الفراغ نعمة من الله عزّ وجلّ لا سيما إذا كان مصحوباً بالصحة في البدن، ومن التحدث بهذه النعمة استغلالها فيما ينفع ويعود بالمصلحة على الشباب بصفة خاصة، لأنهم الأكثر تأثراً بهذا الفراغ سلباً أو إيجاباً. وحيث إن الشباب على أبواب الإجازة الصيفية فإنهم بحاجة إلى من يرسم لهم الأسلوب الأمثل لاستغلال هذا الفراغ القادم حتى يكون نعمة. ويمكن التوصل إلى المنهج السليم لاستغلال هذا الفراغ والإفادة منه بالتعرف على كافة العقبات التي تحول دون الانتفاع من الوقت، وتكون سبباً في مضيعته، ومن ثم تلافيها، ومن تلك العقبات: أ - النوم نهاراً والسهر ليلاً، وهذه ظاهرة لدى الكثير من الشباب في الإجازات، ولا سيما إذا كان السهر بدون فائدة، فكم من الساعات ضيعت أمام الشاشات، والملاهي، والإفراط في المباحات والنتيجة العض على أصابع الندم على مافات، فالوقت ما مضى منه لا يعود. ب - السفر المفرط دون حاجة، فهذا من العبث، وربما يكون وسيلة إلى فعل محرم، ودعوى الاستجمام والنزهة من الأمور المباحة ولكن في حدود الضوابط الشرعية وانتفاء الموانع. ج - مقاهي الإنترنت: وهذا عامل كبير في إضاعة الوقت لدى الشباب بشهادة الكثير منهم الذين يحاولون التخلص منها بعد معرفة خطرها وضررها، على هذه الفئة خاصة، ولا سيما من يعمد إلى الاطلاع على مواقع لا خير فيها، حتى يصاب بما يشبه الإدمان، فيكون قد جنى على نفسه أولاً، ثم أسرته ثم مجتمعه، لما قد تتركه تلك المواقع المشبوهة من أثر سلبي على سلوك الشباب. د - ارتياد الاستراحات: يكثر - في الإجازات - تجمع الشباب في الاستراحات إلى وقت متأخر من الليل، على تنوع فئاتهم واختلاف سلوكياتهم، فمنهم الصالح والطالح، مما يستوجب على المجتمع عامة وأولياء الأمور خاصة أن يكون لهم يد في تقويم سلوك الشباب وتوجيههم إلى استغلال الوقت فيما ينفع، والبعد كل البعد عن السلوكيات الخاطئة داخل هذه الاستراحات، فهي إنما وجدت لتكون نقطة تلاق بين الأصدقاء والأقارب الذين شغلوا عن بعضهم فترة من الزمن في جو يسوده المحبة والمودة وتتجاذبه الأحاديث الطيبة والألفاظ المفعمة بالإخوة والألفة، والقصص البريئة البعيدة عن تجريح الآخرين، أو النيل من عرضهم، وتناول المباحات من طعام أو شراب، وممارسة الألعاب الرياضية الهادئة البعيدة عن الخلاف والنزاع والتعصب، وكذلك وضع برنامج للمسابقات العلمية والثقافية. فمتى استغلت هذه الاستراحات بهذه الصفة فهي نعمة وفرصة ممتعة للشباب وغيرهم، ولكن ما يشاهد - مع الأسف - في بعض الاستراحات خلاف ذلك، فمن الشباب من يجعلها مسرحاً للهو المفرط، والإزعاج الصارخ، وقتل للوقت فيما لا ينفع من مشاهدة القنوات الفضائية الهابطة، والسهر المفرط دونما فائدة. هـ - التجمع في الأسواق العامة: وهذه ظاهرة تؤذي الآخرين فضلاً عن خطرها على الشباب أنفسهم، وما يصحب هذا التجمع من سلوكيات خاطئة، كالمعاكسات، والتحرش بالمارة، والألفاظ النابئة التي تزيد الأمر سوءاً، وممارسة بعض الأعمال الناتجة عن الجهل والغرور وسوء الأدب كمهنة التفحيط في الشوارع والساحات العامة التي امتد خطرها إلى كافة أفراد المجتمع وهي ظاهرة تبنئ عن فشل مرتكبيها وسوء أخلاقهم وجهلهم بعواقبها الوخيمة. هذه أربعة معوقات في مسيرة استغلال الفراغ لدى الشباب متى استطاع الشباب تلافي هذه المعوقات، فهذا دليل على حفظ الوقت الذي يؤثر تأثيراً فاعلاً في الفراغ، ومتى سلم الشباب من تلك الأمراض الاجتماعية استطاعوا أن يرسموا لأنفسهم الطريق الأمثل لاستغلال الوقت، أما مع وجودها فكل ما يقترح لشغل الفراغ سيذهب سدى بسببها فكيف تبني وغيرك يهدم، وعلى فرض السلامة من تلك المعوقات فإني أدعو الشباب إلى الخطوات التالية لاستغلال وقت فراغهم القادم. أولاً: اختيار الجليس الصالح والرفقة الطيبة فهذه أول خطوة يجب اتخاذها فإن المرء يتأثر بجليسه والمرء على دين خليله كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- لأن الرفقة الطيبة تدلك على الخير وتعينك عليه وتبعدك عن الشر وتحذرك منه، ولا سيما في هذا الوقت المليء بالمتغيرات والأفكار المتطرفة التي تقود إلى الانحراف الفكري والخلقي. ثانياً: البدء بالأهم فالأهم وتحكيم العقل والبعد عن مزالق الهوى، فإن لربك عليك حقاً، ولوالديك عليك حقاً ولأهل بيتك عليك حقاً، ولمجتمعك عليك حقاً ولوطنك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه، وإياك ثم إياك من الوقوع في حبائل الشهوات والشبهات، فإن المغريات لك بالمرصاد، ولكن عليك بمجاهدة نفسك فإن السعيد من وعظ بغيره. ثالثاً: شغل الوقت بكل مفيد وإن قل في حدود طاقتك ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر. أ - زيارة المكتبات العامة التي تزخر بها بلادنا في كل مكان فهي تقدم لروادها أفضل الوجبات التي تنمي الذوق وتصقل المواهب، وتندب حظها لقلة زوارها وهي تنتظر الإجازات بفارغ من الصبر ولكن هل من مجيب؟ ب - ممارسة المهن الشريفة التي تعود على أصحابها بدخل مادي جيد، وتعينهم على شغل فراغهم فصنعة في اليد أمان من الفقر، فبعض القطاعات الحكومية والقطاع الخاص تفتح أبوابها أمام الشباب الصالحين للانخراط في الأعمال المختلفة لمدة مؤقتة كالشهر والشهرين والثلاثة، فيسهمون في خدمة المجتمع ويكونون يداً فاعلة بدل أن يكونوا عالة على المجتمع. ج - الانخراط في مراكز التدريب الرياضية والتعليمية خاصة مراكز الحاسب الآلي، وتعليم اللغات، فالإجازة فرصة للشباب للتزود من العلوم الخاصة لتنير لهم طريق المستقبل، فالشاب المؤهل علمياً ومهنياً له دوره المميز الذي يتميز به عن أقرانه الذين رضوا بالقعود والكسل وندموا على إهمالهم وتفريطهم، وللمراكز الصيفية إسهام كبير في هذا المجال. د - تخصيص وقت للنزهة مع أفراد العائلة، أو مع الأصدقاء الأوفياء في ربوع هذه الأرض الطيبة، ومصائفها الجميلة، والحذر من السفر للخارج دون حاجة أو مصلحة فالسفر سلاح ذو حدين، ولا يسلم من خطره إلا من عصمه الله. هـ - أدعو طلاب وطالبات الجامعات إلى الاستفادة من هذا الفراغ في البحث العلمي في مجال التخصص لأنهم وقت الدراسة لا يتمكنون من ذلك، ويعتذرون بضيق الوقت وانشغالهم بالدراسة والاختبارات، ففي الإجازة فرصة لهم في إثراء ميولهم ورغباتهم البحثية، ولا سيما والوسائل مهيأة وميسرة لهم خاصة مع التقنيات الحديثة في وسائل البحث والاتصال. و - أدعو الشباب إلى الالتحاق بحلقات القرآن الكريم المنتشرة في عدد من المدن والمحافظات، ففيها الخير الكثير، وهي خير ما يشغل به الشاب وقته لينال الخيرية التي ذكرها الرسول- صلى الله عليه وسلم- في قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وفي الختام أذكر إخواني الشباب بأهمية حفظ الوقت واستغلاله في النافع والمفيد، وإعداد جدول زمني للإجازة القادمة يشمل المهام والمناشط التي يمارسها الشباب خلال الإجازة. وفي الوقت نفسه أحذر الشباب من رفقاء السوء أصحاب الأفكار المنحرفة، وأن يكونوا على حذر ويقظة من أساليبهم فقد ينخدعون بزيفهم وضلالهم، والبعد عن مواطن الشبه، وأن يكونوا عيناً ساهرة على أمن وسلامة هذا الوطن الغالي فهم شباب اليوم ورجال المستقبل، فشباب كل أمة هم كنزها سائلاً الله تعالى أن يبارك فيهم وأن تقر أعيننا بصلاحهم.
|