Sunday 22nd May,200511924العددالأحد 14 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الثقافية"

شعراء من الجزيرة العربيةشعراء من الجزيرة العربية
التجربة الشعرية للشاعر أحمد بهكلي
عبد الله بن سالم الحميد

* لجمال الشعر وشفافيته في وجدانه وهواجسه ألف معنى، وله في حياته مكانة أبلغ حضوراً وأسمى، عشق الشعر، وسكن ذاكرته منذ الصغر بتأثيرات القراءة والبيئة والأجواء المحيطة، ذلك هو الشاعر أحمد بهكلي.
* في مرفأ من مرافئ الحب والشعر ولد الشاعر أحمد يحيى بهكلي في بلدة (أبو عريش) في جازان عام 1374هـ وتلقى تعليمه الأوّل في ربوعها ثم انتقل إلى الرياض ليواصل شطراً من مشواره الدراسي ثم يعود إلى (أبها) ليكمل المرحلتين الإعدادية والثانوية.
* وفي ربوع أبها الجميلة امتزج الحبُّ والشعر في وجدان الشاعر أحمد بهكلي، وبدأت موهبته تتفتّح مع تفتّح أوراد الطبيعة وأندائها ليهامس تلك الرياض النّضرة فيصوغ عدداً من قصائده في جماليات الطبيعة في أبها حيث طاب له المقام فيها فأنشد وتفنّن متدثراً بعبق الذكرى وعبير الأشذاء.
* انتقل الشاعر أحمد إلى مدينة الرياض لاستكمال دراسته في كلية اللغة العربية حيث حصل على شهادتها الجامعية عام 1397هـ.
* وقد عمل الأستاذ أحمد بهكلي في ميدان التعليم في المعهد العلمي في الرياض.
* ارتحل الأستاذ أحمد بهكلي إلى ولاية ديانا في الولايات المتحدة لدراسة الماجستير.
* عمل عميداً لكلية المعلّمين في جازان.
* إلى جانب عمله الإداري في الكلية عمل نائباً لرئيس النادي الأدبي في جازان مواصلاً الربط بين مهنته وعشقه الأدب والشعر.
تجربته الشعرية
- في وجدان شاعرنا الأستاذ أحمد يحيى بهكلي تسكن هواجس الشعر الذي منحه همّاً وحماساً منذ وقت مبكر، وبدأ في صياغة تجاربه الشعرية بأسلوب تقليدي تغلب عليه المباشرة، ويحاول أن يتفنّن في صياغته بالمحسّنات البديعية، فنلحظ الوصف متجلّياً في عدد من قصائده، ولكن ذاكرته لم تستطع التخلّص من التأثّر بما قرأ من القصائد أو أعمال الشعراء كما سنتطرق إلى ذلك في هذه القراءة الشعرية.
- في قصيدة تعدُّ من أجمل قصائد الشاعر أحمد البهكلي بعنوان (عجين النّار) يتناول الشاعر هواجس الشعر وتجربته له، وتعبيره عن المعاناة فيقول:


الشعر عندي الورْدُ إن فتّحا
الشعر عندي الورْدُ إن صوّحا
الشعر عندي الحزن إذ يرتمي
غمامةً تحجبُ شمس الضُّحى
الشعرُ عندي الفرح ال(يحتوي)
قلبين طول العمر لم يفرحا
الشعر ذوبٌ، شهقةٌ، رعشةٌ
إذا ادّكرْنا صحبْنا النُّزَّحا
الشعر عينٌ سفحتْ دمعها
تبكي دمَ الإنسان أن يُسفحا
قبل اجتياح الشعر تجتاحني
كآبةٌ .. اشتاقُ أفرحا
تصطفُّ في جمجمتي أوجهٌ
غريبةٌ، تكتب لي ما امَّحا
يركض نبض القلب، عيني هنا
تغور كيما تبصر المسرحا

ويواصل الشاعر وصف الحالة الشعرية عند حضور الشعر:


لا شيء منّي غير رعش الرؤى
يقلّب الأغمضَ والأوضحا
حتى إذا ما غاب وعيي بها
وحارت العينان أن تلمحا
والتقت الذاتان ذاتي أنا
وذات شيء مثل (برق امْصحا)
بينهما الفكرة تضني كما
سمسمةٍ ما بين قطبي رحا
كن، فيكون الشعر، ما لي يدٌ
فيه، ولا أملك كي أمنحا
ما لم تزفَّ الشعر غيبوبةٌ
واعيةٌ تقدر أن تُفصحا
فالشعر يبقى دميةً، نكتةً
أولى بها منّا ندامى جُحا

وهنا نتوقّف عند هذه التجربة التي تتحدث عن تجربة الشاعر التي أصغينا إلى الشاعر يلقيها في الأمسية الشعرية التي عقدها النادي الأدبي في الرياض (1) لثلاثة من الشعراء بينهم الشاعر أحمد البهكلي، فكان تعليق الناقد الدكتور عبد الله الغذّامي على الأمسية أن قال عن هذه القصيدة بالذات وعند البيت الخاتمة: (البيت الأخير أفسد القصيدة وليته يُبعَدُ عن القصيدة لأنّ القصيدة كانت تشتعل بالحرقة مع اللغة وصناعة اللغة وترشيدها والدخول من خلالها إلى الإنسان، لأن العقل حضر في ذلك البيت أكثر من حضور العاطفة).
ولعلّي أضيف إلى نقد الدكتور الغذّامي ما لاحظته من أن الشاعر أحمد بهكلي قد تجاوز في تجربته الشعرية هذه عدداً من تجاربه السابقة لها من ناحية التكثيف اللّغوي والتركيز الشاعري، لكن ذاكرته لم تسلم من التأثّر بالشاعرين إيليا أبو ماضي وعبد الله البردوني وامتزاجه بمعاناتهما التعبيريّة في نماذج من قصائدهما الشعرية، وبخاصة البردوني الذي يفتتح الأسئلة في بعض قصائده ويفسدها بالإجابة عن التساؤلات في نهاية القصيدة.
وفي أبيات عاطفية من قصيدة بعنوان (ندى) وهو اسم ابنة الشاعر نلحظ حدّة التعبير اللّفظي المكتظ بالعبارات السائدة المستهلكة، وفي النهاية يخفت النبض العاطفي الوهّاج ويبقى الصّراخ متمثّلاً في التكرار اللفظي العابر والمترادفات، ولعلّنا ندرك ذلك عندما نقرأ ونصغي إلى هذه القصيدة التي يقول فيها:
ندى، ندى يا قطرةً في وردة العمر
ندى، ندى يا بسمةً في شفةِ الفجْرِ
ندى، ندى يا حُلْميَ الزّهري..
ويا شذا العطر ..
يا رقصة الشعر .
ندى: لأنتِ الأملُ النّابتُ في الصَّخْرِ
***
يا طفلةً في بقاع الأرض.. تنكسه الكآبة
صغيرتي ندى:
لأنّني أذوبُ في الأطفالْ
أخشى على الأطفالْ
يا أملي المغوِّر الجذور في الشّغافِ
يا لؤلؤتي النفيسة
يحرسُكِ الرحمن يا ندى، يحرسُكِ الرحمن
صغيرتي:
نامي، فأنت من إله الكون في أمانْ
في كنفِ الرحمن..
يا طفلة الإيمان، يا طفلة الإيمانْ.
***
كانت البدايات الشعرية للشاعر ذات موضوع واحد هو التغنّي في الجنوب من المملكة، مسقط رأسه (جازان) وأبها، وقد أصدر قصائد مجموعته الأولى عام 1398هـ بعنوان (الأرض والحب) وهو عنوان إحدى قصائد المجموعة يبثّ فيها وجده وشجنه إلى حبيبته (جازان) فيقول فيها:


أسائلُ عنك الليل والأنجمَ الزُّهرا
لعلّ لديها عنكِ يا فتنتي خُبْرا
وأنتجعُ ألأحلامَ ظنّاً بأنني
سألقاك حلماً يحتوي لهفتي الكبرى
وأصحو على ذكرى ليالٍ تصرّمتْ
بمغْناك يا وجدي، وأغفو على ذكرى
ويجتاحني شوقٌ إليك إذا شدتْ
بألحانها قمريّةٌ تشكر الفجْرا
ولولا وفائي ما تلمّظْتُ صابراً
بنار بعادي عن مرابعك الخضْرا (2)

وفي قصيدةٍ تقليديّة يظهر فيها تأثّر الشاعر أحمد بهكلي بقصيدة ابن زريق البغدادي (لا تعذليه) التي يقول مطلعها:


لا تعذليه، فإن العذل يوجعه
قد قلتِ حقاً ولكن ليس يسمعُهُ
جاوزْت في عذله حدّاً أضرَّ به
من حيث قدّرتِ أن العذل ينفعُه

فيقول البهكلي في قصيدته الصدى لتلك القصيدة بعنوان (شوق):


يا شادناً، وسرار القلب مرتعُهُ
والحسُّ إمّا غفتْ عيناهُ مضجعُهُ
وفي الحشا منه نارٌ بات يوقدُها
هجرانُه، وصدودٌ ظلَّ يصنعُهُ
آهاتُ صَب وأنّاتٌ يردّدها
ونحو عمق الشّكاة الحزنُ يدفعُهُ
تعنو إليه تباريح الجوى سَحَراً
وتحتويه مع الآصالِ أدمعُهُ
متيّمٌ ليس يدري كيف حلَّ به
خطب الغرامُ فأضحى الهمّ يتبعُه (3)

ويتجاوز التأثّر اللفظ إلى المعنى، فتبرز لدى الشاعر معاناة الشكّ والشكوى التي نقرأ أصداءها في هذه القصيدة حيث يقول:


وليس يدري أذرْف الدمع يُسعفهُ
أم أنّ ترديد آه الحزن ينفعُهُ
أم يترك الشكّ والشكوى على مضضٍ
لكنّه الشوق بالآلام جرّعه (4)

وتلاحقه أصداء الشكّ ولوعتُه في قصيدةٍ أخرى لم يستطع فيها التخلّص من سيطرة ذاكرة قصيدة (ثورة الشك) للأمير عبد الله الفيصل التي يقول فيها:


أكاد أشكُّ في نفسي لأنّي
أكادُ أشكّ فيك وأنت منّي

فيُلحظ التأثّر ظاهراً في نسيج أبيات قصيدته التي سماها (رسالة) إذ يقول البهكلي فيها:


أحبّكِ لا لشيء غير أنّي
أحبكِ للتّلهّفِ والتمنّي
وقد صيرت رسمكِ في خيالي
إساراً مالكاً فكري وظنّي
فأنتِ عروس شعري حين أشدو
وأنت بديع لحني إذ أُغنّي
أحبّكِ دون أن أدري لماذا؟
وأحملُ فيك بُعدَكِ والتجنّي
كأني لم أكن إلا لأضني
بحبّكِ طول ذا الزمن المعنّي
غرامي لم يزلْ جذَعاً فتيّاً
برغم مصائب الدهر المسنِّ
ولستُ أرى بأن هناك شيئاً
يشكّك فيك من إنسٍ وجنِّ
وهبْتُكِ من ودادي ما أراه
كفيلاً لي بأن يدنيكِ منّي (5)

ولعل التأثّر بالشعر المغنّى هو التأثّر السماعي الذي ينفعل به الشعراء فلا يستطيعون منه الخلاص كما لحظتُ ذلك في تأثّر كثير من الشعراء بقصيدة (ثورة الشك) للأمير عبد الله الفيصل التي غنّتها أم كلثوم، وكانت هي صدى تأثّر بقصائد سابقة مغنّاة للشاعر أحمد رامي وغيره. ومن القصائد التي ظهر فيها تأثّر شاعرنا البهكلي تلك القصيدة المغنّاة للشاعر حسن توفيق بعنوان (سمراء) التي يقول فيها:


سمراء رقّي للعليل الباكي
وترفّقي بفتىً هواه رضاكِ

فيقول أحمد بهكلي في قصيدة من بداياته بعنوان (القيود الجميلة):


أنا فيك يا أبها عليلٌ شاكِ
هل ترحمينَ متيّماً بهواكِ
صيّرت حسّي في هواك مقيّداً
وسموْتِ حتى نؤتِ عن إدراكي
أهواه من حب يحطّم أضلعي
أتُراكِ تنتبهين لي أتراك؟
حاولت أن أنساكِ لكن أنت في
سودا الفؤاد فكيف لي أنساك (6)

وقصائد الشاعر في مجموعته الأولى (الأرض والحب) وإن كان موضوعها محدّداً وأسلوبها تقليدياً إلا أنه يلحظ تجاوزه لتلك التقليدية المباشرة كما في قصيدة (أهزوجة خريفية) وقصيدة (نجوى على البعد) يقول في الأولى:


من النبع الذي نضبا
أكثّفُ لهفتي سُحُبَا
وأنعش في يباس الرمل
ذاك الترب والعشبَا
وأخلُقُ أصل فتنتها
وقد ذَهَبتْ.. وما ذَهَبَا
من الطَّلَلِ الذي أقوى
وأضحى دارساً خَرِبَا
من الروض المحِيل وقد
عرَفْتُ خميله أشَبَا
من التذكار والنجوى
تثيبُ صبابتي النَّصَبَا
أتَيتُكِ حاملاً شَجَنِي
تدافَعُ بي نسيم صَبَا.. (7)

ويقول في القصيدة الثانية:


أنت يا أسطورة الوجد الجميل
يا احتواء السحر في ظل الخميل
يا انزراع الآس في شمّ الروابي
يا انسياب الماء في زاهي السهول
يا انسراب الجهد في لحظة نجوى
شقها همس خليل لخليلِ
أنت يا أبها، وكم لازمت فكري
حلم لقيا في مدى ليلي الطويل
كم تبعثرت وكم لملمت شملي
ومن الإلهام تروين غليلي؟ (8)

ومن قصائد البدايات ما نشره الشاعر أحمد بهكلي في مجموعته الشعرية الثانية الصادرة بعنوان (طيفان على نقطة الصفر) (9) وقد تكرّر في عدد منها تقليديته لنماذج من الشعراء الذين تأثّر بهم ومنهم الشاعر خير الدين الزركلي في قصيدته المشهورة بعنوان (نجوى) التي يقول مطلعها:


العينُ بعد فراقها الوطنا
لا ساكناً ألفتْ ولا سكنا
ريّانةً بالدمع، أقلقها
أن لا تحسّ كرىً ولا وسنا
كانت ترى في كل سانحةٍ
حُسْناً، وباتت لا ترى حسنا
والقلب.. لولا أنّةٌ صعدتْ
أنكرتُه، وشككتُ فيه أنا (10)

أما قصيدة أحمد البهكلي فقد كان عنوانها (أبتاع حزنا) وأهداها إلى الشاعر محمد علي البهكلي وافتتحها ببيت من شعر محمد البهكلي نفسه يقول فيها:


(أمنيّة القلب ما لي عن جداك غنى
إن كنت معطيةً فالمستحقُّ أنا)
كل الحزينين باعوا حزنهم، ويدي
تمتدُّ تبتاع منهم بالهنا الحزَنا
ما عاشقٌ رقدته الريح مثلي يا
حلماً يدلّهني إمّا قصا ودنا
أهنئُ الكاسري أطواق غربتهم
وغربتي طوقها لا زال محتضنا
أنا البعيد الذي شطّ المزار به
وأنت فيها التي لا زلت مرتهنا (11)

ويمتد التقليد المنبثق من التأثر إلى الشاعر محمد الفيتوري حيث يضمّن البهكلي بيتاً من أبيات الفيتوري في القصيدة الصدى التي نظمها بعنوان (رزق) حيث يقول فيها:
مقتولُ الأشواقْ
لن يبعثني راقْ
ناءٍ.. لن تدنيَني
خفقاتُ الخفّاقْ
ذبلت عيناي نوىً
كذبول الأوراقْ
رويتْ ماءً، لكن
من ماءِ الأحداقْ
سافرْتُ، وأحزاني
حلّتْ كالأحداقْ
أنا جعت، ظمئتُ.. أنا
أولى بالإشفاقْ (12)
(مملوكُكِ .. لكنّي
سلطانُ العشّاق) (13)
***
وبرغم أنَّ هذه المجموعة الشعرية قد صدرت بعد صدور المجموعة الأولى (الأرض والحب) بعامين إلا أن معظم قصائدها متقاربة في التاريخ والمستوى الفني للقصائد المنشورة في المجموعة الأولى إلا أن موضوعات هذه المجموعة قد تنوعت بقصد من الشاعر كما يقول عن ذلك في مقدمته لها (آثرتُ تنويع موضوعات هذه المجموعة بشكل أرجو أن لا يكون مخلاً بالقيمة الفنية لمحتواها، ومع أنني لا أشك إطلاقاً في الإيجاز الذي اعتمدته هنا، وفيما مضى، وسأعتمده مستقبلاً بمشيئة الله، مع ذلك فقد وردت بعض القصائد الطوال كقصيدة (غسيل الملائكة) وقصيدة (ذهول الحس) مثلاً، على أن المتمعن فيها جيّداً يلاحظ أن التناول لم يكن منصباً على سرد التفاصيل الحديثة بقدر ما يصف الأثر النفسي أو (الانعكاسات الشرطية) كما يسميها بذلك تلاميذ الغزالي وبافلوف. إنني لا أميل كثيراً إلى الموضوعية في الشعر، فكلما كان الشعر موضوعياً كان بسيطاً فقد هيبته وفاعليته كداعية إلى التخيل والتفكير، ولعلّ هذا هو سرُّ ترديدي الدائم لمقولة الشاعر الفرنسي (بول فاليري): الشاعر هو الذي يدعو قارئه أو سامعه إلى التخيّل والتفكير معه، أي أن للشاعر - عدا إمتاع القراء والسامعين بموزون كلامه - حفْز هؤلاء إلى أن يحلّقوا معه في عوالم ربما تنسيهم في غالب الأحيان واقعاً مؤلماً أو هزيمة نكراء). (14)
وهذه المقدمة للشاعر أحمد بهكلي تدلُّ دلالة صريحة على أنه يكتب المنظومات الشعرية في الموضوعات أو الأحداث التي تأثّر بها كما يتبيّن من الأناشيد التي نظمها ووضع لها مقدمات إيضاحية مثل قصيدة (غسيل الملائكة) وتحكي قصة الصحابي حنظلة بن أبي عامر - رضي الله عنه - الذي قُتل يوم أُحد وهو عريس جديد التي يقول فيها:


أيُّها الفارسُ النبيل، ولم تثنكَ
عن عزمك الأكيد الثّواني
إن تكنْ أمسِ قد دخلتَ بعرسٍ
فبذا اليوم دخلةٌ للجنان
نمْ قريراً، فأنت لا زلت رمزَ
الاحتراق الرضيّ للإنسان

وفي قصيدته التي نظمها بعنوان (أنشودةٌ للفارس القادم) عن المعاناة من الوضع الراهن للعالم الإسلامي إذ يطمع الشاعر في حضور فارس ينقذ الأمة من وضعها إلى ما هو أفضل، فيقول:
من لي بعقبة حين خاضَ البحرَ، واكتسح العُبابْ


من أين يأتي فارسٌ
في ناظريه سنى شهابْ
يحدو المخبّين السراعَ
على ترانيم الإيابْ؟ (15)

أما القصيدة التي اختار لها الشاعر عنوان (طيفان) فيتناول فيها ملامح من قصة بداية نزول الوحي على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - والمقصود بالطيفين - كما أشار الشاعر - هما طيف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والملَك جبريل - عليه السلام - وهما في غار حراء لحظة نزول أول آية من القرآن الكريم، وفيها يقول:


طيفان) سلْني هل هما سألا
عن ليلةٍ تستنفر الوجلا
ذهبا، وداهمنا الدّجى فرنتْ
مُقَلٌ يغشّي سهدها المقلا
ما عدْتُ أذكر غير تمتمةٍ
تهمي ضياءً، تزدهي حللا
(إقرأ) تدافعُ من فمٍ ملكٍ
ويلوكُها سمعٌ لها احتفلا
ويصيح: لستُ بقارئ، وتني
منه القوى، فيخرُّ منذهلا
ويغطُّه جبريل، يعلمه
باسم الإله يقين ما جهلا
ومحمّدٌ يجثو، وقد حبلت
أذناه بالوحي الذي نزلا
وُلد الهدى.. يا للمخاض فيا
دنيا اعتلي، إن المخاض عُلا
حملتْه كفّا مؤمنٍ رجلٍ
هيّا اقبلي الإيمان والرجلا
سمعتْه هذي الأرض ما انتفضت
من دهشةٍ، وتجلجلت خجلا
صمتتْ، فكان الإذن فازدهرت
تلك الربوع الزّهر واتصلا
والأرض بكرٌ رغم ما عشقتْ
لكنّها لم تعرف القبلا
حتى أتى الإسلام واشتملتْ
يوماً على لقياه واشتملا (16)

وفي مجموعته الشعرية الثالثة التي أصدرها النادي الأدبي في الرياض عام 1412هـ بعنوان (أول الغيث) نلحظ أن نسيج القصائد لدى شاعرنا أحمد بهكلي قد طرأ عليه شيء من التطوير والتحديث؛ وربما كان سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير وتفتّح رؤاه على آفاق جديدة قد أثّرت أدواته وأخصبت شاعريته فقد لحظتُ أنه نسج عدداً من قصائده في أثناء وجوده في أمريكا منها ذات العناوين التالية:
1- أمّاه عام 1403.
2- عجين النار عام 1406هـ.
3- رؤى في نيويورك في 14-4- 1404هـ.
4- من مواجيد فقير في 2-4- 1404هـ.
وبعد مرحلة أمريكا يخفت أحياناً وهج الشعر كما سنقرأ في عدد من القصائد، ويتسرّب التكلّف في بعضها بين الأبيات، ربما يبرّره الشاعر في إحدى قصائده بقوله في قصيدة بعنوان (عزاء الشاعر):


متْ كيف ما شئت إن صبراً وإن كمدا
فالشعر ما راض شيطاناً ولا طردا
كم بات حولك هذا الكون منطفئاً
وبت يا شاعر الأحزان متّقدا
يُغفي الخليّون إن جنَّ المساء هنا
وإن نظرت شمالاً لم تجد أحدا
وليس خلفك إلا القفر منفرداً
وما أمامك إلا القفر مرتعدا
يضمّكُ الوهَجُ العلويُّ منحدراً
من المساء فتهفو نحوه صُعُدا
تصطادُ من كلّ غيبٍ غائمٍ قمراً
ومن مدى كلِّ حلمٍ تستمدُّ مدى (17)

* * *
وهل يكفي هذا مبرّراً لضعف الهاجس الشعري في القصائد التي نُسجت بعد مرحلة دراسة الشاعر البهكلي في أمريكا، ومنها القصائد التالية:
1- إلى قيس، وتاريخها 15-12- 1408هـ.
2- عزاء الشاعر، وتاريخها 5-6- 1407هـ.
3- أول الغيث، وتاريخها 25-7-1408هـ.
4- ندى، وتاريخها 4-1-1409هـ.
5- عامان، وتاريخها 13-5-1410هـ.
6- خماسية عام 1409هـ.
7- الطاووس، وتاريخها 19-2-1409هـ.
8- أقول، وتاريخها 10-6-1408هـ.
9- أرجوزة الحجر، وتاريخها عام 1409هـ.
10- الفصيح الصامت وتاريخها 20-2- 1410هـ.
هذه القصائد وغيرها من المنشور في مجموعته الشعرية الثالثة (أول الغيث) متقاربة في تاريخها ويظهر الضعف والنظمية التقريرية واضحةً في أسلوبها وصياغتها، كما يلحظ في الديوان الشعري للشاعر الأستاذ أحمد بهكلي التكرار والتشابه في القصائد واستخدام الألفاظ في عدد من القصائد مما يدل على محدودية القاموس اللفظي لديه بسبب ضآلة القراءة في الشعر والأعمال الإبداعية الأخرى التي تثري قاموس الشاعر وتطوّر أسلوبه وتشحنه بطاقات من الألفاظ ووسائل الابتكار والرؤى الحيّة المتجددة.
ومن الكلمات التي تكرّرت في عدد من القصائد كلمة (أعنقت) (19) وكلمة (من لي) وكلمة (إيه) وضمير المتكلم (أنا) في عدد من القصائد، وإدخال (ال) (الموصولة) بمعنى (الذي) على الفعل مثل قوله:
وأين النسيم ال (يحمل) النشر (20) منه ما
تهادى نسيم بل يؤزُّ لهيبُ
وقوله:


الشعر عندي الفرح ال (يحتوي) (21)
قلبين طول العمر لم يفرحا

وقوله:


أهنئ (الكاسري) أطواق غربتهم
وغربتي.. طوقها لا زال محتضنا (22)

***
الحواشي:
(1) الثلاثاء 11-5-1409هـ البهكلي والمؤلف والشاعر علي النعمي.
(2) الأرض والحب، ط2، عام 1400هـ - 1980م.
(3) المرجع السابق، ص39.
(4) المرجع السابق، ص 40.
(5) المرجع السابق، ص 49، 50.
(6) المرجع السابق، ص 11.
(7) المرجع السابق، ص 77، 78.
(8) المرجع السابق، ص 15.
(9) صدر عام 1400هـ، وفيه قصائد سبق تاريخها تاريخ صدور المجموعة الأولى للشاعر.
(10) ديوان خير الدين الزركلي، ط1، عام 1400هـ -1980م نشر مؤسسة الرسالة في بيروت.
(11) طيفان على نقطة الصفر، ص 114، وتاريخ القصيدة 1399هـ.
(12) المرجع السابق، ص 117.
(13) المرجع السابق، ص 117، نقلاً عن الفيتوري.
(14) المرجع السابق، ص 4، 5.
(15) المرجع السابق، ص21، 22، ونظمت عام 1396هـ فهي من قصائد البدايات.
(16) المرجع السابق.
(17) ص 32، 33 من (أول الغيث).
(18) كلها من مجموعة (أول الغيث).
(19) ص 20 من مجموعة (طيفان على نقطة الصفر) وص 97 منه.
(20) ص 67 من المرجع السابق.
(21) ص 14 من (أول الغيث).
(22) ص 114 من ديوان (طيفان على نقطة الصفر).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved