.. هذا الظلام يحاصرني.. أتنفس بعمق.. والخوف يغتال بقايا طمأنينة كانت تعبث داخلي.. تيار الهواء البارد يشاجر هذا الستار المرتخي على شباك حجرتي.. وضوء شمعتي الخافت يرتجف تماماً كأنفاسي.. لا شيء يستهويني.. الكل هنا يكتنفه الصمت.. سوى عقارب ساعة ترصد مراحل الضعف داخلي.. تلك الشجون الراقدة استيقظت.. .. كل الأطلال التي خلفت امتعاضة الفقد.. كانت لحظات ماتعة.. أنتشي لها طرباً.. وتلك المآسي التي أردت فؤاداً يشكو الهوان والضعف.. أطياف من الذكريات استرجعتها جيداً.. كانت بمثابة النذير لي.. أربكت الصمت داخلي.. أرسلت في حجرتي المظلمة بنداء يتيم.. لست أعلم ما هي مفردات هذا النداء..؟ وماذا كنت أردد.. خيوط الفجر انسابت هادئة من نافذتي.. فتحت عيني على هذا الضياء.. انبثقت من شفتي ابتسامة يتيمة بعثرت هموم أثقلت كاهلي.. نهضت من فراشي حيث الضياء.. أردت أن استلهم شيئاً منه.. وأتنفس هواء قريتي البكر.. بعثت لها بتحية الصباح.. وبادلتني التحية ذاتها.. وهي تعلم جيداً أنني أعشقها كأجمل ما يكون العشق.. وأقبل ثراها الطاهر كل مساء.. فهي بقعة تستقي طهرها من هذا الوطن الشامخ.. تتسم قريتي بحياتها الريفية الرائعة.. وتنام قريتي باكراً.. لكن ضياء المنابر يزين سماءها.. وصوت الحق ينبثق منها ليحطم السكون ويعطر الأجواء. لا شيء تنفرد به قريتي عن قريناتها.. سوى أنها بقيت على جمالها الفطري. فلم تكتسِ من ألبسة المدنية ما يضيف لجمالها.. فنسيمها العليل يحمل عوالق العشب الأخضر إذا ما بسط الربيع رداءه.. وإذا اكتمل بدراً.. فهي الليالي الحالمة التي يحلو بها السمر.
|