|
انت في
|
بعد أن كتبت عنه وقلت: إنه شاعر مبدع ينبغي أن لا يبقى في الظل.. تفضَّل الشاعر الصديق محمد الحمادي - مشكوراً - فأهداني ديوانه الجديد (فلسفة الحب).. فهل للحب فلسفة يا أخ محمد؟!
تذكرنا هذه القصيدة بيائية إمام العشاق: قيس بن الملوح والتي فيها البيت الأشهر:
غير أن شاعرنا لم يُجَنُّ بعد.. لكنه مغموس حتى رأسه بالحب. وحب شاعرنا يأتي أحياناً صريحاً واضحاً كالقصيدة المعنونة ب(التونسية).. نسبة إلى تونس - حيث خصها - أعني الفتاة التونسية - بعدة قصائد:
هنا الحب معذب.. قد لا يكون من طرف واحد.. لكن الشاعر يفصح عن معاناته مع هذه التونسية الشاردة.. الغائبة دوماً.. من هنا يحاول الشاعر إرضاء محبوبته أو استرضاءها فيذكِّرها بالماضي السعيد الذي عاشه الشاعر مع بنت تونس:
إلى أن يقول بعد ذلك في قصيدته الرائية: (تونس وتقاطيع حبيبتي ص 54):
ونطقت أشعاري وقلت لها:
ونلاحظ في هذه الأبيات.. وغيرها إصرار على الحب.. كأنه قدر الشاعر الجميل: صباح الخير من قلبي إلى الحب الذي كالمساء يرويني صباح الخير يا أملي ويا إشراقة الشمس في الأعماق تحبيني عجيب أمر هذا الحب.. إذا صار الشاعر يحييه تحية الصباح ويساويه بالأمل الذي هو سر تشبثنا بالحياة.. ولولاه أو لولاهما متنا كمداً وحزناً والمحبوبة التي يلهث وراءها الشاعر لا تتخذ اسماً معيناً ولا ملامح معينة.. بل كل النساء حبيباته.. بل المرأة وطن أو أشبه بالوطن: حبيبتي أريد أن .. أطارح الزمن أريد أن.. أحطّم الساعات أريد أن.. أكسر الصمت الذي يغتالني وأسقط الوثنْ أريد أن أمحو اللظى والهمَّ والشجن فإنني أدركتُ يا حبيبتي أنكِ لي وطنْ هل تسمحين لي إذاًَ بأن تكوني قصة بأحرفي وأن تكوني لي وطنْ والحنين أمر طبيعي لشاعر وفي.. فبعمق الوفاء للديار والإنسان يكون الحنين والاشتياق.. فإلى أي شيء يحن الشاعر؟ نترك قصيدة (حنين) لتجيبنا على سؤالنا: أحنّ إليكِ وأشتاق للحب بين الحنين وبين الحنين أحن إلى همسة العشق في شفتيكِ إلى البحر والعطر والياسمين أحن إلى دمعات العيون إذا أشرق النور في ناظريكِ وأشتاق دوماً وأعلم أني وأنتِ طريق إلى دوحة العاشقينْ تمر على القلبِ ذكرى لقانا فأذكر كم داعبتني يداكِ؟ وأذكر أنكِ حررت قلبي ومن قبل قد كان قلبي سجينْ إلى أن يعلنها بكل صراحة ويناديها: بأن (تعالي وخذي جسدي المسجى في الجحيم بعدما صارت الروح ترفرف عند الحبيبة): أنا جسدٌ في جحيم مسجّى وروحي ترفرف دوماً لديكِ تعالي خذيني فإني أحبُّك من كل قلبي وأشتاق للحب في كل حينْ ونعود إلى التعليق على الأبيات المقفاة الموزونة حيث تتضح لنا شاعرية (الحمادي) في نظمه المتّزن واختراع القافية المناسبة بكل مهارة:
وإعجابنا بشاعرية الشاعر لا يمنعنا عن إبداء ملاحظة نقدية خاصة بالشطر الثاني من البيت الخامس حيث تبدو كلمة (هنائي) في النهاية غير مناسبة بل فيها شيء من الضعف والركاكة. ونونية الشاعر العظيم ابن زيدون أشهر من أن تذكر.. بيد أن الحمادي أراد معارضتها بأبيات قصيرة.. إنما فيها إيمان كبير بالحب الذي فيه نجاة الشاعر من اليأس والقنوط.. فما أعظم الحب إن كان كذلك!
وأخيراً.. فالشاعر محمد الحمادي أحد الشعراء القلائل الذين نظَّروا على الحب ووجدوا في ظلاله النسمة الحانية والدفء الجميل ولئن استمر على هذا المنوال - إخلاصاً للحب وتبتلا في محرابه - فهو الرابح لا الخسران.. لكنه سيدفع ثمن ذلك قلقاً وسهراً واغتراباً نفسياً.. لأن من يفهم الحب قليلون واقل منهم من يتغنون بالحب ويعزفون على لحنه صباح مساء للحب ذاته.. لا يريدون به جزاء ولا شكوراً:
(مقطعان من قصيدة رباعيات الخجل ص 47). بدر عمر المطيري
|
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |