المسجد الحرام أول بيت وضع للناس لقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}(96) سورة آل عمران.. تهفو إليه قلوب المسلمين ويأتون من كل فج عميق ضارعين خاشعين لله ملبين نداءه بالحج، وهو أول المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.. عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه) حديث صحيح ورد في مسند أحمد وفي الصحيحين وفي ابن ماجة عن جابر. تمت أول عمارة للمسجد الحرام بعد بناء إبراهيم عليه السلام على يد قبيلة قريش قبل الإسلام، وكان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقتها خمساً وثلاثين سنة، وفي عهد الخلفاء الراشدين تمت إزالة العديد من المنازل حول البيت واضيفت إلى مساحة الحرم، وبنى الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حائطاً حول الحرم.. وفي العصر الأموي، أجرى عبدالله بن الزبير توسعة كبيرة للحرم المكي، حيث بلغت مساحة المساجد 746496 متراً مربعاً، كما أضاف الوليد بن عبدالملك توسعة أخرى عام 91هـ، 709م. وفي العصر العباسي، قام الخليفة أبو جعفر المنصور عام 137هـ، 754م بشراء العديد من الدور حول المسجد وأضاف مساحتها إليه.. تضاعفت مساحة المسجد في هذه الزيادة، وأمر المنصور بزخرفة المسجد الحرام بالفسيفساء والذهب المنقوش الأخرى في عام 161هـ، 777م أمر الخليفة العباسي محمد المهدي بشراء البيوت الواقعة بين المسجد الحرام والمسعى وهدمها وإضافتها إلى مساحة المسجد.. وبلغ إجمالي التوسعة في عهد المهدي 120 ألف ذراع، وبلغ عدد الأبواب تسعة أبواب و38 منفذاً ، وأضاف ثلاث منائر جديدة. كما تم ترميم المسجد عام 271هـ 884م في عهد الخليفة العباسي المعتمد على الله، وضم الخليفة أبو العباس المعتضد بالله دار الندوة، وجعل مكانها مسجداً وأضاف منارة عرفت بمنارة باب زيادة، وأجريت عدة تحسينات أخرى. في العصر المملوكي، تعرض المسجد لأمطار غزيرة أدت إلى سقوط مئذنة باب الحازورة، واجتاح السيل مرة أخرى وادي إبراهيم وأجياد، فدخلت المياه إلى المسجد الحرام، فسقط عمودان من أعمدة المسجد بما عليهما، كما شب حريق في السنة نفسها أتى على الجانب الغربي من المسجد، فتم تجديد المسجد وعمارته تجديداً شاملاً خلال ذلك العصر. في العهد العثماني، أجرى السلطان سليمان عمارة للمسجد الحرام عام 927هـ، 1564هـ وأهدى المسجد منبراً رخامياً مطعماً بالمرمر، وأنشأ المدارس الأربع في الجهة الشمالية، في عهد السلطان سليم العثماني، بدأت عمارة أخرى للمسجد الحرام، وتمت في عهد خليفته السلطان مراد عام 984هـ، 1576م. بلغت مساحة المسجد الحرام في العمارة العثمانية الأخيرة 28003م، كما تمت عدة ترميمات وإصلاحات أخرى في نهاية العهد العثماني، كان آخره عمارة السطان محمود رشاد. تضاعف عدد الحجاج عاماً بعد عام فأمر الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1375هـ 1955م بتوسعة الحرمين الشريفين.. بدأ العمل في هذه التوسعة في شعبان 1375هـ، 1955م على مراحل ثلاث وأصبحت مساحة المسجد في نهايتها 151 ألف متر مربع وتتسع لحوالي 400 ألف مصل. وفي عام 1406هـ، 1986م، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتنفيذ أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام.. بدأت خطوات التنفيذ لهذه التوسعة في الثاني من رجب 1409هـ، 15 من فبراير 1989م تتضمن هذه التوسعة ربط التوسعات الجديدة بالتوسعات السابقة، فضلاً عن إعداد وتجهيز سطح المسجد ليسع 90 ألف مصل. تقوم التوسعة الجديدة بإضافة جزء جديد إلى المسجد من الناحية الغربية بين باب العمرة وباب الملك تبلغ مساحة التوسعة 76 ألف متر مربع وتتسع لحوالي 190 ألف مصل.. كما تهدف التوسعة إلي تحسين وتجهيز الساحات الخارجية للمسجد بمساحة إجمالية تبلغ 59 ألف متر مربع تستوعب 130 ألف مصل.. وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد الحرام بعد هذه التوسعة، شاملة سطح المسجد 361 ألف متر مربع، تستوعب نحو 730 ألف مصل خلال موسم الحج.. بلغت مساحة الطابق الأرضي 20 ألف متر مربع تستوعب 33 ألف مصل، والدور الأول 47 ألف متر مربع تستوعب 77 ألف مصل، ومساحة المسعى والمطاف 30 ألف متر مربع تستوعب 150 ألف مصل.. وأصبحت مساحة السطح بعد التحسين 42 ألف متر مربع تتسع ل 90 ألف مصل. تنتشر بمكة المساجد التاريخية، وأهمها مسجد الراية ومسجد الجن، ومسجد الإجابة، ومسجد أبي بكر الصديق، ومسجد بلال بن رباح، ومسجد حمزة بن عبدالمطلب، ومسجد الأميرة حصة، ومسجد جامع الملك بالمعابدة، ومسجد نمرة، ومسجد المشعر الحرام بمزدلفة، ومسجد الخيف، ومسجد الكبش، ومسجد البيعة، ومسجد الكوثر، ومسجد الجعرانة - الذي أحرم منه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة المكرمة - ومسجد التنعيم. الكعبة المشرفة: ارتبطت نهضة مكة عمرانياً بقيام الكعبة فيها، فلقد كان اهتمام العرب بالبيت الحرام وتعظيمهم له والحج إليه السبب الأساسي في قيام هذه المدينة وتقدمها، كما أن موقع الكعبة كان عاملاً قوياً في جذب اهتمام الناس إلى البيت الحرام نفسه.. وهي بناء مكعب الشكل مكسو بالحرير الأسود وموشى بخطوط الذهب والفضة ومزيّن بالآيات القرآنية، ويتم تغيير هذا الكساء سنوياً. تأسر قداسة الكعبة المشرفة الدينية والروحية منذ أمد بعيد مشاعر وقلوب المسلمين فإليها يتجه مئات الملايين من المسلمين في صلواتهم الخمس يومياً، وحولها يبدأ طوافهم للحج والعمرة، وبه تنتهي مشاعر الحج.. انظر الكعبة المشرفة. مقام إبراهيم: هو الحجر الذي أحضره إسماعيل لأبيه إبراهيم عندما ارتفع بناء الكعبة فوق قامته، فوقف عليه السلام على هذا الحجر ليكمل البناء وهذا يصحح المفهوم الخاطئ لبعض العامة من أن هذا الحجر فوق مقام إبراهيم أي مدفنه. بئر زمزم: البئر المقدسة.. وتقول الأخبار الإسلامية: إن من فجرها هو ملك السماء (جبريل عليه السلام) لينقذ هاجر وأبنها إسماعيل من الهلاك عطشاً.. يحرص الحجاج على الشرب من مائها, ويأخذون منه عند العودة إلى أوطانهم.. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم) رواه الطبراني بإسناد صحيح. وقد روى أحمد والبيهقي بإسناد صحيح عن جابر أن رسول الله قال: (ماء زمزم لما شرب له) وعن ابن عباس: (اشربوا من شراب الأبرار) يقصد ماء زمزم. من أسماء زمزم هزمه جبريل وسقيا الله إسماعيل، لا شرق ولا ندم، وهي بركة، وسيدة ونافعة، ومضمون، وعون، وبشرى، وصافية، وبرة، وعصمة، وسالمة، ومروية، وطعام طعم وشفاء سقم.. قيل: إنها سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يميناً ويساراً ولو تركت لساحت على الأرض، وقيل الزمزمة صوت تخرجه الخيول من خياشيمها عند شرب الماء. ظلت بئر زمزم موضع اهتمام ورعاية الخلفاء المسلمين على مر العصور وروعي في مشروعات التوسعة السعودية للبيت الحرام الحفاظ على هذه البئر حتى لا تتأثر بأعمال الحفر والتعمير.. يتم الآن توزيع ماء زمزم على الحجاج والزائرين عن طريق البئر الرئيسية التي تسمى الأم، وهي تضم وحدات رخامية مزودة بصنابير من الكروم وأحواض من الصلب غير القابل للصدأ. تم تخصيص 350 وحدة في قسم الرجال و 110 وحدات في قسم النساء فضلاً عن حافظات المياه المنتشرة في أروقة المسجد والمحيط الخارجي لصحن المسعى والمطاف، والتي يصل عددها إلى 10 آلاف وحدة.. كما تم وضع تصميم مميز لعمارة بئر زمزم جعل سقفها مساوياً للأرض، وزودت بمضخات وصنابير لضخ المياه إلى كامل أرجاء الحرم.. كما يتم تزويد الحرم النبوي بالمدينة المنورة بنحو 40 طناً من مياه زمزم يومياً. الحجر الأسود: حجر صقيل بيضي الشكل ولونه أسود ضارب إلى الحمرة.. يعتبر نقطة بداية الطواف في الأشواط السبعة، ويحرص المسلمون على تقبيله. أنظر الحج: الكعبة المشرفة. الصفا والمروة: الصفا جزء من جبل أبي قبيس، يقع في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام والمروة جزء من جبل قعيقعات يقع في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد، وضع العرب في الجاهلية وثناً على الصفا يسمي أساف وآخر على المروة يسمى نائلة، وكانوا إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين ولذلك تحرج المسلمون في بداية الأمر من السعي بينهما خوفاً من فعل الجاهلية، حتى نزل قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}(158) سورة البقرة. غار حراء: غار كان يعتكف فيه الرسول لمدة أيام أو أسابيع، ولا يعود لمكة إلا للتزود بالطعام، ثم يقفل عائداً إلى الغار.. كان يقضي فيه شهراً من كل سنة ثم ينصرف إلى الكعبة، فيطوف حولها سبعاً، ثم يعود إلى بيته يقع حراء في شمال شرقي مكة، نزلت بحراء على الرسول أولى آيات القرآن الكريم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم}من هذا الغار أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً.. يرتفع حراء عن وادي مكة حوالي 200م. غار ثور: أكبر من غار حراء وأبعد منه عن مكة، يقع في جنوبي مكة، نزل به الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ليلة الهجرة ليتواريا عن أعين قريش بعد أن قررت اقتفاء أثرهما وخصصت مكافأة عظيمة لمن يقتلهما.. من هذا الغار، سلك الرسول وصاحبه طريقاً غير مطروق في هجرتهما إلى المدينة. نزل قوله تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة. وهو صخرة مجوفة في قمة الجبل أشبه بسفينة صغيرة ظهرها إلى أعلى ولها فتحتان إحداهما في المقدمة والأخرى في المؤخرة.. شهد هذا الغار تأييد الله لرسوله في الصحيحين والترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: (نظرت إلى أقدام المشركين من الغار، وهم على رؤوسنا.. فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) متفق عليه. دار السيدة خديجة: تقع بزقاق الحجر سكنها الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وولدت بها جميع أولادها منه، وتوفيت بها، أقيمت مكانها دار لتحفيظ القرآن الكريم. دار الأرقم بن أبي الأرقم: تسمى دار الخيزران، وتقع بالقرب من الصفا.. أقام فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلاتهم سراً فراراً من أذى قريش أسلم بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنها خرج المسلمون للصلاة بالمسجد جهراً. قلعة أجياد: تقع في أعلى جبل أجياد، وهو موجود إلى الآن.. يتم ترميمها بين الحين والحين. قلعة جبل هندي: تقع في الجزء الشمالي من مكة على جبل هندي وهو جزء من جبل قعيقعان. مقبرة الحجون: تقع فوق جبل الحجون على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها إلى منى تحوي رفات الأجسام الطاهرة من المسلمين الأوائل.. روي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم المقبرة هذه) يعني مقبرة أهل مكة.. وهي تأتي في المنزلة الثانية بعد البقيع بالمدينة المنورة. المشاعر المقدسة: تضم منى ومزدلفة وعرفات، وهي مشاعر الحج، جبال مكة، يحيط بمكة من جهات ثلاث جبال ذات شعاب أغنت هذه الجبال على مر العصور عن بناء سور لحمايتها ويحتضن مكة وادي إبراهيم الذي ينحصر بين سلسلتي جبال متقاربة من جهات الشرق والغرب والجنوب.. فالسلسلة الشمالية تتألف من جبل الفلق وجبل قعيقعان، والسلسلة الجنوبية تتألف من جبل أبي جديدة غرباً ثم جبل كدى جنوباً، ثم جبل أبي قبيس في الجنوب الشرقي، ثم جبل خندمة. الاقتصاد أفاد موقع مكة الإستراتيجي بوصفها محطة للقوافل بين الشمال والجنوب، في إمساكها بزمام التجارة بين أطراف الجزيرة العربية وبين الطرفين المتنافسين الفرس والروم، كما أفادت مكة من الأسواق التي أقامتها للتجارة ولاتخاذها منتديات أدبية.. وتمتعت مكة بظروف اقتصادية جيدة من خلال مزاولتها للتجارة: الداخلية والخارجية، وتمكن أهلها من تحقيق ثروات هائلة من هذه التجارة، عوضتهم عن فقر البيئة التي تحيط بمكة.. كان تجار مكة محايدين مما ساعدهم على إنشاء علاقات حسنة مع جيرانهم الأحباش والمصريين مستفيدين من اقترابها من البحر الأحمر، حيث استخدموا سفنا تجارية تعمل لحسابهم استخدم أهل مكة في تجارتهم النقود المتداولة في تلك العصور وهي الدينار والدرهم وهما من العملات الفارسية والرومانية التي وصلت إلى بلاد الحجاز عن طريق الشام ومصر. وفي العصر الحاضر هناك رافدان رئيسيان يغذيات اقتصاد مكة هما المواسم الدينية وإنفاق الحكومة.المواسم الدينية (الحج والعمرة) تعد السلع والخدمات التي توفرها مدينة مكة لزوار بيت الله الحرام بمثابة صادرات غير منظورة. إنفاق حكومة المملكة: يتمثل في مليارات الريالات التي تخصصها المملكة العربية السعودية كميزانية سنوية للمدينة المقدسة، لتنفيذ المخططات التنموية لبناء المساكن وتشييد الطرق، فضلاً عن العناية بالأماكن المقدسة وما تتضمنه من توسعات وتجديدات وإصلاحات شاملة.
|