قصة: زكريا تامر رسوم: حجازي يُحْكَى أنَّهُ كَانَ في قَديمِ الزَّمانِ مَدينَةٌ تََمْلِكُ مِنَ الأنْهارِ والحُقُولِ مَا يَهَبُ لها كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَمْ تَعْرِفْ يَوماً الجُوعَ والحُزْنَ، غيرَ أنَّ النّاسَ الذينَ يسكُنونَ في بُيُوتها كانُوا يُحِبُّونَ الكلامَ، فلا يعملُونَ سِوَى القَلِيلِ، وما تَبَقَّى مِنْ وَقْتِهِمْ يضيعُ في الكلامِ. وحدثَ في يومٍ من الأيَّامِ أنْ وفدَ إلى المدينةِ رجلٌ يقطنُ في قمةِ جبلٍ، فأخبرَ أنَّه أبصرَ جراداً لا يُحصى عددُه، يطيرُ متجهاً نحوَ مدينتِهم، فسارعَ العديدُ من أهلِ المدينةِ إلى إلقاءِ خطبٍ طويلةٍ تشكُرُ للرجلِ إنذارَه. وشرعتِ المدينةُ تستعدُّ لمجابهةِ الجرادِ: نظمَ الشُّعراءُ قصائدَ تَذُمُّ الجرادَ وتُهَدِّدُهُ بالهلاكِ. وأنشدَ المغنونَ الأغاني التي تُمجِّدُ قُوَّةَ المدينةِ، وتعربُ عن كراهيتِهم للجراد. ونُقِّبَ في الكُتُبِ القديمةِ ذاتِ الأوراقِ الصفراءِ عن براهينَ تُثْبِتُ أنَّ الجرادَ مهزومٌ لا مَحَالَة. وَابْتُكِرَتْ ثيابٌ جميلةٌ. كي يرتديَها مَنْ يُرِيدُ محاربةَ الجَراد. وكُتِبتْ بالطباشيْر على جُدرانِ الأَبْنِيَةِ كلماتٌ تسخرُ مِنَ الجَرَاد.. وعُقد اجتماعٌ حَضَرَه معظمُ أهالي المدينة، وتكلَّمَ فيه خطباءٌ يَمْلِكُونَ ألسنةً طويلةً، فتدفَّقَ من أفواهِهِم سيلٌ من الكلماتِ، وشتمُوا الجرادَ بِحَمِيَّة: (الجرادُ تافِه...) (الجرادُ قَبِيح...) ونهضَ رجلٌ عجوزٌ اشتهرَ بفصاحتِهِ، وَقَدْ تكلَّمَ برصانةٍ ووقارٍ، فقالَ: قيلَ إنَّ الجرادَ أتى عِقاباً، وقيلَ إنَّ الرياحَ هي التي تَحْمِلُ الجرادَ إلى حَيْثُ تَشَاءُ. وأقبلَ الجرادُ بينما كان أهل المدينة منهمكينَ في الجدالِ، وكان كلُّ فريقٍ يحاولُ أنْ يثبتَ صحةَ رأْيِهِ بمختلفِ الوسائلِ. واحتلَّ الجرادُ المدينةَ،ولَمْ يَرْحَلْ عَنْها، ولا يَزالُ يَأْكُلُ العُشْبَ وسَنَابَلَ القَمْحِ وَأَوْرَاقَ الأَشْجارِ.
|