في مثل هذا اليوم من عام 1085 سقطت طليطلة في أيدي القشتاليين، ظلت الأندلس نحو ثلاثة قرون دولة واحدة، تخضع لحكومة مركزية قوية منذ أن أشرقت عليها شمس الإسلام في عهد الخلافة الأموية، ومكثت طوال هذه المدة متحدة الأجزاء كأنها كتلة واحدة، لا تعرف عدوا لها سوى إسبانيا النصرانية في الشمال، وتعاقب على الأندلس حكام أقوياء من قِبل الأمويين قبل أن تستقل وتصير دولة ذات مجد وسؤدد، منذ أن أسس بها (عبدالرحمن الداخل) خلافة أموية عقب سقوط الأمويين في المشرق عام 749 وقيام الخلافة العباسية، غير أن الخلافة الأموية الزاهرة أصابها الوهن، ودب في أوصالها أعراض الضعف والانحلال، وصارت ألعوبة في أيدي الطامعين والمغامرين، ومطمعًا للظامئين إلى الملك والسلطان، حتى اختتمت سلطانها، ولفظت أنفاسها الأخيرة عام 1031 بعد أن دامت مائتين وأربعة وثمانين عامًا منذ قيام عبد الرحمن الداخل بتأسيسها عام 756 . ساد الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية حالة من الفوضى والارتباك، وتمزقت أشلاء متفرقة، وصارت إمارات صغيرة، ودويلات متعددة، عُرفت في التاريخ الأندلسي باسم عصر ملوك الطوائف، حيث استقل كل أمير بناحية، وجعل من نفسه ملكًا وسلطانًا، كانت طليطلة من كبرى دول الطوائف رقعة ومساحة، وتحتل موقعًا حربيًا هامًا؛ حيث تقع على مشارف الأندلس الشمالية الوسطى، وعرفت منذ قيام الدولة الإسلامية بالأندلس بالثغر الأوسط؛ نظرًا لمتاخمتها حدود الممالك الإسبانية النصرانية، وعدت بذلك حاجز الدولة الإسلامية الشمالي الأوسط ضد عدوان النصارى، وقد استطال مدة حكم (المأمون بن ذي النون) ثلاثة وثلاثين عامًا، أنفق معظمها في حروب داخلية مع منافسيه من ملوك الطوائف، واستهل صراعه مع (ابن هود) صاحب مملكة (سرقسطة)، وهو جاره من الناحية الشمالية الشرقية، واستعان كل منهما في صراعه على توسيع رقعة مملكته ودولته بقشتالة ونافار الإمارتين المسيحيتين، بدلاً من أن يقفا معًا سدًا منيعًا في وجههما، استباح النصارى أراضي المملكتين المسلمتين، بمساعي ابن هود وابن ذي النون الذميمة، وساءت أحوال المسلمين بعد أن عاث النصارى في أرضهم فسادًا، وتحركت مساعي الصلح بين الأميرين المسلمين، فتظاهرا بالرغبة في الصلح والمهادنة، ثم لم يلبثا أن عاودا القتال، كل واحد منهما يفسد أرض الآخر، وينزل بها الخراب والدمار بمساعدة حلفائه، واستمرت هذه الفتنة بين الأميرين ثلاثة أعوام، بعد أن استولى المأمون على إمارة بلنسية وضمها إلى دولته عام 1065 توفي في العام نفسه فرناندو ملك قشتالة، وشب صراع بين أولاده الثلاثة: (سانشو) ملك قشتالة، و(ألفونسو) ملك ليون، و(غرسيه) ملك جليقية، واشتعلت حرب أهلية استمرت أعوامًا، انتهت بانتصار (سانشو) عام 1071 واغتصاب ملك أخويه، فلجأ (ألفونسو) إلى طليطلة طالبًا حماية المأمون بن ذي النون، فأكرم ضيافته، وعاش لمدة أشهر معززًا مكرمًا، حتى إذا توفي أخوه (سانشو) عاد إلى قشتالة ليتولى عرشها، وقد استغل هذا الأمير مدة إقامته في طليطلة في دراسة موقعها، ووضع الخطط التي تمكنه من الاستيلاء عليها إذا سنحت له الفرصة وهذا ما حدث بعد ذلك.
|