Saturday 30th April,200511902العددالسبت 21 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الطبية"

إضاءةإضاءة
فيروسات إداريَّة في مراكز طبيَّة
احمد الكبير

كان الدكتور سعيد طبيباً متميزاً جداً في تخصصه. وكان مرضاه يحبونه كثيراً ويأتون إليه بأعداد كبيرة من أماكن عديدة، ومنهم من كان يأتي من خارج المدينة، بل كان منهم من يأتي من دول أخرى .. كان حسن التعامل بشكل فريد، يستقبل مرضاه بابتسامة وسؤال دافئ ويودعهم بابتسامة ودعاء صادق.
كان ينصت إليهم ويتحمل مضايقات بعضهم ويستخدم ألطف الأساليب لتوجيههم .. كان الجميع يرونه عاشقاً لعمله مخلصاً في أدائه.
كان يعمل بكد وجد كبيرين، ليرضي مرضاه وليشعرهم بالارتياح قبل أن يغادروا عيادته مهما تعددت مطالبهم. وكان يحلم بأن يكون له في كل مدينة مركز طبي، ليتمكن من خدمة كلِّ مريض قد يحتاجه في كلِّ مكان، ولذلك لم يتردد في الموافقة عندما عرض عليه مستثمر كبير أن يدعمه للتوسع وزيادة عدد مراكزه الطبية.
بدأ توسيع نطاق خدماته في افتتاح مركز طبي ثانٍ في منطقة بعيدة عن مركزه الحالي، وبذل قصارى جهده ليظهر المركز الجديد بصورة حسنة، وبعد أشهر افتتح مركزاً ثالثاً في مدينة أخرى ثم مركزاً رابعاً. وعندما بدأ يشعر بأنّ حلمه الكبير أوشك أن يتحقق، بدأت مشاكل خطيرة تظهر في مراكزه .. مشاكل لم يكن يتوقعها ولم يعهدها على الإطلاق، بل لم تكن تخطر له على بال.
تمثلت هذه المشاكل في اهتزاز سمعة مراكزه الطبية بشكل كبير وبدأت تصل إليه شكاوى عديدة من المرضى وشكاوى من بعض العاملين، وشكاوى من جهات يتعامل معها لتأمين بعض المستلزمات لمراكزه.
أُصيب بدهشة كبيرة، كيف يحدث هذا وفي غضون أشهر قليلة، يكاد لا يصدق، لولا أنّ الشكاوى تقابله أينما اتجه .. انتظر أسبوعاً، أسبوعين لعل المشاكل تختفي لكن دون جدوى.
وبعد مرور شهرين بدأ يفكر في التفرغ لدراسة أهم المشاكل واحدة بعد أخرى .. فكر أولاً في زيادة مرتبات العاملين كحل سريع ليشعرهم بالراحة، لتقل شكاواهم وليقدموا خدمة أفضل للمرضى لتقل شكاواهم كذلك.
اتصل بمدير الحسابات ليخبره بزيادة مرتبات جميع العاملين 10% بدءاً من الشهر القادم، وكان يحدث نفسه بالمفعول السحري والعاجل الذي سيحدثه قراره هذا، ولم يكد يسترسل بحديث النفس هذا حتى صعقه مدير الحسابات بأنّ هذا أمر مستحيل، ولا يمكن تنفيذه إطلاقاً، لأنّهم بالكاد يمكنهم صرف جميع المرتبات الحالية في موعدها.
كانت صدمة كبيرة لم يتوقعها الدكتور سعيد، لذا فقد خرج من عيادته مهموماً لأول مرة في حياته، لم يدر إلى أين يتجه، لم يرغب أن يذهب إلى بيته، فأُسرته هي الأخرى زادت شكواها مؤخراً من عدم اهتمامه حيناً ومن تأخره في عياداته أحياناً كثيرة. فكر قليلا، ثم هداه تفكيره بأن يذهب إلى صديقه العزيز خالد رجل الأعمال.
طرق باب منزل صديقه خالد الذي فتح له الباب مرحباً ومستغرباً زيارته التاريخية في مثل هذا الوقت.
شكا له الحال بدءاً من نجاحه الكبير في عيادته الصغيرة قبل سنين قليلة مرورا بحلمه الكبير بخدمة مرضاه في كل مكان، ثم الدعم الذي حصل عليه من ذلك المستثمر الكبير، وانتهاءً بحاله الآن وهو يصارع شكاوى تحاصره من كل مكان، ويقاوم انهياره وضياع حلمه الذي كان في متناول يده.
سأله صديقه رجل الأعمال أسئلة كثيرة ودقيقة عن مراكزه الطبية وآلية عملها، احتاج الدكتور سعيد للكثير من الوقت ليجيب على الأسئلة العديدة هذه.
أطرق خالد مليّاً وقال يا صديقي العزيز سعيد لقد سألتك كل هذه الأسئلة رغبة في مساعدتك في تشخيص أسباب المشاكل التي تحيط بك، ويؤسفني جداً إخبارك بأنّ التشخيص الأولي يشير إلى وجود فيروسات إدارية قاتلة في مراكزك الطبية..
ذُهل الدكتور سعيد .. ولكن كيف؟ فيروسات قاتلة وفي مراكزي الطبية؟ ما هي هذه الفيروسات، وكيف ظهرت فجأة؟. أجابه خالد: أنت خير من يعلم يا دكتور سعيد، ان عدم اكتشاف الفيروس لا يعني عدم وجوده، وهذه الفيروسات لم تظهر فجأة بل كانت موجودة منذ فترة طويلة، وأصبحت الآن أكثر خطورة وقدرة على مهاجمة مراكزك الطبية وستقضي عليها خلال أشهر، ولا بد من البدء فوراً بإجراء مزيد من الفحوص الدقيقة لمراكزك لتحديد حالة وكيفية علاج كلٍّ منها، ويؤسفني إخبارك بأنّ أيّ تأخير سيؤدي إلى وفاة سريرية قريبا، ولن تجدي معها المسكنات ولا المضادات الحيوية.
سأله الدكتور سعيد مجدداً عن ماهية الفيروسات فأجابه خالد هذه الفيروسات هي:
- فيروس فقدان الهوية وهو يشبه في بعض أعراضه مرض الزهايمر.
- فيروس سوء الإدارة وهو يشبه بعض حالات تصلُّب الشرايين.
- فيروس غباء التسويق وهو يشبه حالات الربو الشديدة.
- فيروس نقص السيولة وهو يشبه النقص الحاد لمادة الهيموجلوبين.
.. ولا بد من عرض مراكزك على متخصص في كل واحد من هذه الفيروسات ليقوم بعدد من التحاليل الإضافية، وربما بعمل بعض الأشعة ثم يصف لك العلاج الناجع، وسيحتاج العلاج ل6 أشهر..
ما رأيك؟. قال الدكتور سعيد: لا يحتاج الأمر إلى سؤال، أسعفني بأسماء هؤلاء المختصين وساعدني بأن يبدؤوا عملهم بأسرع وقت.
بدأ المختصون عملهم، واستطاعوا بعد جهد كبير إنقاذ مراكز الدكتور سعيد الطبية من هذه الفيروسات الإدارية القاتلة، بل واستطاعوا بعد فترة مساعدته في الوصول بها لمستوى من النجاح فوق ما كان يحلم به الدكتور سعيد! .. ماذا عملوا بالتحديد وكيف حققوا هذا النجاح؟ ... هذا ما سنعرفه لاحقاً ودمتم بحفظ الله.

*) نائب الرئيس لتطوير الأعمال - شركة ديرما الطبية المحدودة

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved