الأمر البدهي هو أن التعليم على اختلاف تخصصاته هو أداة التنمية الوطنية التي يستهدفها المجتمع، حيث ينهض بإعداد القوى البشرية اللازمة لإدارة عجلة الإنتاج، ويقوم بتهيئة رواده لتحمل مسؤولياتهم قبل بناء وتطوير وإصلاح وعلو المجتمع يحدده في ذلك توجهات وقيم ينبني عليها صرح المجتمع الآمن واعتلاؤه سلم التقدم. ولذا فإن الاهتمام بالتعليم ومناهجه ومخرجاته شأن مجتمعي فهو استثمار له عوائده في استراتيجية التنمية في مداها المحدد، وحسب ما رسم له من غايات علمية واجتماعية، فالعملية التعليمية تفاعل قائم بين ثلاث قوى متفق عليها وهي المتعلم - المعلم - المنهج التعليمي. ولإمكانية التفاعل السوي بين هذه القوى الثلاث لا بد من الخضوع للتقويم المستمر لضمان أن المنهج الذي هو قائم في علاقة فاعلة بين كل من المتعلم والمعلم يتساير مع التقدم المنشود وغايته والتقويم الأمثل يتم في ضوء نموذج يحتذى حيث ثبت فاعليته، أو في ضوء الهدف المبتغي مع الوضع في الاعتبار ذلك التغير الذي يدور حولنا والذي يحيق بنا وقد نال من مجتمعنا شأواً يدعو لتطوير المناهج الدراسية - تبعاً لذلك - حتى لا نتخلف عن مسيرة التقدم بحيث تتسم بالمرونة حتى يمكنها أن تتوافق مع متطلبات العصر. وحسناً عند الشروع في تطويرها أن تتساير مع الواقع المعاصر في أتون ذلك الزخم الكبير في جموع المعارف المستجدة في كافة مجالات الحياة، وفيما لحق وسائل الاتصال شأواً كبيراً في التقدم المبهر الأمر الذي حدا بالعلماء أن يعلنوا بأن العالم صار وكأنه قرية صغيرة ويتوجب إذن أن تتواكب المناهج الدراسية وعلومها مع هذا التقدم، وسبيلها إلى ذلك العمل على تأهيل المعلم تأهيلاً علمياً متوافقاً وتأهيلاً مهنياً فنياً اعتماداً على ما لديه من مهارات إبداعية عملية، وتمكينه من معرفة ما يدور حوله من متغيرات سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي أما بالنسبة للطالب فيتوجب العمل على الرقي بملكاته واتساع معارفه وتقوية استعداداته وتنمية براعته المهارية. أما فيما يتعلق بالمنهج فهو في حاجة إلى إصلاح وتطوير وفقاً لما تسفر عنه عملية التقويم.وتتم عملية التقويم وعيوننا على المستجدات العالمية المعاصرة وعلى الواقع المجتمعي المعاش، وسبل الاستثمار في أبنائه، والاهتمام بالكيف الذي يضعه في المكانة اللائقة التي يستحقها والعمل على اكتسابه المستحدث في التقنية التي يزوده بها المنهج الرشيد. إذن فمن الضروري والمهم إعادة النظر في المناهج الدراسية تبعاً لضروريات التغيير لا لمجرد تطعيم أو إحلال أو إصلاح بل تغيير يكاد يكون ضرورياً وجذرياً وعلى أن يتوافق مع استراتيجيات التنمية لا سيما وأن التغيير قد لحق بكل من مجالات التقنية والعلوم الطبيعية والنواحي الاقتصادية والاجتماعية. وقد ساهم في تسريع معدل التغيير ثورة الاتصالات المعلوماتية مما فرض الحراك المتسارع منه لأن التوقف يعني التصلب والجمود. والجدير بالذكر أن هذا التغيير وبفعل تسارعه ظهرت سلوكيات بغيضة تستهدف إعاقة المسيرة نحو التقدم ومن هذه السلوكيات ظواهر اللا سواء في سلوك التفاعل التي تحتاج مواجهتها لتشخيص جيد لإمكانية التعامل معها وأيضاً التوقي من استفحالها مما يحتم على المناهج المستحدثة أن تدور معها وبمعدل تسارع أكبر منها.ومما يؤكد ذلك واقع المجتمع وما حدث فيه ولحق بكافة طوائفه ومستوياته من تغيرات مهمة كماً وكيفاً أوجبت الدعوة للنظر في تغيير المناهج الدراسية، كما أوجبت أيضاً أن نولي الاهتمام الكبير والمتواصل لمنظومة التعليم وما يلزمه من تطوير يحقق نهضة عالية في العملية التعليمية الشاملة ومن مرتكزات هذه النهضة تناول المعلومة بالصورة التي تبعث على التأمل والفهم والاتقان أكثر مما تعين على الاسترجاع، وإجراء عمليات المقابلة. وإبراز المعلومة ذات المغزى التي تعين على توليد المعرفة وتناول النقد الهادف وتحقيق التواصل المنشود، والوقوف على كل ما هو جديد ومستحدث في ميدان العلوم التربوية والاجتماعية والتي يمكن أن يزود بها المنهج الذي يعكس المعايير السائدة في المجتمع، وتراكم الخبرات، وتجميع المعارف. ويدعم هذا التوجيه الاهتمام بعناصر المنهج الأربعة التي تشمل الأهداف، والمحتوى، وتكنولوجيا التعليم، وعملية التقويم ولعله تواتينا الفرصة - إن شاء الله - لتناول كل من هذه العناصر بالتفصيل وإبداء وجهة نظرنا حولها مساهمة للدعوة في تطويرها طبقاً لمبادئ الفكر التربوي ذات القابلية في التطبيق وممارساته في المؤسسة التعليمية والتي تفتح الطريق أمام كل من المتعلم والمعلم للمضي نحو إمكانات صنع التقدم من خلال مهارات أساسية يمكن أن يكتسبها كل منهم خصوصاً فيما يتعلق بأوجه النشاط التعليمي ومجالاته تناسباً مع المشروعات الحديثة التي يمكن تطبيقها في واقعنا العلمي المعاصر وتباين مؤسساته، وفي ضوء تطور العوامل السلوكية التي تقوم على أساس من التخصص والخبرة والمعرفة. وها نحن نتساير مع رجال علم الاجتماع التنموي الذين يدعون للتنمية المستدامة والذين يفرقون بين استراتيجيات التنمية وحالة التنمية فالاستراتيجية تقوم على المبادئ والعناصر الأساسية التي تشكل نظرية تنموية بينما حالة التنمية تقوم على أوجه نشاط وعمليات وإجراءات وممارسات ومهارات إبداعية لازمة للسير بالتنمية بمعدل دوران عمل مرتفع ودؤوب يتناسب مع المشروعات الحديثة رغم وجود قوة تنافسية، ووجود إدارة نظم قوية لها تواجد تخطيطي وعملي في بيئة متغيرة تواجه منافسة شديدة بالداخل والخارج وفي شتى المجالات مما يدعو لصقل المهارات وتفعيل الخبرات وتوجيه السلوك عبر خط سلطوي ابتكاري.. مبدع وخلاق يتناسب مع طبيعة المناهج الدراسية في ضوء فكرة العالمية أو الكوكبية التي تنشد تطبيق مبادئها في أي مجتمع وتحت أي ظرف. ألم تكن تلك الفكرة في منأى عن ظروف الواقع العملي، والاختلاف بين الدول والمنظمات والمؤسسات والثقافات...؟ وهذا يحتاج لإيجاد حل لهذه الإشكالية في ضوء تطور العلوم التربوية والسلوكية.
|