الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ابتلاء لعباده بحسن العمل، والصلاة والسلام على أفضل خلقه ممن عانى من سكرات الموت حتى لحق بالرفيق الأعلى.فقد شاءت إرادة الله أن يحل الأجل المحتوم بالعم الكريم مقبل بن علي المقبل رحمه الله يوم الأربعاء ليلة الخميس 27-2- 1426هـ، بعد معاناة مع المرض لم تدم طويلاً وذلك في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني بالرياض، وقد تمت الصلاة عليه ودفن في مدينته المحببة لنفسه - المذنب - في منطقة القصيم حيث انه كان لا يطيق فراق هذه المدينة. لقد فقدت أسرة المقبل في الرياض والقصيم أحد شخصياتها النادرة فلم يكن متميزا بمنصب.. ولا بمال.. ولا بجاه ولكنه كان يملك قلباً كبيراً استوعب من البشر ما لم يكن يتوقعه أقرب الناس إليه وقد بدا ذلك واضحاً جلياً في المسجد.. والمقبرة.. وفي بيته، ناهيك عن كثافة الاتصالات طوال أيام العزاء.. ولولا خشية الإطالة لأبرزت جوانب كثيرة من شخصية هذا العم الكريم، ولكني سأكتفي بلمحات بسيطة عرفتها رغم بعدي عنه وعدم ملازمتي له، كان يجل التواصل والاجتماع ويفرح لذلك لدرجة الابتهاج بل كان يوصي بذلك كلما سنحت له الفرصة، ولعلها كانت من أواخر كلماته قبل اشتداد المرض عليه، كان لا يعتب على أحد أساء إليه.. أو قطع به.. أو نال منه بأكثر من أن يقول (الدنيا ما تستاهل الله يجمع الشمل والاجتماع معزة.. الحمولة الطيبة محسودة.. وهكذا). مرت محطات حياته غفر الله له بمنعطفات صعبة في بداية حياته حين وفاة والده رحمه الله، وشظف العيش وقلة ذات اليد ومسؤولية أسرته الكريمة ولكنه تجاوزها صامداً.. شامخاً.. عزيز النفس كادحاً.. مستغنياً عن الناس حتى لو أدى ذلك إلى الاغتراب عن أهله وبلده وكان هذا منهجه حتى فارق أهله ومحبيه، ولعل شيئاً من ذلك ظهر جلياً واضحاً في المقابلة التي تمت معه رحمه الله في رمضان الماضي عن طريق أحد الاخوة الفضلاء ونشرت في شريط خاص بالعائلة. لقد استطاع هذا العم الشهم رغم بساطته وقلة مؤهله أن يزرع محبته في قلوب الكبار والصغار والمجتمع بأكمله رغم اختلاف طبقاته، ولعله من النادر جداً أن يتفق القريب والبعيد.. الشاب والكبير على احترام شخص معين دون مجاملة أو تصنع أو حتى نفاق اجتماعي منبوذ. سمته الاجتماعية البارزة هي التسامح وحضور أي مناسبة يدعى إليها دون تردد.كانت رؤيته الثاقبة للأمور عجيبة، وفراسته في معرفة الرجال وتقييمهم معروفة تكاد لا تخطئ، له وجهة نظر خاصة في تربية الأولاد، ركيزتها عدم الشماتة بالآخرين، ومعايشة الأبناء والقرب منهم وعدم تنفيرهم وتحقيق رغباتهم المعقولة، والحيلولة دون احتياجهم للآخرين ومخاطبتهم بألقاب محببة إليهم. كان رحمه الله يحب التعامل مع الأطفال بطريقة لبقة غير مسبوقة تتطلب صبراً واحتساباً دون كلل أو ملل حيث كان يتفقدهم عند كل وجبة وينادي عليهم بأسمائهم حتى يندهش من يجلس حوله، ويبدأ يطعمهم بنفسه ويسليهم ويعلمهم الأدب في المأكل والمشرب ويمازحهم كلما رأى ذلك مناسباً ويوجههم دائماً إلى احترام من يكبرهم وينقل من يحتاج منهم إلى رعاية صحية إلى أقرب مصحة في ساعة من ليل أو نهار ولا يسمح لكائن من كان أن يسيء إليهم أو يمس كرامتهم وكان يجد صعوبة في مفارقتهم وربما تعطل سيره أو جلوسه بسبب التفافهم عليه. رحل عنا هذا العم بصورة السليم من الأحقاد.. والحسد.. والحقد والكراهية نحسبه كذلك والله حسيبه، وقد وصله من وصله وقطعه من قطعه، وما أشد الحاجة لامثاله لاستقرار الأسر عاطفياً.. واجتماعياً ولكن المعوض هو الله وهو خير الوارثين.عزاؤنا جميعاً الإجماع على محبته والدعاء له، ووجود أبنائه الاخوة الأفاضل فهم خير خلف لخير سلف، رحمه الله رحمة واسعة، وتقبل ما دعي له وجمعه بوالديه وأهله ومحبيه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وصدق من قال ان العم أحد الوالدين وإنا على فراقك يا عم لمحزونون.
|