما قامت به سمو الأميرات نورة وموضي وحصة كريمات الملك سعود -رحمه الله-، بفتح مدرسة للبنات اليتيمات، وقد أذاع راديو المملكة العربية السعودية انه احتفاء بعودة الملك سعود بسلامة الله إلى البلاد عام 1376هـ، ومشاركة الأمة الكريمة في أفراحها، فقد تبرعت كريمات جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز بإقامة مبرة ميمونة لاقامة اليتيمات في دار تضمهن. وحظيت هذه المدرسة بدعم ومساندة من الملك فهد (الذي كان وزيراً للمعارف آنذاك) حيث أمد هذه المدرسة بالمناهج التعليمية وفي فترة لاحقة ارتفع عدد طالبات المدرسة إلى 220 طالبة في القسمين الداخلي والخارجي مما يدل على قبول الناس واعترافهم بدورها الفاعل، وكانت مراحل التدريس فيها تتدرج من الروضة إلى نهاية الإعدادية، وكانت المبرة توفر للطالبات احتياجاتهن المدرسية كما كانت توفر لهن الحافلات التي تنقل من يحتاج منهن من منازلهن إلى المدرسة ثم إلى منازلهن مرة أخرى. واستمرت المبرة في جهودها التعليمية حتى عام 1385هـ- 1386هـ حيث ضمت إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات واصبح اسمها المدرسة السادسة عشرة بالمربع. أما الإسهام في توفير أدوات العلم فتركز هذا الجانب على وقف الكتب وإشاعة استخدامها وتيسير وصولها إلى أيدي طلبة العلم ونذكر هنا فاطمة الفضيلية وهي من نساء القرن الثالث عشر الهجري (ت 1247هـ)، التي اوقفت مكتبة حافلة في مكة. ولعل من المشاركات الراقية التي كانت منتشرة في مجتمع نجد والتي تبرز مدى اهتمام المرأة بشؤون مجتمعها مسألة وقف الكتب فهناك عدد طيّب من الكتب التي لا زالت محفوظة في المكتبات في المملكة التي تحمل نصوص وقفيات من شخصيات نسائية لكتب تعد في تلك الفترة من مصادر المعرفة الأساسية والملاحظ مشاركة مجموعة من أميرات آل سعود مشاركة فاعلة في هذا المجال وكان من أبرزهن نورة بنت الإمام فيصل بن تركي، الجوهرة بنت الإمام تركي بن عبدالله آل سعود، سارة بنت الإمام تركي بن عبدالله آل سعود، منيرة بنت مشاري بن حسن آل سعود، الجوهرة بنت الإمام فيصل بن تركي، الجوهرة بنت مساعد بن جلوي بن تركي آل سعود. ومن الموقفات البارزات بنتا عوض في منطقة حائل رقية وشما ومعهما أمها فقد شاركن في وقف مجموعة من الكتب المهمة على طلبة العلم وجعلت هذه الكتب في مكتبة آل صالح البنيان، وكانت أغلب الكتب الموقوفة من قبلهن ذات صبغة دينية. ويحمل السجل المخطوط لدى آل صالح البنيان اسماء أخرى، تحوي في مجملها ما كانت عليه المرأة النجدية من حرص على انتشار العلم وتوفير مصادره بين الناس علماً أن بعض الموقفات قد يكن غير متعلمات ولكن ذلك لم يمنعهن من بذل ما في استطاعتهن لمشاركة المجتمع في تعليم أبنائه وتثقيفهم. أما الإسهام في الحياة الاجتماعية، فنماذجه كثيرة تمثله النساء اللاتي أوصين بوقف للفقراء أو بطعام يوزع على المحتاجين أو بتخصيص مساكن للغرباء والفقراء عن طريق الوقف ومن نماذج ذلك ما تدل عليه الوقفيات الآتي ذكرها: الحمد لله، موجبه أن رقيه بنت عبدالله بن إبراهيم البسيمي بعد ما شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها والله يبعث من في القبور أوصت رقية المذكورة بأن قادم لها في ثلث ما خلفت حجة وهي حجة الإسلام واضحية دهر تنحر في كل عام ما بقيت الدنيا وأهلها وأيضاً حجة لأمها عائشة بنت علي بن قهيدان وهي حجة الإسلام على رقية نصف ما ناب حجة أمها قادم في الثلث المذكور وعلى أختها منيرة نصف قادم في ثلث ما خلفت هكذا أوصتا ابنتا عبدالله بن إبراهيم لأمهما بما ذكرناه وكذا أوصت رقية بما ذكر متقدم على شروط المذكورة {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.وقع ذلك في المحرم 1284هـ وجعلت الوكالة في ذلك لأختها منيرة. شهد بذلك عمها محمد بن إبراهيم البسيمي وشهد به كاتبه عبدالرحمن بن عبداللطيف بن موسى ونقله من خطه بعد معرفته يقيناً إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن عيسى وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ومن نماذج مشاركتها في الحياة العامة إسهامها في الوقف سواء كان على ذريتها أو على نطاق أوسع يشمل المجتمع ومن نماذج ذلك ما فعلته سارة بنت جارالله بن منصور التي وقفت دارها على ذريتها:(الذكر والأنثى سوى من استغنى نزلها يصلح خرابها وأن استغنوا كلهم عنها فيكرونها وكروتها في اضحية لها). وواضح من النص ان اساس الوقف على الذرية، وفي حالة الاستغناء عن السكن فيها تطلب الموقفة ان تؤجر الدار وان يستخدم الريع في فعل خيري يشمل شريحة أكبر من المجتمع وهي الاضحية. وهناك نماذج كثيرة تتعلق بوقف المساكن والبساتين. وفي الوقت الراهن نجد ان اسهام المرأة في تأسيس المجتمع المدني وتنويره واضحاً تمثله الجمعيات والمؤسسات التي تشارك فيها مثل الجمعيات الخيرية ومن نماذجها جمعية النهضة الخيرية النسائية، جمعية الوفاء الخيرية في الرياض، جمعية طيبة الخيرية في المدينة المنورة، جمعية البر وجمعية الجنوب الخيرية في أبها، جمعية اليقظة الخيرية في الطائف. وكذلك جمعية رعاية الأيتام، والجمعية السعودية لحقوق الإنسان وبعض المؤسسات الخاصة التي تهتم بمتابعة اوضاع الأسر وحل خلافاتها. وهكذا يتبين لنا مما سبق أن المرأة العربية عامة والمرأة في المملكة العربية السعودية في العصر الحديث خاصة أسهمت في المجتمع المدني وساعدت على نموه وكانت عنصراً فاعلاً في ظهوره وتنوعت اسهاماتها بين التدريس والوقف ثم كانت مشاركتها الواسعة في العمل الخيري التطوعي مما أدى إلى تكوين الجمعيات والمؤسسات المدنية التي أدت ولا زالت تؤدي دوراً مميزاً في مجتمعنا عن طريق توفر نمط من المشاركة الجماعية المعتمدة على جهد الأفراد في تأسيس أنواع من الخدمة الاجتماعية ومساعدة المحتاجين وتلمس مشكلات المجتمع المحلي والعمل على البحث عن حلول لها.
|