* تحقيق - منيرة المشخص: حينما شرع الله عز وجل النكاح جعل أساس التعامل بين الزوجين هو المودة والرحمة والاحترام وعدم إهانة أي طرف للآخر، وجعل من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله آخر الدواء في حالة سوء العشرة بينهما ووصلا إلى طريق مسدود وانعدمت الوسائل والحلول لعودة الحياة الزوجية إلى مسارها الطبيعي، ومنح الزوج العصمة لأنه الأقدر على ضبط النفس من المرأة لرقة مشاعرها، ولكن وللأسف الشديد أن هناك أزواجاً مارسوا هذا الحق بظلم وتجبر، ووصل العناد إلى درجة أنه يرفض تطليقها، وجعلها معلقة لسنوات طويلة وحرمها من أبسط حقوقها وواجباتها، بل إن التعليق امتد لسنوات طويلة تصل إلى أكثر من عشرين سنة!، يكون هو خلالها قد تزوج مثنى وثلاث ورباع وأنجب، وهي كالبيت الوقف لا هي مطلقة ولا متزوجة، ولا نفقة وإذا طالبته بالطلاق طالبها بشراء نفسها بمبالغ تفوق طاقتها، أو يهددها بأخذ أبنائها فتصمت وتصبر. في هذا الشأن استطلعنا آراء العديد من السيدات اللواتي عانين وما زلن من جراء التعليق، واستمعنا إلى رأي ذوي الاختصاص. زيجات دولية
نوال (أم نادر) موظفة منذ حوالي سنة على بند الساعات، معلقة منذ حوالي ست سنوات ولديها خمسة من الأبناء، تعتبر نفسها الضحية الأولى، وكما تصف نفسها من زوج لم يراع حق الله فيها، ولا يعرفون عنه شيئاً منذ سنوات، الغريب كما تقول نوال إن زوجي لا يرتكب المحرمات أبداً وأخلاقه لا غبار عليها، بل كان يعامل أبناءه بشكل جيد، لكنه كان يأخذ من الهجر الطويل كأسلوب معنا، وكان وضعنا المادي رائعاً ولله الحمد، ولكن قام بتصفية حقوقه المادية واستقال من عمله وفتح ورشة سيارات في عمارة كان يملكها إلى جانب عمارتين، ومن هنا بدأت معاناتي معه فبعد ثماني سنوات زواج، تزوج بسيدة من الهند كانت تقيم في مكة مقر إقامتنا منه، وأخذ يعاملني بشكل سيئ وهو ما يفعله دائماً وبدأت المشاكل بيني وبين زوجته الهندية لدرجة أنها اتهمتني بأنني قد سحرتها لأنها بقيت فترة طويلة لم تنجب خلالها!! ولو كان صحيحاً لجعلته يطلقها ويعود لي، لكن ولله الحمد أنا امرأة مسلمة ولا أفكر بهذه الطريقة أبداً، ولقد أنجبت منه بعد حوالي العام وهي الآن لديها ثلاث بنات وولد، لكنه وللأسف الزواج أصبح عنده مثل الطعام إذا أحس بملل من نوع انتقل إلى صنف آخر فقد تزوج وللمرة الثالثة ولكن هذه المرة من بلد عربي والحق يُقال إن هذه السيدة كانت بمثابة الأخت لي.. في البداية كانت هناك مشاكل بيننا ولكن اتفقنا أن هذا لن يجدي في ظل زوج لم يراع حق الله فينا وبالفعل أصبحت العلاقة بيننا رائعة بالرغم من أنها الآن متواجدة في بلدها وهي أيضاً معلقة فجميع زوجاته معلقات عدا الرابعة، وعندما سألتها عن حكاية الزوجة الرابعة؟ ضحكت وقالت ألم أقل إن زوجي دولي! فقد ختم زيجاته الثلاث بزيجته الدولية الرابعة، وهذه كانت بداية النهاية لنا خصوصاً أنا وأبنائي، فقد غاب عنا لمدة عام كامل لا ندري عنه شيئاً. وبعد أن استطاعت زوجته الأخيرة امتصاص أمواله سافرت زوجته الثانية العربية لبلدها حاملة مشكلة أبنائها منه، والهندية بقيت هنا في عمارة باسمها. أما أنا فقد خرجت خالية الوفاض، أو كما يُقال من المولد بلا حمص فأنا الآن أعيش في الرياض في بيت أخي فابني الأكبر يعمل حارس أمن ويشارك في مصروف البيت معي لكي لا يشعر أهلي أننا عبء عليهم وابنتي تحمل دبلوم خياطة وحاولت أكثر من مرة أن أتكلم معه عن طريق أبنائه، لكنه لم يكن يستمع لنا.. حدث هذا قبل سنوات حيث أرسلتهم لزيارته في مكة، لكنهم صدموا للاستقبال البارد الذي وجدوه منه فكأنهم لم يغيبوا عنه تلك المدة الطويلة فلم يهتم بهم أو يحتضن أي واحد منهم.. أعطاهم مالاً كثيراً فهو يعتقد أن هذا ما ينقصهم.. فماذا أفعل مع أب يشتري العاطفة بالمال؟ فعادوا كسيري الخاطر فقد تفاجؤوا بموقف أبيهم. حالتي النفسية جداً سيئة فلم أحصل على الطلاق حتى الآن ولحسن الحظ أنني قد جلبت جميع أوراقهم الرسمية معي، لم أحاول أن أتصل به طوال تلك السنين لأني أعرف أنه سوف يهينني ويجرحني بالكلام وبأنني أرخص نفسي له بذلك الاتصال، عندما أفتح موضوع الطلاق مع أبنائي يتضايقون لأن لديهم أملاً بعودة أبيهم.. وتسألني ابنتي الكبرى لو تمّ الطلاق فكيف سأفرح عند زواجي أكون عنده أو عندك حينها، هي الآن قلقة نفسياً وكذلك إخوتها.. أشعر بذلك وأراه في أعينهم وغياب الفرحة من ضحكاتهم، ولكن ماذا أفعل فأنا واقعة في حيرة بين أبنائي الذين ما زال لديهم أمل بعودته، وبين حاجتي كامرأة تريد أن تشعر بالحماية في ظل رجل وليس زوجة مع وقف التنفيذ؟ فهل يستطيع أحد أن يدلني على حل لمشكلتي؟ لم يكن لي من اسمي نصيب
تركت نوال وهي لا تزال تتساءل عمن يساعدها في حل مشكلتها وتحدثت بعد ذلك إلى السيدة: أمل (أم بسمة) فتحدثت عن وضعها فقالت: كما سمعت اسمي أمل وابنتي بسمة وبالرغم من أنه يقال إن للإنسان نصيباً من اسمه إلا في حالتي فقد فقدت الأمل وانطفأت البسمة في داخلي منذ سنوات، فأنا معلقة منذ حوالي خمسة وعشرين عاماً أو أكثر!! تزوجت من رجل اكتشفت بعد زواجي منه أنه يتعاطى المسكرات ولأنني امرأة تخاف الله حاولت معه أن يكف عن ذلك ولكنه رفض وضربني وعدت إلى أهلي ولم يك حالي معهم أفضل فقد أسمعوني أسوأ الكلام بأنني يجب أن أحمد ربي لأنني وجدت من يقبل بي فأنا وكما ترين لا أملك من الجمال ما يجعلني أشترط في الذين يتقدمون لخطبتي كيف يكون شكله أو منصبه والمحزن في الأمر أن زوجي وسيم، لكنه لم يجد من تقبل به لسوء خلقه، فعدت إليه صاغرة فأخذ يتفنن في تعذيبي ويضربني ويشرب أمامي، بل وصل به الأمر إلى جلب النساء الساقطات إلى البيت فلم يراع حرمة بيته والمصيبة الكبرى أنني أنجبت منه ثلاثة أبناء.. ولدان وبنت، ولم يمنعه ذلك بل زادت أخلاقه سوءاً ولم يحاول أن يتغيّر أبداً حتى حدثت الطامة الكبرى!! عندما وجدت ابني الأكبر وكان حينها في السادسة من عمره يحاول أن يشرب من قارورة خمر كان أبوه تركها في الصالة بعد ليلة حافلة بالسهر الماجن وخرج بعد ذلك ليكمل السهر في بيت أحد أصدقاء السوء، وحمدت ربي أنني قد وصلت في الوقت المناسب فقد استيقظ ابني قبلي ولسوء حظي أنني نسيت أن أقفل علينا باب الغرفة كما أفعل كل ليلة تكون السهرة في بيتنا.. والله وحده يستطيع إحصاء عددها، وما ان شاهدته حتى التقطتها سريعاً منه وسكبتها في الحمام وضربت ابني دون شعور مني مع أن ليس له ذنب، لكن الحالة النفسية التي وصلت لها جعلتني أتصرف دون شعور وعندما عاد إلى البيت وأخبرته بالذي حدث، وأن هذه أولى بوادر تجاوزاته أخذ يلومني لأنني لم أنظف قذارته وحدث شجار بيننا فقد وصل إلى حالة لم أعد أستطيع الصبر عليها وأخذ يضربني بشدة أمام أبنائي الذين أخذوا يبكون من شدة الخوف وسماعهم لصراخي وتوسلي له بالكف عن ضربي، لكن ذلك لم ينفع حتى أسال دمي وسقطت من شدة الألم ودخلت المستشفى أياماً وتنازلت عن حقي أمام الشرطة من أجل أبنائي، وبعد خروجي من المستشفى ذهبت إلى بيت أهلي وأقسمت أنهم إذا أعادوني له سأقتله أو أقتل نفسي وعندما وجدوا أنني جادة لم يحاولوا إعادتي وعندما طلبت الطلاق هددني بأخذ أبنائي مني بعيداً.. بالطبع خفت عليهم والمجتمع لا ينظر إلى الرجل كيف هي تصرفاته، فقررت أن أصبر حتى يكبر أبنائي وبخاصة البنت وتتزوج وبعدها أطلب الطلاق. وتواصل أمل حديثها بحرقة شديدة وتقول: بالفعل كبر أبنائي وأصبحوا يعملون وتزوجت ابنتي قبل عامين ولديها طفلة جميلة، لكنني نسيت أمر الطلاق ولم يعد يهمني فالأمراض قد اجتاحتني وعشت طوال هذه السنوات محرومة أن أعيش كزوجة وأنجب مزيداً من الأبناء، وهو عاش حياته بطولها وعرضها وتزوج بأخرى ومارس حقه كزوج وأنجب المزيد من الأبناء بل إن ثلاثة من أبنائه تزوجوا بعد أن تمتعوا بخير أبيهم وحنانه والعيش بكنفه ونحن لم ننل من هذا الخير أي شيء. وتتساءل (أم بسمة) في نهاية حديثها معي: بالله عليكم ما هي الأسرة التي وافقت على تزويجها ابنتهم وهل يعلمون بأمر تعليقه لي؟ ولكن الإنسان بطبعه أناني فزوجته من أسرة غنية وهو يريد أن يكسب رضاهم ولو على حساب زوجته الأولى وأبنائه، فقد كانت زيجة أبناء زوجي على جانب كبير من الفخامة والبهرجة، الحمد لله على كل حال، لكنني أريد أن أعرف أي مجتمع هذا الذي تركني طوال هذه السنين أكابد وحدي لا يؤنس وحدتي سوى الأمراض؟ أريد أن أسمع جواباً لتساؤلاتي العديدة وإن كانت لن تريحني فبعد أن خسرت زهرة شبابي لا يوجد شيء يعوضها إلا فقط سعادة أبنائي وإنني قد أوصلتهم وبفضل الله إلى بر الأمان. رأي ذوي الاختصاص
ونتوقف قليلاً لنستمع إلى رأي ذوي الاختصاص فتحدثت لنا في البداية الدكتورة أسماء الحسين أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسي المساعد حيث قالت: الإسلام يحث على حسن معاملة الأسير في أسره، والمرأة لا شك أسيرة عند زوجها كما أخبرنا بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحالة التعليق من الحالات المؤلمة التي تخبرها بعض الزوجات اللاتي دخلن إلى الحياة الزوجية لغرض المعاشرة وحسن الصحبة والمودة والرحمة، وما أصعب أن تتغرب المرأة في وطنها! بل أن ينفيها الوطن وهي داخله!! أليس الرجل وطن المرأة كما هي سكنه وأنسه؟! وهذه صورة من صور الظلم على المرأة.. عندما ينسلخ الرجل من تحمله رئاسة الأسرة ورعايتها والحفاظ عليها وتوفير كل ما تستلزمه من ضرورات الحياة، فمهما كانت المسببات للغياب أو الهجر فهي في الغالب تشير إلى أنانية الزوج وضعفه في تسوية أموره أو تحمل مسؤولية بيته. إن الزواج ميثاق غليظ ومصالح مشتركة بين طرفين وله طابع الديمومة بينهما فكيف بالزوج الذي يحبس زوجته ويعلقها بين الأرض والسماء فلا (إمساك بمعروف) ولا (تسريح بإحسان) مما يؤثر على توافقها النفسي والاجتماعي وصحتها الجسمية والنفسية ويترك أثراً مؤلماً في نفسها وفي نفس أولادها دون مراعاة للعشرة وتقدير للصحبة وتلك العلاقة المقدسة بينهما؟ وتذكر هنا الدكتورة أسماء النتائج النفسية التي يلفها تعليق الزوجة حيث قالت: كثيراً ما تكتسب المعلقة التي هجرها زوجها وهجر بيته وأولاده سمات القلق والتوتر والشعور بالأسى والاغتراب النفسي والاكتئاب ومشاعر العجز والإحباط، أما الأولاد فقد أثبتت نتائج كثير من الدراسات أنهم يكتسبون بسبب غياب الأب مدة طويلة عنهم أو انقطاعه عنهم التدهور في الاستجابة العاطفية والقدرات العقلية، وانعدام روح المبادرة، والشعور بالوحدة النفسية والانهزامية نتيجة غياب الحنان والدعم والمساندة التي يأخذونها أو يفترض أن تُوجد في الوالد، كذلك تظهر عليهم مشاعر الغيرة من الأقران وعدم القدرة على مواجهة المواقف الصعبة التي تتطلب منهم المهارة للتغلب عليها، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية والنظرة الدونية للحياة، وضعف الدافعية للإنجاز، بالإضافة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية أو ما قد ينتج عنها من سلبيات أو انحرافات! فلا بد من وجود ضوابط وتعاطف ومساندة مجتمعية حيث إن المعلقة في الواقع لا تشملها وأولادها الشؤون الاجتماعية ولا ضمانات معيشية من الدولة بحكم وجودها على ذمة زوج محسوب عليها وهو غير ظاهر ولا بيّن. وتضع الدكتورة أسماء حلولاً لهذا الموضوع فتقول: لا بد من تدخل ورعاية من قطاع الخدمات الاجتماعية والنفسية في الدولة بالرعاية اللاحقة، كذلك تكثيف الإرشاد الديني والزوجي، وتنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والانتماء الأسري لدى الأزواج، ومخافة الله تعالى ومراقبته، ولا بد من تعويد أبنائها على تحمل المسؤولية مبكراً حتى تحد - بإذن الله تعالى - من انسحاب الآباء وهروبهم ومن عدم تحملهم مسؤولية أسرهم وأولادهم.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).. والرجل لا شك راع ومسؤول عن رعيته.. هل صان أم ضيّع؟ وتختم الحسين حديثها موجهة النصح للمرأة وكذلك للمجتمع بقولها: على الزوجة الصبر والاحتساب، فإنها مأجورة إن شاء الله بصبرها ومن خشيت الضرر فإن لها اللجوء إلى القاضي للنظر في أمر الزوج لتخليص نفسها منه ولا بد من تعاون المجتمع معها ورعاية مصالحها وأولادها، حتى لا يخرج للمجتمع عناصر غير مسؤولة وقد تنتهج منهج الانحرافات الفكرية أو العاطفية أو السلوكية لا سمح الله. وأما الأثر من الناحية الاجتماعية فقد كان للدكتور خالد الرديعان أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود حيث قال: أولاً ماذا نعني بكلمة معلقة؟ هي امرأة متزوجة إلا أن زوجها هجرها لسبب ما، في الوقت الذي لم تحصل فيه على الطلاق مما جعل مفردة (معلقة) دارجة لوصف تلك الحالة مما يترتب على الزوجة عدة أضرار منها: عدم حصولها على النفقة وحرمانها من رؤية أولادها، ناهيك عن الأضرار النفسية والاجتماعية إضافة إلى فقدان المرأة لحريتها التي تخولها الارتباط بشخص آخر لو رغبت الزواج. ثانياً: ما الذي يعنيه كون امرأة معلقة؟ وجود زوجة معلقة يشير إلى خلل على ثلاثة مستويات: خلل في العلاقة الزوجية، وهو الأمر الذي يمكن علاجه إذا ما توافر حسن النية عند الطرفين وبخاصة الزوج كونه هو من يهجر الزوجة في العادة ويدفع بها إلى تلك الحالة، وخلل في نظام الأحوال الشخصية بحيث تمتهن حقوق المرأة بشكل واضح بسبب غياب تشريع أو قانون يحد من تلك الممارسة.. وهذا الخلل يمكن علاجه بصدور أنظمة تقنن حالات تعليق الزوجة للحد من الضرر على المرأة وذلك في ضوء ما هو معروف شرعاً وخلل في العلاقة بين الجنسين فهناك فجوة بين ما نعتقد دينياً وما نمارسه فعلياً. ثالثاً: هل كون المرأة معلقة يشكّل وصمة اجتماعية لها؟ للأسف نعم لأن المجتمع كثيراً ما يلقي باللائمة على المرأة في فشل العلاقة الزوجية ويتسامح كثيراً مع الرجل بالرغم من أغلاطه وقد يأتي اللوم على المرأة وهي - مفارقة - من النساء أنفسهن بسبب تماهيهن مع ثقافة تقليدية تحط من مكانة المرأة، قد تفعل النساء ذلك دون شعور، الذي يجعل (المعلقة) تعاني من ظلم مزدوج: من الرجل الذي علقها ومن بنات جنسها ناهيك عن معاناتها مع المجتمع برمته. رابعاً: لماذا يعلق الزوج زوجته؟ يقوم بذلك كوسيلة إذلال لها لسبب ما، بحيث يقيد حريتها ويحدث لها أكبر ضرر نفسي ممكن يتأتى للرجل القيام بذلك بسبب غياب التشريعات التي تحد من هذه الممارسة. خامساً: ما المخرج أو ما الحل؟ الحل يكمن في مسألتين: صدور تشريعات قضائية صارمة تمنع امتهان كرامة المرأة كتركها معلقة، فالقرآن الكريم واضح في هذه المسألة {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}وليتنا نفطن إلى الكلمة الأخيرة (بإحسان) ودلالتها في الآية، ثم رفع درجة الوعي تجاه المرأة وقضاياها، ونقد الثقافة السائدة التي تهمش المرأة أو تحط من قدرها. ويختم الدكتور الرديعان رأيه حيث قال: على المرأة المطالبة بحقوقها الشرعية التي كفلها لها الدين والنظام، لأن لا أحد سيقدم لها تلك الحقوق ما لم تطالب هي بها.. الحقوق تنتزع ولا تقدم. الرأي الشرعي
كان لا بد أن نختم هذا التحقيق بمعرفة رأي الشرع حول كل ما مرّ آنفاً، فقد تحدث في البداية فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم العثمان قاضي المحكمة العامة بالدرب، فقال: لا بد أن نبيّن أن الله تعالى أعطى الزوجين حقوقاً، وفرض عليهما واجبات، وأمرهما بإحسان العشرة فيما بينهما بالمعروف، حتى كفلت هذه الشريعة للزوجين المتمسكين بما أُمرا به المكانة اللائقة بهما دون تعدٍ أو تفريط، ولذلك أقول: إن أي شقاق زوجي لا يخلو سببه من تجاوز أحد الزوجين لما أمر به، أو نهي عنه، ومن ذلك تعليق الزوج لزوجته، أو حرمانها من حق النفقة، فلا شك أن ذلك من الأفعال المحرمة، والتي ورد في القرآن النهي عنها، قال تعالى في معرض ذم التعليق {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}، قال ابن كثير رحمه الله: أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية فتبقى الأخرى معلقة، ويواصل الشيخ العثمان حديثه: هي بحد ذاتها خرق للقواعد الشرعية الضابطة للحياة الأسرية، وبقدر وجود هذه المشكلة فإنها وبحمد الله لم تصل إلى مستوى أن تكون ظاهرة، ومن خلال ذلك لا بد أن نفرق بين الزوجة المعلقة التي أدت ما عليها من حقوق تجاه زوجها، وبين الزوجة الناشز عن طاعته، أو أداء الحقوق الواجبة له، مع عدم وجود مبرر لذلك، ولعل أكبر فرق بينهما أن الأولى مستحقة لحقوقها الثابتة شرعاً، ومنعها من ذلك يُعتبر تعدياً على حقها، أما الثانية فإنها غير مستحقة لبعض الحقوق المقررة شرعاً للأولى، ومن ذلك حق النفقة والطلاق بغير عوض. ويضيف الشيخ العثمان قائلاً: المهم أنه ومع مراعاة ما ذكرته فإن الظلم بجميع أشكاله وألوانه ممقوت، فعلى الزوجين أن يتقيا الله في أنفسهما، وأن يتبصرا فيما يجب عليهما من الحقوق والواجبات. وحول سؤالنا له بأن هناك سيدات قد قمن بإحضار أوراق تثبت إدمان أزواجهن أو دخولهم السجن وأن القاضي لم يأخذ بهذه الأوراق ويطالبهن برد المهر أو الصبر؟ فقد قال الشيخ العثمان: فإن هذا الأمر لم تتحقق صحته أولاً، كما أن هذه الأخبار لا تؤخذ من أفواه الخصوم، لاحتمال الزيادة أو النقص أو الخطأ الحادث من سوء الفهم أيضاً، ثم إن سلطة القاضي التقديرية تجيز له أن يقدر الفراق بعوض أو بغيره، كيف والأمر يتطلب النظر في القضية الزوجية من جميع الوجوه، فمثلاً راعت الشريعة جانب المكافأة بين الزوجين، فليست المرأة الصالحة الملتزمة بأمر دينها، وإنفاذ الحق الواجب لزوجها، التي تطالب بطلاقها من زوج مقصر فيما يجب عليه في دينه، على حد سواء مع امرأة تكافئ زوجها فيما تنقمه منه، إن لم تكن أقل منه حالاً. ويؤكد العثمان في نهاية حديثه بأننا لا بد أن نكون لبنة لهذا المجتمع المتعطش لعبارات الإصلاح والتوفيق، وأن تسمو بنا النوايا إلى ما يعود على هذا المجتمع المسلم بالصالح العام، وأن نسدي النصيحة لأهلها في حالة تدعو إلى قبولها. * أما فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح الحميد رئيس محاكم منطقة تبوك فيقول حول نفس الموضوع: لقد أكرم الله المرأة وأعزها ورفع شأنها وأنزل فيها قرآناً يُتلى وأوضح الأحكام المتعلقة بها وجعلها قرينة الرجل في الإنسانية وفي عباداتها لربها.. قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}والخلق هنا للرجل والأنثى والتسابق في التقوى والكرامة فلم يفرق الله بينهما فلقد أعد لهما لمن اتصف بالصفات الحسنة المغفرة والأجر العظيم. ولقد أقام الله العلاقة المتبادلة بين الرجل والمرأة على مبدأ الاحترام والقيام بالحقوق والواجبات ولم يجز لأي منهما أن يقصر أو يتساهل في هذه الحقوق وإلا فإنه من الآثمين قال تعالى للرفع من شأن هذه العلاقة: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} ولما كان جانب المرأة يغلب عليها الضعف فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام أوصى بحقوقها وأن يتقي الله الرجل في ذلك ولهذا خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بجانب الرعاية والعناية في حجة الوداع فقال: (اتقوا الله في النساء) وقال أيضاً (لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم). ومن هذا المنطلق فإنه لا يجوز للرجل أن يقصر بحقوق زوجته ما دامت هي منقادة له وقائمة بحقوقه باذلة نفسها في سبيل طاعته ولهذا حرم الله عضلها قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}قال ابن عباس: ولا تعضلوهن، يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدي به. فالرجل مطالب بأن ينفق عليها، وقد بين رسول الله عليه الصلاة والسلام أن من حق الزوجة على زوجها أن يطعمها مما يطعم وأن يكسوها.. وبيَّن عليه السلام أن أفضل دينار ينفقه الرجل الدينار الذي يجعله في فم امرأته أو كما جاء عنه عليه السلام.. وبهذا يعلم أنه لا يجوز لا عقلاً ولا منطقاً ولا شرعاً أن يقصر الزوج على زوجته النفقة ولا يجوز له أن يجعلها معلقة، بل يحرم ذلك عليه. وأما موضوع انحراف بعض الأزواج وإدمانهم للمخدرات فتضطر الزوجة للتخلص من هذا الزوج بطلب الطلاق، وتحضر ما يثبت ذلك فيقول فضيلة الشيخ الحميد في نهاية حديثه قائلاً: إذا أثبتت لدى القاضي ذلك فإن ناظرا القضية وإذا لم يكن هناك أمل في إصلاحه يفسخ النكاح دون عوض لقوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ}وما يرد في بعض القضايا أن القاضي يطلب من الزوجة أن تفدي نفسها مقابل الطلاق فهذا يحصل عند عدم وجود بينة تثبت صحة الدعوى وعلى كل حال ليس كل ما يسمع من روايات عن القضايا صحيح فآفة الأخبار رواتها.
|