أَتَبكي، وهذا الليلُ ثَارَ بنَاظري
مُقِيماً على ظَهْري كَطَعْنِ الخَنَاجِرِ
يُطَاوِلني فيه السَّوَادُ ومَوْجُهُ
يُوَاري شِرَاعي في يَبَابِ المَقَابِرِ
وَتَعْصِفُ بي هُوجُ المَنَايا كأنَني
على شَفْرَةِ الأَمْوَاجِ رُوحُ المُهَاجِرِ
تَسَاقَطَ مِنْها البَيْنُ حِين تَذَكَّرَتْ
فَأَحرقها المَنْأَى بِمرْجَلِ ثَائِرِ
كَعَصْفِ القَوَافي البَاكياتِ حَبيبَهَا
سَمَتْ فِيكَ يا غازي على كُلِّ شَاعِرِ
حَنَانَيْك من هذا العُبَابِ فَقَاربي
يُطَوِّحُهُ المَنْفَى بآلِ الهَوَاجِرِ
يُلَوِّحُ باليُمْنى وَيَنفِثُ بالنَّوى
زَفِيراً تعالى من جحيمِ المحاجرِ
وَيَعْرجُ فيها المَوْتُ واليُتْمُ في دمي
يَدوُر عليها فَوق تِلْكَ الدَوَائِرِ
إليْكَ أَبَا يارا دُموعيَ فَاسْتَعِرْ
لِبَوْحِكَ ممَّ كَان جَمْرَ المَجَامِرِ
يُطَوِّفُ في الدنيا ولازال راحلاً
يَجُوبُ الفَيافي في قَوَادِمِ طَائِرِ
كَأنَّهُ في الشِّعرى تَجَلَّى سَنَابِكاً
تَذُوبُ عطاشاً تحت وَقْعِ الحَوَافِرِ
مَضَيْتَ أَبَا يارا ونَفْسُكَ قَبَّلَتْ
جَبِينَ الثُّريا والسُّهَى غَيْرَ صَاغِرِ
وَرَصَّعْتَ تَاجَ الفَرْقَدَيْنِ بسيرةٍ
تَرَى الفَلَكَ الدَّوَّارَ خَيْرَ المَنَابِرِ
وَمْثِلُكَ لا يَشْكُو المَنَونَ وَرَيْبَهَا
وَأَنْتَ الذي تُعْطِي عَطَاءَ المُبَادِرِ
فكمْ من بحورٍ قد تَأَلَّق دُرُّهَا
وَكَمْ من عَرُوضٍ قَدْ جَرَتْ بِالْمشَاَعِرِ
سَرَى الشَّوقُ فيها مُدْنَفاً وَقْدِ اغْتَدَى
يُغَالِبُ لَيْلى دُون مَجَنْونِ عَامِرِ
فَأَرْوت عُروقاً لا تَمَلُّ مِنَ الهَوى
وَبَاتتْ تُنَاجي في الدُّجَى كُلَّ سَاهرِ
ولو أنَّ لَحْظَاً غَائباً وَقَفَتْ بِهِ
لَحَنَّتْ إلى الأَوطْانِ عَيْنُ المُسَافِرِ
إليْكَ أَبَا يارا القلوبَ حَدَائِقاً
من الوَرْدِ تَزْهُو في شُروقِ المَنَاظِرِ
سَئِمْتَ ارَتحالاً واللَّيالي تَمَايَلَتْ
حَكَاياكَ فِيها مِثْلَ غُصْنِ المَآثِرِ
أَتَدْري لِمَ الأَسْفَارُ أَلْقَتْكَ آيباً
لأَنَّك أَتْعَبْتَ النَّوَى بالمَفَاخِرِ
وَخُضْتَ بِحَار الفَكْرِ حَتّى تَوَاتَرَتْ
رُؤَاكَ التي اسَتَعْصَتْ على حِبْرِ نَاثِرِ
فِدَى عَيْنِكَ الأَيَّامُ حِيْن تَبَدَّلتْ
وَلَن تُثْنِيَ الأَرْزَاءُ من عَزْمِ صَابِرِ
فَللّه مَا أَحْلَى الخُلودَ بكَوْكَبٍ
وَقَدْ غَارِت الأُخْرَى وَلَيْسَ بِغَائِرِ
إذا هَجَعَ السُّمَّارُ يَرْعى قُلوبَهُمْ
وَإِنْ سَارِتِ الدُّنيا فَلَيْسَ بِسَائِرِ