إن الثقافة هي وسيلة الشعوب لتبادل الخبرات المكتسبة والموروثة في جميع مجالات الحياة. والثقافة العصرية هي مزيج من الفكر الإنساني على مدى الأزمان، وإن كنا ننشد التطور الحضاري فلا بد أن نمتص منها ما يتوافق مع هويتنا ومفاهيمنا الموروثة ذات المعايير الشرعية، ونتقبل الجديد الذي نستطيع أن نميزه بعقولنا.. وتمر الثقافة التراثية والعربية بأزمة تكمن في تساؤل مستمر عما إذا كانت الحركة الثقافية المعاصرة هي غزواً ثقافياً أم لا؟ إن هذا المسمى (غزو ثقافي) هو أسلوب الخائفين من الارتقاء الفكري الذي يرفل بالمنجزات العصرية لأنهم عاجزون عن التجديد.. فقبول التجديد ليس معناه إلغاء القديم بل معناه الإضافة البناءة لحضارة الأمة.. أما مسألة التغيير فإن الثقافات الإسلامية والعربية لا يمكن تغييرها لأنها تمتلك مناعة تجعلنا ندخل في أي حوار دون خوف، أما النظرة المنغلقة للآخر هي نتيجة فقدان القناعة وانعدام الثقة بالثقافة الموروثة. وإن للحوار الثقافي دوراً إيجابياً في التغلب على التعصب والعنف لأنه يفتح الفكر المنغلق عند البعض تجاه الأفكار الجديدة التي تقبل النقاش والحوار، فتلوح أمامنا آفاق التسامح والتنوع نظراً لتأثير الثقافة على نواحي الحياة المختلفة، ولكن المهم أن تلتقي الأفكار وتتبلور المواقف حول الهدف الأسمى للخير والتقدم والرقي.. فالحوار الثقافي ضرورة لا بد منه لمعالجة التوترات الفكرية والاجتماعية والسياسية.. فالمجتمع بحاجة إلى ثقافة إنسانية تشع منها شمس الحوار المرن والتسامح والاستيعاب لفكر الآخر.. وهذا يتجلى في التراث الثقافي الإسلامي.. والإدراك الحقيقي لهذه الثقافة الإنسانية يتمثل في أن يجعلها المجتمع جزءاً من تراثهم فيأخذوا منه ويضيفوا إليه ضمن إطار خصوصيتهم الدينية.. وفي هذا يبرز الدور المهم للمثقف المسلم في التجديد والمعاصرة بأن يضيف إلى المرجعيات وليس الاستنساخ والتبعية لأي ثقافة حديثة أياً كان مصدرها. لأن معول التجديد هو تطوير للأصالة وارتقاء فكري للأمة مع احتفاظها بمرجعيتها الثقافية دون مسخ لهويتها.. وقد حث الإسلام على طلب العلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة). فدعونا نضع جسراً من التواصل بين القيم الإسلامية وثقافتها وبين التجربة الإنسانية ومزيجها الفكري عبر العصور.
|