إن أوْلى ما بُذلت فيه النفوس، وأحقُّ ما صرفت له الأوقات، قراءة القرآن وتدبره والعمل به.. وأنت أيها الشاب قدمت إلى هذا المكان وجئت لمسابقة الأمير سلمان القرآنية لتدخل باب المنافسة مع زملائك في خير الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، إنه تنافس على تحسين وضبط النطق بكلام الله فما أعظمه من شرف، وأجله من عمل كيف لا والله - عز وجل - قد وعدك - ووعده الحق والصدق - وبشرك بالأجر التام المستوفي، الذي لا نقص فيه ولا غبن، وأفاض على قارئ القرآن بأن يزيده على ما يستحقه عمله ثواباً من فضله وكرمه. وتعلم أيها الشاب أن الله تعالى، سمى قراءتك للقرآن الكريم بأنها تجارة لن تبور فهي تجارة من أجلَّ التجارات وأعلاها وأفضلها، ألا وهي رضا الرب - جل جلاله - والفوز بجزيل ثوابه والنجاة من سخطه وعقابه تقرأ ذلك في سورة فاطر في قوله جل ذكره:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } (30)، كان مطرف بن عبد الله يقول عن هذه الآية أنها آية القراء. فاستشعر أيها الشاب هذه المعاني العظيمة والدروس المستفادة وأنت في هذا التنافس والتسابق العظيم متعك الله بما وهب وأعلاك أعلى الرتب. القرآن يدعو إلى الوسطية دعوة القرآن إلى سلوك الوسط والاعتدال ظاهرة في كل السور والآيات في باب الاعتقاد والعبادات والسلوك والأخلاق.. فإذا ما وقفت أيها الشاب على تلك الهدايات التي جاءت في القرآن فعض عليها واسلك سبيلها. ولا ريب أن الوسطية التي في القرآن تقوي في نفوس الناشئة جانب التدين الصحيح، وتبني عقولهم على الفهم السليم، وتحقق لهم الاعتدال في حياتهم، لأن هذا الدين هو دين الوسط، والأمة هي أمة الوسط، فقد ميزها الله بهذا الوصف في كتابه فقال سبحانه:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (143)سورة البقرة. والوسطية التي ينبغي أن يسلكها الناس وأخص منهم الشباب والناشئة هي ما جاءت في القرآن الكريم وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أوصى عليه الصلاة والسلام معاذاً وأبا موسى الأشعري حينما ذهبا إلى اليمن قال لهما:( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا) وهذه الوصية مخرجة في صحيح البخاري. يتلقى الناشئة هذه الوسطية التي هي وسط بين الإفراط والتفريط ووسط بين الغلو والجفا يسيرون عليها في حياتهم ويحققونها في أنفسهم ويعاملون بها غيرهم، فالزم أيها الشاب هذه الوسطية لأن الله شرفك بها ودعاك إليها، وإياك وأهل الغلو وأصحاب الأهواء الذين يسيرون في الحياة على غير هدى ويزين لهم سوء عملهم طرق الشر والردى. والله يحفظك ويرعاك. تعاهد القرآن حفظ القرآن منَّة عظمى ونعمة كبرى عليك تحتاج منك إلى رعاية وعناية لتبقى دائمة معك، وهذا لا يكون الا بكثرة التلاوة والقراءة وتعاهد القرآن يكون بضبطه وتفقده وتكرار قراءته حتى لا تنساه وقد تلقى في ذلك مشقة وتعبا فتحمل ذلك لتحصل على الأجر العظيم. ففي صحيح البخاري عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران). فالذي يداوم على تلاوة القرآن يذل له لسانه ويسهل عليه قراءته، أما إذا تركت التلاوة وهجرت القراءة ثقلت عليك وشقت عليك وتفلت منك القرآن بعد حفظه. وقد جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:( إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وأن أطلقها ذهبت) فشبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد، فما زال التعاهد موجوداً فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ. وفي الحديث المتفق عليه أيضا عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها) وفي رواية مسلم (لهو أشد تفلتاً).. فتنبه أيها الشاب الحافظ لكتاب الله، وواظب على تلاوة القرآن، وجاهد نفسك في مذاكرته، ومتى لم يتعاهد قارئ القرآن حفظه تفلت منه، ومن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد والمذاكرة يسره الله له ومصداق ذلك في قوله سبحانه:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} (32)سورة القمر، فحافظ على ما يسره الله لك وداوم على تلاوة القرآن يستنير قلبك وينشرح صدرك.. أعانك الله وسددك. منزلة أهل القرآن لأهل القرآن منزلة عظمى عند الله لأنهم يتلون كلامه - جل جلاله - وينقلونه لغيرهم ويسمعونه من حولهم ولهذا فإن الله قد رفعهم بهذا القرآن في الدنيا والآخرة، وجعلهم في خيرية خاصة، وعد بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري من حديث عثمان بن عفان.. فتذكر أيها الشاب التالي لكتاب الله أن الله قد رفع قدرك وأعلى منزلتك وشرفك بهذا القرآن الذي لا يمكن أن يدانيه أي شرف آخر. واليك هذه القصة التي أخرجها مسلم في صحيحه أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على هذا الوادي؟ قال: ابن ابذى. قال: ومن ابن ابزى؟ قال: مولى من موالينا. قال عمر: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). فلا جرم أن الله يشرف ويكرم أهل القرآن في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب الاعتناء به، والعلم به، والعمل به، ويحقر أقواماً ويصغرهم في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب تركهم له وجهلهم به وعدم العمل بأحكامه. فتذكر هذه الرفعة التي خصك الله بها فسوف تمتد معك وترافقك بعد مماتك في الآخرة - إن شاء الله - فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر أية تقرؤها) رواه ابو داود والترمذي والنسائي. هذه المنزلة وهذه الرفعة لأهل القرآن، لا تكون إلا لمن آمن به وعظمه وعمل به, وأخلص لله في تلاوته، وتدبر آياته واتبع اوامره). فلتكن هذه المعاني العظيمة حاضرة في ذهنك أيها الشباب وأنت تتنافس مع اخوانك وزملائك في حفظ القرآن في هذه المسابقة رفعك الله بهذا القرآن ونفعك بما فيه من العلم والبيان. أخلاق أهل القرآن حامل القرآن أولى الناس بالتخلق بأخلاق القرآن لانه وقف على تلك الآيات الكثيرة التي تأمر بالأخلاق وتؤكد عليها وتبين ثواب من اتصف بها. والقرآن الكريم يعرض لنا الأخلاق، ويحث على التحلي بها, ويتبع ذلك ببيان الثواب لمن اتصف بها، وقد جعل الله الأخلاق في القرآن منطلقةً من الايمان بالله، فهي ثمرة من ثمراته، فإذا قرأت أيها الشاب دعوة إلى خلق من الأخلاق في القرآن فانظر ماذا قبله وماذا بعده من السياق ليظهر لك السر العجيب الذي أودعه الله في تلك الآيات. وأزيد لك ذلك ايضاحاً فأقول ما من قضية من قضايا الأخلاق التي جاء الحث عليها في القرآن، الا وهي من مقتضيات الايمان واليك المثال: خلق الصدق: جاء في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة، وخلق الصبر جاء في مثل قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153)سورة البقرة، وخلق الوفاء جاء في مثل قوله تبارك اسمه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (1)سورة المائدة، فتأمل النداء بالإيمان قبل ذكر الاخلاق. وهكذا في كل الأخلاق التي جاءت في القرآن فإنه يعرضها على سبيل الترغيب والتشويق والحث عليها لتكون سجية وعادة لكل مسلم. وأنت أيها الشاب قد منَّ الله عليك، وجعلك من أهل القرآن، فتعرف على هذه الأخلاق وتعلمها حين تلاوتك للقرآن، فإن الله ما ذكرها في كتابه إلا أجل من أن يتحلى العباد بها وان يستجيبوا لها.. ولذلك جاء الحديث في القرآن عن الأخلاق ليحقق غاية سامية جليلة، هي أن يكون المسلم المتخلق بمكارم الأخلاق صالحاً في نفسه وفي مجتمعه، ليكون سليم القلب، حكيم المقال رشيد الفعال، لديه حصانة قوية تجعله يرفض الإثم، وينبذ الفساد، ولديه من نور القرآن، ما يجعله موطن الرحمة والإحسان في دنياه، لينال النعمة الباقية في أخراه. فالزم أيها الشاب أخلاق القرآن وطبقها في نفسك وعامل بها غيرك واذكر لك بعض الكتب التي تعينك على فهم تلك الأخلاق التي جاءت في القرآن منها: - أخلاق حملة القرآن لابي بكر الآجري. - التبيان في آداب حملة القرآن للنووي. - موسوعة أخلاق القرآن د. أحمد الشرباصي. - مكارم الأخلاق في القرآن الكريم يحيى المعلمي. وقد جمع الله مكارم الأخلاق في آية واحدة في سورة الأعراف هي قوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199)سورة الأعراف فهذه أجمع آية لمكارم الأخلاق كما نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله وغيره.
(*) عميد كلية أصول الدين بالرياض |