الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.. أما بعد فلاشك أن السحرة شرهم عظيم وخطرهم كبير والسحر من الجرائم العظيمة وهو ما يتعاطاه السحرة من التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وليس بحقيقة كما قال تعالى في قصة موسى مع سحرة فرعون: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى }فهي في الحقيقة لم تتغير فهي مجرد حبال وعصي ولكن تغير نظر الناس إليها فاعتقدوها حيات بسبب عمل الساحر وتلبيسه وليس معنى ذلك أن السحر ليس له حقيقة بل السحر له حقيقة فيؤثر في الأبصار بحيث يكون البصر لا يدرك الحقيقة فيرى مثلاً الحبل حية تمشي أو نحو ذلك وقد يكون السحر بما يتعاطاه السحرة من النفث في العقد بدعوة غير الله من الشياطين فيؤثر في المسحور ويحدث له تغيراً في العقل أو يحدث له المرض ومن السحر أيضاً ما يحصل به تحبيب المرأة إلى زوجها أو بغضها له أو العكس ويسمى الصرف والعطف وقد يكون السحر بما يحصل من مساعدة الشياطين للساحر بعد عبادته لهم وكفره بالله فتراه مثلاً يجر الأثقال العظيمة بشعرة أو شعرتين لأن الشياطين يساعدونه في ذلك ونحن لا نراهم ولكنهم يروننا كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}، والسحر سمي سحراً لأن أسبابه خفية ولأن السحرة يتعاطون أشياء خفية يتمكنون بها من التلبيس على الناس وإدخال الضرر عليهم وسلب أموالهم بطرق خفية لا يفطن لها في الغالب. والسحر كفر صريح بنص القرآن لأن الساحر لا يتوصل لمقصده إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله سبحانه وتعالى قال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}فأخبر تعالى عن كفرهم بتعيلمهم الناس السحر ثم قال تعالى بعد ذلك: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}فأخبر تعالى أن تعلمه كفر ثم قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}أي بإذن الله الكوني القدري فقد مضى في علم الله وقدره السابق أنه يقع من فلان السحر ومن فلانة ويقع على فلان وفلانة بقدر سابق لحكمة بالغة وبعد مشيئة الله تعالى فالسحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري وليس الإذن الشرعي لأن الشرع يحرم السحر ويحذر منه ثم قال تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}فأخبر تعالى أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم وأنه ليس لهم عند الله من حظ ولا نصيب وهذا فيه وعيد شديد يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة وأيضاً ذمهم الله تعالى لأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }فدل ذلك على أن السحر ضد الإيمان والتقوى وما ذلك إلا أنهم يتوصلون لسحرهم بعبادة الشياطين والتقرب إليها وأيضاً مما يدل على خسارة الساحر في الدنيا والآخرة قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}وأيضاً مما يدل على عظم جريمة السحر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من الموبقات المهلكات وقرنه بالشرك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا وما هن يا رسول الله قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات). وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا مَنْ تَطير أو تُطُيِّر له أو تَكهن أو تُكُهِن له، أو سَحَرَ أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البزار بإسناد جيد عن عمران بن حصين رضي الله عنه وأيضاً جاء عند النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكل إليه) وهذا يدل على أن السحر شرك بالله وأن مَنْ تعلق بشيء مِنْ هؤلاء السحرة والكهان والعرافين وُكِلَ إليهم وحُرِمَ من عون الله تعالى وأيضاً مما يبين خطر السحرة وشدة أذاهم ما ثبت أن يهودياً يقال له لبيد بن الأعصم عمل سحراً للنبي صلى الله عليه وسلم لم يزل عقله وشعوره ولم يؤثر ذلك فيما يحدث الناس به من الوحي فجاءه جبريل فأخبره بما وقع فبعث صلى الله عليه وسلم مَنْ استخرج السحر من بئر لأحد الأنصار وأتلفه وزال عنه بحمد الله ذلك الأثر. نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(*)داعية وإمام مسجد الصرامي بحي الشهداء |