* القاهرة - من سعد القرش - رويترز: استبعد كاتب أمريكي قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية لأنها عملياً ستكون كياناً صغيراً غير قابل للحياة وسط محيط تسيطر عليه إسرائيل التي أكَّد أنها تمارس تمييزاً عنصرياً ضد الفلسطينيين. وقال نيكولاس جويات الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة برنستون التي تعد من أقدم الجامعات الأمريكية إن (دولة فلسطينية تضم حوالي نصف الضفة الغربية من الناحية العملية من الصعب أن تكون كياناً قابلاً للحياة أو النمو. وكما كشفت أوسلو فإن إسرائيل تنوي الانسحاب من المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وتحتفظ بالأراضي الباقية، كما أن دولة فلسطينية تقوم في المستقبل ستكون أشبه بمجموعة جزر في بحر تسيطر عليه إسرائيل).وأشار في كتابه (غياب السلام.. محاولة لفهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني) إلى أن اتفاق أوسلو (ليس حلاً بقدر ما يبدو سبباً لكثير من المشكلات). وبدأت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1991 ووقَّع الجانبان اتفاق أوسلو عام 1993 ، حيث تصافح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين الذي اغتاله متشدد يهودي في نوفمبر - تشرين الثاني 1995 . وقد صدرت أمس الاثنين عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر الترجمة العربية للكتاب التي قام بها المترجم المصري طلعت الشايب وتقع في 266 صفحة من القطع الكبير.وأشار المؤلف إلى أن تركيز الكتاب (سيكون على ما فشلت إسرائيل بشكل واضح في أن تحققه على مدى خمسين عاماً من وجودها ألا وهو السلام الدائم مع جيرانها وخاصة الفلسطينيين. في هذا المجال بالتحديد هناك القليل الذي يستحق الاحتفاء والكثير الذي يستحق الندم). وأعلن قيام دولة إسرائيل عام 1948 استناداً إلى القرار رقم 181 للجمعية العامة بالأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر - تشرين الثاني 1947 والذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ترتبطان معاً بوحدة اقتصادية مع وضع مدينة القدس تحت الوصاية الدولية بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948 . وقال جويات إنه (على الرغم من أن أوسلو كانت قائمة على مبدأ أن الأرض التي استولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة في 1967 سوف تعود للسيادة الفلسطينية فإن موضوع مساحة الأراضي التي ستعاد لم يحسم بالشكل الصحيح). واحتلت إسرائيل في حرب يونيو - حزيران 1967 شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية إضافة إلى قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العربية. وقال المؤلف إن إسرائيل بعد احتلالها أراضي فلسطين عام 1967 أوجدت سياسة أطلقت عليها (حقائق على الأرض) عن طريق توطين اليهود في المناطق المحتلة، مشيراً إلى وجود أكثر من 300 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة تحيط منازلهم بالمدن والقرى الفلسطينية وتقسمها.وشدَّد على أن وضع الفلسطينيين (كشعب محتل في ظل القانون الدولي والذي دعمه العديد من قرارات مجلس الأمن جعل مسؤوليات إسرائيل واضحة وهي الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967... إن فلسطينيي الأرض المحتلة يعانون الآن من مخطط إسرائيلي للتمييز العنصري الشامل).وأضاف أن إسرائيل تواجه سؤالاً واحداً وهو (كيف يمكنها أن تحافظ على دولة يهودية في مواجهة مليون مواطن فلسطيني يعيشون داخلها (من عرب 1948) ومليونين ونصف المليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين..). وأجاب قائلاً: إن عملية أوسلو توحي بأن إسرائيل قد اختارت سياسة التمييز العنصري الشامل لمواجهة هذا المأزق. وفي محاولاتها لتحتفظ بالسيطرة على الأراضي والمياه مع إبقاء الفلسطينيين على مسافة آمنة كانت الحكومات الإسرائيلية تواصل تنفيذ مخططها الأشبه بمخطط البانتوستانات (المعازل) في جنوب إفريقيا (أثناء الحكم العنصري). وأضاف أن ما وصفه بمخطط إسرائيل يتم تنفيذه بإعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً (محدوداً في مناطق من الضفة الغربية ومعظم قطاع غزة. وتحت راية عملية السلام عرض على الفلسطينيين حكم ذاتي على جزء من أراضيهم في مقابل الاعتراف بضم إسرائيل لمعظم الأراضي والسيطرة عليها. لم تكن أوسلو اتفاق شركاء متساوين من أجل مزايا متبادلة وإنما هي خطة لصالح إسرائيل تماماً تعمل على إخلاء معظم الضفة الغربية من الفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن توسع مجال نظامها العنصري). وقال إن القيادة الفلسطينية كانت شريكاً (غافلاً في هذه الخطة الإسرائيلية بالإبقاء على آمالها في قيام دولة حتى مع احتلال إسرائيل لقلب أراضيها... منحوا شرعية لمشروع التمييز العنصري الإسرائيلي الشامل وعجلوا به... وفي مقابل المظاهر الزخرفية للدولة - علم وسلام وطني وسلطة وطنية - سمحت القيادة الفلسطينية لإسرائيل بأن تقرر مصير شعبها بالكامل). وقال جويات إن رابين الذي يعد الآن ما يسمى (شهيد السلام) جاء إلى صناعة السلام في مرحلة متأخرة من حياته وباعتباره أشهر العسكريين في إسرائيل فقد شارك في حملات 1948 و1949 و1967 وأسهم في العملية التي أسفرت عن ترحيل أكثر من مليون فلسطيني من أرض أجدادهم... وقام بإخلاء المناطق العربية في اللد والرملة من حوالي 50 ألف من الفلسطينيين المدنيين عام 1948 .بدايات رابين على الأقل لم تشهد أي جهد لمد يده نحو الفلسطينيين سوى لكي يدفعهم خارج أراضيهم. وأشار إلى أن رابين كان (زعيم الرد القمعي الإسرائيلي على الانتفاضة الفلسطينية في 1987 وما بعدها... وحتى نهاية عام 1991 كان الإسهام الرئيسي لرابين في السياسة الإسرائيلية باعتباره جندياً على استعداد أن يستخدم أي وسيلة لتقوية قبضة إسرائيل على مكاسبها في 1949 وعلى الأراضي الإضافية التي استولى عليها في 1967... من الصعب اعتباره حمامة).وأضاف أن (القول بأن الإرهاب الفلسطيني كان سبباً في تدمير عملية السلام فيه تجاهل لحقيقة أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين قد صوّتوا لأحزاب تدعم التفاوض الذي لا يعرف العنف. العنف عرض من أعراض انهيار السلام وليس سبباً له). وحمل الغلاف الأخير للكتاب تعليقاً للمفكر الأمريكي البارز نعوم تشومسكي الذي وصف دراسة جويات (ببعد النظر ووفرة المعلومات التي يقدِّمها نيكولاس جويات. هي دراسة تصحيحية نحن أحوج ما نكون إليها وأتمنى أن تحظى بقراءة على أوسع نطاق وأن تساعد على ظهور وجهة نظر جديدة لا سبيل إلى تجنبها لو أننا نريد بالفعل أن نتفادى سوء المصير وأن نحقق قدراً من السلام العادل). وأضاف تشومسكي الذي يعد أحد المعارضين للسياسة الأمريكية والإسرائيلية أن (عملية السلام في الشرق الأوسط تعرضت لسوء فهم كبير. وأرى أن لذلك عواقبه الوخيمة).
|