كَانت رَبِيْعاَ، فعَادَت بَعْضَ أزهَارِ
كَأَنَّها مَا رَأَتْ نُعمَى مِن البَاري
هَذي شَواهِقُها الصَمَّاءُ مُطْرِقَةٌ
وحَولَها أَلْفُ مُحْتَارٍ، وَمُحْتَارِ
خَمْسٌ وسِتُّونَ، يَا للهِ، ما صَدحَتْ
إلا لِتُوقِظَ أشْعَاراً، بأشْعَارِ
ألقيتَها مَثْلَ جمَرِ الحُبِّ حَارقةً
فَمَا بَكى صَاحِبٌ إلا بِقَيثَارِ
خِمْسٌ وسِتُونَ تَاهَتْ، كَيْفَ تطلُبها؟
وأَنْتَ تَمزجُ أطواراً بأطوارِ
هذَا رُفاتُكَ مِنْ قَبْلِ الغرُوبِ أتى
يُرقصُ النعْيَ بينَ الدارِ والدارِ
وهذه نخلةُ التاريخِ شاحِبَةٌ
كما رأيتَ، وهَذي بعضُ أثمَارِ
ودعتَنا وسياطُ الشَوقِ تُلْهِبُنَا
والأغنياتُ تواري لحنَهَا العَاري
ودعتَنَا أيها (الغازي) إلى شَفَةٍ
مَكْلُومَةٍ، وإلى صَمْتٍ وأسْتَارِ
خَمْسٌ وستُّونَ، والجوزَاءُ مَائلةٌ
إلى حُروفِكَ، والبيدَاءُ كَالنَّارِ
واليومَ تسمعُها لحنَ الرحيلِ كَما
أسمعتَها قبلُ لحنَ المقْدَمِ الضَاري
أَكُنْتَ أَقْسَمْتَ ألا تنتهي جَدَثاً
حتى تُعذَّبَ مَن أَسعَدتَ مِن جَارِ؟
هذَي حديقتُكَ الخَضْرَاءُ قَد عصَفَتْ
بهَا السِنينُ, وهذا صَوتُ إبحَارِ
عيَناكَ مِن كُلِّ اَرضٍ كُحَّلَت ألَمَاً
ألا جمَالٌ بغيرِ المدْمَعِ الجاري؟
خَمْسٌ وستّونَ قُلْ لي: كَيْفَ تكتُبها
قصيدةً؟ دونَ (موسيقا)، ومِزمَارِ
مَاذا تُريدُ؟ سَماءُ اللهْوِ صَافيةٌ
وأنتَ ترغبُ في غَيْمٍ وأَمْطَارِ؟!
سَافِرْ إلى الذكرياتِ البيضِ، مُمتَطِيَاً
جَوَادَ صُبحِكَ، واشدُو أيها السَاري
سَافِرْ فرُبَّ يَدٍ موثُوقَةٍ سَلِمَتْ
ورُبَّ رَاحَةٍ أَجْسَادٍ بَأسْفَارِ
خَمْسٌ وستّونَ، لو أَنْطَقْتَها بَسَمَتْ
هذَي الحيَاةُ، وهَزَّتْ كُل أَشْجَارِ
يَاشَاعِرَ الأنْسِ من للأنسِ إنْ رَحَلَتْ
بِكَ المآسي؟ ومن للكهفِ والغَارِ؟
إنَّي عَهدِتُكَ أغصَاناً، يؤرجحُها
ظِلُّ النسَيمِ، ومِشْواراً بمشْوَارِ
فَكَيْفَ عَدُتَ من الأيّامِ مُرتَعِدَاً
تَكادُ تنحَرُ أوتَاراً بأوتارِ
إذا أردتَ فَقُل لي: لَمْ أكُنْ بَطَلاً
ولَم أكُنْ وَاعِيَاً أَسِرَار أَقْدارِي
وإنْ رحَلتَ فهذا الشعرُ، أَسْكبهُ
عَلَى تُرابِكَ، إنْ لَم تُروِ أَنْهارِي