ما أنساه في مشوار حياتي الصحفية العملية على قصرها.. حيث لم تتجاوز ثمان سنوات كرئيس لتحرير صحيفة (الدعوة) ومدير عام للمؤسسة - هو أضعاف أضعاف ما أذكره.. لبعد العهد بذلك المشوار.. ولما تفعله سنوات العمر بمخازن الذاكرة في دماغ الإنسان.. ولكن الحديثَ عن بعض ما بقيَ.. كجزء من تاريخ الإنسان.. الذي هو جزء من تاريخ الوطن.. خير من طمسه، فالتذكار حياة.. والطمس ممات.. ذلك أن كلمة الحق الصادقة والخالصة لوجه الله لا بد أن تجد آذاناً صاغية.. وعقولاً مفتوحة.. قد تتمخض عنها استجابة تكون في بعض الأحيان أسرع مما يتوقعه مرسلها أو كاتبها. وكمثال.. على كمٍّ كبيرٍ من هذا النوع. وجَدَتْ (كلمة الدعوة) في عددها الـ(271) الصادر في 4 شعبان (1390هـ) الموافق (5) أكتوبر 1970م وحدث صداها الفعلي، في الأوساط الكويتية.. حكومة؛ ومجلس أمة. كنت من المعجبين بإذاعة الكويت وبخاصة نشراتها الإخبارية التي تروي ظمأنا من جديد الأخبار الهامة.. وبخاصة ما يتصل بصراعنا المرير مع دولة السفاح الإسرائيلي التي غزت فلسطين العربية.. واستولت على المقدسات الإسلامية بالدّعَم الأمريكي والأوروبي المتصهين.. كنت أستمع إلى برامج الإذاعة المسائية. وبالمصادفة سمعت أغنية غريبة أو بعيدة عن قبول الأذن العربية الإسلامية لها.. أغنية ليست طبيعية.. فهي ليست من كلام البشر.. ماذا؟! إنها كلمات قرآنية.. بل من أسماء الله الحسنى.. إنها آخر سورة (الحشر) {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ... (23)يغنيها أحد المغنِّين بمصاحبة الفرقة الموسيقية؛ كما تغنَّى كلمات البشر.. يا لِسوْأَة الأغنية.. وسوئها...! حقيقة لقد صدمتني (إذاعة الكويت) بقبولها وإرسالها تلك الأغنية (المْعَصْيِة) عبر الأثير. وكدتُ لا أصدِّق أذني أن تكون إذاعة الكويت البلد الشقيق المسلم.. هي التي تذيع هذه الأغنية التي تمزج بين كلام الله وأسمائه الحسنى؛ وبين الألحان وأدوات الطرب. فجعلت كلمة الدعوة بعنوان (حتى القرآن بالموسيقى.. يا إذاعة الكويت)؟! وقلت فيها: (أَبَلَغَتْ بنا جاهلية القرن العشرين إلى هذا المستوى المجنون من الاستهانة بالقرآن..؟ وهل ضاقت كلمات البشر عن أن تسع هؤلاء المطربين السخفاء ليلجأوا إلى كلام الله سبحانه كمحاولة لمقارنة كلامه جلَّ وعَلا بكلام البشر.. مع إيذائه بآلات الطرب التي تتنافى مع قداسته وسموه عن هذا الاستخدام الأهوج.؟ إن هذا العمل مفزع ولا يصح إقراره ولا بقاؤه ولا السكوت عنه.. ولا نريد لإذاعة نحبها ونحترمها أن تَتَردَّى في خطأ شنيع كهذا.. فالقرآن أجلُّ وأقدسُ من أن يُتْبذَّل بالتلحين والتطريب. ثم إن بدعة (الأغاني الدينية) مرفوضة أصلاً.. وهي من بدع (الصوفية) الذي يجعلون ذكرهم لله رقصا وتصفيقاً وهز أوساط: وتمايلاً.. كما يفعل السكارى والحشَّاشون وفاقدو العقول.. (رجاءً.. يا إذاعة الكويت أن تميتي هذه الأغنية إلى الأبد غير مأسوف عليها) فما سمعناها بعد تلك المرة أبداً. ولقد تحقق هذا الرجاء - بحمد الله - وأحدث هذا المقال الكثير من الاستهجان والانتقاد لوزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حالياً) وتحرك مجلس الأمة الكويتي.. متزعماً حركته هذه (النائب فلاح هيف الحجرف) - رحمه الله - حيث طلب استجواب السيد محمد ناصر السنعوسي.. وكيل الوزارة لشئون الإذاعة والتلفاز في ذلك الوقت.. وانتهت القضية بإقالة وكيل الوزارة السنعوسي من عمله. عقابا له على إجازته الأغنية المذكورة. للحديث صلة
|