Thursday 2nd June,200511935العددالخميس 25 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

شباك الخطر تهدد الأطفالشباك الخطر تهدد الأطفال
نوال ضيف الله النقى/ القصيم - القرين

كعادتنا دائما عند تلقي الأخبار الناجمة عن حوادث السير.. أو الحريق أو حوادث الأطفال.. تدمى لها قلوبنا وتنتحب ضمائرنا حسرة وألماً.. فنتوخى الحيطة والحذر قليلاً.. لكن يد النسيان سرعان ما تمتد إلى قلوبنا.. فنعود كسابق عهدنا.
تلك الحوادث المؤلمة التي نقرأ تفاصيلها في الصحف ما زالت تضيف للقائمة أرقاماً.. وعلى وجه الخصوص حوادث الأطفال التي عادة ما تأتي عن غفلة الأسرة أو الإهمال.. كمآسي الغرق في الاستراحات والمسابح المكشوفة.. والتي يأتي التبرير لها عادة من قبل الأبوين في أن ابنهم قد أخذ نصيباً كافياً من التدريب وهو على دراية كاملة بالسباحة.. لكن النهاية التي لا نرضها دائماً.. هي من تكشف لنا عن سطحية تفكير الأطفال.. مهما بلغوا درجات الذكاء والفطنة. فهم ليسوا المسؤولين عن تصرفاتهم بأي حال.
كثيرة هي الحوادث التي أدمت أفئدتنا.. وغابت عن عيون الصحافة ولم نطالع أو نقرأ عن تفاصيلها شيئاً يذكر؟ والهدف المرجو وراء النشر.. هو أن تتنبه الأسر للأخطار التي قد تواجه أبناءهم.. وخطورة ما قد يفكر به الطفل وما يمكن أن يقبل عليه لعدم إدراكه لعواقب الأمور.. كالسباحة في المياه العميقة.. أو السقوط من الأماكن العالية الأمر الذي يؤدي إلى نتائج لا نتمناها البتة.
في حادثة مأساوية أبكت عيون الكثير وتفطرت لها قلوب سامعيها.. هجرت الرقاد عيون إحدى الأسر المنتمية لاحدى القرى التابعة لمنطقة القصيم.. بعد أن صعقوا بفقد ابنيهما بعد أن تحول الماء الذي هو سر حياتهما إلى عدو قاتل حبس أنفاسهما حتى الموت.. وتأتي تفاصيل هذه الحادثة بعد أن اجتمعت الأسرة كعادتها قبيل الغروب لكن العقد لم يكتمل.. فتنبهت الأسرة لعدم عودة الطفلين (11 سنة، 9 سنوات) من خارج المنزل بعد.
وبدأ الجميع في محاولة البحث.. لكن أحداً منهم لم يعثر لهما على أثر.. وحاول العم استبعاد شكوكه.. التي لم يجد له بدا من الخضوع لها.. متجاهلاً ما قد يتمخض عنه هذا الشك.. وأطلق ساقيه للريح.. حتى استقرت قدماه على الحوض الذي أعد لاحتباس الماء لسقيا المزرعة التي تحيط المنزل.. وكان الحوض مشرعاً ويحتجز كمية عميقة من الماء.
كان هذا العم الملهوف يسابق الظلام الذي غيب ملامح القرية.. وما أن تسمرت قدماه على الحوض حتى استقر نظره أسفله.. وتجاهلت عيناه الحقيقة التي لمستها أنامله الراعشة بعد أن اخترق الماء.. وانتشلت يداه جسدي الطفلين.. واحتضنهما والحسرة تغتال صبره.. لكن ثمة أملاً اسيتقظ في ذاته عل الطفلين اللذين لا ينبضان بالحراك في حالة إغماء.. واعتلى العم سيارته مسابقاً الزمن.. والأمل يحتضر داخله.. عسى أنفاسهما تعود ثانية ويبتسما للحياة على يد طبيب حاذق يدرك فحوى المصاب.. لكنه قرأ تفاصيل الحقيقة فالطفلان قد لفظا أنفاسهما الأخيرة في صراع مع الموت منذ ساعات أسفل الحوض..؟
وماتت بموتهما السعادة التي غادرت فؤاد هذه الأم الثكلى التي فقدت أحضانها دفء أنفاس الشقيقين.. ودراجتهما ما زالت متكئة تنتظر العودة.. وسباقاتهما التي ترسم في بيداء القرية ملامح لطفولة بريئة.. ومقعداهما في الفصل ما زالا شاغرين.. والصبية يسألون..؟ وحقيبة الكتب وأقلامهما المتناثرة.. وقصاصات من ورق.. كتبا عليها حروفاً لم تكتمل..؟ جميعها ما زالت تلهث سائلة:
هل سيدوم الغياب؟.. لكن العزاء لوالديهما جميعاً أنهما الشفيعان بإذن الله.. على أبواب الجنان كأمثال اللؤلؤ المكنون.. يحدوهما الشوق للقاء.
وللخطر شباك أخرى نخشى أن تصطاد الأطفال في الوقت الذي ما زال فيه الراعي والرقيب منهمكاً في مشاغل الحياة.. استرعى انتباهي أحد أولئك الصبية الذين لا يخشون تبعات ممارساتهم لعادات كثيرة شاركهم فيها أقران ليسوا أقل جرأة منه.
فهذا الصبي الذي امتطى صهوة دراجته.. واخترق شوارع المدينة الضيقة.. والزحام على اشده.. ليس وحده من يخوض غمار الموت.. فأقرانه كثيرون.. لم يبال بقائدي المركبات التي تقبع خلفه.. والبعض لم يتنبه لوجوده بينهم.. والآخرون لم يجد نعيق أبواقهم والتي تنذره لخطر وجوده.. لكنها كانت تزيده متعة وانتشاء كنت حينها قد بعثت في الفضاء بسؤال عقيم.. أين الرقيب لهذا الصبي؟
كثيرة هي تلك الشباك التي تغتال الأطفال لكنني آثرت أن أختم هذه المشاهد بشباك أخرى للأطفال.. بعدم مبالاة الأهل وغياب الرقابة من قبل المسؤولين عن تلك الآبار العميقة التي تحيط بالمنازل في القرى والهجر على وجه التحديد.. والتي تجاوز عمرها الزمني في الغالب ثلاثة عقود.. وجميعها قد نضب ماؤها أو أصبح ملحاً أجاجاً اي أن فائدتها قد انتفت تماما.. وظلت قبوراً مكشوفة تقبع خلف البيوت.. ولم تحظ باهتمام المسؤولين.. وما نرجوه هو طمرها لتلافي الخطر الذي يكمن وراء وجودها الذي يهدد الأطفال في حال عودتهم من المدارس مترجلين.. وأثناء لهوهم في الخارج.. وهو المشهد الذي يتكرر يومياً.
ما أشرت إليه ليس إلا يسيراً لا يذكر من تلك الشباك المنصوبة في الشوارع وخارج البيوت والتي نخشى أن تصطاد براءة الأطفال في غفلة منا.. لكنها إضاءة سريعة أرجو أن تعم بنورها الفائدة بإذن الله.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved