سواحل سيولة ممتدة ينطلق منها مستثمر صغير أو متوسط أو متأثر.. على ظهر السوق.. يقوده قبطان يرى الجميع من حيث لا يرونه.. يسمونه: (مستثمر كبير) أو (هامور) أو (مؤثر.. كائن حي مميت لا لون له ولا طعم ولا رائحة!!) وقد يكون شخصية طبيعية أو اعتبارية!!.. والتنظيم بحر هائج ينصف تارة ويجهل أخرى!!... في خضمه هيئة منقذة أو منارة لا يبصرها أكثر المبحرين!! بعضهم يقول إن ضوءها لا يشتعل إلا نهاراً!!.. وآخرون يصرون أن الضوء لا يضيره ألا يراه أعمى بصر أو بصيرة!!.. والإشاعات ريح على الصغار ورياح على الكبار لا جهات لها!! والأحلام قراصنة تتواطأ مع أكثر من طرف لتغرق الركاب!! فينجو القبطان على ظهر طوافه وقليل ممن يعرفونه أو يعرفهم. بدأت القصة حين زادت السيولة أو بدأت الاكتتابات.. الاكتتابات التي جعلت السوق شعبياً غير طبقي.. فالاهتمام مع بروز طفرة هذا السوق أصبح أولوية صباحية ومسائية لأصحاب المكاتب الرخامية الفاخرة كما هو للقاطنين في القرى النائية من الذين لم يكن الاستثمار في نظرهم وقبل سنوات ليست بالطويلة أكثر من (زبيل تمر) تزداد غلته ونضارته بقدر ما يبذل فيه وله!!.. حين تسمع من أكثر من متابع للسوق أن عدد مشاريع الاستثمار الحقيقي على مستوى SMEs (الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم) قد تقلصت إلى حد ملفت للنظر وتراكض أصحابها لأخذ نصيبهم من هذا السوق.. وحين تصبح الأسهم على رأس أولويات - كما أخبرني أحد المسئولين في أحد البنوك - ربات المنازل فيسعين للتعامل مع الكومبيوتر ووسائل التقنية ويبدين حماساً يفوق حماسة الرجال.. تدرك أن هذا السوق يجب أن لا ينظر له مجرد سوق أسهم!! هي ليست قراءة ثقافية ولا اقتصادية ولا أكبر من ذلك ولا أصغر!! هي مجرد ركض صحافي اعتدناه في (الجزيرة) واكتسبنا لياقته من متابعة اهتماماتكم. نجاح تسطره شاشة!! قد ينظر البعض لسوق الأسهم والاهتمام به اليوم على أنه ظاهرة اقتصادية!! وبالرغم من أنها كذلك إلا أنها أيضاً صياغة جديدة لفهم جديد للاستثمار في المملكة ستكون لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية وثقافية هامة، لابد من دراستها بعمق. حينما كنت على مقاعد الدراسة استوقفتني عبارة قرأتها في مقال بعنون (إعادة تشكيل قواعد المنافسة) للبروفسور Gary Hamel - والذي يعتبره البعض مؤسس لغة جديدة في الإستراتيجية - يقول فيها: (إذا كانت المنشأة مهتمة حقاً لأمر مستقبلها فإن معظم ما ينبغي عليها تعلمه يقع خارج الصناعة التي تنتمي لها!!) لا أعرف لماذا استدعيت هذه العبارة وأنا استجمع أوراقي لإعداد موضوع حول سوق الأسهم.. ولماذا شعرت أن طرحاً حول سوق الأسهم يجب أن لا يغفل عن ما يدور خارجه والتأثيرات التي سيجلبها!!.. عزز قناعتي بذلك ما رواه صديق لي عن رجل ثمانيني في إحدى قرى نجد يتسمر حول التلفاز يومياً لمتابعة تحليل الجلسة الصباحية أو المسائية التي تبثها إحدى القنوات الفضائية ويتصل مع ابنه بالهاتف الجوال في الرياض ليتناقش معه في آخر مستجدات سوق الأسهم!!. طور جديد من الثقافة الاستثمارية ولا شك بدأ في التشكل أو تشكل فعلاً!! وما يجب أن ندركه أن آثاره لن تقتصر على سوق الأسهم فقط!! فقد ينتهي وهج السوق بعد سنتين أو ثلاث، لكن ما غرسه هذا السوق في نفوس الناس ووعيهم لن ينتهي بل ربما سيكون قد بدأ أو نضج، فالثقافة المحلية الاستثمارية تجد نفسها اليوم في قلب شاشات يقتصر الكسب والنجاح فيها على الانتقال من اللون الأحمر للأخضر!، بارقة أمل أسعدتني حين أفصح لي قريب أنه لا يمانع في إعطاء ثلث مكاسبه وربما أكثر لرجل خبير يساعده في الاستثمار في سوق الأسهم!!، كان مصدر سعادتي أن مجتمعاً يؤمن بدفع مقابل مادي للجهد العقلي هو مجتمع في الاتجاه الصحيح لسلك طريق النمو الاقتصادي الحديث. حين امتطيت صهوة سيارتي متوجهاً إلى صالة تداول أعرف بعضاً من روادها كنت أتساءل ما الجديد الذي سيضيفه هذا التحقيق للقاري؟! هل بقي شيء يجهله القارئ حول الأسهم وسوقها؟.. لم تبق صحيفة ولا مجلة ولا قناة ولا مجلس رجال أو نساء إلا وأشبع هذا السوق بحثاً ونقاشاً!! وما الذي سيقوله المتعاملون في الأسهم أكثر مما قالوا؟.. لو قدر لك أن تزور أكثر من صالة لوجدت نفس الشكاوى والانتقادات والأسئلة المفتوحة بلا إجابات!!.. قبل أن أصل إلى تلك الصالة أخذت المنعطف الآخر حيث مكتب أحد الأصدقاء والذي لم تجتذبه إغراءات السوق ولا يزال يقاومها حتى لحظة كتابة هذا التحقيق.. شعرت بأن الذين لم يتعاملوا في السوق... يمكن أن يكون لهم رأي لم يسمع به أحد وربما تكون البداية بهم أفضل خيار.. تعقيد الاستثمار الحقيقي دفع الناس لسوق الأسهم!! أنخت سيارتي أمام معرض صديقي - الذي يعتليه مكتبه - غير آبه بلوحة ترجوني أن المواقف للزبائن فقط!! لم أكن أملك من مبررات الوقوف سوى تطبيق روح النظام!! فالمواقف خاليه والزبائن نائمون والوقت مبكر للتبضع من متجره الذي عادة ما يكتظ في المساء.. شعرت بشيء من تأنيب الضمير لاشتراكي في فكرة يروج لها البعض اسمها روح النظام.. النظام الذي احتفى الناس بروحه فلم يعد لجسده معنى ولا قيمة.. لم يقطع حبل ذلك التأنيب سوى رؤيتي لصديقي مبتسماً يحاور أحد موظفيه.. أخذت مكاني في مكتبه ثم بدأ الحديث.. سألني (إي زحام قادك إليّ هذا الصباح؟) أجبته (الزحام الذي يقود الأصدقاء!! وهل غير الشوق!!) لا أعرف إن كان صدقني أم لا!! لكننا تحدثنا طويلاً حول أمور كثيرة حتى وصل الحديث إلى السوق.. سألته: (ما أخبار السوق؟).. أجابني: (نائم!!).. نظرت إليه نظرة عجب قائلاً: قد ينعس قليلاً.. لكن مستحيل أن ينام، فالسوق سهران منذ سنوات!! نظر إليّ نظرة عجب أكثر حدة من سابقتي.. أي سوق هذا الذي تتحدث عنه؟!.. أجبته الأسهم!! وهل غير سوق الأسهم اليوم!!.. النار التي يتحلق حولها الجميع فمنهم من تدفئه ومنهم من تحرقه!! ابتسم قائلاً: وأنت أين تضع نفسك؟ أجبته: أني مجرد صحفي يراقب المستدفئين والمحترقين.. يدفئ لدف هؤلاء!! ويحترق لاحتراق أولئك!! رفع يده إلى فمه وكأنه يخفى ابتسامة شفقة أو تهكم!! لم استبن حقيقتها.. نهض براحتيه من على كرسيه الثابت الذي لاحظت بأنه لم يكن دواراً كما جرت العادة.. نظر إليّ قائلاً: وأنت تعرف أني لست من هؤلاء ولا أولئك!! فلماذا تسألني عن السوق؟ أجبته قائلاً: ولهذا قصدتك لأن الصحافة لم تلق لكم بالاً معاشر المنكفئين!! فلربما أبصرتم شيئاً لم يبصره الناس.. أو أبصر الناس شيئاً لم تبصروه!!.. رفع سماعة الهاتف وسألني ماذا أشرب.. لم أجبه على السؤال.. شعرت بأن حديثي لم يثر فضوله!! بعد أن فرغ من طلب القهوة بتفاصيل لم أفهمها!! أجابني لا تسألني عن سوق الأسهم اسألني عن سوق البيع والشراء.. عن البضائع هذا ما أعرفه أما الأسهم فتركناها لكم!! لم تفاجئني إجابته وإن كنت تظاهرت بذلك سألته قائلاً: لا تقنعني بأن سوق الأسهم لم يثر فضولك.. حتى الكهول والعجائز وقعوا في شراكه.. في لحظة تستطيع أن تربح ضعف ما تربحه من متجرك هذا في سنة!! نظر إليّ باسماً ثم قال وفي لحظة مثلها قد أخسر ما لا أخسره في سنوات!! ولهذا لا أريد الدخول فيه أنا رجل مريض بالسكر والضغط!! هل تريد مني أن أضارب في سوق الأسهم ليصبحا مضاربين في جسدي!! لن تجد لديّ ما يفيدك حول سوق الأسهم لكن دعني أحدثك بما هو أهم!! أتعرف لماذا يتراكض الناس إلى سوق الأسهم!!.. لأنه بعيد عن تعقيدات البلدية ووزارة التجارة!!.. قاطعته قبل أن يكمل حديثه قائلاً: هذا موضوع آخر لاعلاقة له بسوق الأسهم!! قد أزورك في ما بعد من أجله.. ما أريده اليوم سوق الأسهم وليس غير السوق.. لم أكد أكمل حديثي حتى جاء زائر يبدو عليه أثر السرعة والانشغال.. انسحبا - صديقي وضيفه - إلى أحد المكاتب الصغيرة وبعد حديث قصير عاد صديقي منبلج الأسارير وكأنه قد سمع أخباراً سارة.. بدا أكثر أريحية في الحديث.. بعد أن استوى على كرسيه نظر إليّ قائلاً: هل تريد من يتحدث معك حول سوق الأسهم؟ رجل قد تجد لديه ضالتك!! أجبته أن ضالتي ليست في السوق وإنما في أهله!! لم يزد على أن قال: أذن متعب من تبحث عنه!! في الفترة المسائية ستجده في صالة التداول في بنك (......) سأتصل عليه وأخبره بقدومك.. اسأل عنه فالجميع يعرفونه هناك. هذا ما يربطني بالغرفة التجارية!! بعد أن أخبرني عن موقع البنك الذي يرتاده متعب.. حاول أن يعيدني مرة أخرى إلى تذمره من تعقيدات استثماره الحقيقي في السوق!! كنت أفكر فيما يقول وأتذكر أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد، أهمية أن تعمل في مناخ تنظيمي ميسر.. كنت أستذكر بعض ما درسته عن أهمية تلك الشركات والمؤسسات في خلق الوظائف في الاقتصاد ومساهمتها في معالجة مشكلة البطالة وأشياء كثيرة أخرى لم يقطع حبل أفكاري أو هواجسي سوى تلك المجلة التي ألقاها إليّ قائلاً: ثماني سنوات وأنا أجدد اشتراكي بالغرفة التجارية!! هذه المجلة هي ما يربطني بها!! تلقفتها من على الطاولة.. كنت أكثر اطلاعاً على نشاطات الغرفة.. وحين أخبرته عن عدد منها قال لي: ما دمت صحفياً فلن تقول غير ذلك!! كان الرأي الذي يحمله صديقي مشكلة أخرى!! مشكلة ثقافية يواجهها المجتمع بأكمله!! سهولة إصدار الأحكام والنظرة السلبية التي تصبغ الرؤى!! أكاد أجزم أن الغرفة أو أي جهة أخرى لو فعلت مافعلت.. فلن يغير ذلك من رأي صديقي شيئاً!! لسبب محدد أنه لا يستطيع التفاعل مع أي نشاط تقوم به الغرفة أو غيرها.. أذكر صديقاً حصل على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية لا يفتأ يردد عن تلك النشاطات والفعاليات التي حضرها هناك والتي تفيد المستثمرين الصغار والشباب من لقاءات دورية مع أصحاب الخبرة في السوق والتي لا نزال غافلين عن مثلها كما يقول!! حين أخبرته عن لقاءات دورية تجري في الغرفة التجارية بين الشباب ورجال الأعمال والمديرين التنفيذيين ومن يريد الاستفادة من تلك التجارب.. امتعض وجهه قائلاً: لم أسمع عنها!! رغم الإعلان والتغطية المستمرة لكل تلك اللقاءات لم يسمع صديقي الفاضل عنها!! ولذلك فهي ليست موجودة من وجهة نظره!!.. حين زارنا سمو مستشار ولي العهد الأمير بندر بن سلمان في النادي السعودي - حيث كنا ندرس - وفي لقاء أخوي حميم لن أنسى يومها ملاحظته أن الطلاب السعوديين يلتحقون بالجامعة ويتخرجون وهم لا يعرفون ماذا يجري في الجامعة وماذا يمكن أن تقدم لهم حتى على الصعيد المادي والذي يستفيد منه جميع الطلاب إلا الطلاب السعوديين!!. ربما يشعر القارئ الكريم أن التيار قد جرفنا عن سوق الأسهم وما يدور فيه!! وليس لي من عذر في ذلك سوى ما ذكره البروفسور Gary Hamel والذي سبقت الإشارة إليه. بعد مكوثي الطويل في مكتب ذاك الصديق عدت إلى سيارتي لأجدها وقد حاصرتها السيارات من أكثر من جهة.. بعد انتظار لم يدم طويلاً أطلّ شاب لم يبالي بوقوفي أمام سيارتي المحاصرة.. ركب سيارته ومضى دون أن يقدم حتى اعتذاراً صامتاً!! عدت إلى منزلي مشتاقاً إلى لقاء المساء مع متعب فلربما يحمل المساء السناء لهذا التحقيق. لازالت المشاكل هي المشاكل!! حين وصلت إلى البنك كانت الساعة قد قاربت الخامسة.. ولم يدر في ذهني طوال الطريق إلى البنك سوى ما كنت قد سمعته عن رفض البنوك الدخول إلى صالاتها لمن محافظهم أقل من مبالغ محددة!! أذكر أني سعدت بهذا الخبر أيما سعادة باعتباره قراراً إستراتيجياً غير مباشر سيرفع نسبة مستخدمي الكومبيوتر في المملكة!! ذكرتني تلك الخطوة بما ذكره أحد الاقتصاديين في أحد المؤتمرات حين دار نقاش استمر لمدة أيام حول أهمية غرس ثقافة التعامل مع السياح وحسن استقبالهم ووفادتهم ودوره في دعم قطاع السياحة باعتباره أهم القطاعات الاقتصادية لذلك البلد.. لم يشارك ذلك الاقتصادي بأكثر من عبارة قال فيها: (حين يشعر الناس أن هذه الثقافة تحقق عائداً اقتصادياً لهم.. ستتغير دون حاجة لمؤتمرنا هذا!!).. كان ذلك القرار بعدم السماح للغالبية العظمى بدخول صالات البنوك فرصة تاريخية لنا في المملكة برفع نسبة استخدام الكومبيوتر في مجتمعنا تمهيداً لتأسيس علاقة نوعية معه.. لم يخنق سعادتي تلك سوى سخرية أحد أقاربي من تلك السعادة بأن العكس هو الصحيح، فالنفور من استخدام الكومبيوتر أصبح سائداً اليوم لأن نظام التداول الآلي ليس على الهواء مباشرة!!.. لم يفك الحبل الذي خنق سعادتي سوى تلك الابتسامة التي استقبلني متعب بها.. وإصراره أن أجلس في مكان بدا لي مميزاً.. بدا لي متعب شخصاً مريحاً على غير مسماه مبتسماً لم تؤثر عجلة سوق الأسهم أو بطئه في شخصيته!!.. بعد أن عرفني إلى بعض مرتادي الصالة ممن بدوا أكثر قرباً إليه من سواهم اقترب مني أحدهم والذي استفزته كلمة الصحافة قائلاً: أرجو أن لا تغضب من كلامي.. لكن امتلأت صفحات جرائدكم بالحديث عن السوق ولم نستفد شيئاً!! لازالت المشاكل هي المشاكل!! ما الجديد الذي يمكن لك أن تقدمه؟.. فاجأني سؤاله!! أدركت أن السائل قد يصبح مسئولاً!! بادرته قائلاً: الجديد هو ما ستقوله أنت!! أما أنا فلا يتجاوز دوري نقل ما تقول!! لم يرق له جوابي ابتعد عني ولم يشارك في الحوار رغم كل محاولاتي لجذب انتباهه إلينا متعب وأنا!!. دورات تخرج منها جورج سورس!! بعد أن تناولت كوباً من القهوة في صالة البنك.. سألت متعب عن رأيه في السوق؟ سؤالاً تقليدياً غبياً!! بدا لي معه لسان حال متعب يقول آن لك يامتعب أن (تفصخ) شماغك.. وهكذا فعل!! بعد أن وضعه على الطاولة وفرق شعره بأصابعه قالي لي: من يكسب يثني على السوق ومثلي يذمه!! المؤشر يرتفع وخسائري ترتفع!! حين استرد رأس مالي سأخرج منه ولن أعود إليه عهداً قطعته على نفسي!!، تحول ذلك الوجه الباسم الهادئ إلى وجه حزين يائس حاولت أن أخفف عنه ذلك، ابتسم أحد الجالسين قائلاً: إذن لم تستفد من دورة الأسهم التي انقطعت لها أسبوعاً كاملاً!! علق صديقه الآخر قائلاً: من سمع كلامه عن تلك الدورة قبل أن يلتحق بها.. قال إنه سيعود إلى السوق جورج سورس!! تمتم بصوت منخفض ياليتنا من حجنا سالمين!!.. بدا متعب مستاء من حديثهما الساخر.. أشاح بوجهه عنهما.. اقترب مني أكثر وبصوت منخفض مكسور قال لي: سامح الله مؤسسة النقد على هذا النظام!! سألته أي نظام؟ أجابني: نظام التداول الآلي الذي لا يتكل عليه أحد!! لوكان فعالاً لاستطعت تنفيذ تعاملاتي في المنزل بعيداً عن شماتة هؤلاء.. بينما كان يتحدث أطلّ رجل فارع الطول صاحب صوت جهوري بعد أن دخل الصالة أصبحت أكثر صخباً منها قبل دخوله وكأن حديثه أغرى آخرين بالحديث.. اقترب مني بعد أن انفق وقتاً في الحديث مع أحد المرتادين وعرف منه على ما يبدو سبب وجودي الصحفي (سوق الأسهم).. كنا - متعب وصاحباه وأنا - قد أخذنا مكاننا في ركن من صالة التداول وبدأنا في الحديث حول السوق.. رأيت في عينيه رغبة في المشاركة.. لم تعجبني شخصيته ولم أتمناها ربما بسبب تلك الجلبة والضوضاء التي جلبها معه..لكن شيئاً ما في الصحافة يدفعك على أن تحرص على من لا يعجبونك بالقدر الذي تحرص به على من يعجبونك.. شعور لا يستطيع إدراكه سوى صحفي بشرط أن لا يكون رياضياً!!. سوق أسهم يكد على بطنه!! بعد أن ألقى التحية دعاه متعب إلى الجلوس قائلاً: ما رأيك يا محمد.. ألا ترغب في عرض فلسفتك حول سوق الأسهم!! (الرجال يقول سولفوا وهو بيتولى الموضوع!!) جلس محمد ثم نظر إليّ قائلاً: لماذا لاتذهب إلى هيئة سوق المال.. هم الذين سيشفون غليلك وغليل المتعاملين في السوق!! نحن هنا مساكين.. تماماً مثل الكره يتقاذفها الجميع.. لا يهم الحكم القوة التي تضرب بها مادامت في حدود الملعب!!.. مشكلتنا أن الهيئة يجب أن تطور تجربة خاصة بها في سوق الأسهم وحتى ذلك الحين ليس أمامنا سوى خيارين!! إما التكيف مع سلبيات السوق أو تركه!! ضحك متعب قائلاً: لماذا لم تذكر الخيار الثالث.. الحضور إلى الصالة كل يوم للأحاديث الجانبية وعد الضحايا والناجين في هذا السوق!! أليس هذا ما تفعله الآن!!. ضحك محمد.. بدا صوته أقل صخباً.. نظر إلى متعب ثم قال: نعم حتى تطور الهيئة تجربتها!! ضحك الجميع (أما أنا فأشفقت على حال هيئة سوق المال والتي يلومها الجميع رغم حقيقة لا يجهلها أحد أنها أنشئت وبدأت العمل في أكثر فترات السوق انتعاشاً.. والجميع يحملها مسئولية قصور وجدته ولم تجلبه معها!!).. شارك أحد الجالسين قائلاً: أتمنى أن تنتهي هذا المهمة قبل دخول المضاربين الأجانب.. ابتسم متعب قائلاً: أذا تمت السيطرة على المضاربين المحليين فتلقائياً سيتم ضبط المضاربين الأجانب.. نظر إليّ محمد قائلاً: (عساها بحملها تثور!!).. الله يكفينا شر جورج سورس وربعه!! شعرت بأن متعب يعاني من حساسية اسمها جورج سورس منذ أن التحق بتلك الدورة وأصبح مثار سخرية الجميع!! حاول أن يحول مسار الحديث إلى موضوع آخر.. نظر إليّ قائلاً: هل صحيح أن السوق سيزداد سخونة مع ارتفاع أسعار النفط الأخيرة؟.. لم يترك الفرصة محمد فبادر قائلاً: بالتأكيد لأن يكون التأثير كبيراً.. السوق اليوم سريع جداً.. هل يشعر الراكب بزيادة سرعة سيارة تسير بسرعة 180 كيلو متراً في الساعة إذا ما وصلت إلى 200 كيلومتر في الساعة!! هذا ما سيحدث!! سوق الأسهم السعودي مرتبط بحبل سري بالنفط، فكلما انتعش الثاني انتعش الأول وأصبح أكثر حيوية.. لا أفهم كثيراً في تعقيدات الاقتصاد لكن هذا ما قرأته وسمعته من كثيرين!! نظر إليّ وكأنه يريد أن يرى أثر كلامه في وجهي ثم أكمل قائلاً: يقال إن حركة سوق الأسهم وانتعاشه ينبغي أن تكون مرتبطة بنمو وانتعاش القطاعات الاقتصادية.. بمعنى أن يكون سوق أسهم يكد على بطنه كما يقول جدي!! نظرت إليه قائلاً: هل يستثمر جدك في سوق الأسهم؟ أجابني باسماً: لا لكنه دائماً ما يردد هذه العبارة (ما ودك ألا كلن يكد على بطنه!!).. تستطيع أن تقول إنها تمثل 90% من ثقافتي الاقتصادية والباقي على متابعتي لما تنشره الصحف والمجلات والإنترنت!!.. ضحك وكأنه استذكر شيئا ثم قال: في الحقيقة جدي لا يتعامل مع البنوك أبداً.. البنك الوحيد الذي يثق فيه هو خزانته.. البنوك السعودية تلعب ظهيراً!! بعد أن قارب الحديث على الدخول في خزانة جده وخشيت أن يغلق عليه فيها.. توجهت إلى متعب قائلاً: ما رأيك في دور البنوك في هذا السوق؟ نظر إليّ متعب قائلاً: تعاملت مع أكثر من بنك وانتهيت إلى......(ذكر اسم البنك).. قبل أن يسترسل في حديثه قاطعه محمد قائلاً: الرجل يسألك عن البنوك!! عن دورها.. هل تعتقد أن ثناءك سيحسن خدمة البنك!! البنوك لاعلاقة لها بمشاكل الإنترنت التي عانيت منها!! عصر السرعة لم نصله بعد وحتى ذلك الحين عليك أن تمد (سيقانك) هنا في هذه الصالة!!.. أكمل محمد حديثه قائلاً: البنوك في سوق الأسهم تماماً مثل الظهير في كرة القدم فهو يلعب في الأمام والخلف!! فالبنوك في سوق الأسهم وسيط ومستثمر!! ضحك الجميع سوانا متعب وأنا!! فمتعب لشيء في نفسه من محمد - كما بدا لي - أما أنا فبسبب قصور ثقافتي الكروية عن إدراك هذا المثال!! لم يعر محمد أهمية لعدم استجابتنا لطرفته مواصلاً حديثه حتى على صعيد الخدمات التي تقدمها البنوك لعملائها في سوق الأسهم لا توجد منافسه!! بمافيها البنك الذي نحن فيه!! سألت محمد عن مصادر المعلومات في هذا السوق وعن المنتديات التي تحلل السوق وتمنح التوصيات المجانية!! رأيت في عينيه سعادة بهذا السؤال ولا أعرف السبب حتى الآن.. نظر إليّ قائلاً: يتهمونهم بأنهم خفافيش سوق الأسهم أليس كذلك؟ سألته من تقصد؟ قال: الناس.. ثم اتسعت حدقتا عينيه وهو يخاطبني قائلاً: حتى أنتم الصحافة تصفونهم بهذا الوصف!! تصدق أن بعض الذين يظهرون اليوم في الإعلام ويتحدثون حول سوق الأسهم أكذب من خفافيش المنتديات!! بعضهم تدرك مصداقيته وعمقه من حديثه ذكر اسم محلل كثير الظهور في الإعلام.. كنت قد التقيته مؤخراً في مكتب أحد الأصدقاء ولمست في حديثه ما ذكره الرجل.. تابع محمد حديثه حول المنتديات قائلاً: هناك علاقة وثيقة بين الطارئين على ساحة التحليل لسوق الأسهم وهذه المنتديات!! تماماً كعلاقة ملاعب الحواري بالدوري.. من يثبت نجاحه هناك يستقطب هنا!! أو إن أردت الدقة.. من تمنحه المنتديات الثقة فيما يطرح يروج لنفسه في الإعلام على أنه محلل متخصص!!. الهامور للإيحاء فقط!! كانت ثقافة محمد الكروية أو اهتمامه بها طاغياً على كل حديثه حول السوق الأمر الذي قادنا إلى حوار طويل حول الكرة.. التي لا أعرف عنها سوى مايعرفه جده صاحب الخزانة عن القطاع المصرفي.. لم أشارك فيه سوى بسؤال واحد: أي ناد تشجع؟ أجابني: المنتخب وهل بعد هذا الإنجاز الكروي إلا المنتخب.. وهل يكون التشجيع لغيره.. حاولت أن أعيد الحديث إلى سوق الأسهم قائلاً: هل حقاً ما يقوله البعض من أن النساء أكثر انجذاباً إلى سوق الأسهم!! هل هذا صحيح؟ أجابني متعب قائلاً: نعم ربما يكون ذلك صحيحاً.. لأنهن لا يستطعن البيع والشراء بحرية إلا في هذا السوق!! نتحدث عن مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي وكيف يمكن تفعيله.. ثم نرى أن واقع هذا النشاط وممارسته لا تتم إلا من خلال رجل!! سواء أكان أباً أم أخاً أم زوجاً!! أنا لا أتحدث على صعيد الأنظمة!!.. فالأنظمة قد تتغير لكن المهم هو الثقافة والممارسة!!.. كأن حديث متعب لم يرق لمحمد والذي حاول تحويل الحديث قائلاً: هذا لا علاقة له بسوق الأسهم!!، واصل متعب حديثه غير آبه بانزعاج محمد من مواصلته قائلاً: زاد إقبال النساء على سوق الأسهم لأنه فرصة للاستقلال الاقتصادي للمرأة.. لأول مرة يتساوى الرجل والمرأة في الفرص الاستثمارية!! قاطع محمد حديث متعب قائلاً: أي استقلال تقصد؟ إن كنت تقصد استقلالاً عن الرجل فالحقيقة أن الرجل والمرأة أصبحا أسرى لهذا السوق!! والخسائر تقع على الجانبين.. حاولت أن ابتعد بالحديث عن هذه القضية الشائكة مازحاً هل يوجد هامورات كما يوجد هوامير في السوق ضحك الجميع فوجدها محمد فرصة سانحة للبدء بالحديث قائلاً: من أغرب ما سمعته في إحدى القنوات الفضائية التي زاد من وهجها تحليلها لسوق الأسهم السعودي صباحاً ومساء ما جاء على لسان مشارك أو محلل!! أن حجم السيولة المتداولة في سوق الأسهم السعودي تدحض فكرة التأثير على السوق من قبل أشخاص أو هوامير!! لو قال أحد هذا القول في منتديات الإنترنت لشنع عليه الناس واتهم بالتواطأ مع الهوامير!! قاطعته قائلاً: رأي نظري مقنع.. لم أكد أكمل حديثي.. قاطعني قائلاً: ليتني لم أخبرك أنه قال هذا الحديث في قناة فضائيه ربما لو ذكرت لك أني قرأته في منتدى على الإنترنت لكان رأيك مختلفاً!! شكرته على حسن ظنه!! فقدم اعتذاره على الإهانة غير المقصودة - كما قال - ثم أكمل حديثه محاولاً تلطيف العبارات!! قائلاً: صحيح أن السيولة كبيرة في السوق لكن تأثير الهامور تأثير إيحاء في السوق وليس تأثير سيطرة!! سألته كيف يكون ذلك أجابني قائلاً: حين يتحرك الهامور وحاشيته لتجميع سهم معين يكفي أن يرمي حصاة واحدة بحجم كبير نسبياً في الماء لتتبعه آلاف الأحجار الصغيرة!! ابتسمت قائلاً: جميل أنك لم تذكر مثلاً كروياً!! رد ابتسامتي إليّ قائلاً: لابد أن أذهب الآن لكن لو كان لديك متسع من الوقت غداً ستسمع أمثالاً كروية أخرى قالها وهو يضحك!! سألته - ولم أكن قد نسيت ما ذكره متعب من أن الرجل يحضر هنا للحديث فقط - قائلاً: هل حقاً توقفت عن الاستثمار في سوق الأسهم؟ أجابني وقد نهض قائلاً: وضعت أموالي في صندوق.....(ذكر أحد صناديق الاستثمار) والآن أتردد بين الحين والآخر للضحك على هؤلاء!! قالها وهو يضحك مرة أخرى!! غداً تطالعون في الجزء الثاني: د: عبدالعزيز الدخيل مخاطباً هيئة سوق المال: * ما دامت معايير الإدراج صارمة للشركات الجديدة.. أليس من الأولى تصفية السوق من شركات لا تستحق البقاء؟ * حين تزيل الهيئة هذا الطعم سيصبح السوق أكثر أماناً!! د. إبراهيم الجاسر: * خرجت من السوق قبل يوم الانهيار.. والتحليل الفني لم يسعف المتعاملين!! * هذه الشركات مجرد وسيط مالي!!
|