الفكر المنحرف وافد من بلاد أخرى؛ كفكر الإخوان المسلمين وحزب التحرير وغيرها. وأقف هنا على كلام قيِّم يبين بجلاء ما جناه الإرهاب على الإسلام والمسلمين في مختلف أنحاء العالم، وهو ما ذكره أحد المسؤولين في هذه البلاد، وهو صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية؛ حيث قال في لقاء صحفي: (يجب أن نفرق بين عقيدة الإرهابيين والدِّين نفسه، فما من دين إلا وينهى عن ارتكاب المنكرات؛ كإتيان الأعمال الإرهابية وترويع الآمنين، والدين الإسلامي على وجه الخصوص الذي جاء خاتماً للأديان والرسالات السماوية يحضُّ على القيم السامية والخلق القويم والرحمة بين الناس، وكراهة ما يهدِّدهم في حياتهم وأرزاقهم. لذا فمَن يتهمون الإسلام يرتكبون خطأً فادحاً يجعلهم يغمضون الأعين ويصمون الآذان عن كل حقيقة، ويُبدون الكراهية والضغينة لأبرياء وهم لا يفهمون شريعتهم السمحة. ولكن لا ينبغي إلقاء اللوم كله على هؤلاء؛ إذ إن مَن تسبب في العمليات الإرهابية جرَّ البلاء على المسلمين في جميع أنحاء العالم، وعلى الدول الإسلامية والعربية، والسؤال: ماذا جنى الإرهابيون من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م سوى الخراب والدمار وضياع واحتلال دولة إسلامية هي أفغانستان وهي التي طالما استعصت على الاحتلال السوفيتي، بل كانت تلك الأحداث إيذاناً باحتلال العراق؟! وماذا جنوا من تفجيرات جزيرة بالي بإندونيسيا مثلاً سوى المصائب الكبرى التي حلَّت بكل ما يمتُّ إلى الإسلام بصلة في ذلك البلد وإيداع المئات السجون ومنع كل ما هو إسلامي؟! وما تفجيرات إسبانيا منا ببعيد. إن هذه التفجيرات كلها لم تنفع المسلمين، وإنما أضرَّتهم، ولم تنفع بلاد المسلمين، بل آذتها، في الوقت الذي نفعت فيه أعداء المسلمين وكلَّ مبغض لدينهم، ويسَّرت لأعداء الإسلام الذريعة تلو الذريعة للتدخل السافر في الشؤون العربية والإسلامية، فتارة يتحدثون عن ضرورة التغيير والإصلاح، وطوراً يدعون إلى تغيير نظم التعليم وإلغاء مؤلَّفات عدة وإيقاف الأعمال الخيرية الإسلامية كافة وغيرها مما يُجانب مصلحة المسلمين. لقد فعل هؤلاء الإرهابيون بالإسلام ما لم تستطعه خلال أربعة عشر قرناً دول ومنظمات عديدة. لذا فلكي نتلافى ما أقحمنا فيه الإرهاب لا بدَّ للدول الإسلامية والعربية من المبادرة إلى الفعل الجاد، وعدم الانتظار لتتقمص دور الضحية، وتأخذ موقف الدفاع عن الدين؛ ليعز مَن يتشرف به، ويذل مَن يستهين به. وعلى الدول والمنظمات الإسلامية أن تبين للدول كافة ما جهلته عن ديننا الحنيف، وتوضح لها خطأ إلصاق الإرهاب بدين بعينه، وإلا كان لدينا إرهاب مسيحي وآخر يهودي، إذا كانت ديانة مرتكبي العمليات الإرهابية هي النصرانية أو اليهودية. ولعل المهمة الماسة تكمن في توضيح معنى الجهاد الذي يتشدق به الإرهابيون، وتفصيل شرعيته، وتحديد ضوابطه، فضلاً عن الاستفاضة في نهي الإسلام حتى في وقت الحرب عن قتل النساء والصبيان والشيوخ والمرضى والرهبان، وتشدُّده في المحافظة على الزروع والضروع) أ. هـ. إن وجود المنحرفين في بعض المجتمعات والأديان لا يعني أن ننسب ذلك إلى المجتمع الموجودين فيه أو الدِّين الذي يقولون باتباعه، فالجميع في هذه البلاد المباركة يد واحدة ضد كل منحرف أو مجرم يريد تدمير بلاده أو دينه، وأطلب من جميع الأمة أن تلتف حول حكامها وعلمائها الربَّانيين من أمثال أعضاء هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء ونحوهم ممن يتمسكون بالكتاب والسُّنة ومنهج السلف الصالح، وأن ينبذوا كل دخيل مندس مغرب وصاحب فكر منحرف والإبلاغ عنه، وكذلك التمسك بالوسطية التي أمر بها الإسلام، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} «البقرة: 143»، وترك الإفراط أو التفريط في دين الله عز وجل، وعدم أخذ الفتاوى من الجهَّال أو حدثاء الأسنان أو أهل الشبهات والشهوات، كذلك تحذير الشباب المستقيم من الاجتماعات السرية أو المشبوهة، والحرص على التزام العلماء المعروفين بالمنهج السلفي الوسطي الذين يريدون الخير للغير ونفع المسلمين، وعدم الاستماع إلى الإشاعات والأراجيف التي ينشرها خفافيش الظلام، سواء في الإنترنت أو القنوات الفضائية الحاقدة أو عبر المنشورات المضللة والكتب المنحرفة والأشرطة الملغمة، ومعرفة أن الالتزام بالدين يعني العلم الشرعي المؤصل والحكمة والفهم الصحيح لمقاصد الإسلام وشرائعه، ونفع المسلم لدينه ووطنه ومجتمعه، ونحو ذلك مما يأمرنا به ديننا الحنيف، وليس معنى الالتزام بالدين الغلو أو تكفير المجتمعات الإسلامية أو الانعزال عن المجتمع أو طلب القتل لمجرد الشهادة في سبيل الله بدون شروطها الشرعية؛ فإن الشهادة لا تكون بقتل المسلم لأخيه المسلم أو معصومي الدماء من المعاهدين أو المستأمنين أو الذميين، وفهم أن الجهاد له ضوابط وشروط لا يكون إلا بها، وقد وضَّح ذلك علماء الإسلام الموثوقون قديماً وحاضراً، ففي الوقت الحاضر من أمثال علمائنا الربانيين الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ عبد المحسن العبيكان، وغيرهم من مشايخنا الكبار حفظهم الله. وأحث شباب الإسلام على الالتفاف حول حكَّام هذه البلاد المباركة، وعدم الاستماع إلى المصادر المشبوهة التي تروِّج حولهم الأكاذيب والافتراءات، فأبوابهم مفتوحة لكل المواطنين بل والمقيمين، وكذلك معرفة أن أمن هذه البلاد هو أمن الإسلام، فالمملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية في جميع نواحي الحياة؛ في القضاء والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، وهذه البلاد هي بلاد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة، ولها فضل كبير في نشر الإسلام والوقوف مع المسلمين في جميع أنحاء العالم، وخاصة المنكوبين والفقراء والمحتاجين، ونشر كتاب الله عز وجل وتوزيعه بالمجان، وكذلك نشر الكتب العلمية النافعة، وكذلك تدريس أبناء المسلمين في جامعاتها، بل حتى فتح المدارس والمعاهد والجامعات في بلدان العالم الإسلامي لتعليمهم تعاليم الإسلام السمحة الوسطية، وكذلك رعاية الحرمين والحج والعمرة والمحافظة على الأمن فيهما، وغير ذلك كثير. فهذه البلاد مستهدفة؛ لأنها دولة الإسلام وحوزته، فيجب أن نكون يداً واحدة ضد الإرهاب ومروِّجي أفكاره والمنفذين له، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، ونسأله أن يهدينا إلى سواء السبيل.
|