إن موضوع قيادة المرأة للسيارات والمركبات موضوع يُثار في بلادنا السعودية بين الفينة والأخرى من هنا وهناك، تأثراً أو مشاركة للظروف المحيطة أو العالمية.ولهذا الموضوع أبعاد عديدة علمية شرعية، واجتماعية، وأمنية، واقتصادية وثقافية.لكن أهم هذه النواحي: البعد العلمي الشرعي، والمرجع فيه إلى علماء الشريعة الذين أُمرنا شرعاً وديناً بالرد إلى استنباطهم في آية من سورة النساء خرجت مخرج الذم والمعيبة للمنافقين وأشباههم، في قوله عز وجل: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}ومدخلاً لهذا الموضوع ألفت الانتباه إلى أصل عظيم من أصول الشريعة يدركه جيداً أهل العلم ويغيب عن عوامهم، وهذا المدخل أن المحرمات في الإسلام نوعان: 1- محرم منصوص على تحريمه، كتحريم الخمر والميسر والربا والزنا وغيرها. 2 - محرم مستنبط تحريمه فلم يرد فيه نص بخصوصه، كالمخدرات - مثلاً - فهي محرمة بالقياس على الخمر والمسكرات، ولا أظن عاقلاً يجادل في تحريم الأفيون حيث لم يرد على تحريمه نص صريح! إلا إن كان مكابراً أو متجاهلاً مفاسده الخطيرة. ومن هذا الباب ما يتعلق بما أفتى به كبار العلماء، أكبر المرجعيات العلمية الشرعية في بلادنا. في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وتعيناً في سماحة الشيخين: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين - رحمهما الله - ومن بعدهما من كبار العلماء وفحول المتخصصين في فقه الإسلام، حيث أفتوا بتحريم قيادة المرأة للسيارة. وهذا التحريم مأخذه ومناطه لآثاره الفاسدة، وذرائعه الخطيرة على المرأة المسلمة في بلادنا ومجتمعنا. فالتحريم إذن مناط بوسائله لا لذاته.معلوم أن الوسيلة في حكمها وأثرها دائرة مدار الغاية والمقصد. كما في القواعد الفقهية:
وسائل الأمور كالمقاصدِ واحكم بهذا الحكم للزوائدِ |
ولهذا انتدب لبيان حكم قيادة المرأة للسيارة أعلى الهيئات العلمية: في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، واتفق عليه كبار المفتين في بلادنا. وهذا ما أدَّاه نظر أهل الإنصاف والعدل والعقل في رد البت في هذا الموضوع وأمثاله إلى علماء الشريعة في هيئة كبار العلماء - وقد صدر قرارهم بحرمة قيادة المرأة للسيارة - احتراماً للاختصاص، وعم تطاول غير المتخصصين على حكمهم، كما أن لا مانع من دراسة الآثار الأمنية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية والأسرية من لجان وهيئات ذات اختصاص لهذا الموضوع..هذا ومما يؤيد تحريم قيادة المرأة للسياراة عدد من المآخذ الواقعة والتي لا بد من اعتبارها وتأثيرها في الحكم، ومنها: 1 - أن قيادة المرأة للسيارة سبب رئيس لخروجها من بيتها الذي أُمر نساء المؤمنين بالقرار به في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}الآية. 2 - أنه سبب مباشر لسفر المرأة بلا محرم يرعاها ويصونها وفي الصحيحين قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم). 3 - أنه ذريعة لإهدار حرمتها وكرامتها بتعرضها للسفهاء واللئام، أو تعرضها هي للرجال بالأذى والمغازلات والمعاكسات، فإذا قادة البنت والمرأة السيارة لوحدها تحققت هذه الذريعة الواقعة لا محالة للفاحشة، والله - عز وجل - نهى عن قرب الفاحشة فكيف عن الوقوع فيها! قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} 4 - الأبعاد الأمنية المتعددة لقيادة النساء للسيارات في حفظهن ومتابعتهن.. إلخ. 5 - وجود الازحام المؤذي في المدن الكبيرة كالرياض وجدة مثلاً بدون قيادة المرأة للسيارة، فكيف لو قادت بنفسها!؟ 6- الأثر الاجتماعي في تضييع المرأة زوجة أو أماً أو بنتاً لبيتها ومن تعول من الأزواج والأولاد والبنات، هذا إذا سلمت من التسكع في الشوارع كما نراه من بعض الشباب. 7 - قيادة المرأة للسيارة يسبب عبئاً اقتصادياً على الدولة وعلى ولي أمرها بل عليها نفسها. 8 - كذلك يلزم لقيادتها، إخراج رخصة قيادة خاصة بها تشمل صورتها - كذا وجود كادر أمني ومروري من النساء ثم إسعافات نساء.. وهكذا. 9 - إذا قادت السيارة النساء صارت مشاركة بنفسها، أسواق بيع السيارات وحراجها ومدرستها وصيانتها، وسجون توقيف المخالفات في القيادة.. مما يشكل أعباء كثيرة. 10 - وهناك أثر ثقافي واجتماعي لخروج المرأة قائدة للسيارة، وانفرادها عن قوامة الرجل عليها.ولعل هذا هو حجر الزاوية في الموضوع ممن ينادي ويطالب بقيادة المرأة للسيارة. * ما قياس جواز قيادة المرأة للسيارة بركوبها الإبل وسفرها عليها قديماً، فلا أدري أي قياس علمي صحيح يسوغ هذا حيث ذا من القياس الباطل المبني على الفارق الكبير. * وشبهة الاستغناء بقيادة المرأة للسيارة عن السائق الأجنبي فهي نظرية فقط لا حظ لها من الواقع، بدليل حاجة الرجال الذين يقودون السيارات إلى هؤلاء السائقين بلا حاجة ضرورية، وسيبقى السائقون لدى البيوتات حتى مع قيادة المرأة لو حصلت - كما هو الحال في بقاء الخادمات والمربيات تماماً. وواقع الحال يشهد به، ومن استشهد بقيادة المرأة للسيارة في الدول المجاورة فليراجع هذه الشبهة فيما يتعلق بالخدم والحشم والمربيات وبقاءهن في البيوت.فالعبرة ليست بقيادة المرأة، وإنما العبرة في الخدم والحشم إلى الترف المعيشي تناسباً عكسياً وطردياً. * وفتح الباب لقيادة المرأة للسيارة يُفضي ولا بد إلى دعاوى تحرير المرأة بخروجها عن طبيعتها اللائقة بها ديناً وخلقاً وشعوراً، كما نسمعه الآن من رياضة النساء والمشاركة، والمسابقات العالمية في الرياضة بأنواعها، وكشف جسمها والسفور.. إلخ.وأعظم ذلك خروجها عن قوامة الرجل، الأب، والزوج والولي والله - عز وجل - يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}ثم أما بعد: فأعيد على بدء بإرجاع هذه الأحكام والنوازل إلى المتخصصين من علماء الشريعة وذوي الفتوى فيها. ولا يجوز ابتذال الموضوع لولوغ غير المؤهلين والمتخصصين بالشريعة فيه، ولو حملوا الشهادات العليا في علوم وفنون أخر، ومن الأدب احترام التخصص، بل هو دين في شريعتنا، أحكام الحلال والحرام، والله - عز وجل - يقول في آية النحل: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}والله - سبحانه وتعالى - المسؤول أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعلي كلمته وينصر دينه ويخذل أعداءه ويحفظ علينا ديننا واجتماعنا وعوارتنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
|