* خالد حامد وأشرف البربري (الترجمة): وصف مترجم أمريكي عمل سابقاً في قاعدة جوانتانامو ما يحدث هناك ب(الكارثة) وغير إنساني و غير مجدي ولا فعّال في الحرب على الإرهاب منتقداً احتجاز أناس هناك دون معرفة ما هي علاقتهم بالإرهاب. وأشار اريك سار، مؤلف كتاب (وراء السياج) إلى أن عواقب الإساءة إلى الإسلام التي حدثت في جوانتانامو ستكون وخيمة وستساهم في إذكاء روح الانتقام من الولايات المتحدة لدى المتطرفين. وقال المؤلف: إن حراس جوانتانامو هم ضحية للتضليل من جانب القيادة العسكرية الأمريكية التي صورت لهم مهمتهم بأنها خط الدفاع الأول عن الولايات المتحدة ضد الإرهابيين. وأشار إلى أن حواراً أجراه مع معتقل سعودي ذهب إلى أفغانستان لأهداف ليس لها أي علاقة بالإرهاب، وأن تحالف الشمال سلّمه للقوات الأمريكية، جعله يشكك في قانونية وجود عدد كبير من المعتقلين في جوانتانامو. تخرّج المؤلف إيريك سار من الجامعة عام 1998م وبدلاً من العمل في مجال دراسته تقدم بطلب للالتحاق بالجيش الأمريكي للعمل كمترجم. وخلال السنوات الأربع التالية تلقى تدريباً مكثفاً في اللغة العربية والعمل المخابراتي. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م تطوع للعمل كمترجم في معتقل جوانتانامو. ويرى سار أن جرائم التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان في جوانتانامو كان نتيجة حتمية لذلك المزيج من الفشل الإداري وأشخاص غير مدربين وغياب قواعد محددة لاستجواب المعتقلين ورفض الحكومة الأمريكية الالتزام بنصوص معاهدات جنيف الخاصة بحقوق الأسرى والسجناء والضغوط السياسية على أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية من أجل الحصول على المعلومات المخابراتية عن أنشطة المنظمات الإرهابية من المعتقلين في جوانتانامو. مجلة (ماذر جونز) الأمريكية أجرت مع سار حواراً مطولاً تحدث فيه عن أهم ما تضمنه كتابه وعن تجربته في معتقل جوانتانامو وفيما يلي نص الحوار: *** * اشرح لنا رد الفعل على كتابك سواء لدى الرأي العام، أو لدى هؤلاء الذين عملت معهم في جوانتانامو؟ - الحقيقة أنني تحدثت مع عدد قليل جداً من الأشخاص الذين عملوا في معسكر جوانتانامو. ولم ألتق بأي شخص تقريبا كان راضيا عما كان يحدث هناك. وأغلب من تكلمت معهم كانوا يشعرون أن ما يحدث في حق المعتقلين أمر خطير جداً. ولكن بالطبع لم يكن هناك إجماع بين هؤلاء العاملين على الانتقادات التي وجهتها لذلك المعتقل. وبشكل أساسي فأنا كنت أرى أن معتقل جوانتانامو ككل يمثل فشلا أخلاقياً واستراتيجياً للحرب ضد الإرهاب. وعلى المدى الطويل يمكن أن يكون ضرر هذا المعتقل أكبر من نفعه وبالتحديد يمكن أن يفرز المزيد من الإرهابيين. وظائف * ما هي الوظائف التي شغلتها في جوانتانامو؟ - أول وظيفة شغلتها كانت مع مجموعة تسمى مجموعة عمليات المعتقلين المشتركة. وكنت ضمن فريق المترجمين الملحق بالمجموعة وكنا نقوم بالترجمة للمعتقلين بشكل يومي أثناء تعاملهم مع الحراس أو مع أفراد الخدمات الطبية أو فريق الصحة النفسية. وبعد حوالي شهرين ونصف الشهر تركت العمل في هذا الفريق وانتقلت للعمل في مجموعة المخابرات المشتركة. وهذا يعني أنني أصبحت أقوم بعمليات الترجمة أثناء عمليات الاستجواب. كما أنني قمت بالعديد من الأعمال التي لا أستطيع تقديم توصيف وظيفي لها بالتفصيل. ويمكن القول إنها كانت وظائف إشرافية في فريق مخابراتي. * كتبت تقول:(إن منظمات حقوق الإنسان أدانت هذا المعتقل باعتباره غير إنساني وذلك قبل أن تتجه للعمل فيه.. ولكن أغلب العاملين في حقل المخابرات بمن فيهم أنا كنا ننظر للأمر من منظور مختلف). نرجو أن تشرح لنا معنى هذا الكلام؟ - كنت متفقاً مع ما يعتقده أغلب الرفاق في الجيش الأمريكي وكذلك بعض أفراد القيادة السياسية بأن معتقل جوانتانامو ضروري لحماية الولايات المتحدة بغض النظر عن موقف منظمات حقوق الإنسان. فقد كنت أرى أن حماية أمن البلاد يجب أن يكون مقدماً على أي شيء. وكنت أريد المشاركة في الحرب ضد الإرهاب بأي صورة من الصور لذلك تطوعت بالذهاب إلى معتقل جوانتانامو للعمل هناك. وقد قيل لي إن هذا المعتقل يضم أسوأ أعداء أمريكا. وكان هذا يعني بالنسبة لي أن هؤلاء الأشخاص المعتقلين إما أنهم ساعدوا في التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر أو في التخطيط لهجمات مستقبلية ضد بلادنا. ولكن بمرور الوقت اكتشفت أن الموقف مختلف تماماً عن ذلك التصور. * ما هي رؤيتك للمعتقل الآن؟ - أرى أن هذا المعتقل غير إنساني وأيضاً غير مجدٍ ولا فعّال. فنحن نحتجز أُناساً هناك دون أن نعرف ما هي علاقتهم بالإرهاب. كما أننا لا نستطيع أن نقدم دليلاً على أنهم كانوا أعداء مقاتلين للولايات المتحدة في أرض المعركة في أفغانستان كما صرّح الجنرال الأمريكي ميللر لوسائل الإعلام. وبعض هؤلاء المعتقلين سُلِّموا للولايات المتحدة من جانب حكومات أجنبية ومن تحالف الشمال الموالي للولايات المتحدة في أفغانستان قبل الإطاحة بحكم طالبان والذي كان يحصل على أموال ضخمة مقابل تسليم أشخاص يقال إنهم إرهابيون للولايات المتحدة. ولم تكن هناك أي جهود كبيرة للتحقق من هوية هؤلاء المعتقلين. وإلا كيف نعتقل رجلاً يبلغ من العمر 88 عاماً في جوانتانامو باعتباره واحداً من أخطر الإرهابيين على الأمن القومي الأمريكي؟ كما أننا كنا نعمل بعيداً عن مبادئ معاهدات جنيف المنظمة للتعامل مع الأسرى. والحقيقة أنني رأيت الكثير من الممارسات التي أرى أنها ليست فقط غير أخلاقية وإنما أيضا غير فعالة. ونحن لم نحقق أي فوائد مقابل الثمن الباهظ الذي دفعناه من سمعة الولايات المتحدة في العالم. فأنا لم أعد أدري كيف يمكن لنا أن نقول بعد كل ما فعلناه بالمعتقلين في جوانتانامو إننا نروج الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم؟! مبررات * لو كنا قد حصلنا على معلومات مخابراتية ذات قيمة ولو كان هؤلاء المعتقلين هم الأسوأ بالفعل فهل تعتقد أن هذا كان يمكن أن يبرر الظروف غير الإنسانية في جوانتانامو؟ - حتى لو كنا قد حصلنا منهم على معلومات مخابراتية مهمة ساعدت في حماية الكثير من الأرواح فسوف أظل عند رأيي بأن النظام المتبع في جوانتانامو بهذه الصورة يظل غير مقبول.. لو أننا منحناهم صفة أسير الحرب واتبعنا قواعد معاهدات جنيف ووضعنا نظاماً عادلاً إلى حد ما لكان أصبح لدينا فرصة للدفاع عن أنفسنا وكنا استطعنا تحديد الأشخاص الموجودين هناك بطريق الخطأ. توترات * كتبت تتحدث عن التوترات الكبيرة الموجودة بين مترجمي المخابرات العسكرية وبين الشرطة العسكرية وحراس المعسكر، فهل يمكن أن تلقي المزيد من الضوء على هذه النقطة؟ - الحقيقة أن الحراس يؤدون عملاً فظيعاً. فهم يقفون لساعات طويلة في درجات الحرارة العالية، وقيادتهم تقول لهم عليهم أن يشعروا بالفخر لأنهم موجودون في هذا المكان ويحرسون الأشخاص المسؤولين عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. و هناك خلافات حادة بين المخابرات العسكرية والشرطة العسكرية في جوانتانامو. وأعتقد أن من بين أسباب هذه الخلافات أن الحراس كانوا يرون أن معاملة المعتقلين بأي شكل من أشكال المعاملة المتحضرة هو نوع من التعاطف المرفوض مع هؤلاء المعتقلين. في المقابل فإن مجموعات المخابرات كانت تحاول الحصول على المعلومات من المعتقلين بأي طريقة ممكنة بما في ذلك التعامل معهم في بعض الحالات بطريقة ودودة ومتحضرة. بصورة أكثر تحديدا يمكن القول إن أفراد الشرطة العسكرية لم يكونوا يتحدثون اللغة التي يتحدث بها المعتقلين كما هو الحال بالنسبة لمترجمي المخابرات العسكرية لذلك لم يكن هناك أي تواصل إنساني بين الحراس من الشرطة العسكرية والمعتقلين. في حين أن المعتقلين كانوا ينظرون إلى المترجمين باعتبارهم النافذة التي يطلون منها على العالم الخارجي. ولذلك فقد كان هؤلاء المعتقلون يتعاملون معنا بطريقة أكثر حميمية من الطريقة التي يتعاملون بها مع الحراس ربما لشعورهم بأنهم يحتاجون إلينا. عدوانية * كيف يمكن إذن أن نغيّر شكل العلاقة بين الحراس والمعتقلين بحيث تتراجع عدوانية هؤلاء الحراس تجاه المعتقلين؟ - أعتقد أنه يمكن البدء بالمزيد من التدريب لهؤلاء الحراس بحيث تكون رؤيتهم لمهمتهم رؤية واقعية. فهؤلاء الحراس ضحية للتضليل من جانب القيادة العسكرية الأمريكية التي صورت لهم مهمتهم بأنها خط الدفاع الأول عن الولايات المتحدة ضد الإرهابيين. وأنا أعتقد أن القيادة الأمريكية نفذت خطة مدبرة لتجريد المعتقلين من هويتهم الإنسانية بحيث يسهل بعد ذلك إقناع الحراس بممارسة كل أشكال الانتهاك والتعذيب ضدهم. فهم ليسوا بشراً وليست لهم أي حقوق إنسانية. وربما لا تكون لدي خبرة كبيرة بطريقة عمل الجيش أو المؤسسة العسكرية ولكنني بصفة شخصية أعتقد أن ما نقوم به في جوانتانامو ليس له ضرورة. وكان يجب علينا أن نقول لحراس المعتقل (نحن بالفعل نحاول الحصول من المعتقلين على أي معلومات لديهم يمكن أن تحمي أرواح الأمريكيين ولكن علينا في الوقت نفسه أن نكون مدركين لحقيقة أن أيا من هؤلاء المعتقلين لم يدان بأي جريمة حتى الآن. وأن بعض هؤلاء المعتقلين سوف يعودون إلى بلادهم لأننا سنكتشف أننا اعتقلناهم بطريق الخطأ لذلك يجب معاملتهم باحترام. شكوك * متى بدأ يساورك الشك في حقيقة أن كل هؤلاء المعتقلين أشرار -كتبت عن قصة حوار لي مع أحد المعتقلين قبل أن ألتحق بفريق المخابرات في المعتقل. فقد قال لي: إنه سعودي، وأنه ذهب إلى أفغانستان لأهداف ليس لها أي علاقة بالإرهاب، وأن تحالف الشمال سلمه للقوات الأمريكية. وكان هذا الحوار أول بذور الشك في نفسي، لأن الرجل كان يبدو صادقاً بالنسبة لي رغم اقتناعي بأنني لست في موقف يتيح لي معرفة الحقيقة كاملة. ولكنني بدأت أفكر ماذا لو كان هذا الرجل يقول الحقيقة؟ وكان هذا في ثاني شهر لي في المعتقل. وبعد أن انتقلت إلى مجموعة المخابرات المشتركة في المعسكر بدأت أطلع على المعلومات المخابراتية وبدأت أسأل نفسي ما إذا كان من المقبول الإبقاء على أشخاص لا يجب أن يكونوا هنا رهن الاعتقال. صدمة * ماذا كان أكثر شيء أصابك بالصدمة لدى وصولك إلى جوانتانامو؟ - أكثر شيء أصابني بالصدمة هو ذلك العدد الضخم من المعتقلين الذين كانوا يؤكدون للمترجمين أنهم أبرياء، وأنه لا يفترض أن يكونوا هنا. كما أن الظروف التي يعيش فيها المعتقلون أسوأ من تلك الظروف التي تعيش فيها الحيوانات في حديقة الحيوان. وحاولت إقناع نفسي بأن هذا الأمر ضروري حتى يمكن السيطرة عليهم. فقد كنت حريصاً على ألا يتأثر أدائي لواجبي بما أرى. ولكن الشك بدأ يتسرب إلى نفسي عندما وجدت نفسي أتساءل ماذا لو أن القصص التي نسمعها من المعتقلين عن براءتهم حقيقية. فكيف لنا أن نتحمل وزر معاملة أبرياء بهذه الطريقة التي لا تصلح أصلاً لمعاملة المجرمين؟ وإذا لم يكن لدى هؤلاء المعتقلين أي معلومات ذات قيمة لنا فما هو الغرض مما نفعله بهم؟ تجاوزات * حدِّثنا عن كيفية إدارة المعتقل؟ - لقد كان المعتقل يدار بطريقة مروعة. فقد كانت هناك مساحات رمادية كثيرة بين ما هو صواب وما هو خطأ. الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام التجاوزات والانتهاكات بدون حساب. بل إن أفراد الشرطة العسكرية لم يكن لديهم أي دراية بكيفية التعامل مع المصحف (الشريف) عندما يفحصونه أو يفتشون المعتقلين أو عندما يكون من المفترض أن يستدعوا مترجماً مسلماً للقيام بهذه المهمة. كما أن عدداً كبيراً من المحققين لم يكن لديهم أي فكرة عن القواعد والخطوط التي تحكم عملية الاستجواب. والحقيقة أن هذا الأسلوب كان مقصوداً من جانب القيادة، لإطلاق يد المحققين. وأعتقد أن القيادة الأمريكية كانت تدرك تماماً حتمية حدوث التجاوزات التي وقعت في هذا المعتقل نتيجة لتلك السياسة الرمادية التي تبنتها القيادة بهدف منح المحققين الحرية في ابتكار وسائل استجواب جديدة للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات. استجواب * ما الذي أقنعك بأن القيادة العليا أرادت خلق هذه البيئة التي تجعل المحققين أكثر إبداعاً وابتكاراً في استجواب المعتقلين؟ - أول هذه الأسباب الاجتماع الذي عُقد ليشرحوا لنا عبر عرض تقديمي باستخدام برنامج كمبيوتر (باور بوينت) أن معاهدات جنيف لا تنطبق على هؤلاء المعتقلين. وقالوا لنا: إن هذا يعني أن هؤلاء المعتقلين ليسوا أسرى حرب، وإنما هم أعداء مقاتلون أو معتقلون لأن طالبان لم تكن حكومة معترف بها وأنهم لم يحترموا قواعد الحروب، ولكن هذا الكلام ترك مساحة كبيرة من الغموض في كيفية التعامل مع هؤلاء المعتقلين بشكل يومي. السبب الثاني أنني حضرت استجواباً مع إحدى المحققات التي استخدمت الإثارة الجنسية للضغط على المعتقل ثم جاءت بحبر أحمر وسكبته على وجهه وقالت له: إنه دم حيضها!! ولم أشعر ساعتها أن هذه المحققة تفعل شيئاً ترى أنه خارج نطاق المسموح به. كما أنني علمت من مترجمين آخرين عملوا مع محققين آخرين أن الأساليب الجنسية كانت تستخدم بانتظام أثناء استجواب المعتقلين. وقد سألني البعض (لماذا لم تحاول أن تفعل شيئا حيال ذلك؟) وأنا أقول: إنني كنت مدركاً تماماً أنني لو ذهبت إلى قائد هذه المحققة فلن أخبره بشيء لا يعلمه بالفعل. فما فَعَلَتْهُ المحققة لم يكن سراً بأي حال من الأحوال. شعائر * كتبت في كتابك أنك عندما وصلت لأول مرة إلى جوانتانامو شعرت أن الأذان للصلاة، والكتب التي كانت لدى بعض المعتقلين، كانت تبدو لك باعتبارها نوعاً من التطرف الديني فهل ظلت هذه القناعة لديك فيما بعد؟ - بعد مرور عدة أشهر على وجودي هناك أدركت أن ما يفعله هؤلاء المعتقلين من الأذان، والصلاة، ركن أساسي من أركان دينهم وأنه من حقهم ممارسة شعائرهم الدينية إذا كان لنا أن ندّعي أننا دولة متحضرة تسمح للإنسان بحرية الاعتقاد. إهانة * هل تعتقد أنه كان هناك تعمد إهانة الإسلام في جوانتانامو؟ - كلا. لا أستطيع القول إن هذا كان موقفاً عاماً في المعسكر. ولكن كانت هناك أجزاء من المعسكر تُمارس فيها إهانة الإسلام، وتحقيره أمام المعتقلين. وحتى إذا أقنعني أحد بأن هذه الممارسات مفيدة في الحصول على المعلومات من المعتقلين فسوف أتمسك بموقفي القائل بأنه لا يوجد أي مبرر لامتهان دين إنسان لأن هذا سيكون له رد فعل سيئ للغاية. فروقات * اشرح لنا الفرق بين عمليات الاستجواب التي كانت تقوم بها (جهات حكومية أخرى) مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو وكالة المخابرات المركزية، وغيرها وبين الاستجوابات التي كان يقوم بها عناصر وزارة الدفاع الأمريكية؟ - بشكل عام، المحققون التابعون لجهات حكومية أخرى الذين عملت معهم كانوا يحاولون إيجاد علاقة ما مع المعتقلين وفهم ثقافتهم حتى يمكن الحصول على المعلومات، ثم يذهبون ويتبادلون المعلومات مع محققين آخرين ويقارنون بينها ويعودون إلى المعتقلين مرة أخرى للحديث معهم. أما المحققون العسكريون فكانون يعتمدون على الإرهاب ومحاولة كسر إرادة المعتقل وإخضاعه لهم لاستخلاص المعلومات منه. * وأي الأسلوبين كان أنجح من وجهة نظرك؟ - في ضوء تجربتي، أستطيع القول إن الجهات الحكومية الأخرى كانت أنجح من المحققين العسكريين. على سبيل المثال، انتقد محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي الكثير من أساليب الاستجواب المستخدمة في المعسكر من جانب المحققين العسكريين. وقد علمت أنهم أثاروا هذه القضية مع قيادة المؤسسة العسكرية الأمريكية. وكان هؤلاء المحققون يرون أن ما يفعله العسكريون يحرق الجسور التي يمكن لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي العبور عليها إلى المعتقلين للحصول منهم على المعلومات المطلوبة. وقد كان أغلب محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي في جوانتانامو قد عملوا لسنوات عديدة في إدارة مكافحة الإرهاب. وكنت أشعر أن لديهم قدراً من الخبرة في التعامل مع المعتقلين وأنا كنت مندهشاً لأننا لم نأخذ ملاحظات عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي عن معاملة المعتقلين وطرق استجوابهم مأخذ الجد. ولكنني أعتقد أن كل هيئة حكومية أمريكية لا تريد أن يقول لها أشخاص من هيئة أخرى، كيف تؤدي عملاً ما، حتى لو كانت النصيحة صحيحة. * قلت في كتابك بالنسبة لواقعة سكب المحققة لحبر أحمر على وجه المعتقل وإبلاغه بأنه دم حيض: إنها فعلت ذلك حتى تمنعه من الصلاة باعتبار هذه الصلاة مصدر قوة بالنسبة له وأنها هددته بقطع المياه عن زنزانته حتى لا يتمكن من التطهر والصلاة. من خلال تجربتك، هل نجحت هذه المحاولة في كسر إرادة المعتقل وأدلى بمعلومات ذات قيمة؟ -لم تؤدِ هذه الطريقة إلى أي نتيجة إيجابية ولا أعرف أحداً وجد نتيجة إيجابية لهذا الأسلوب. ولكنني أدرك أن هناك أشخاصاً يتصورون أنها طريقة فعالة، وأنا لا أعرف في الواقع كيف نقبل باستمرار مثل هذه الممارسات؟! * ما هو الأسلوب الذي يستخدم على نطاق واسع في استجواب المعتقلين في جوانتانامو ورغم ذلك لم يحقق نجاحاً؟ - الحقيقة ليس لدي إجابة مفيدة بالنسبة لهذا السؤال. احترام الأديان * ما هي الطريقة المثالية التي يجب أن يتعامل بها المحققون والمعنيون بمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة مع المعتقلين المسلمين؟ - أعتقد أنه يجب احترام الدين مهما كان هذا الدين أثناء عمليات جمع المعلومات المخابراتية. وأعتقد أن عدم احترام دين الآخرين سوف يسبب أضراراً كبيرة لنا على المدى الطويل. فعندما نريد كأُمة استخدام الدين ضد الآخرين فهذا يعكس صورة سلبية للغاية عنا. وأعتقد أننا نبدو أمام العالم كمنافقين عندما نتحدث عن ضرورة نشر الديموقراطية والتسامح والحرية ثم يرانا العالم ننتهك دين الآخرين ونهينه. وأعتقد أن استمرار هذا الأسلوب غير الإنساني وغير الفعال لن يؤدي إلا إلى ظهور جيل جديد من المتطرفين الذين يكرهون أمريكا ومستعدين للموت في سبيل إلحاق الأذى بها انتقاماً لما ألحقته بدينهم من إهانة وتحقير. حالات انتحار * ذكرت أن محاولات الانتحار في صفوف المعتقلين تفوق بكثير العدد الذي ذكره البنتاجون فما هو معدل هذه الظاهرة بالفعل؟ -عندما كنت في هذا المعسكر كانت محاولات الانتحار تحدث بشكل منتظم. ويمكنني القول: إن معتقلاً واحداً كان يحاول الانتحار كل أسبوع على أقصى تقدير. فالمعتقلون يشعرون باليأس تماماً. وبعضهم يعتقد أن الأمر سينتهي بإعدامه. والحقيقة أن هؤلاء الذين أبدوا أكبر قدر من الصلابة، والذين كانت لديهم بالفعل معلومات تقول إنهم كانوا أعضاء في منظمات إرهابية لم يحاولوا الانتحار، لأنهم كانوا يرون أن أوضاعهم هي نتيجة طبيعية لقرارهم (بالجهاد) ضد الولايات المتحدة. ولكن البنتاجون يرى أن هذه المحاولات ليست إلا وسيلة من جانب المعتقلين لجذب الانتباه إليهم. وقد وصف البنتاجون بعض محاولات الانتحار بأنها (جرح نفسه بطريقة مخادعة). مغادرة * ذكرت في كتابك أن بعض العاملين في جوانتانامو لم يكن لديهم أي فكرة عن موعد مغادرتهم المعسكر. فكيف كان ذلك يؤثر على المناخ العام في المعسكر؟ - أعتقد أن هذا كان له تأثيره السلبي على الروح المعنوية للعاملين في المعسكر. فقد كان الأمر صعبا بالنسبة لنا. ففي حين لم يكن لدينا أية فكرة عن موعد عودتنا إلى الولايات المتحدة، كان أصدقاؤنا قد غادروا للحرب في العراق. وأعتقد أن المؤسسة العسكرية استغلت القاعدة التي تقول: (لا يجب أن يشكو الجندي) للتستر على التخبط وغياب التنظيم في إدارة عمليات المؤسسة العسكرية. وقد قيل لبعض المترجمين والمحققين، إنه إذا لم تتمكن المؤسسة العسكرية من توفير البديل لهم فلن يعودوا إلى بيوتهم وسيبقون في جوانتانامو إلى أجل غير مسمى. مسؤولية * قلت أن المناخ غير المنضبط للعمل في جوانتانامو أدى إلى المزيد من أساليب الاستجواب المثيرة للجدل. فهل تعتقد أن هذا المناخ كان مقصوداً من جانب القيادات العليا أم أنه كان مجرد نتيجة للغموض وغياب النظام؟ -أعتقد أن قواعد الاستجواب لم تكن محددة بشكل واضح وأن هذا كان مقصوداً. فهذه القيادة كانت تفعل ذلك لتجعل من المحققين والمستجوبين كبش فداء في نهاية الأمر إذا أدت تلك الأساليب غير القانونية في الاستجواب إلى مشكلات. ولذلك فأنا أرى أن هذه القيادات وحتى أعلى مستوى مسؤولة عن كل ما حدث من انتهاكات وتجاوزات في حق المعتقلين في جوانتانامو. تنفيذ الأوامر * لماذا لم تتحدث إلى الجنرال ميللر قائد المعسكر عن مخاوفك وملاحظاتك تجاه التجاوزات والانتهاكات؟ - الحقيقة لم يكن من المتصور أن يتحدث جندي صغير إلى جنرال عن اعتراضاته ومخاوفه فهذا لا يحدث في الجيش. وقد سُئِلت كثيراً لماذا لم أعترض على الأشياء التي كنت أراها وأرفضها. وأعتقد أن الكثيرين ليست لديهم فكرة عن كيفية سير الأمور في الجيش. ودعنا نتحدث عن لينداي إنجلاند المتهمة بتعذيب الأسرى في سجن أبو غريب بالعراق. فهي مجرد مجندة ذات رتبة صغيرة جداً. وأعتقد أن كل ما تعلمته هو ضرورة تنفيذ الأوامر في إطار القانون. وكلنا نتعلم ذلك في الجيش وأن ننفذ الأوامر في إطار القانون ولكن المشكلة أن أحداً لا يهتم بتعليمنا ماذا تعني عبارة (إطار القانون). فهل معنى ذلك أنني أقول إن إنجلاند لم تكن تعلم أن ما تفعله في السجناء خطأ. بالطبع لا، فهي كانت تعلم أن ما تفعله خطأ. لكنها في الوقت نفسه تعلم أن مخالفة أوامر القائد خطأ. والحقيقة أننا في الجيش نتدرب على تنفيذ الأوامر عندما نجد أنفسنا غير قادرين على تحديد بدقة ما إذا كان الأمر صحيح أم خطأ. فمن غير المقبول عندما يساورك الشك في أمر ما صدر إليك أن تتجه إلى قائدك وتبلغه بمخاوفك. تعديل العقلية * ما رأيك في هذه العقلية وهل تعتقد أنه يجب تعديلها؟ - لا أعتقد أنه من الضروري تعديل هذه العقلية العسكرية. فمن وجهة النظر العسكرية يجب أن تكون طاعة الأوامر هي الأساس في كل شيء. فلا يمكن السماح لصغار الجنود والضباط بالسؤال عن كل شيء وإلا فسوف نجد أن الجميع ترك العمل وتفرغوا لعقد حلقات نقاش وهو أمر لا يتسق مع طبيعة المؤسسة العسكرية ولا واجباتها. ولكن ربما يكون المهم هو أن تتمتع القيادة بأكبر قدر من المصداقية والقدرة على تحمل مسؤولية الأوامر التي يصدرونها وينفذها آخرون. ولعل هذا هو السبب الذي دفعني إلى تحميل القيادة العسكرية مسؤولية ما حدث في جوانتانامو وليس صغار الجنود والضباط. * هل تعتقد أن الدوافع السياسية كانت وراء ما حدث في جوانتانامو بشكل عام؟ - أعتقد أنه كانت هناك ضغوط سياسية قوية تمارس على المحققين من أجل الحصول على أكبر قدر من المعلومات من المعتقلين بأي وسيلة وهو ما فتح الباب أمام أعمال التعذيب والانتهاكات المختلفة. * من خلال تجربتك.. هل يمكن القول أن أعمال التعذيب مثل الحرمان من النوم، وتجريد المعتقلين من ملابسهم، واستخدام الكلاب في إرهابهم، كانت تستخدم كأساليب استجواب بشكل منظم؟ أم أنها كانت أعمال فردية من جانب محققين غير مدربين؟ - القرار الأساسي باستخدام أساليب استجواب يعلم الجميع أنها تنتهك معاهدات جنيف، صدر من أعلى مستوى قيادي في البلاد. وكانت هناك مذكرات رسمية تسمح باستخدام هذه الأساليب. ويمكن للإدارة الأمريكية أن تخرج علينا وتقول إن هذه الأساليب كان مسموحاً بها لكن المحققين تجاوزوا الحدود المسموح بها وعليهم تحمل مسؤولية هذا. ولكنني أعتقد أن من أوجد هذا المناخ الذي سمح بكل هذه الجرائم يتحمل مسؤولية ما حدث. كارثة * ما رأيك في التحقيقات التي يجريها الجيش الأمريكي بشأن تعذيب المعتقلين حتى الآن؟ - ربما لا يتفق معي كل زملائي فيما وصلت إليه وهو أن ما يحدث في جوانتانامو كارثة. ولكن على الأقل لم أجد إنساناً واحداً يقول: إننا نقوم بعمل عظيم هناك أو أن ما نفعله في جوانتانامو يجب أن يكون مثالاً يحتذى به. ولكن لا أرى أن تحقيقاً رسمياً يمكن أن يصل إلى النتيجة التي توصلت أنا إليها. إدانة * هل تعتقد أن التقارير التي ستُعدها لجان التحقيق سوف تُدين من يستحق الإدانة؟ - بالتأكيد لا. فالتقارير سوف تنتهي إلى القول بأن ما حدث مجرد أخطاء من الصغار، وأنهم وحدهم يتحملون المسؤولية. ولكن من وجهة نظري كجندي سابق فإن القيادة العليا هي المسؤولة عما حدث. فهي مسؤولة عن إهمالها في تدريب الجنود بالصورة المناسبة للقيام بواجباتهم. وقد وجدنا أن القائد في فضيحة أبو غريب تلقى خطاب توبيخ فقط، في حين أن المجندة ذهبت إلى السجن. والعدالة تقول إنه عندما تكون قائداً فأنت مسؤول عما يفعله مرؤوسوك. * ما رأيك في أسلوب الجيش الأمريكي في إدارة معتقل جوانتانامو؟ - كما ذكرت فإن القيادة العليا تدرك أنه بإيجاد حالة من الغموض المقصود في القواعد والتعليمات يمكنهم الهروب من أية مساءلة. فإذا حدث تحقيق في واقعة تعذيب يمنكهم القول ببساطة إن تعليماتهم لم تتضمن أبداً السماح بالتعذيب. وبالتالي يتحمل الصغار المسؤولية بمفردهم. فالقادة غالباً لديهم طرق للفرار. وأسهل طريقة أمام الجيش للتعامل مع فضائح أبو غريب، أو جوانتانامو، أو أي فضائح أخرى، هي استخدام الجنود وصغار المسؤولين كبش فداء. وهؤلاء القادة قادرون دائماً على تقديم مبررات لما ارتكبه الصغار من أخطاء خارج مسؤولية هؤلاء القادة لأنهم هم الذين يحددون القواعد التي تخدمهم في النهاية قبل أي أحد آخر. ولكن الخطورة الأساسية في هذا الأسلوب هو فقدان الجنود الثقة في قيادتهم وهو أمر شديد الخطورة في المؤسسة العسكرية. * أخيرا لماذا ألّفت هذا الكتاب؟ - الكثيرون اتهموني بعدم الوطنية لأنني وضعت هذا الكتاب. وهؤلاء قالوا: إنني أسأت لوطننا. ولكن هذا ليس حقيقياً على الإطلاق. فقد ألّفتُ هذا الكتاب لأنني أحب وطني. وأردت أن أقدم صورة لما يحدث في جوانتانامو من وجهة نظري بهدف الإصلاح. كما أنني ألّفتُ هذا الكتاب لكي أُنبه إلى الكثير من الأخطاء التي ارتكبناها ونرتكبها في الحرب ضد الإرهاب، وهي الأخطاء التي يمكن أن تكلفنا الكثير إذا لم نسارع بإصلاحها.
|