في مثل هذا اليوم من عام 1544 اعترف ملوك أوروبا بسيادة العثمانيين على أراضي المجر بعد نحو عشرين عاماً من الحروب منذ نجاح القوات العثمانية في فتح المجر وضمها إلى الدولة الإسلامية لتصل الدولة الإسلامية العثمانية إلى أقصى امتداد لها في أوروبا. وكان السلطان العثماني سليمان القانوني على رأس الدولة العثمانية في ذلك الوقت، حيث شهدت سنوات حكمه فتوحات كبيرة في أوروبا لتصل القوات العثمانية إلى أبواب فيينا حاضرة إمبراطورية النمسا أعظم إمبراطوريات أوروبا في ذلك الوقت. وقد بدأ العثمانيون في عصر سليمان فتوحاتهم في أوروبا بفتح أهم مدن البلقان وهي بلجراد، التي كان المجريون يتولون حمايتها، وكانت علاقة العثمانيين بالمجريين في هذا الوقت متوترة إذ كان سليمان قد أرسل إلى ملك المجر رسولاً يعلنه بتولي سليمان عرش العثمانيين، فقتل الملك المجري رسول سليمان ويدعى بهرام جاووش، فأعلن السلطان العثماني الحرب على المجر، وحاصرت القوات العثمانية بلجراد من البر ومن النهر وسلّمت بلجراد بعد شهر واحد من الحصار عام 1521 واتخذها العثمانيون قاعدة حربية تنطلق منها قواتهم في فتوحاتهم الأوروبية، وأثناء حرب بلجراد هذه استولى العثمانيون أيضاً على قلاع مهمة في منطقة بلجراد مثل صاباج وسلانكامن وزملين. وبعد خمس سنوات فقط من هذه الحرب التي أخذ فيها العثمانيون بلجراد أخذ ملك المجر لايوش يجمع القوى الأوروبية لقهر العثمانيين، فكتب ملك المجر إلى كل من الإمبراطور الألماني وإلى فرديناند الأرشيدوق النمسوي يطلب منهما التحالف معه لقهر العثمانيين، وفي ذلك الوقت كان سليمان يعد العدة للحرب ضد المجر. وفي عام 1526 تحرك الجيش العثماني في أكثر من ستين ألف جندي من استانبول حتى وصل إلى سهول المجر، وفي صحراء موهاج بالمجر دارت معركة ضخمة من المعارك الإسلامية المسيحية، دارت في يوم 29 أغسطس من نفس العام واستمرت ساعتين، وبخطة موفقة من العثمانيين هُزم الجيش المجري وكان من أرقى الجيوش الأوروبية ومشهور بفرسانه المدرعين، ولعبت المدفعية العثمانية المتقدمة تكنولوجياً دورها في هذا النصر السريع الخاطف الذي أحرزه الجيش العثماني بعد قطعه لمسافات طويلة، مات من الجنود المجريين الكثير، وفرّ أيضاً عدد كبير من ميدان المعركة، وكان من ضمن هؤلاء الذين فروا إلى المستنقعات ملك المجر القائد الأعلى للقوات المسيحية لايوش وهو نفسه الملقب بالملك لويس الثاني ملك بلاد المجر، وإن كان الملك المجري لم يلق حتفه على يد سيف عثماني، فقد لاقاه عند هربه إلى المستنقعات إذ قد مات غرقا فيها، ورفعت الرايات العثمانية فوق العاصمة المجرية بشت، ولم تكن قد صارت بعد باسمها المعروف الآن بودابست. وأصر السلطان سليمان القانوني على محاربة فرديناند، فحاصرت القوات العثمانية في سبتمبر 1529م مدينة فيينا عاصمة النمسا، واشترك في الحصار مائة وعشرون ألف جندي وثلاثمائة مدفع، وقبل الحصار خرج ملك النمسا من عاصمته وانسحب بعيدا عنها، وقامت معارك كبيرة أمام أسوار فيينا لكن الجيش العثماني لم يتمكن من فتحها، إذ جاء الشتاء وبدأت المواد الغذائية تنقص، وأثناء حصار فيينا أرسل العثمانيون قوات (المغيرين) وهي وحدات خاصة في الجيش العثماني، إلى داخل ألمانيا حيث شنوا الغارات وأخذوا الغنائم وأسروا الكثير وعادت القوات العثمانية جميعا دون التمكن من فتح فيينا. لكن فرديناند لم يسكت، فقد أقنع البابا بول الثالث بضرورة تكوين حملة صليبية قوية لكي تستريح أوروبا من العثمانيين بالتخلص منهم والقضاء عليهم. وتحركت هذه الحملة إلى بودين عام 1542، وحاصرتها حصاراً محكماً، لكنها فشلت في الاستيلاء عليها، ولما وصلت أخبار هذه الحملة إلى السلطان سليمان، تحرك مرة أخرى عام 1543 إلى أوروبا واستولى على أهم القلاع المجرية التي كانت في يد النمسويين وهما استركون، واستولني بلجراد. وبعد شهور لم يجد فرديناند مفرا من طلب عفو السلطان سليمان عن طريق السفراء، وسامحه سليمان بشرط أن تدفع النمسا سنويا مبلغ 30 ألف قطعة ذهبية عن أراضي المجر التي في يدها، والاعتراف بالسيادة العثمانية على باقي أجزاء المجر.
|