Thursday 14th July,200511977العددالخميس 8 ,جمادى الآخر 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

هذرلوجياهذرلوجيا
التّسكع في الجهراء
سليمان الفليح

قلت في مقالة سابقة إنك رحت تجوب شوارع الجهراء وتتذكّر كبار البيوتات، وكانت الأمانة والوفاء يقتضيان أن تسأل عن شخصيات هامشية قد لا يعرفها أحد سواك كانت تمثّل بالنسبة لك ولهذه المدينة تاريخاً خاصاً لا يدركه إلا من تسكع جيداً في هذه الجهراء.. إذن ها أنت تقف في أماكن من العراء وتتذكّر: هنا كان يقطن في غرفة ضيّقة (أبو جضيم)، وهناك كان يسكن (أبو هنطش) الفلسطيني الذي أحب الجهراء، وهناك كنت تصنع المقالب لأبي (دنفوس)، وهناك على البعد بيت (الضحوك)، وهناك خلف النخلة تلك كان يعيش (حنس) المقطوع من شجرة وكأنه إحدى الأشجار، وهناك كانت تبيع أم عايض الأغنام وتشتم العابرين، وهناك صادقت صاحبك اللدود ابن (ظلهاب)، بالطبع لم يبق أحدٌ من هذه الأسماء إلا ابن (ظلهاب)، الذي ولله الحمد - (الذي لا يحمد على مكروه سواه) - لم يزل بلحمه وشحمه على قيد الحياة، وقد هاجر من هذه المدينة في نهاية السبعينيات وعاد إلى رعاية الإبل في الصمان، باعتبار أن هذه المهنة الوحيدة هي التي تليق به.. لكنني هنا لا يمكنني القول إلا أن أدعو الله أن يمتّعه بالصحة والعافية لأنه سيطلّ يوماً- لا محالة - على الإخوة القراء بحرتقاته العتيدة، لأن لي معه في السياسة وقراءة الأحداث صولات وجولات ستكون حديث الناس لا سيما الذين لا يعرفون جيداً من يكون هذا ال (ابن ظلهاب)، الذي يقرأ كل المتغيرات بطريقة مغايرة تختلف عن فهم كل مخلوقات الله (!!) على أية حال (ما علينا منه الآن)، لكن من باب (إذا ذكرت ال (...) (ولّم) القلم بدلاً من العصا).. كل ذلك اتقاءً لشره المستطير (!!) لأنه - سامحه الله - مثل إبليس.. أما ترون أنه شغلني عما أتحدث عنه - أي مدينة الجهراء - ورحت أتحدث عن جنابه المبجل لأنه يصر دوماً أن يحشر نفسه في ثنايا الكلام ويطل من خلال السطور.. لذا فمن الضرورة أن نترك - الآن- ابن ظلهاب و(شجرته) تماماً كما يقول المثل النجدي: (اترك الداب وشجرته) وابن ظلهاب هو مجرد داب حقيقي لا يؤمن جانبه، أو إذا شئنا الدقة لقلنا إنه ينطبق عليه المثل الكويتي الشهير (هذا سيفوه وهذي خلاقينه)، وسيفوه هذا أو سيف مجرد رجل أحمق يرتدي الخرق البالية ويتجوّل في الأسواق (لربما في الجهراء القديمة على وجه التحديد)، لكنه لا يستمع لأحد، ولا يبالي بأحد.. وابن ظلهاب كذلك عن حق وحقيق.
إذن ها أنت تواصل الطريق بمحاذاة طريق الكويت - العبدلي في حزام الجهراء وتستمر حتى تقف أمام (نادي الشهداء).. الذي كنت في يوم من الأيام عضواً في اللجنة الثقافية فيه، وكنت تساهم ومجموعة من شباب الجهراء آنذاك في إصدار مجلة اسمها (الشهداء) تقرأ اللوحة التي تعلو الباب.. لقد صار (نادي الجهراء) وتروح تسترجع الوجوه القديمة، التي كانت تشغل هذا النادي، الذي كان (مهملاً على هامش الصحراء).
وبالطبع قبل أن تواصل المسير تقف وتذكر أنه يؤدي بك إلى ديوانية (دميثير عجاج).. آه لقد توفي دميثير (أبو سلامة) ذلك (العنزي) النادر الكريم.. فيا لخيانة الأيام ثم تلوي مقود سيارتك للخلف وتنخرط في البكاء.. وتروح تتراءى لك وجوه كل رجالات الجهراء الذين رحلوا وخلفوا وراءهم الكثير من الأمجاد، لكن (دميثير) كان بالنسبة لك ولكل من مرّ بالكويت، أو سكن فيها من قبيلته، أو سائر الرجال.. رمزاً من المحبة والطيبة والكرم والنبل والوفاء، وقبل أن تكفكف الدمع تذكر أنك كنت يوماً في ديوان الراحل الكبير عبد الكريم الجحيدلي المطيري - رحمه الله -، وكان هنالك شاعر يلقي بين يديه قصيدة في الثناء، وبينما هو يعدد مآثره ويصفه بأنه من أطيب الرجال، وقف المرحوم الجحيدلي كالجبل وبأريحية الرجال قال: لا أيها الشاعر فهناك من هما أطيب مني.. ألا وهما (ابن تمر) ودميثير عجاج.. وحينما تذكرت هذا الموقف انهمر الدمع مدراراً من عينيك لأنك استحضرت مواقف الجحيدلي الخالدة مع كل الناس الذين سكنوا الكويت، وتذكرت أن هذا البلد - الجميل - الكويت - بالإضافة إلى ما خسره من كرام الرجال، قد فَقَدَ علمين هامين من أندر الرجال وفي فترتين وجيزتين متقاربتين، فليرحم الله الاثنين، وليسكنهما واسع الجنان، وليحفظ الله الكويت وسائر بلاد المسلمين.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved