* حاوره -ماجد بن عبدالله الزعاقي: بيّن الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن المحيميد - عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض - أن الإعلام بوسائله المتعددة يقوم بدور كبير في الوقت الحاضر في صياغة أفكار الناس وتشكيل أنماط سلوكهم، وهذه الصياغة في الواقع ليست كلها إيجابية، فقد تهدم بعض القنوات الإعلامية القيم والمناعة والحصانة النفسية عند الجمهور، وقد تبني وسيلة إعلامية أخرى القيم والأخلاق والمبادئ في نفوسهم. وأكد فضيلته أن التربية الإسلامية كل لا يتجزأ، بمعنى أنها تتولى تزكية النفس الإنسانية عموماً، فهي تربي في الإنسان عقيدته وإيمانه وعبادته وروحه وقلبه، وعقله وأخلاقه، ومعاملاته، ومهاراته، أي أنها تعده للحياة بشكل عام بشقيها الدنيوي والأخروي، وهذه الجوانب التربوية يقوي بعضها بعضاً.. ونترك قارئنا مع إجابات فضيلته الشيقة في الجزء الثاني من هذا الحوار: *** كل لا يتجزأ * كيف نوظف التربية الإسلامية في إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفوس الأبناء؟ - التربية الإسلامية كل لا يتجزأ، بمعنى أنها تتولى تزكية النفس الإنسانية عموماً، فهي تربي في الإنسان عقيدته وإيمانه وعبادته وروحه وقلبه، وعقله وأخلاقه، ومعاملاته، ومهاراته، أي أنها تعده للحياة بشكل عام بشقيقها الدنيوي والأخروي، وهذه الجوانب التربوية يقوي بعضها بعضاً، فقوة الإيمان مثلاً تثمر التقوى، والتقوى يتمخض عنها تعظيم أوامر الله ونواهيه، وأوامر الله ونواهيه تغطي كل جوانب الحياة؛ لأن الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة، ومن هذه الأوامر والنواهي، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون اهتمام الفرد بهذه الشعيرة نابعاً من تقواه وخشيته لله، وهي نتيجة تلقائية مباشرة لزيادة إيمانه، وهكذا. ويمكن توضيح ذلك بمثال آخر، وهو (وجوب الطاعة لله ولرسوله).. هذا المبدأ التربوي حينما ينجح في تحقيق هذا الهدف نكون قطعنا شوطاً كبيراً في التربية، ومجرد تحقيق هذا الهدف اختصر لنا كثيراً من الجهد؛ لأن هذا المبدأ حينما يرسخ في النفوس فإن تطبيقاته لا تنحصر في مجال معين، وإنما تتعدى إلى كل ما ورد فيه أمر أو نهي، فهو مجال لتطبيق هذا المبدأ، وحينما يرسخ هذا المبدأ في النفس تكون الخطوة التالية لذلك هي تزويد الفرد بالجانب المعرفي المتعلق بمعرفة هذه الشعيرة أو تلك، أو هذه المعاملة أو تلك، وهو الجانب المتعلق بمعرفة أحكامهما وأدلتها وأهميتها ومكانتها في الدين، وكيفية أدائها، وما إلى ذلك. الإعلام والأمر بالمعروف * استثمار القنوات الإعلامية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كيف ترون ذلك؟ - الإعلام بوسائله المتعددة يقوم بدور كبير في الوقت الحاضر في صياغة أفكار الناس وتشكيل أنماط سلوكهم، وهذه الصياغة في الواقع ليست كلها إيجابية، فقد تهدم بعض القنوات الإعلامية القيم والمناعة والحصانة النفسية عند الجمهور، وقد تبني وسيلة إعلامية أخرى القيم والأخلاق والمبادئ في نفوسهم، والواقع أن الهدم أسهل من البناء وأن الهدامين أكثر من البنائين، ومجال الإعلام في غاية الأهمية، ويجب ألا يترك للهدامين الذين لا يهمهم سوى الكسب المادي وجذب المشاهد وإثارته، ولو كان ذلك عن طريق تحريك الغرائز وإثارة الشهوات وعرض المفاتن، وقد وصل الإسفاف إلى مستوى هابط جداً في بعض القنوات الفضائية، وآتت ثمارها المُرّة للأسف الشديد، ويمكن ملاحظة تأثيراتها تلك في سلوك كثير من الناس صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً، وقبل سنوات سئل أحد العلماء عن التلفاز فقال إنه مثل الكأس يمكن أن يُملأ بالماء الزلال ويمكن أن يُملأ بالخمر، فيجب على الدعاة إلى الخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ومَنْ نذروا أنفسهم لتعليم الناس الخير ألا يتركوا هذا المجال الخطر لدعاة الهدم والتضليل ومَنْ يحبون إشاعة الفواحش والمنكرات، وأن يبادروا هم إلى ملء الفراغ بالنافع والمفيد، وتقديم البدائل، وأن يحاولوا قدر استطاعتهم توجيه الوسائل الإعلامية وجهة صالحة تبعدها عن أن تكون أداة هدم وتجعلها أداة تنوير وتربية وتعليم للخير وإصلاح للمجتمع. آثار تربوية * هل لكم أن تصفوا لنا بعض المعاني والآثار المتجسدة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفرد والمجتمع؟ - إن للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثارا تربوية في غاية الأهمية، وهي آثار واضحة لايجحدها إلا مكابر أو جاهل بها، ومن هذه الآثار اختفاء المنكرات وعدم ظهورها بشكل علني، وهذا يضفي على المجتمع صورة نقية، وهذه الصورة بدورها تؤثر في سلوك الناس وفي مدى ارتداعهم عن ارتكاب المنكرات، وعن المجاهرة بها، فالمجتمع الذي تشيع فيه المنكرات ويجاهر بها الناس يؤدي لأن يتجرأ على ارتكابها بقية أفراد المجتمع الصغار منهم والكبار، بل ربما تفاخر بعضهم بها، وهذا على عكس المجتمع الذي لا تظهر به المنكرات بشكل علني، ولا تشيع فيه الفاحشة، فإن مَنْ يحاول أن يرتكب المنكر فيه يكون في وضع شاذ مخالف للسائد في المجتمع، ويحاول قدر جهده التخفي والتكتم على ما يرتكب من محظور شرعي، فإذا كان المظهر العام للمجتمع يتسم بالصلاح فإن هذا يربي على الفضائل وعلى الصلاح، وعلى العكس كذلك فإذا كان المظهر يتسم بالتسيّب والمجون وإهمال الحدود الشرعية والقيم والأحكام والمعايير الشرعية فإنه يؤثر حتماً في تربية الأفراد تربية فاسدة.. فهل منظر المرأة مثلاً وهي متسترة لا يرى منها شيء له في النفوس تأثير المرأة المستهترة الكاسية العارية؟ ألا تتأثر نفوس الرجال والشباب بذلك سلباً أو إيجاباً؟ ألا تتأثر الصغيرات بلباس الكبيرات عن طريق التقليد؟ هل تطبيق الأحكام الشرعية من العقوبات وغيرها مثلاً لا يؤثر في نفوس أفراد المجتمع ويربيهم على طريق الردع والزجر؟ وهل تحكيم شريعة الله في المجتمع يتساوى في تأثيره في تربية الناس مع تحكيم قوانين البشر؟؟. إن ديننا الإسلامي حرص على نظافة المجتمع وعلى طهارته وعلى مظهره العام حتى يكون تأثير هذه النظافة صلاحاً للنفوس ونظافة لها من الرذائل، ولذلك شدد سبحانه وتعالى عقوبة المجاهرين بالمعاصي وتوعد عليها وشدد النكير على أولئك الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، حيث قال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. وأوجب سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يتحقق للمجتمع النقاء والصلاح وحتى لا تشيع الفاحشة في مجتمع المؤمنين. الشعور بالذنب * كيف نستثمر الشعور بالذنب لدى مرتكب المنكر لثنيه عن منكره وأمره بالمعروف؟ - المنكر ما سمي بهذا الاسم إلا لأن الفطرة تستنكره وتنفر منه، ولذلك ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) والمسلم حينما يقع في محذور أو منكر لابد أن يشعر بشيء من تأنيب الضمير والإحساس بالذنب، وقد يقوى هذا الشعور أو يضعف عند الفرد بحسب كثرة وقوعه في المعاصي واستمرائه لها او قلة ذلك منه، فإذا وقع في المحظور لأول مرة فإنه يتعاظم الأمر ويؤرقه الإثم، وقد يندم كثيراً على ذلك، وقد يحتقر نفسه ويستبد به الشعور بالذنب لفترة قد تطول وقد تقصر، وهذا طبعاً على عكس حال من استمرأ الوقوع في الآثام وأدمن عليها فهذا يتأثر قلبه بالمعاصي وقد يطبع على قلبه فلا يحس بالإثم وهذه نتيجة مباشرة للمعصية.. لكن هذا الإحساس بالذنب حينما يستبد بالنفس تكون النفس في أقرب حالاتها إلى الاستجابة، وإلى الاتعاظ والتوبة، ولذلك ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (الندم توبة) فينبغي في هذه الحالة تعميق هذا الإحساس وتقوية الشعور بالذنب عند مرتكب المنكر حتى يقوى شعوره بذلك فيكون دافعاً له للإقلاع عن المنكر وعدم العودة إليه مرة أخرى.. ويكون تعميق هذا الشعور بالتذكير بعظمة الله وعظم نعمه على عباده وشناعة مقابلة إحسانه تعالى بعصيانه وارتكاب محارمه وانتهاك حدوده مع التذكير بسعة رحمة الله وأنه يقبل توبة التائبين ويفرح بها جل وعلا ومطاردة شبح اليأس من رحمة الله حيث يقول سبحانه وتعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أسلوب متميز * هل لفضيلتكم بيان الأسلوب التربوي الناجح مع الطفل الذي يرتكب المنكرات بدعوى مخالفة المعتاد أو الرغبة في التميز؟ - هذا الطفل يريد أن يلفت الأنظار إليه، وهو بذلك يعبر بطريقة غير مباشرة عن معاناة يتعرض لها تتمثل في إهماله والغفلة عنه.. وقد يحدث هذا من الوالدين أو الأقارب بأن يهتموا بالصغير ويهملوا الأكبر منه، ويتألم الكبير نفسياً لهذا الإهمال، وقد لا ينتبه الأهل لمعاناته هذه فيستمر محاولاً لفت انتباههم إليه، وقد يفعل ما يثير انتباههم ولو كان بفعل سيئ، ولسان حاله يقول: (أنا هنا إني موجود لماذا لا يهتم بي أحد) والأسلوب الأمثل في هذه الحالة يتمثل في تصحيح الخطأ الذي ارتكب في حقه وإعطائه حقه من الاعتبار وإشعاره بأهميته، والثقة فيه، وتعزيز ثقته بنفسه، والرفع من معنويته، والتعاطف معه، بمعنى إشعاره بالود والحب والاهتمام حتى يسد ذلك الحاجة في نفسه نحو العاطفة ونحو الاهتمام والرعاية، وإذا وجد أنه مع ذلك لديه رغبة في التميّز عن الآخرين والبروز عليهم فهو شعور طبيعي، وهنا نحتاج إلى تشجيعه على السلوك المرغوب الذي يمكن أن يتميّز من خلاله ويوظف الثناء لدفعه في هذا المسار، كأن يمدح لديه السلوك الحسن، أي نوع منه كالمحافظة على الصلوات، أو الصدق والأمانة، او الانتظام في حلقة التحفيظ أو ما إلى ذلك، ويمدح لديه من يتصفون بذلك، ويورد عليه بعض القصص المناسبة لسنه ويكون فيها ثناء على أفعال من هذا القبيل ويمدح هو ويشجع عند أدنى بادرة منه للقيام بسلوك مرغوب، ويمكن أن يرغب مع ذلك بالحوافز المادية والهدايا والجوائز المناسبة لسنه وأخذه شيئاً فشيئاً ومعاملته بعيداً عن كثرة اللوم والتوبيخ والذم الذي يكون له أحياناً آثار نفسية ضارة من الشعور بالإحباط والمهانة.. وقد نكتفي في بعض الأحيان بإظهار الاستياء أو إبداء عدم الرضا على ملامح الوجه وهذا يكفي في كثير من الحالات ولاسيما والحديث هنا عن الأطفال.
* الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر |