كتب الأخ سلمان القباع في عدد الجزيرة 11939 وتاريخ 29 من ربيع الآخر 1426هـ في صفحة الرأي موضوعاً بعنوان على مقهى في الشارع الاجتماعي تحدث فيه عن انقطاع الوصل وخصوصاً بين الأقارب، وذكر بعض الأسباب لذلك فأحببت أن اكمل ما بدأه أخي الكريم معقباً على موضوعه فأقول مستعيناً بالله. كلنا يعرف ما لصلة الرحم من أهمية عظمى ومعانٍ سامية في ديننا الإسلامي الحنيف، وقد حث عليها الدين ورغب فيها وأجزل الثواب والجزاء العظيم لمن اتصف بها.. وصلة الرحم من أعظم المبادئ الإسلامية لما لها من فوائد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع على حد سواء، وهناك من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية الكثير مما يحث على الاتصاف والتحلّي بتلك الصفة الحسنة والسلوك الجميل (لا يدخل الجنة قاطع رحم) وصلة الرحم اسم مشتق من الرحمة والتعاطف والحنو بين أفراد المجتمع وبين الأهل والأقارب على وجه الخصوص.. وهي معلّقة بين السماء والأرض من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.. وهي وإن وجدت في أي مجتمع أوأسرة فإنها تضفي على ذلك المجتمع أو تلك الأسرة كل الحب والتآخي العظيم.. وأيضا زرع مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد والأمة الواحدة فإذا ما طبقت صلة الرحم فإنها تجعل من الفرد دائم الاتصال بأهله وذويه وأفراد مجتمعه مما يساعده في الاطلاع الدائم على أحوال وظروف أقاربه والوقوف بجانبهم في أحلك الظروف والمشاكل وكذلك مشاركتهم أفراحهم وسعادتهم باستمرار.. ولكن للأسف الشديد هناك بعض الناس لا يقدرون هذا المبدأ العظيم ولا يعيرون له أية أهمية ولا يدركون مدى الثواب العظيم الذي ينتظرهم إذا ماطبقوا هذا المبدأ في حياتهم، فهؤلاء البشر دائماً مشغولون بمصالحهم الشخصية الدنيوية ناسين أو متناسين ماهو أهم من ذلك وهي صلة الرحم التي ستقربهم إلى الله زلفى وستمنحهم احترام وتقدير ومحبة الناس، وهؤلاء الناس هم بلا شك غافلون عن تأدية الواجب الديني والإنساني الذي أمر به المولى سبحانه وحث عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولهذا يعيش الكثير منا متفرقين متباعدين عن بعضنا البعض لا يعرف المرء ما حل بأخيه ولا يُدرك همومه وأحزانه حتى يهب فوراً لمساعدته والوقوف بجانبه عند الحاجة وإذا ما عاش الإنسان في عزلة فإن مجتمعه سيفقد أهم عناصره وحجر زاويته وهو ذلك الإنسان المؤثّر والفعّال، وفي رأيي المتواضع أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى قطيعة الرحم أو التقليل منها وعدم تطبيقها إلا في بعض المناسبات الاجتماعية والتي تأتي عن طريق المصادفة ما يلي: - الاستقلال السريع من قِبل بعض الأشخاص عن الأسرة وخصوصاً في هذا الزمن ويكون ذلك إما بسبب الزواج أو العمل خارج المنطقة التي تسكنها أسرته وصعوبة الاتصال الدائم والاطمئنان عليهم خصوصاً إذا كان لا يملك وسيلة اتصال. - وجود الهاتف الذي للأسف حل محل الزيارات الفعليّة، فيكفي أن يرفع الإنسان سماعة الهاتف ويتحدث إلى أهله ويطمئن عليهم دون أن يكلّف نفسه عناء الذهاب إليهم. - تعذر الكثير بكثرة الأشغال التي لا تتيح له الذهاب إلى أهله وأقاربه لزيارتهم والتعذر أيضاً بضيق الوقت الذي لا يستطيع معه حتى إنهاء أعماله الخاصة له ولزوجته وأولاده كما يدّعي. ولو أن هناك أمراً له فيه مصلحة شخصية لوجد له الوقت الكثير وفرّغ نفسه له حتى يحصل عليه. - حدوث بعض المشاكل البسيطة التي قد تحدث في كل بيت ولكن العناد والمكابرة وعدم تنازل أحد الأطراف عن موقفه وإحساس كل منهم بأن الحق له وبأنه المحق ويجب أن يعتذر له مما يؤدي إلى حدوث القطيعة واستمرارها طويلاً. - قد يسلك بعض الأشخاص مسلكاً لا يرضى عنه أهله أو أقاربه أو حتى مجتمعه وبالتالي يعيش في عزلة دائمة ويُحرم من فضل صلة الرحم. - خوف بعض الناس من المسؤوليات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية التي يعتقدون أنها سوف توقعهم في أمورٍ هم في غنى عنها وأنها سوف تلهيهم عن أعمالهم الخاصة التي يلهثون وراءها ويكفيهم الاهتمام بأهلهم وبيوتهم وأطفالهم وكفى.. فيكون البعد أفضل وسيلة لتلافي تلك المسؤوليات والبعد عن الإحراجات وإذا ما قوبل الشخص من هؤلاء بعتاب فإنه يعتذر بأي عذر ويعد بتلافي ذلك مستقبلاً وهو يريد بذلك الخلاص بأي شكلٍ. - المادة ثم المادة واللهث وراءها ووراء المصالح الشخصية فقط وهذا مما يجعل الشخص ينسى واجباته الأسرية والاجتماعية. هذه من أهم الأسباب من وجهة نظري، وهناك بالتأكيد أسباب أخرى وربما ما هذه إلا غيض من فيض.. ولكن أعتقدُ بأنه مهما كانت الأسباب والمبررات فالإنسان المسلم الذي يستشعر المسؤولية العظمى الملقاة على عاتقه تجاه أهله وأقاربه ومجتمعه فإنه بلا شك سوف يجد الوقت الكافي لتطبيق ذلك المبدأ العظيم الذي حث عليه ديننا العظيم ولأنه إذا طبق ذلك فإنما هو يطبق أمراً أمره به المولى سبحانه وتعالى مستجيباً لنداء الخالق ووصايا الرسول الكريم وهذا ما يصبو إليه أي إنسان يريد الخير في هذه الحياة. فالإنسان الذي يريد ذلك حتماً سيجد الفرصة لصلة الرحم ولا يعفيه من ذلك كل المبررات والتعاليل الواهية التي يرددها البعض.. فأي شغل وأي وقت وأي تهاون وأي أمر دنيوي مهما كان يلهينا ويثنينا عن أداء واجباتنا الدينية التي تأتي دائماً في المقام الأول وقبل كل شيء؟!
عبدالرحمن عقيل حمود المساوي إخصائي اجتماعي الرياض: 11768 ص.ب: 155546 |