كثيراً ما أمسكت قلمي وحبره ينزف ألماً، وأنا أسمع صريره على أوراقي فقد يأبى الكتابة محتجاً على تصرفاتنا نحن البشر، ولكنني أرغمه على الكتابة لأفرغ شحنات داخلي مكظومة تولدت مما أشاهد أو أسمع داخل مجتمعنا الذي نعيش فيه. وقلمي في تلك المقالة قد أسرجته لأتحدث عن موضوع من المؤكد أن غيري قد تحدث فيه ولكنه ما زال ينبض في مجتمعنا يتحرك هنا وهناك فارضا نفسه ألا وهو (عقوق الوالدين) هذا الحدث الذي تفشى في مجتمعنا لا أحد يستطيع أن ينفي وجوده، فأعمدة الصحف تسطر بمدادها مثل تلك المآسي ووسائل الاعلام بشتى أنواعها تنفرد بكثير من هذه الأخبار والتحقيقات. لذلك أحسست بشيء ما يمزق القلب ويذيب الثلج ويقتل كل معاني الحياة الجميلة، حاولت أن أجمع شتات كلماتي المبعثرة، وأفكاري المتناثرة لأتحدث عن هذا الموضوع، ولكن لم يسعفني البنان ولا البيان فزادت النار توهجاً داخلي مما أقرأ وأسمع وأشاهد. أبكي حقا ما وصلنا إليه من عقوق؟؟؟ أأرسم لوحتي الحزينة بدموع اليأس؟؟ وهل يعقل أن الابن يقتل أباه؟؟ أو أمه؟؟ أسئلة تحيرني.. تؤلمني.. تقتلني.. هل وصل العقوق إلى هذه الدرجة؟؟ إن من يحاول إيذاء والديه مذموم بشع بكل المقاييس.. معدوم الضمير ناقص الخبرة منكرا لآيات القرآن الكريم المتمثلة في قوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}. من فترة قريبة قد لا تتجاوز أسبوعين طالعتنا الصحف بخبر يهز الكيان ويؤلم النفس ألا وهو خبر ذلك الشاب الذي قتل والده المسن فلم يرع حق الأبوة والتربية والسهر والتعليم والكد والتعب.. وقبلها أيضاً ذلك الشاب الذي قتل أمه وأحرق جثتها كي يخفي معالم الجريمة.. ونسي ما قامت به من تعب ونصب طوال حياتها من الصعب تسجيله عبر الورق!! نسي أو تناسى ذلك القلب النابض الذي يتدفق عبر شرايينه العطف والحنان وراح يطعنها بسكين الغدر والعقوق ولا حول ولا قوة إلا بالله. تلك الام الرؤوم الحنون تحترق من أجل أبنائها لابد أن يكون حبها متغلغلاً داخل قلوبنا وإلا أصبحت قلوبنا زائدة دودية لابد من اقتلاعها. إن ديننا الحنيف حثنا إلى الإحسان إلى الوالدين وأمرنا باللين والرحمة والعطف بهما خصوصا عندما يبلغان كبرهما.. ولكن للأسف نجد أن البعض لا يحلو له هجر الوالدين وتركهما إلا بعد الكبر.. فماذا دهانا؟؟ ولماذا خارت نحن البشر قوانا؟؟؟ أصبح الابن هو السيد والام هي الأمة تؤمر لتطيع بعد أن كانت تأمر لتطاع.. فواعجبي كيف اختلت الموازين وانقلبت المفاهيم!! كيف تجعل أيها العاق أمك أمة لك وهي التي تجوع لتشبع.. وتظمأ لترتوي.. إنها قالب حنان ألا تستحق منك بعضا من الحنان؟؟. إن الكلمات تعجز بما فيها من مدح وثناء وإطراء أن تفي تلك الإنسانة حقها فهي مجمع الصدق والتضحية والطيبة، فعندما يستوطنك الألم ويهجرك الأمل لا تجد بعد الله من يفتت صخور اليأس ويحطم الآلام سواها، فكيف بعد كل ذلك تمتد يدك لتطفىء تلك الشمعة باسم العقوق؟ وكيف يرتفع صوتك ليعلو صوتها؟؟. إنها باب من أبواب الجنة (فالجنة تحت أقدام الأمهات). عذراً.. إن فتقت كلماتي جروحاً منكوءة داخلكم، ولكن الحقيقة تجبرني على الكتابة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وبعد ها هو قلمي يريد أن أمنحه شيئاً من الراحة، ولكنني قبل أن أرخي عنانه وأستجيب لطلبه أذكر نفسي أولا وقارئي العزيز ثانيا ببعض الوقفات التي من أهمها: أولا: بر الوالدين والوقوف معهما قلباً وقالباً خصوصا الأم التي خصها الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- بقوله: (أمك، ثم أمك ثم أمك). ثانيا: خفض الجناح لهما لأن ذلك نهج يجلب المودة ويزيد الالفة امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. ثالثا: لنعلم جميعا أن الجزاء من جنس العمل فالرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) فلتكن بارا بوالديك لتجد نتيجة ذلك في أبنائك فكما تدين تدان. رابعاً: لنكن جميعا منبر خير وندعو إلى البر بالوالدين بألسنتنا وأقلامنا وفي محاضراتنا وندواتنا لنعلم الجاهل ونذكر الغافل فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا. مرفأ: تؤلمني دمعة أم مكلومة من عقوق أبنائها تتساقط من عينيها البائستين فيحترق قلبي لها. * يؤرقني ويقض مضجعي صرخة أم تستغيث بأبنائها ولا من مجيب. * تعذبني شكوى مسنة أودعت في دار الرعاية بعد تضحية وعناء وجهد وشقاء وتربية وعذاب فكانت تلك الدار مثواها الأخير. * وأخيراً يفرحني كثيرا ويسعدني أن أرى ذلك اليوم الذي تمحى فيه تلك العادة السيئة وتوأد إلى الأبد لتعود الأم شمعة تضيء لأبنائها دياجير الظلام ودوحة وارفة الظلال تفيء على من حولها لتعيش الأسرة في أمن وأمان واطمئنان. فاللهم اجعل والدينا لنا باباً من أبواب جنانك.. وارزقنا طاعتهم في غير معصيتك، وألهمنا اللهم شكرك وشكرهم إنك سميع مجيب الدعاء.
|