Friday 22nd April,200511894العددالجمعة 13 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

آباء يظلمون أبناءهمآباء يظلمون أبناءهم
ناصر محمد فهد العتيق /أرامكو السعودية - الرياض

لم يكن فيما مضى من أزمان قد شاع وانتشر عدم العدل بين الأبناء من قبل الآباء كما هو الحال اليوم، فلقد فشا هذا المرض الاجتماعي في هذا العصر فشواً مريعاً، وأصبح يهدد العلاقات الأسرية بمزيد من التفكك والانحلال.ففي هذا العصر بعض الآباء لم يجعل العدل بين أبنائه طريقاً له في التربية والتعامل والعطاء. بل هو يميل كل الميل مع أبناء إحدى زوجاته، دون النظر فيما جاء في كتاب الله الكريم وفي السنة المطهرة. قال تعالى: {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}المائدة آية 8). وقال رسول الله ژ: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) (متفق عليه) أي لا تظلموا أحداً لا أنفسكم ولا غيركم، فروى النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به إلى رسول الله ژ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً (أي وهبته عبداً كان عندي). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكل ولدك نحلته مثل هذا؟) فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأرجعه).
وفي رواية: فقال رسول الله ژ: (يا بشير ألك ولد سوى هذا؟) قال: نعم، قال: (أكلهم وهبت له مثل هذا؟) قال: لا، قال: (فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور).
وفي رواية: (لا تشهدني على جور).
وفي رواية: (اشهد هذا غيري) ثم قال: (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟) قال: بلى، قال: (فلا إذاً). متفق عليه.يقول الشيخ محمد المنجد معلقاً على هذا الحديث الشريف: (هذا الحديث يدل على أمر مهم من العدل الذي أمر الله به فقال إن الله يأمر بالعدل ألا وهو العدل بين الأولاد).
وكما أن الله قد أوصى الأبناء ببرّ الآباء وجعل حقهم عظيماً عليهم وقرنه بحقه وتوحيده سبحانه فقال: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} سورة النساء (36) فكذلك جعل على الآباء حقوقاً للأبناء مثل التربية والنفقة والعدل بينهم.
وفي حديث النعمان رضي الله عنه إشارة إلى العدل بين الأولاد في النحلة وهو التسوية بينهم لأن في التسوية بينهم تأليف القلوب والتفضيل يورث الوحشة بينهم.. ولأن عدم العدل يفضي إلى العقوق فيقول: أبي ظلمني وفضل أخي عليَّ ونحو ذلك فيتسلل إلى نفسه شيء من الكراهية لأبيه ومن الناحية الأخرى يزرع الشيطان بذور الشحناء بينه وبين أخيه الآخر الذي أعطي أكثر منه وقد جاءت الشريعة بسد كل طريق يوصل إلى الحقد والشحناء والعداوة والبغضاء بين المسلمين عموماً فكيف بالأخ تجاه أخيه).
وقد أكد العلماء وجوب العدل بين الأبناء في كل شيء كالرعاية والاهتمام والمحبة والهبة والعطاء بل ذهب العلماء إلى وجوب العدل حتى في القبلات، قال الدميري رحمه الله: لا خلاف أن التسوية بين الأبناء مطلوبة حتى في التقبيل، وكان بعض السلف يحرص على التسوية بين أولاده حتى في القبلات.ولا شك أن تفضيل أحد الأبناء على باقي إخوته بعطاء أو مال أو رعاية أو اهتمام فيه ظلم كبير، وهي عادة ذميمة جاهلية ينكرها الإسلام ويرفضها، فضلاً عن أن هذا الميل يوغر صدور باقي الأبناء تجاه من فضله أو فضلهم والدهم على باقي إخوانهم، بل يوغر صدورهم على والدهم. قال صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضَّلت النساء).
فإن لم يكن هناك سبب يؤدي إلى تمييز أحد الأبناء عن باقي إخوته كفقر أو حاجة أو مرض أو عاهة فإنه يحرم تمييزه بعطاء أو هبة أو اهتمام أو رعاية من بين إخوته.
وقد نص الإمام أحمد -رحمه الله- أنه يعفى في الهبة عن الشيء التافه. وجاء في الإنصاف للمرداوي إن أعطى الأب لمعنى فيه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم ونحوه، أو منع بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص.
ولعدم العدل بين الأبناء آثار سلبية كثيرة منها: كراهية من ظلم لوالده، وإثارة البغضاء بين الأخوة، وتعرضهم للانحراف والضياع والتشتت، وأن يشعروا بمشاعر القهر والآلام النفسية التي تدمرهم وتقضي عليهم وعلى مستقبلهم سواء الدراسي أو غيره، وربما أدمنوا المخدرات ووقعوا في الجريمة وصاروا من أرباب السوابق والسجون.إن الناظر في أحوال مجتمعنا اليوم يؤلمه أشد الإيلام أن يرى بيوتاً تتمزق وأرحاماً تتقطع بسبب تفشي هذا الداء الخبيث الذي نهى الله عنه ورسوله.وقد شدد إمام الحرم الشيخ علي الحذيفي في إحدى خطبه على حرمة عدم العدل بين الأبناء، فقال مذكراً كل أب لا يعدل بين أبنائه، مبيناً أثر ذلك على العلاقات بين الأخوة: (فهذا الذي سيغادر الدنيا كيف سيلقى الله عزَّ وجل؟ يلقاه وقد ظلم أولاده، وقد فضَّل بعضهم على بعض، وقد حابى بعضهم على حساب بعض؟!! إن هذا يزيد البعيد بعداً، قد يقول قائل: إن هذا الابن لا يَبرُّني، إن هذا التصرُّف من قبل الأب يزيد الابن البعيد بعداً، وتنشأ عداواتٌ بين الأخوة بعد الوفاة لا يعلمها إلا الله. لذلك الأولى أن تبقى على السُنَّة، السنة منهج، طريق مستقيم، فالإنسان مهما اجتهد، وفكر، وتأمل، ليس أعظم فهماً من خالقه ومربيه الذي شرع له هذا الدين).واعلم أيها الأب أن الله تعالى أعلم بمصالح العباد والبلاد، وبما ينفعهم ويضرهم، فما أمرنا إلا لخير وما نهانا إلا عن شر، واعلم أن الإسلام لم يشرع شيئاً إلا وفيه مصلحة للمسلم وإن خفيت عليه، وأنه يجب على المسلم أن يقف عند الأوامر والنواهي الشرعية متعبداً في ذلك، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.}سورة الحشر (7). وإن طاعة النفس فيما تشتهي إنما يحكمه الحلال والحرام فإن اشتهت النفس أمراً مباحاً فلا حرج في ذلك، ولكن النفس قد تأمر بالسوء، قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة يوسف (53). فلا طاعة للنفس وميل القلب فيما حرم الله.فيا أيها الأب المفرط لا يزين لك الشيطان سوء عملك، قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا.}سورة فاطر (8). وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، واحذر الإصرار على هذا الذنب، واغتنم ساعات عمرك، وانظر للعاقبة وتأمل قبل أن يبغتك الموت.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved