الصداقة: كلمة مألوفة جدا.. عرفناها منذ القدم.. عندما كانت هذه الكلمة مصانة في عز وعفاف.. عندما كانت كلمة غالية.. باهظة الثمن.. لا يشتريها أي كان.. فالصديق.. هو من يسير معك على عتبات السلم خطوة خطوة.. حتى تصلا للقمة معاً.. الصديق هو من علمك الكلمات حرفا حرفا. حتى يصبح لسانك فصيحاً بليغاً. الصديق: ليست كلمة سهلة.. تطلقها على أي شخص تعرفت عليه.. ولا تهبها أي أحد.. مهما كان مقرباً أو عزيزاً.. ففي الصداقة.. قوانين ومبادئ ودروس.. لا يستهان بها أبداً.. الصداقة كتاب ثمين.. لا يقرأه إلا اشخاص أذكياء جداً.. قادرون على شرائه.. يعرفون متى يلينون ويحزمون.. يعرفون كيف يضحون وأين يتغاضون. كتاب الصداقة: كتاب فريد.. ليس كالكتب المدرسية أو الجامعية.. نطلب فيه من أساتذتنا التخطيط أو الاختصار.. فكلما حذفت سطراً منه.. يعني ذلك أنك تعطيني سبب العدم كفاءتك بعد لشراء هذا الكتاب.. ففيه أنت الاستاذ وأنت الطالب.. ويجب أن تعلم نفسك بنفسك. في الصداقة.. لا يوجد امتحان نهائي.. نرتعب عند دخوله.. ونحفظ الكلمات عن ظهر غيب لتجاوز الامتحان فقط.. وبعد الامتحان.. لا نذكر شيئاً.. ولكن الصداقة امتحان كل يوم.. وأحيانا كل ساعة. إما أن تنجح فيها.. أو أن تخفق.. وشخصيا لا أعتقد أن هناك أشخاصاً قد أخذوا العلامات النهائية في الاختبارات.. وإلا لذهبت أجول العالم بحثا عنهم. هناك أشخاص يخفقون تارة وينجحون تارة في صداقاتهم.. وهذا حسب علمي مسموح به في الكتاب.. لأنه لا يوجد أشخاص معصومون عن الخطأ.. ولا ممنوعون من الزلات.. ولكن إذا كثرت هذه الإخفاقات وأصبحت تقع في كل حفرة تقابلها بدلا من تجاوزها.. فأنت طالب كسول ولا تستحق شرف قراءة مثل هذا الكتاب. الصداقة لا تفرض عليك أشخاصاً معينين وتترك لك حرية الاختيار.. بل أنت لست ملزوما بها من الأساس.. فإذا لم تجد الصاحب الصادق.. الحنون.. المحب.. الذي يصفعك عندما تخطأ بدلا من الطبطبة فوق كتفك.. الذي لا يسكت عن أخطائك.. بل يصارحك بها.. بدلا من تركك تخوض في الخطأ وسط شماتة الأعداء.. الذي يصرخ في وجهك لأنه يحبك ويهتم لأمرك.. فأنتَ لم تجد الصديق الصحيح الكفء بعد.. الصداقة تدهورت حالتها هذه الأيام.. وأصبحت كحبات الرمال.. في كل مكان.. تباع أشعارها في الشوارع.. وكلماتها في الإعلانات.. بل استخدمها الكثيرون لنوايا وغايات خبيثة.. كالمصلحة.. أو استدراج الطرف الآخر.. حتى أصبحت رخيصة.. وبلا ثمن.. فما هي هذه الصداقة التي يتكلمون عنها اليوم في الإذاعة.. وأراها على بعض المحطات في شاشات التلفاز.. فقبل الاسم والعمر (ورقم الهاتف) في البطاقة الشخصية.. ترى العنوان (كن صديقي)!!.. هل هذه صداقة الألفية الجديدة..؟ فليتنا ما تطورنا يوما إذا كان ذلك على حساب أجمل وأنبل المشاعر الإنسانية في الحياة. مؤخراً.. احتجت كثيراً لكتاب الصداقة.. الذي قرأه الكثيرون وتعلموا منه.. ولكنني لم أجده لأنه قديم جداً.. وقد اختفى من كل المكتبات.. بحثت في كل مكان.. وتعبت جداً في البحث.. لا عن الكتاب.. بل عن ذلك القارئ الجيد.. الذي ختم هذا الكتاب.. فهناك من قال لي إنه عندما اختفى كتاب الصداقة.. اخذ معه كل محبيه وقرَّاءة.. ولم يبقَ لنا إلا بعض الجهلة والخافقين.. فعزائي ودعائي لك أيتها الصداقة.. ما هكذا أنتِ.. واللهِ.. ما حسبتك تحتضرين صامتة!!.. أعزائي: لم يفت الأوان بعد.. ما زالوا حاملين كفنها.. متوجهين نحو المقبرة.. استعداداً للدفن فلنركض متأسفين.. ونبكي نادمين.. فها هي الصداقة.. تعطينا الفرصة الأخيرة.. لنكفر عما فعلناه بها.. طوال هذه السنين.
|