* جدة - صالح عبدالله الخزمري: أسدلت جماعة حوار نشاطها لهذا الموسم التنويري بعد جهد متواصل استمر قرابة الثمانية أشهر طرحت فيه أربع عشرة ورقة حول خطاب التنوير النقدي والإبداعي للأدباء والنقاد المعروفين: د.عبدالعزيز السبيل، د.محمد ربيع، د.محمد شريم، د.معجب الزهراني، د.عوض القرني، د.أبوبكر باقادر، د.سعد البازعي، د.لمياء باعشن، د.حسن النعمي، علي الشدوي، سحمي الهاجري، حسين بافقيه، سهام القحطاني، محمود تراوري. وغاب الناقد الكبير د.عبدالله الغذامي الذي كان مقرراً أن يختتم نشاط الجماعة بورقة حول دلالات التنوير النقدي والإبداعي. ليلة النظر في حال التنوير د.حسن النعمي رئيس جماعة حوار قال في كلمته الختامية: تأتي هذه الجلسة الختامية كمراجعة شاملة لما أنجزته جماعة حوار من قراءات ومراجعات حول خطاب التنوير النقدي والإبداعي في المملكة على مدى مواسم كامل، وبدءاً نقول إن التنوير الذي ننشده ليس الخروج على الثابت، بل التماهي مع هذا الثابت وعياً، وفهمه وفق تعددية تسمح بحضور أطياف المجتمع حول قاسم مشترك بدا أنه غائب عن مجتمعنا، ولعلنا الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى أن نقرأ ملامح التنوير في صبواته وانكساراته حتى نتبين مأزق الخطاب وطبيعة الصراع. لا شك أن التوتر الحاد بين ثقافة التحديث وثقافة المحافظة هو أحد أسباب الأزمة، فقد شكلت جلسة (الحداثة بين خطابين) عمق الأزمة ليس في مستواها الأدبي فذلك مجرد مظهر خارجي، بل في دلالة التمترس ورفض الآخر وعدم القبول بالتعددية، ولعل الأجندة العالمية الآن تركز كثيراً على التعددية وحقوق المرأة وقبول الآخر، وهي أمور ما كان يجب أن تسبب لنا قلقاً لأن أصل التنوير موجود أصلاً في الإسلام، لكن أوحادية التأويل ضيقت واسعاً حتى غدا مثل سم الخياط، وهو ما جعل العالم يطالبنا قبل الدخول إلى المجتمع الكوني أن نتخفف من بدانتنا الفكرية حتى ندخل برشاقة إلى مضمار العالم الذي قد لا يكون لنا إلا شرف الحضور في المحفل العالمي دون تأثير يذكر، ولعل مناقشات منظمة التجارة العالمية والفرحة الإعلامية التي عبرت عنها الصحف عقب موافقة أمريكا على إعطائنا الضوء الأخضر لحسم الخلاف حول الانضمام إلى المنظمة مؤشر على ضرورة تكيفنا مع معطيات الواقع، الحياة الاجتماعية بمفهوم العولمة لم تعد خصوصية كما نحب أن تبقى، فهي مخترقة حتى لو ادعت المحافظة الشكلية، فالسماء تمطر صوراً تلفزيونية مؤثرة في الفكر، ومثيرة للغرائز، وشبكة الاتصال العنكبوتية ألغت فرضية المركزية، وجوال الكاميرا ألغى الخصوصية، فكيف نجرم التنوير الذي يسعى للبناء ونشيد بالمحافظة التي تخسر كل شيء لأنها لم تهيئ الأفراد إلا لمزيد من الخوف والجهل والشك وكره الآخر. التنوير صيانة للعقل، وتجديد لمفهوماته ومسلماته التي لا تنسجم حتى مع مفهوم التعددية التي جاء بها الإسلام. إذا لم يكن من فضيلة لمحور التنوير الذي قدمته جماعة حوار إلا الكشف عن تاريخ حركة التنوير وصراع القوى الاجتماعية المختلفة في تثبيت العقل على مقولات جاهزة لا تنتمي للعصر، أقول إذا لم يكن من فضيلة إلا إثارة أمر التنوير الذي يلخص أزمتنا، فإن ذلك يدفعنا إلى مزيد من التأمل في الظاهرة من جوانب أخرى تكرس حتمية الحوار مهما كان حجم اختلاف، إننا مطالبون بمراجعة العقل الذي يعرفه العالم الآن بوصفه حاملاً لجرثومة الإرهاب بكل ما يعني من رفض للتعددية وإقصاء للرأي الآخر، نعم نحتاج إلى مراجعات مؤسسية لا فردية فقط من أجل فهم الإشكالية ومعالجتها، بدءاً من مناهج التعليم وانتهاءً باحترام الرأي الآخر. حركات التنوير مالها وما عليها فيما اعتبر عضو جماعة حوار د.محمد الحربي أنه رغم الحاجة الماسة لحركات تنوير منظمة للرقي بالمجتمع وطريقة تفكيره لمواكبة العالم المتحضر في إطار شرعي لا متطرف ولا منحاز أو متسبب أو جاهل، نجد أن مجتمعنا بقي كما هو بل في حالة تقهقر إلى الوراء لأسباب سنتطرق إليها في سياق هذا المقال، وقد يعتقد البعض أن ما يدور في أروقة المؤسسات العلمية والثقافية هو نتاج حركة تنويرية منظمة ولكني أقول وللأسف الشديد إنه لا يوجد لدينا حركة تنويرية منظمة وإنما هو طفل غير شرعي تبنته المؤسسات الثقافية فنمى وترعرع في السبعينيات ومع بداية عصر التوحيد وقد حقق نجاحات لا بأس بها ولكنها تبقى محدودة، ثم جاء عصر الطفرة ولم يتم استغلالها بالشكل السليم مما أدى إلى اغتيال ذلك الطفل غير الشرعي ومعه ولدت حركة التنوير إن كانت هناك واحدة أصلاً. وفي نظري القاصر أن من أهم أسباب انطفاء تلك الشمعة المنيرة هو عدم وجود خطة إستراتيجية مدروسة وبعيدة المدى يشترك فيها كل المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية، الحكومية منها والخاصة وحتى على مستوى الأفراد والمؤسسات الصغيرة، فتوحيد الجهود أمر لا بد منه، ووجود خطة واضحة المعالم وسامية بالهدف والمغزى وإيجاد آلية لتفعيلها ومتابعتها خطوة خطوة لهو أمر في غاية الأهمية. ومن أبرز ما يعيق وجود حركة تنويرية في مجتمعنا هو اختلاف المفاهيم لدى مجتمعنا وذلك يعود إلى اتساع رقعة الوطن واختلاف الخلفيات الثقافية والانتماءات والفلسفات بين مجتمع وآخر ولهذا وجب تدخل الدولة بشكل مباشر والإسراع بعمل خطة إستراتيجية طويلة المدى وتكون مرنة بحيث تستوعب كل التيارات الدفاقة إلى مجرى النهر الثقافي والتفريق بين التيارات التي تحمل الأفكار الهدامة وعزلها لتصب بعيداً عن ذلك المعين الدفاق، ولتعمل الخطة على ترسيخ المفاهيم والعمل على إصلاح القاعدة الأساسية وتوحيد كل الجهود لتنفيذها ومتابعتها ودعمها بكل الطرق المتاحة. وقبل البدء بالخطة يجب أولاً إزالة كل الضبابيات المحيطة بالهدف السامي، ليكون واضحاً جلياً ومن ثم تسلم السهام للمؤسسات الثقافية، والتربوية، والإعلامية، والأمنية، والصحية والمؤسسات العامة والخاصة لتتقاذفها نحو الهدف وتحن أعين المراقبين المخلصين، وليكن التناول بمنهجية معتدلة تراعي الظروف البيئية المحيطة بنا، والبدء بالإصلاح الفكري وتعزيز روح التسامح وقبول الرأي الآخر كما يجب التركيز على شريحة الشباب والنشء، وانتشالهم من مظاهر السطحية وغثائها وتسخير كل الإمكانات لحجب كل ماهو غث للوصول إليهم لكي لا يشوش أفكارهم ويغلفه بغلاف الجهل والانحراف. ومثل هذا العمل لن يكتب له النجاح ولن يكون متكاملاً ولن يرى النور إلا إذا تضافرت الجهود الوطنية المخلصة، وكم أتمنى تسريع عملية الإصلاح بهذا الجانب الحيوي المهم لترقيع ما يمكن ترقيعه وإعادة هيكلة الفكر وتأهيل شامل للمجتمع. فمجتمعنا العربي خاصة والإسلامي بشكل عام، نمر بأزمة تنويرية لعدم وضوح الهدف واختلاف الرؤى حول مفهوم التنوير وذلك يعود لاختلاف التيارات والمذاهب والثقافات المحافظة بكل رموزها المعرفية والاجتماعية وقد زاد الطين بلة تلك المصيبة التي حلت بنا وعصفت بكل المثل والمعاني السامية والكريمة وبددت كل جهد بذل ويبذل فجعلتها كالرميم، نعم فقد بدد الغزاة الغرباء والقادمين من الفضاء الخارجي وبسلاح لم نعرفه من قبل ولم نكن قد أعددنا له ما نرد عليهم به وندافع فيه عن قيمنا وأخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فقد دخلوا على مجتمعنا المحافظ بأسلحة الدمار الشامل التي تنشر الفسق والفجور وتحلها محل الثقافة والعلم والمعرفة. وهاهم رجال الفضاء يتسابقون للنيل منا عبر قنواتهم الفضائية ففي كل يوم نشهد افتتاح قنوات جديدة مهمتها الرئيسية تغيير الشباب وتدميرهم وحقنهم بما يهلكهم من أفكار وسلوكيات وغيرها، ولن نستطيع الوقوف أمام تيارات الانحطاط إذا لم نقف وقفة رجل واحد في وجوههم ونبادر بوضع الخطة الإستراتيجية للتنوير، مع محاولة حجب تلك الموبقات من سماتنا الطاهرة لتحصين شبابنا الذين هم مستقبلنا وامتدادنا. فاصلة: إذا كان الإسلام قد نهض بالأمة الإسلامية من قبل، فإنه وحده السبيل إلى الإصلاح وهو الحل والله الموفق. جماعة حوار كانت محل إشادة رئيس نادي جدة الأدبي الأستاذ عبدالفتاح أبومدين حيث اعتبر أن ما تم خلال العامين المنصرمين أمر يستحق الإشادة حيث قطعت الجماعة جهوداً رائعة بإشراف رئيسها د.حسن النعمي، وأثنى على دور الصحافة التي غطت فعاليات جماعة حوار، مبدياً تقبله للرأي الآخر، وتمنى أن يكون القادم أحلى. فيما أشاد الكاتب عبدالمؤمن القين بكل الأطروحات وإن لم يتفق مع بعضها وتمنى من النادي أن يعقد ندوة مستقبلاً عن اللغة العربية. د.لمياء باعشن تساءلت كيف يكون التنوير تنويراً إذا لم يشع ويسري؟ وتوقفت حول لفظة التنوير وأكدت أن هذه الحركة عبارة عن جهود فردية تعاني من التبعية. فيما وصف الأستاذ عائض القرني جدول جماعة حوار بكتاب يحوي أربعة عشر فصلاً في التنوير وأبان أن كل فكر يسهم في رقي الإنسان مقبول ما لم يصطدم مع ثوابتنا، واعتبر الأوراق المقدمة ممتعة باعتبارها أفكاراً لأصحابها. واعتبرت الأستاذة أمل القثامي التنوير في بداياته لدينا كان أكثر وضوحاً وإن كانت الاجتهادات فردية، وتساءلت لماذا لا نبحث عن دلالات التنوير في الثقافة المحافظة؟ وأكدت أن هناك أزمة تنوير نعيشها واعتبرت الحرية أساس التنوير. د.يوسف العارف يصف ما قامت به جماعة حوار بأنه تنوير للتنوير، فورقة د.سعد البازعي كانت الورقة الرئيسية، وكنا نتمنى أن تكون أول ورقة، واعتبر أن ما قالته د.لمياء باعشن وما قاله عائض القرني يؤخذ في الاعتبار عندما نخرج بتوصيات في هذا الموسم. الإعلامية حليمة مظفر قالت إن لدينا تنوير وهي اجتهادات شخصية وتؤكد أننا توقفنا عند القرن الرابع الهجري عندما توقف الاجتهاد ومجتمعنا عندما جاء بهذه النظريات من الغرب أراد تطبيقها كلها وتحدثت عن الاحتياج الاجتماعي لهذه النظريات. تهنئة لجماعة حوار من أشرف سالم الكاتب المعروف واعتبر أن الأورام التي طرحت كانت أكثر عمقاً وبُذل فيها جهد مميز. أما الإجابة عن سؤال د.حسن النعمي حول وجود حركة تنويرية منظمة لدينا نتصعب الإجابة عن ذلك ويعتبر أن حركة التنوير كانت جزءاً من التنوير وكانت جسراً لنقل التطوير ويقرر أن هناك أزمة تنوير ولكنها أزمة مصطنعة واعتبر أن قيمنا بمقاييس الغرب هي عوامل تخلف، والتجديد سنة كونية وإذا كان موجهاً فنتائجه إيجابية، وكلنا مطالبون بتنمية الحوار وقبول رأي الآخر. فيما اعتبر غياث عبدالباقي الكاتب الصحفي المعروف أن لفظة النور وردت ما يقارب الخمسين مرة في القرآن الكريم في دلالات مختلفة ولا تعارض بين الإسلام والتنوير الحقيقي وفي رأيه أن هناك بعض الاجتهادات الشخصية التي شهدتها الساحة السعودية، وأبان: إنا نريد تنويراً حقيقياً ينقذ الأمة من الهوان ويرفع من شأنها. فيما ينفي سحمي الهاجري القاص المعروف كون التنوير مقابلاً للمحافظة في رد على الأستاذ عائض القرني، فالتنوير في المملكة هو موقف نظري وليس موقفاً مبدئياً. علي المالكي يرى أننا بدأنا التنوير على يد ثلة من الأدباء وطبيعة أي حركة تنويرية أنها تبدأ بجهد فردي ولكن حركة التنوير لم تتطور وتنتقل من الجهد الفردي إلى الجهد الجمعي وذلك بسبب نظرة الآخر لنا، والنكبات، والطفرة التي أشغلتنا بالماديات، وسيطرة العادات. وعلى الرغم من الأحداث العصيبة فالفرصة الآن أكبر لقيام حركة تنويرية. د.محمد سلوم يؤكد على عدم تحديد المصطلح فهل مصطلح التنوير هو مصطلح أوربي أم مصطلح عربي وتساءل عن الغاية منه وتمنى العودة إلى المصطلح.
|