* الجزيرة - خاص: كيف يمكن إيجاد خطاب دعوي متميِّز مواكب للعصر، يخاطب كافة الأطياف من المسلمين وغير المسلمين، ويُحقِّق الرسالة الدعوية المطلوبة؟ وهل ترون الخطاب الدعوي في حاجة إلى إعادة النظر أو التجديد في مضامينه وآلياته وفقاً للتطورات ومستجدات العصر والأحداث المتعاقبة على مختلف الساحات الإقليمية والدولية؟ في هذا التحقيق يحاول العاملون في الحقل الدعوي تحديد ملامح هذا الخطاب المتميز وخصوصياته وأدواته ووسائله.. فماذا يقولون؟ ******* د. إبراهيم بن محمد أبو عباة رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني يقول: في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها أمتنا وبلادنا، وفي ظل ما تعرَّضت له ميادين الدعوة إلى الله من عقبات ومضايقات، كان لا بدَّ من وجود خطاب دعوي يتَّسم بالوسطية، وينطلق من معايير ناضجة نابعة من مبادئ وأُسس ديننا الحنيف، مع الأخذ في الاعتبار الأحداث العصيبة التي تتعرض لها أمتنا الإسلامية وديننا الإسلامي، ودون أن نتأثر بالدعاوى المغرضة والتهم الباطلة والدسائس المغلوطة عن الإسلام، وهذا يستدعي التجديد في وسائل الدعوة وأساليبها وآلياتها؛ لنستطيع خدمة هذا الدين العظيم، وتقديمه إلى الناس بصفائه ونقائه. الرسالة الدعوية أما الشيخ ياسر بن هايل العبدلي المدير التنفيذي للمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في محافظة القريات فيقول: يمكن إيجاد خطاب دعوي متميِّز مواكب للعصر، يخاطب كافة الأطياف من المسلمين وغير المسلمين، ويحقق الرسالة الدعوية المطلوبة، بأن يكون الخطاب الدعوي يحتوي على بنود تشمل واقع الحياة المُعاش من قِبل الناس، وتشمل اهتمامات الناس، بحيث يُراعي كافة الطبقات (الغني والفقير، الحر والعبد، الذكر والأنثى، العلماني والمتديِّن والعقلاني)، وأن يكون الخطاب الدعوي مجهَّزاً بأدلة دامغة، يتكلم إلى العقل والروح والواقع، ولا يكون مجرد خطاب شفوي جامد. مضيفاً: إن الخطاب الدعوي بحاجة إلى إعادة نظر، الأصل في هذا أن يكون كل فترة زمنية لمسايرة تطوُّر الأحداث، وتزويد الدعاة بأحدث الأمور التي يحتاجونها في ميدانهم، ولا بدَّ من التركيز على الجانب العلمي المعاصر والاكتشافات الحديثة التي يمكن أن تزيد التفكُّر في مخلوقات الله تعالى، ولا يكون التركيز على أدلة شرعية فقط قد لا يفهمها غير المسلم. على سبيل المثال تحدثت وكالة ناسا الفضائية أن كوكب المريخ سيتوقف بعد شهرين ثم يدور في اتجاه معاكس لحركته الأصلية، وتُشرق عليه الشمس من جهة الغرب، لماذا لا يستفيد الدعاة من هذا؟! كما أن الخطاب الدعوي في حاجة إلى حلقة وصل بين كافة الدعاة تفيدهم بكل ما هو حديث في هذا الجانب، وبلغات مختلفة. أحوال المدعوين كما تحدث الشيخ حمد بن إبراهيم الحريقي مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة الجوف فقال: لا شك أنه لا يخفى على كل داعية لبيب أن يُراعي أحوال المدعوين، فخطابه للمسلم يختلف عن الكافر، وخطابه للمسلم الطائع يختلف عن المسلم العاصي، وخطابه للصغير يختلف عن الكبير، وخطابه للأنثى يختلف عن الذكر، وهكذا. وأضاف: ومخاطبة الناس في هذا الزمان تختلف عن زمانٍ مضى، وذلك لكثرة الشهوات والشبهات في هذا الزمن، وانفتاح الناس عموماً على العالم الخارجي، وقد أصبح - كما يُقال - العالم كقرية صغيرة، فلغة الخطاب اليوم لا بدَّ أن يراعيها الداعية، وأن تكون بأسلوب عصري يتلاءم مع المستجدات، ولكن مضمون الخطاب وأساسه لا يتغيران، كدعوة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، دعوتهم واحدة، وهي دعوة التوحيد وعبادة الله تعالى، ولكن أساليبهم تختلف من قوم إلى قوم، وهذا واضح في كتاب الله تعالى كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4). ومَن يتأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد اختلاف خطابه من حيث الأسلوب، فتارة لين، وتارة شدة، وتارة حجج وبراهين، وتارة كلام مختصر واضح، وهكذا. مبيناً أن الداعية اليوم، وخصوصاً عبر القنوات الفضائية وعالم الإنترنت، لا يخاطب شريحة معينة من الناس، ولا يخاطب أهل إقليم معين، بل يخاطب مشارب شتى، وأناساً تختلف أفهامهم وأفكارهم ونظرتهم إلى الدين، ولا بدَّ من هذا الخطاب أن يكون مأخوذاً من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ففيهما الخير الوفير، والحجة القاطعة، والبرهان الساطع الذي يدفع حجج المبطلين. ولكن استخدام هذين الأصلين يختلف من داعية إلى آخر، وهذا راجع إلى فطنة الداعية وأسلوبه وحكمته التي قال الله فيها: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: 269). تأهيل الدُّعاة من جانبه قال د. محمد بن أحمد خضي مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة جازان: بالنسبة لتطوير الخطاب الدعوي المتميز الذي يخاطب كافة الأطياف من المسلمين وغير المسلمين، ويحقق الرسالة الدعوية المطلوبة، فلا بدَّ من تطوير الدعاة وتأهيلهم تأهيلاً علمياً قوياً، والعناية بالقائمين على المراكز والمكاتب بأن يكون هناك تزكيات علمية ودعوية لهم، ورغبة في الدعوة إلى الله، والاجتماع الدائم بالعلماء الكبار للتشاور معهم والاستفادة من خبراتهم وعلمهم، واستمرار المتابعة الدائمة من الوزارة لأعمال المراكز والمكاتب، والدعم المادي أيضاً، فخير ما تُنفق وتُبذل الأموال في الدعوة إلى الله، والعناية أيضاً بالمترجمين والقائمين على شعب الجاليات من حيث تأهيلهم بما يناسب حال المدعوين. مضيفاً: أما بالنسبة إلى إعادة النظر في الخطاب الدعوي، أو التجديد في مضامينه أو آلياته، فأرى أن الخطاب الدعوي مستقًى من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم السلف الصالح، فهو قائم على المنبر وعلى الدروس وعلى المحاضرات والندوات واللقاءات والمعارض والأشرطة والكتب وأسطوانات الكمبيوتر وغير ذلك، فهو خطاب متكامل، ويحتاج فقط إلى أن يكون المُلْقِي على علم وبصيرة وفقيه في دين الله عز وجل، وبخاصة فقه جلب المصالح ودرء المفاسد. المنهج التربوي أما الشيخ علي بن أحمد البارقي مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات ببارق فيقول: يمكن إيجاد خطاب دعوي مميَّز من خلال الإيمان بالكرامة الإنسانية التي حفظها الله لبني آدم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: 70)، سواء كان مسلماً أو غير مسلم. ومن هذا المنطلق فإن كل إنسان على وجه البسيطة له حق الدعوة، وأيضاً من خلال القراءة الجيدة للنهج النبوي في الدعوة إليه، وترسُّم خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21). كما أن ضرب الأمثلة من التاريخ الإسلامي، التي يتضح من خلالها وسطية الإسلام وعدالته وسماحته وإنصافه للبشرية، من العوامل التي تساعد على إيجاد خطاب دعوي مميَّز، وأيضاً إيجاد أسلوب دعوي يخاطب العقل ويستهدف الفكر من خلال طرح الأسئلة والأفكار التي تجعل المدعو ينساق إلى الحق بكل قناعة، والإفادة الجيدة من وسائل التقنية، وفتح قنوات اتصال مع كافة الأطياف من المسلمين وغيرهم؛ لإيصال الدعوة الإسلامية الصحيحة إلى كافة الناس، وأيضاً عقد المناظرات مع أصحاب الشُّبه وبيان الحق بالأدلة والبراهين المقنعة بالحكمة والموعظة الحسنة. مضيفاً: ومن هذا المنطلق فنحن نرى أن الخطاب الدعوي في حاجة إلى إعادة النظر والتجديد في مضامينه وآلياته، فلكل مقام مقال، ولكل حدث حديث، ولا بدَّ أن نلبس لكل حال لبوسها، فنحن نعيش في عالم متغيِّر ومتسارع يعيش ثورة في التقنية والمعلوماتية. تحديد الأولويات كما تحدث الشيخ نور بن عوض السحيمي مدير مركز الدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة قائلاً: يمكن إيجاد خطاب دعوي متميِّز مواكب للعصر يخاطب كافة المسلمين وغير المسلمين، وذلك عن طريق الأخذ بالوسطية في الدين، والبعد عن الغلو، وكذلك تحديد الأولويات في الدعوة، وتقديم ما يستحق التقديم، ومعرفة بيئة المدعوين، وتحديد الخطاب الدعوي ونوعيته ومناسبته للزمان والمكان والمدعوين، وأن يكون الداعية عالماً بما يأمر به، وعالماً بما ينهى عنه، حريصاً على نفع الناس مسلمين وغير مسلمين وإيصالهم إلى الحقيقة. مبيناً أن في السيرة النبوية أغزر المواد التي يمكن أن نستلهم منها مادة الخطاب الدعوي المتميز المناسب للنفس البشرية، ولعل عناية الخطاب الدعوي واستعراض السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم من شأنه أن يقدِّم مادة متميزة تأسر النفوس البشرية على اختلاف مشاربها، مشدداً على أن الخطاب الدعوي في حاجة إلى بذل جهد أكبر في استخدام الوسائل المتاحة وعمل دورات تدريبية للرفع من كفاءة الدعاة شرعياً وعملياً. خطاب متميِّز أما الشيخ عبد الرحمن بن أحمد المقرن مدير مركز الدعوة والإرشاد بالباحة فقال: يمكن إيجاد خطاب دعوي متميِّز باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يُراعي حال المخاطَب، فخطابه الجاهلَ ليس كخطابه العالمَ، وخطابه مَن يريد تأليفه ليس كخطابه ثابتَ الإيمان، وخطابه صاحبَ الشُّبهة ليس كخطابه السالمَ منها، وخطابه الكافرَ ليس كخطابه المسلمَ، وخطابه الكافرَ المعاند ليس كخطابه غيرَ المعاند، وخطابه الحربيَّ يختلف عن خطابه المعاهدَ، وقد قرَّر علماء الإسلام ذلك بما لا حاجة معه لمستزيدٍ. وأما ما يتعلق بتقييم الخطاب الدعوي فقال الشيخ المقرن: هو أشبه بتقييم مناهج التعليم ودور العلماء ونظام القضاء، فالكلام في هذا الموضوع يتبع أغراض وأهداف المتكلم، أما التجديد في الكيفيات والوسائل فهذا أمر متَّفق على جوازه، بل وجوبه في أحايين كثيرة، أما التجديد والتغيير في المضامين فلا مدخل له في الرسالة، وهذا أمر متَّفق عليه، وافتعال خلاف في هذا الموضوع أمر يخالف الواقع عند أهل العلم المُعتبَرين. مبيناً أنه يحصل تقصير من العاملين في الدعوة في العمل على تفاوت بينهم في ذلك، مطالباً الجميع بالارتقاء والإحسان قدر المستطاع، والكمال عزيز، بل لا يكون أبداً، وقد عاتب الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره في بعض الأمور التي هي من هذا القبيل. التوازن والتناسق من جانبه قال الشيخ محمد بن إبراهيم العباد مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمحافظة العلا: ما تجدر الإشارة إليه أساليب الخطاب الدعوي التي سلكها القرآن، فهي على حسب الموقف، وفيها لنا معتبَر، فتارة يستخدم القرآن الترغيب، وتارة يستخدم الترهيب، وتارة يجمع الأسلوب القرآني بين الأمرين بتوازن وتناسق بديع، ومن ذلك قوله تعالى: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة: 98)، و{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} (الرعد: 6)، و{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}(الحجر: 49-50)، وتارة يستخدم أسلوب إثارة العقل وتحريكه: }قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}(سبأ: 46)، وتارة يستخدم التدرُّج مع المدعوين لتحريم شيء أو نهيهم عن أمر، كما في أمر الخمر التي نزلت على أربع مراحل، كانت آخرها: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90)، إلى آخر هذه الأساليب التي تجدها مبثوثة في كل الكتب التي تتحدث عن الدعوة ووسائلها ومناهجها. وأضاف: لم يكن يختلف خطاب القرآن للرجال عن النساء، فكل خطاب للرجال هو للنساء، بحكم التغليب كما يقول الأصوليون، كما قال تعالى: {فَاستجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران: 195)، إلاَّ ما كان خاصاً بالنساء، وهو إن اختلف في بعض الأمور فهو أيضاً على حساب الحال، فتارة يكون بالترغيب، وتارة يكون بالترهيب. الجدال بالتي هي أحسن كما تحدث د. عبد الله بن هادي القحطاني المشرف على المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بخميس مشيط قائلاً: أما عن الخطاب الدعوي المتميز الذي يخاطب كافة الأطياف من مسلمين وغير مسلمين فنجده في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108). وإذا تأسَّينا بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وتدرُّجه بالأهم ومراعاته أحوال المدعوين نجحنا في دعوتنا، ولن نحتاج بعد ذلك إلى إيجاد أي شيء جديد. مواكبة العصر أما الشيخ مشعل بن محمد العنزي مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في محافظة طريف فيقول: يمكننا إيجاد خطاب دعوي متميز مواكب للعصر يخاطب كافة المسلمين وغير المسلمين، ويحقق الرسالة الدعوية المطلوبة، من خلال القيام بدراسات تحدِّد احتياجات المستهدفين بالدعوة، وما يلزم من وسائل وطرق لدعوتهم، وإعداد الدعاة المؤهلين للقيام بالدعوة كل بحسبه، وكل في مجاله، وتهيئتهم لمواجهة التحديات المعاصرة، وأيضاً توفير الوسائل الدعوية والتقنيات الحديثة المساعدة للقيام بهذا الخطاب الدعوي. مشيراً إلى أن الخطاب الدعوي في حاجة دائمة ومستمرة إلى إعادة النظر والتجديد في المضامين والآليات لمواكبة المستجدات والأحداث على مختلف الساحات، فلكل مقام مقال، ولكل زمان أساليب وطرق لا بدَّ من مراعاتها في خطابنا الدعوي، وهذا أمر ظاهر وواضح من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففي مكة كان خطابه مغايراً لخطابه في المدينة، وفي كل وقت وزمان نحتاج إلى مراعاة المستجدات والظروف، وذلك لأن دين الله عز وجل صالح لكل زمان ومكان، ولكن دورنا هو إيصاله إلى الناس بالطرق المناسبة والوسائل الشرعية المباحة. الحوار المفتوح من جانبه قال الشيخ حسين بن سعيد آل السعرة القحطاني مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمحافظة أحد رفيدة: أرى أنه يجب إعادة النظر في الخطاب الدعوي ومكانه من إلقاء المحاضرات في شتى المواضيع المهمة للمسلمين وغير المسلمين عن طريق دعاة معروفين في العلم والأسلوب في مختلف اللغات، ويفضل الحوار المفتوح لجميع الجاليات للمسلمين وغير المسلمين، وكذلك في كثير من المواضيع المتعلقة بالدعوة والدعاة، كما أتمنى من الدعاة والعلماء مراجعة أوضاع الدعوة، ومحاولة النزول إلى المجتمع والقرب منه في كل وقت، وزيارة جميع المناطق دون تمييز. مشدِّداً على اختيار الكفء لإدارة الدعوة في المناطق أو المحافظات حتى تبرأ منهم الذمة، ولا يكون بعضهم حجر عثرة أمام الدعوة والدعاة، وأن يُختار الأمثل فالأمثل، مطالباً أن يكون هناك مجلس أعلى للمكاتب التعاونية؛ ليقف معها بقوة ويساندها وينظِّم لها وينظِّر لها لتبني مجتمعاً دعوياً شاملاً لكل فئات المجتمع وكل الأطياف والأعراق، وفي كل مكان. الأحداث المتلاحقة من ناحيته قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد العثيمين الأمين العام لمؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية: يتعرض دين الله منذ اللحظة الأولى لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لمضايقات وحروب وصل الأمر في بعضها إلى محاولة القضاء على الدعوة المباركة من خلال القضاء على حاملها ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم: {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: 32). فليس غريباً أن يتعرض هذا الدين والدعاة إليه - سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات - للمضايقات أو الحملات التي تهدف إلى الحد من نشاط هؤلاء الأفراد أو المؤسسات وإيقاف أنشطتهم. مضيفاً: لا شك أن تجديد الخطاب الديني بما يتوافق مع هذه الأحداث المتلاحقة مطلب ملح من أجل صدِّ هذه الهجمة الشرسة على دين الله وأهله، ولكن لا بدَّ لهذا التجديد من ضوابط وقيود، يأتي في مقدمتها ارتكاز الخطاب الديني على إبراز جوانب التسامح والفضيلة التي جاء بها الإسلام من خلال تقريره أن هذه الأمة أمة وسط، فلا إفراط ولا تفريط، وأن يبتعد بشكله ومضمونه عن كل ما يثير الفتن داخل الأمة الواحدة، وعن دعوة غير المسلمين إلى كراهية هذا الدين العظيم وأهله، وأن يتَّسم بالحكمة والرفق. الخطط والمناهج من جانبه تحدَّث د. إبراهيم بن ناصر الحمود وكيل المعهد العالي للقضاء بالرياض حول إيجاد الخطاب الدعوي المتميِّز، فقال: إن ذلك متوقِّف على رسم الخطط والمناهج الدعوية؛ لكون الخطاب الدعوي ثمرة تلك الجهود. وحتى نصل إلى خطاب دعوي يواكب العصر ويخاطب كافة شرائح المجتمع ويحقق الرسالة الدعوية المطلوبة لا بدَّ من إعادة النظر في الخطط والمناهج الدعوية لمعرفة جوانب النقص والتقصير؛ فإن أوضاع العصر اليوم تتجدد في كل لحظة، بينما الوسائل ثابتة لا تتغير. ومن الأمور المُعينة على تحقيق الخطاب الدعوي المتميز - يقول فضيلته - أن يباشر الدعوة متخصصون لهم باع طويل في معرفة أوضاع المسلمين؛ لأنهم أقدر من غيرهم على تلمُّس حاجاتهم وإيجاد الحلول المناسبة لها، وأن تعمم مكاتب الدعوة على أكبر عدد ممكن من المدن والقرى؛ حتى يعم الخطاب كل مواطن ومقيم، والتركيز أيضاً على القضايا المعاصرة التي يكثر الحديث عنها وتخفى أحكامها، وعدم التكرار الممل؛ فإن بعض الدعاة يكاد يكون وقفاً على موضوع معين يكرره في كل مناسبة؛ لعدم قدرته على التكيُّف مع ظروف الحال. وأيضاً إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للدعاة بعد سنوات مضت من التجربة، وإحياء سنة التعاون والتكافل بين الدعاة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والتأكد من سلامة منهج الداعية؛ فإنه أداة الخطاب الدعوي، فلا بدَّ أن يكون قدوة حسنة لغيره؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن يكون لدى الداعية ثقافة عالية بأوضاع المسلمين وغير المسلمين وما يُحاك ضد الإسلام من شُبه وأباطيل؛ حتى يستطيع ردَّها وكشف زيفها وضلالها. المنهج العلمي كما تحدث د. علي بن حسن ناصر الأستاذ المشارك بقسم العقيدة بكلية الشريعة بجامعة الملك خالد بأبها قائلاً: يمكن إيجاد خطاب دعوي متميز مواكب للعصر إذا رُوعي فيه تبنِّي المنهج العلمي الموثَّق الذي يقوم على المعلومات الصحيحة الدقيقة البعيدة عن الارتجال الذي يُوقع أصحابه في أخطاء جسيمة، والعناية التامة بإظهار وسطية هذا الدين، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير، وكم جنى الخطاب الذي جنح إلى أحد الطرفين على أصحابه من المشكلات، بل وتعدَّاهم إلى غيرهم، وأضر الدعوة، ولا شك أن سبب ذلك عدم الفقه في الدين. وأضاف د. ناصر: من صور التجديد في الخطاب الدعوي الانفتاح على جميع الناس مسلمين وغير مسلمين، فالمسلم في حاجة إلى التثبيت ودفع ما يعتريه من الشُّبه والشهوات، وغير المسلم في حاجة إلى هدايته وإنقاذه من الكفر والضلال، والواقعية أيضاً من صُور التجديد، وأعني ألاَّ نحلِّق في عالم الخيال والمثالية فنبتعد عن واقع الناس الذي يعيشونه، فلا بدَّ أن يكون الخطاب واقعياً وليس مُغرِقاً في المثالية التي لا تُراعي ظروف الناس وأحوالهم وإشاعة الأمل في الناس، وإظهار الحقيقة التي يغفل عنها الكثير، وهي أن المستقبل لهذا الدين العظيم، والبعد عن التشاؤم والتيئيس مهما أصاب الأمة من الويلات والنكبات. وأيضاً الموازنة في الخطاب الدعوي بين العاطفة والعقل؛ فإن السير وراء العواطف وحدها يسبِّب مشكلات كبيرة، فلا بدَّ من ضبط العاطفة بالعقل، كما أن العقل أيضاً يُوزن بميزان الوحي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. لكل زمان خطاب من جانبه قال د. جبريل بن محمد البصيلي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد بأبها: يمكن إيجاد خطاب دعوي متميز مواكب للعصر يخاطب الناس كافة المسلمين وغير المسلمين على اختلاف أحوالهم جميعاً، وذلك لأن نصوص الوحيين؛ الكتاب والسُّنة، صالحة لذلك في كل زمان ومكان وحال، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} )الأعراف: 158). ووصف الله تعالى القرآن الكريم بأنه هدى وشفاء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير ونذير، وسراج منير أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره. فهذه النصوص وما في معناها تدلُّ دلالة صريحة على أن الدعوة إلى الله وتبليغ الرسالة والإيمان بها كل ذلك واجب على الثقلين؛ الإنس والجن، ولا يكون ذلك إلاَّ إذا كان ممكناً، وكونه ممكناً يقتضي أنه يتمكن من إيجاد ووجود خطاب دعوى يواكب العصر بمتغيراته وتطوراته، بل يواكب كل عصر بحسبه؛ لأن الواجب لا يتعلق إلا بممكن، وتبليغ الرسالة واجب، وقبولها واتباعها واجب، وذلك مبنيٌّ على فهمها، وفهمها مبنيٌّ على خطاب متجدِّد كل عصر. وعن رأيه في الخطاب الدعوي القائم الآن هل هو في حاجة إلى إعادة النظر والتجديد في مضامينه وآلياته، قال د. البصيلي: الذي يظهر أن التطور في الوسائل والأساليب حسب مقتضيات العصر ومتغيراته أمر ضروري في أي شأن من الشؤون وقاعدة مطردة، والخطاب الدعوي جزئي يندرج في هذه القاعدة الكلية، وكذلك فهو وسيلة إلى مقصود، والوسائل العادة فيها التغيُّر والتطور، وهو أيضاً متعلق بأفهام الناس وقبولهم، وذلك مما يتأثر بمشاعرهم ونفسياتهم وأحوالهم وأساليب حياتهم وما يؤثر فيهم، وهذه أمور تتغير عواملها وتتطور أساليبها، فيجب أن يتبعها الخطاب الذي يوجَّه إليها ويُقصد منه أن يُؤثِّر فيها، ويتم ذلك عن دراسات واسعة لحياة الناس في هذا العصر بجميع شُعبها؛ حتى توضع الآليات والمضامين المناسبة، وتكون في إطارها الصحيح. كوادر دعوية أما د. قاسم بن أحمد القرصبي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد بأبها فيقول: إنه يمكن أن يُوجد عبر وسائل التقنية الحديثة كالتلفاز والإنترنت، كذلك عبر إعداد كوادر دعوية متميزة بما تحمله من خُلق قويم وعلم غزير ومنهج سديد، كذلك يكون عبر الاستعانة بكل مَن له باع في العلم والدعوة كأساتذة الجامعات ورجال القضاء ورجال الحسبة، ومَن له قدم راسخة في الدعوة والعلم من غير هؤلاء، كذلك يحسن مخاطبة أصحاب القرار من الساسة والقادة وذوي الغَيرة من رجالات هذه الأمة المباركة، كذلك بعمل برامج تستقطب الشباب من مخيمات دعوية، ودورات تدريبية، ومهرجانات ثقافية، وأنشطة تنافسية، يرعاها أصحاب الخبرة من ذوي القدرات التربوية، كما ينبغي للخطاب الدعوي أن يهتم بالطفل والمرأة، وذلك بإيجاد البرامج المناسبة لكل فئة منهم.
|